ان كان القدر هو الذي جعل ولاية الخرطوم مكشوفة الحال عارية تماما امام نكباتها وكوارثها فان ولايات السودان ايضا ليست هي باقل بؤسا وخرابا وسقوطا فالفشل في مداراة الازمة او تخفيف حدتها اصبح مركبا ومعقدا يمشي علي رجلين لا يجد من يردعه .. حكومات ولائية تتخبط تنشغل كثيرا بذاتها وتنتهك حرمة وحقوق مواطنيها. ولكن من النعم التي انعم الله بها علي اهل الخرطوم وحكامها انها مستاثرة بكل الة الاعلام والفضائيات وهالة السلطة الامر الذي جعلها علي قمة السطح السياسي والاعلامي فارتسمت ملامح الازمة التي افرزتها السيول والامطار بكل مكوناتها وتفاصيلها الموجعة والمتجزرة في فكر الدولة الذي يتعامل مع مثل هذه النكبات القدرية . ولكن "الخرطوم تسقط" والازمة تتجلي وتتوهج وتتجزر في المنهج والكيفية التي تدير بها الحكومة ازماتها فتتناسل ازمات اخري من بين الازمات الكبري وقد تستقوي هذه الازمات المتناسلة علي المعالجة والحلول وهنا تنشغل الحكومة بكل اعلامها وسلطانها بازمة فرعية وتهمل الازمة الام . علي المستوي العملي يعتقد البعض ان الحكومة ليست لديها رؤية او الية او خطة طواري للتعامل مع مثل هذه الازمات بل ان عملية توزيع الدعم والاغاثات للمنكوبين تظل دائما محل شك وريبة فتطالها سهام النقد والاتهامات وتصبح البئة ملائمة لنشاط الطفيليين فتتسرب اغاثة هؤلاء المنكوبين الي الاسواق وربما تدخل مخازن "خاصة" . الايام الفائتة تحدثت بعض التسريبات الاعلامية عن تنازعات وربما احتكاكات بين عدد من الجهات الرسمية حول سلطة الاختصاص في استلام الاغاثة فالكل كان يري احقيته في "الاختصاص" لاستلام وتوزيع الاغاثات الدولية علي المنكوبين عبر مطار الخرطوم . فان كان هذا هو شان ولاية الخرطوم فولايات السودان الاخري التي اجتاحتها السيول والامطار تكفكف دموعها واحزانها ومعاناتها لوحدها بعيدا عن الاضواء الكاشفة ذلك لان الدولة في منهاجها القومي في ادارة الازمات تتناسي ربما عمدا الازمات المماثلة بالولايات وتحصر جهودها في حدود "الخرطوم" مما يعني خللا واضحا في المعايير القومية في فهم الحكومة او تعاطيها مع الكوارث. صحيح ان هناك الية قومية اقرتها الحكومة للتعاطي مع السيول والامطار ولكن كما يبدو ان هذه الالية حصرت وجودها وعطائها في المركز فكم من القري البريئة غمرتها المياه في نهر النيل والنيل الابيض والشمالية والقضارف والنيل الازرق اما في الجزيرة فالازمة كبيرة وخطيرة وتحديدا في القرية 38 بمحلية ام القري فهناك اكثر من من 6 الف نسمة تم تهجيرهم تماما فهم الان في العراء واقصي ماقدمته حكومة الولاية لهؤلاء المنكوبين 450 خيمة فقط اما في المناقل فلا شي ينتظره المواطنين سوي الفرج من الله اكثر من 8 قري بالمناقل تحولت الي مستنقعات كبيرة بلا ادي اغاثة او خدمات او حتي مسوؤل يتلطف عليهم بعبارة "الله يجبر كسركم" ولهذا لا يبدو ان الاستجابة بذات القدر والمستوي من الاهتمام الذي وجدته ولاية الخرطوم رغم قناعتنا بان الخرطوم ولاية مترهلة متمددة الاطراف "عريضة المنكبين" ولكن في المقابل فان المسوؤلية القومية توجب علي الحكومة اعمال مبدا "المساواة في الظلم عدالة " نحن في حاجة الي تجاوز منهج المعالجات الفطيرة قصيرة الرؤية والمدي والفهم الاستراتيجي وعلي الحكومة ايضا الا تدخل في أي تعاقدات لمشروعات او انشاءات هشة تسقط في اول امتحان عملي وحتي لا نتفاجأ كل عام بان سيول (هذا العام) خارج التوقعات فالتبدا الخرطوم والولايات الاخري منذ الان لمجابهة كوارث العام القادم فان كانت الحكومة تقر بعقلها الباطن بان خبرتها وكفاءتها كسيحة ومكسورة الجناح وغير قادرة لبناء مشروعات عملاقة فلماذا لا تتعاقد مع شركات عالمية كبري ذات خبرة ودراية في بناء ورصف الطرق واقامة الجسور الواقية ؟ [email protected]