الهند مستعمرة بريطانية نالت استقلالها في العام 1947 أي قبل ان ينال السودان استقلاله بتسع سنوات... عند استقلالها كانت الهند تعاني من فقر شديد و تدني كبير في مستوى دخل الفرد فيها... و لم يكن اقتصادها قويا ... وكان المزارع يستخدم وسائل زراعية متخلفة وقديمة و أنظمة ري عقيمة و غير فاعلة .. وكانت مصانعها بدائية جدا و كان التعليم فيها محصورا و سط الطبقات العليا فقط لذلك وصلت الأمية فيها الى نسبة عالية جدا.... وكان المجتمع يعاني من أمراض اجتماعية معقدة وعوائق كثيرة ... في الجانب الآخر كان السودان الذي سبقته الهند بتسع سنوات من الإستقلال يتمتع بقاعدة اقتصادية متينة و بنية تحتية واعدة في ذلك الوقت وكان الجنيه السوداني يعادل ما يقارب 3 دولارات اميركية... وكانت شوارع عاصمته تغسل بالماء و الصابون.... وكانت التلفونات العامة التي تعمل بالعملة النقدية متوفرة في معظم شوارع العاصمة .. وكانت حكومتنا تدعم الخزينة العامة للمملكة العربية السعودية بالكثير من الأموال .. وكان الوضع الإقتصادي مغريا فجذب عدد كبير من الشعوب للإغتراب و العمل فيه.. فوفد اليه المصريين و عملوا في مجال التدريس ،، واليمنيون و عملوا في مجال تجارة القطاعي فكانت معظم بقالات السودان تكتظ بالعمالة الوافدة من اليمن ... حتى البريطانيين جاءوا ليعملو في تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس.... في ذلك الوقت كان المواطن السوداني في الموقع الذي يجعلة يسخر من الهندي في كل أمر يعتقد أن هنالك من يريد ان يستغفله او يخدعه فيقول قولته المشهورة (انت قايلني انا هندي).... بالأمس القريب أطلقت الهند صاروخا بالستيا في تجربة ناجحة جدا جعلتها واحدة من ست دول في العالم (امريكا، روسيا ، بريطانيا و الصين و فرنسا) تمتلك صواريخ بالستية عابرة للقارات و قادرة على حمل رؤؤس نووية.. كما استطاعت الهند ان تدخل نادي الدول المصنعة للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة من أضيق الأبواب عندما اطلقت الهند أول حاملة طائرات (آي. ان. اس فيكرانت) مصنوعة محليا لتسجل اسمها مع مجموعة الدول (الولاياتالمتحدةالامريكية، روسيا ، بريطانيا و فرنسا) القادرة على صنع مثل هذه السفن البالغة التعقيد و التكلفة .... كما اعلنت ان اول غواصة نووية مصنعة محليا اصبحت جاهزة لمرحلة التجارب .. والمعروف أن الهند تصنع كل شيء من الإبرة وخيطها الى الطائرة ومحركاتها و الصاروخ وروؤسه النووية... كما انها تزرع كل شيء البقوليات ، الحبوب، الخضروات والفواكهة و تنتج اللحوم والألبان ومنتجاتها و لبن الطير واللبان الضكر والصندلية والمحلبية الخ ... و لا تستورد الأغذية لشعب بلغ تعداده اكثر من المليار بل هي التي تصدر الأغذية ومنتجات الحبوب و منتجات الألبان و الحيوان لجميع دول الخليج وما جاورها... وبما انها تعتبر من أكبر خمس اقتصاديات في العالم فإن رصيدها من إحتياطي النقد الأجنبي يضعها في المرتبة الأولى عالميا... والأهم من كل ما ذكر أن الشعب الهندي ينعم بديمقراطية ويستمنستر المعدلة قبل منتصف القرن العشرين بقليل و ظل متمسكا بها بوصفها امثل نظام للحكم.. صحيح ان الهند قد سبقتنا الى الإستقلال بتسع سنوات ولكن... في مجال الإنجاز هي تسبقنا فعليا بتسع الالاف سنة ضوئية ... اذن ليس هنالك ما يدعو الفرد السوداني ان يزهو على الآخر بتحقيره للهندي و ادعائه لمجد وعز ولى زمانه بينما حاضره يفر منه المرء كما يفر الصحيح من الأجرب.. الصحيح هو أنه يحق للهندي ان يتندر على الآخرين بمجرد ان يشعر أن هنالك من يريد ان يستخف به فيمكنه ان يقول " انت قايلني انا سوداني" (تو كيا سوشريهيهو مى سوداني هيه) ... ولكن معرفتي بالشخصية الهندية أنها تتحاشا الإستعلاء مهما بلغت من المعرفة والعلم والعز والمجد...فهي شخصية متواضعة جدا و قانعة وقد قيل (ان القناعة كنز لا يفنى)... اتمنى ان يرى الفرد السوداني نفسه في مرآة العالم ويتبين عيوبه ثم ينظر من حوله ليرى اين هو و أين الآخرين... فقط عندما ندرك حقيقتنا يمكن ان نتغير فقد قال الله سبحانه و تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم" و من ثم نستطيع أن نعيد تاريخنا المجيد الى حاضر زاخر و مستقبل مشرق بدلا من البكاء على الإطلال دون فائدة.... [email protected]