لم يتبقَ سوى بضعة أيام لموعد إستفتاء تقرير مصير شعب منطقة أبيي دون رؤية مشتركة واضحة للأطراف المعنية (جنوب السودان و السودان و الإتحاد الإفريقي)، ولكن أهل المنطقة عازمون على قيام هذا الإستفتاء في موعده الذي هو شهر أكتوبر القريب القادم. قضية أبيي ليست من القضايا المعقدة، وإنما هي من أسهل القضايا بين دولتي جنوب السودان و السودان ، وتعتبر أبيي المنطقة الوحيدة التي تم الإتفاق على حدودها بعد ترسيمها من قبل محكمة التحكيم الدائمة بمدينة لاهاي بمملكة هولندا منذ العام 2009م، كما أن برتوكول أبيي يحتوي علي نصوص ذات معاني بليغة وواضحة تشير إلى أن أبيي هي منطقة عشائر الدينكا نقوك التسعة، كذلك جاء مقترح إمبيكي على ذات السبيل مشيراً إلى أن هذه العشائر التسعة هي التي لها الحق في التصويت والإقتراع لتقرير المصير، أما العرب البدو والرعاة الرحل فلا محل لهم من الإعراب في الإستفتاء سوى السماح لهم بما سُميتْ بحقوقهم الثانوية، أي بالقدوم للرعي طلباً للماء والكلأ، وبالرغم من هذا الوضوح فإن الخرطوم ظلت ترفض خلال الأشهر الماضية قيام الإستفتاء علي هذا السبيل، وفوق هذا وذاك لم تكتف بالوقوف في حدود رفضها بتلك الحلول الجذرية التي جاءت بها آلية الإتحاد الإفريقي، بل خرجت عن تلك الحدود و ذهبت إلى أكثر منها بقيامها بإستفزازات عدة في المنطقة (أبيي) طوال الفترة السابقة أسفرت عن إغتيال عُملائها من مليشات المرحلين لسلطان (كوال أدول) في الرابع من شهر مايو الماضي، وقبل ذلك كانت تلك المليشات تقوم بعمليات سلب و نهب للثروات الحيوانية من مواطنين عُزل، والذين ظلوا لا حول لهم ولا قوة إلا بعون الله، وبالرغم من وجود القوات الإثيوبية التابعة للأمم المتحدة بالمنطقة، إلا أنها لم تنجح في حفظ الأمن و إستتبابه منذ أن جاءت إلى أبيي وحتى يومنا هذا. لقد إستطاع الخبير الإفريقي و حكيم حكماء إفريقيا "ثامبو إمبيكي" الإتيان بحلول عادلة و شاملة لقضية أبيي، ولكنه حتي الآن لم يخطُ خطوة موفقة لتطبيق حلوله على أرض الواقع، لأنه لم يستطع الضغط على الخرطوم، كما أنه لم يظهر موقفاً قوياً أمام الإتجاد الإفريقي والخرطوم ، فأين الخبرة والحكمة؟ وأين موقف الإتحاد الإفريقي في هذه الحالة؟ إذا لم يقم الرؤساء الأفارقة بإتخاذ موقف سافر وجرئ لتنفيذ هذا المقترح في موعده فإن ذلك سيكون وصمة عار على جبينهم في تاريخهم ،وكذلك سيكون قصوراً وعملاً معيباً يخجلون به في المحافل الإقليمية والدولية. كنا نأمل ونتوقع أن تخرج القمة الأخيرة بالخرطوم بنتائج أفضل ومثمرة ، إلا أنها ركزت على إستمرار تصدير البترول و تقوية و تعزيز العلاقات التعاونية بين البلدين، ولرفض الخرطوم وإصرارنا على قيام الإستفتاء في وقته تم تشكيل لجنة عليا في الأيام الماضية للإشراف على الإستفتاء برئاسة الأستاذ "دينق ألور كوال"، وقد شُكل فريق من القانونيين والسياسيين والدبلوماسيين لبذل جهود دبلوماسية عن طريق الإتصالات و الحوارات مع المنظمات الدولية كالإتحاد الإفريقي والأوربي والدول العظمى مثل الولاياتالأمريكية، بريطانيا، فرانسا، روسيا والصين، وذلك من أجل إقناعها بقبول و تأييد قيام الإستفتاء في أكتوبر، وفي تقديري، إن ألور قد يحرز تقدما وإنجازا لهذه المهمة رغم وجود تحديات و ضيق الوقت. بجانب الجهود التي يبذلها ألور كوال مع رفقائه ،هنالك دورٌ كبيٌر يؤديه الإخوة باللجنة الإشرافية و بمنظمة المجتمع المدني بالعاصمة القومية من تنوير توجيه، وهم الآن بالميدان لترحيل المواطنين بالعاصمة والولايات إلى المنطقة لتجهيز قافلة العزة لرحلة الحرية التي ستتحرك في أكتوبر وستتجه إلى أرض الميعاد (جمهورية جنوب السودان)، كذلك العمل والنضال المهم الذي ظل تقوم به اللجان القومية للشباب والقوى الوطنية السياسية والإجتماعية من توحيد الصف وتبصير الشعب بأموره وقضاياه ،وقد أرسلت هذه القوى القومية عبر مسيراتها رسالة وطنية قوية وبليغة للأسرة الإقليمية و الدولية تقول لها إن الأوان قد آن لتنفيذ ما قلتموها من كلمة (حلول الآلية الإفريقية) والتي نعتبرها ترياقا شافيا لقضيتنا. أخيراً، نسأل الله التوفيق من أجل قيام الإستفتاء في توقيته، ليرفع شعبنا المعاناة عن نفسه، و ليتحرر من الظلم ومن قيوده وأطواقه وأغلاله. بقلم/ بار منم بار مونقكواج [email protected]