يجب ن تكون هذه الكلمات مهمة جدا للشعب ألسوداني لتصغى جميع الاذان , كي تنجح الثورة المباركة هذه المرة يجب أن نقوم بمجموعة من الاشياء أولها وأهمها : تفعيل مسلخ الذات , وأعني بذلك باننا لن نستطيع التخلص من طغاتنا ان لم نطغى اولا على طواغيتنا الداخلية والتي تتمثل ..في الجهوية والقبلية ..والخوف غير المبرر من الآخر شريك الوطن والحياة..يجب أن يعي شعبنا أن عماد هذه الثورة هو التوحد في أزهى أشكاله بالغاء نزوات الأنا القبيلية والاثنية والانحياز الى خيار السودان الامة والذي تشكل تاريخيا من كل المكونات الموجودة على التراب السوداني. هذه النقطة مهمة جدا لان النظام سيحاول بتكتيكاته الخبيثة صرف الانظار الى أجندة جانبية بتفعيل فرق تسد , وللأسف هذه الاخيرة أثبت التاريخ السوداني القريب نجاحها الباتع بيننا. قد يحاول النظام في سعيه لتحقيق هذا الهدف جر الجبهة الثورية الى مواجهة في احد المدن الكبرى أو الاطراف وسيحشد مع هذا الانجراف اعلامه الهدام الذي لن يألو جهدا في شيطنة الآخر حتى خارج غطاء الجبهة الثورية لاستعادة ذكريات الصراعات المريرة القديمة بين أولاد الغرب وأولاد البحر وبقية شظايانا الاجتماعية . ليعلم شعبنا المناضل أن المسألة ليست أولاد غرب ولا أولاد بحر , المسألة الآن أن شعب بطعم المجد قاده شذاذ السلطة الى طوابير الاستجداء والحاجة . شعب أغناه الله بكل خيرات الدنيا وأغدق عليه بكل أشكال الموارد تحت الارض وفوقها واذا به يفقد البوصلة تماما حتى في كيف يقوم بثورة وهو معلم غيره الثورات. اننا شعب واحد , وكما قال مؤلف الرواية الرائعة (القمر وست بنسات ) المسرحي الانجليزي وليام سومرست موم أن (جوهر الجمال هو الوحدة في التنوع ). نزيد عليه أن بداية النهاية لنظام البشير القمعي هي مع بداية تضام شعبنا الجميل في وحدة نضالية من جديد . على شعبنا أن يعيد اكتشاف نفسه , وليس عيبا على شعب يشهد له بالوعي القاصي والداني أن يعيد تشغيل مجساته و يشرع في تركيب جزيئاته , علينا الاعتراف اولا بإخفاقنا الكبير في صنع وطن يتسع لنا جميعا باختلاف اشكالنا وأوتارنا, لأننا لن نتمكن من العزف الجماعي على شكل الوطن الذي نريد بدون أن نتزود بغطاء أخلاقي أهمه اعلاء شأن الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبناها في ماضينا البعيد والقريب , ولن يعمق ذلك من فسيفساء جراحاتنا كما يدعي البعض , بل سيقوي من قبضتنا التي سنزلزل عبرها الطغاة الذين أذلونا وامتهنوا عزة شعب كريم طوال ربع قرن. جوهر هذا الاعتراف بأخطاء الماضي سيتمثل في تبني ثورتنا شعارات توحدنا اكثر , تقربنا أكثر ..تجعل الشعب السوداني يعيش ثورته التي هبت باذن الله بروح واحدة , روح ترنو الى صناعة مجد تليد قادم لأمة ضاع منها المجد بأخطائنا ونزواتنا. ارتكبت النخب السياسية السودانية بعد الاستقلال أخطاء فادحة قادت الى هذه التشوهات في بناءنا السياسي والاجتماعي وفي تركيبتنا الثقافية والمزاج العام.ساهمت هذه التشوهات بصورة مباشرة في خلق وضعية تراتبية غير منطقية على مستوى النظام السياسي والاجتماعي , وظلت تحفر بإصرار في قوالب التفرقة بين أبناء السودان ومناطق السودان , المأزق الاكبر أنها قادت الى نشؤ حواجز وهمية اثنية بين هذه المكونات , وأضحت بذلك قنبلة موقوتة تنتظر أي مسببات طارئة على مستوى الاقتصاد أو التمثيل الهرمي في شكل الدولة ونسقها العام حتى تنفجر , هذه كانت الطامة التي قادت الى تقسيم السودان الى جنوب وشمال وإشعال القضايا في المناطق الاخرى (دارفور , النيل الازرق , جنوب كردفان, شرق السودان ) , وبغض النظر عن العوامل الخارجية ظلت هذه الطلسومة المحرك الرئيسي لمعاول الهدم في دولة الظلام العميقة بأمر الانظمة المستفيدة على امتداد تاريخنا الحديث وبالذات في عهد هذا النظام الذي بدأ قصة الاستقواء الجهوي في 1998 ليقصي الايدولوجيا الاسلامية التي كانت تجمع مكونات الحركة الاسلامية السودانية وكانت الى حد ما تمنح النظام شرعية ثورية مدعاة بغطاء اسلامي سرعان ما تملصت منه القطعان الغارقة في ديماغوغيات التفرقة لانها اكتشفت لتوها ان الاسلام لا يعطي غطاء مثاليا للفساد ولا يعير انتباها لللتراتبيات المتوهمة في عمقنا الاجتماعي..اكتشفوا أن الاسلام لا يصلح لاستراتيجيات الخراب فتخلوا عنه وتبنوا طريق الشيطان . اذا ما نريده قبل صناعة ثورتنا المباركة هذه وحتى لا تكون ثورة جياع فقط هو صناعة شعبنا اولا , بإعادة صياغة أجزائه في مكون أعظم يتوحد في حب الوطن . بإعلاء شعار السودان أولا , بإعادة غرس حب هذه الرمال السمراء في محايا قلوبنا قبل أن يمحوها التدافع في الفرار من الفزاعة الخرقاء التي خلقها النظام مشوها بها صورة الوطن . فلا تعجب عزيزي القارئ من كره بعض السودانيين للسودان نفسه بفعل أفاعيل النظام , فلم يعد البعض قادرا على التمييز بين وطن مفعول به وقوى لا نعلم من أين جاءت تمزق في جدرانه الجميل. معظم الشباب السوداني الآن لا يدري ماذا يفعل ؟ ولا يدري كذلك أنه لا يدري ...هام الجميع في سنوات الضياع لنظام البشير .وبينما يظن المشير أن نظامه هو من علم السودانيون اكل الهوت دوق , قد لا يدري بسذاجته المعهودة أن 80% من شعب السودان قد لا يدري ما هو هذا الهوت دوق ؟ بسبب سياسات المؤتمر الوطني النازية الغارقة في الفساد , هذا الحزب الذي خلصت نخبه العبيطة في مداولاتها السرية الى أن هذا السودان الكبير غير مناسب ويجب استبداله بآخر أكثر تجانسا , ونحن نقول لهم أن بديلكم الذي تنشدونه أكثر نجاسة .لانه وليد عقليات مريضة وسخيفة لن يحفظ لها التاريخ ارثا ولا رأيا. لذا يجب أن تنصب معظم جهود ما قبل الثورة الآن على وجدان هذا الشباب بما يحفزه ويجمعه على الصمود في وجه الطغيان ويكسبه الحصافة اللازمة للتعامل مع تكتيكات فرق تسد , وهذه مهمة أحزابنا الوطنية , مفكرينا , سياسيينا المخلصين الذين نشهد لهم بالوطنية , كتابنا الذين آثروا الجوع على بيع الوطن , وكل من يستطيع أن يمسك قلما أو يصدع في الناس بالرأي فالمهمة بالجد عويصة وتحتاج الى العزيمة والبأس مع الاخلاص والتجرد. ولن نكون بذلك شذاذا في التاريخ فلم يكن بالإمكان نجاح الثورة الفرنسية لولا كتابات منتسكيو , فولتير و جان جاك روسو و نضالات دانتون وروبسير وغيرهم الكثير سعيا لتوحيد جهد الشعب من اجل اسقاط الملكية المطلقة ومن اجل إلغاء امتيازات النبلاء فكان توحيد الوجدان الفرنسي ضد الظلم والطغيان وكان النجاح الاسطوري للثورة الفرنسية . اذا بناء الوجدان هو أكثر العوامل التي أدت الى نجاح تلك الثورة العظيمة التي ألهمت الملايين حول العالم . لان الثورة نفسها وجدان , فلن تستطيع التضحية بالوقت والمال وربما الروح ما لم تكن مؤمنا بمشروع الامة الذي نصبو اليه. امة تعبر فوق الاحزان والحرمان والطغيان , لتمارس البناء والعدل والتقدم. أمر آخر ذو أهمية كبرى وهو البحث عن ديمولان السوداني الذي سيقود الناس لتحطيم باستيل المؤتمر الوطني الخانق , وديمولان ليس من الضرورة بمكان أن يكون رجلا أو امرأة كما كان في الثورة الفرنسية ..قد يكون شعارا , مدينة أو حيا من أحياء مدني أو نيالا أو امدرمان , المهم ان يكون لدينا شعارا موحدا يلهم جموع الشعب السوداني للخروج والزحف نحو التغيير ..كما كان القرشي في 1964 ملهما ثوريا لجموع الشعب . المهم في ديمولان أن يعبر عن السودان الامة , وليس السودان المختزل الذي يرعاه المؤتمر الوطني , السودان بجغرافيته , تنوعه وتاريخه المجيد...السودان الذي نؤمن به ...كوكب دري يشع في درك الظلام.