منذ فترة كنت افكر فى كتابة مقال بعنوان "جيل عاق" اتحدث فيه عن جيلي وهو الجيل الذى يمسك بمفاصل السلطة فى السودان اليوم.. ماذا قدم له الوطن والشعب السودانى منذ دخوله الى المدرسة الابتدائية وتخرجه من الجامعة والتحاقه بالخدمة المدنية ومقارنة ذلك بادائه وممارسته للسلطة اليوم. لكنني ترددت لاسباب كثيره منها قناعتي بان الصحافة اليوم تحت رقابة شديدة ولا يمكن ان تدخل نفسها فى مشاكل هي فى غنى عنها. ولكن ونحن نجلس فى خيمة عربية فى صحراء القصيم ناولني احد السودانيين هاتفه المحمول وطلب مني قراءة ما قاله الدكتور مصطفى اسماعيل وعلى محمود - وزير المالية عن الشعب السوداني والرفاهية التى وصل اليها خلال حكم الانقاذ. وفى اليوم التالي وفى نفس الخيمة ناولني الهاتف لاقرا تصريح رئيس الجمهورية عن (الهوت دوق)!. رجعت من القصيم الى منزلي فى جدة مساء الاحد وشاهدت المؤتمر الصحفي لرئيس الجمهورية عن رفع الدعم واجوبته لأسئلة الصحفيين. لا اود الحديث عن انطباعي عن كل هذا لان الامر اكبر من مشاعر فرد او جماعة حيث ان الجميع حكومة ومعارضة يعرف ان الوطن كله فى مهب الريح وكما يقول المثل السوداني (كده ووب وكده ووبين). فالكارثة واقعة إن خرج الشعب السوداني فى مظاهرات ضد السلطة او سكت ولزم الصبر تاركا الامر كله لمشيئة الله العلي القدير . يخطيء المسؤولون كثيرا اذا ظنوا ان " السكوت رضى " بما يفعلونه. لقد اخذني والدي الى مدرسة (فريق) الابتدائية والتي تبعد حوالي ثلاثون كيلومترا عن قريتي على ظهر حمار منتصف الليل لكى لا يعرف احد فى القرية بناء على نصيحة (استاذ ) صديق له فى عام 1955 وتركني فى السكن الداخلي وسافر الى الخرطوم والتحق بالقوات المسلحة جنديا ليبعدنا عن الزراعة ونتفرغ للتعليم الذى جعل من ابن اخيه خوجة كبير يشار اليه بالبنان. لم اره حتى عام 1958 حين جاء الى المدرسة لرؤيتي وناداني زملائي من ميدان الكرة و لم اعرفه. بعد ذلك انتقلت الى المدرسة الوسطى فى قريتي (التي كانت تبعد عن منزلنا خمسمائة متر فقط) وعشت فى السكن الداخلي ايضا لوجود والدتي مع الوالد فى الخرطوم. في المرحلة الثانوية التحقت بمدرسة عطبرة الثانوية والتي تقع على ضفاف النيل وايضا فى السكن الداخلي، ومنها التحقت بجامعة الخرطوم وسكنت في داخليات الجامعة فى البركس وبحر الغزال فى شارع البلدية والذى لازمنى فيها فى الغرفة الدكتور بيتر ادوك وزير التعليم العالى السابق رغم وجود اسرتي فى الخرطوم (الحاج يوسف)، وكنت اتلقى اعانه شهرية وسنوية من الجامعة مع السكن والاعاشة المجانية . فى كل هذه المراحل كانت تصرف لنا الكتب الجديدة والكراسات والاقلام والحبر مجانا .عندما تخرجت استدعانى السيد بابكر محمد على – طيب الله ثراه - المدير العام لمؤسسة الصناعات المتنوعة والتى كانت تضم مصانع الاسمنت والسكر والنسيج ومؤسسة جبال الانقسنا لانتاج الكروم عندما علم بعدم رغبتى للمؤسسة بعد التخرج حيث كنت اعمل خلال فترة اضراب الجامعة عام 1974 ، سالني عن سبب عدم رغبتي مواصلة العمل معهم ، وعندما اخبرته بعدم وجود الجيلوجيين فى المؤسسة حتى اكتسب الخبرة منهم اجابنى بانه على استعداد لمنحي راتبا اعلى من زملائي فى هيئة المساحة الجيلوجية وتدريبى فى خارج السودان حتى الاخر . لقد اوفى المدير العام بجميع ما التزم به نحوى ولا تربطنى به اى علاقة او معرفة حيث ارتفع راتبي الى ضعف راتب زملائي وبعد عاميين بعثت الى الاتحاد السوفيتي لمدة ستة اعوام حيث توفقت في نيل درجتي الماجستير والدكتوراة. سردت كل هذا ليعرف هذا الجيل الحاضر كيف كان السودان.. وماذا كان يقدم لشبابه.. ومع كل هذا خرجنا فى مظاهرات عارمة فى 1964 ضد حكم الفريق ابراهيم عبود (عليه الرحمة ) ،وفى عام 1985 ضد المشير جعفر النميري (اسكنه الله فسيح جناته) ،وكان فى مقدمة كل هذه المظاهرات الحركة الاسلامية وفي قيادتها من يمسكون بمفاصل السلطة اليوم وجميعهم كانوا ابناء مزارعيين وعمال. والسؤال هو.. اين نحن من كل هذا؟ هل يجد ابناؤنا مثل هذا التعليم ومثل هذه الفرص فى التوظيف دون واسطة او محسوبية؟ اترك الاجابة للدكتور مصطفى اسماعيل وقادة الحركة الاسلامية فى ذلك الزمن الجميل الذىن كانوا يرددون فيه " اصلب العناصر لاصلب المواقف" ولا اعرف موقفا اصلب مما نحن فيه اليوم وهم يمسكون بمفاصل السلطة لاكثر من عشرون عاما حيث انفصل ثلث الوطن والباقي فى مهب الريح. اما عن المؤتمر الصحفي لرئيس الجمهورية عن رفع الدعم يشهد الله انني ما كنت اظن ان الحركة الاسلامية التى كنت اصوت لقائمتها بالكامل وانا غير عضو فيها لمدة ستة اعوام ستطرح في يوم ما حلولا مثل هذه فى اصلب موقف تمر به البلاد والسيد مهدي ابراهيم يجلس و قد بلغ السبعين من عمره وهو الذي كان يصول ويجول فى جامعة الخرطوم بشجاعة نادرة جذبتنا اليها. لقد تحدث رئيس الجمهورية عن هبوط الذهب من السماء بعد ان فقدت البلاد البترول وانه لن يمنع احدا عن رزق اتاه من السماء. بهذه البساطه تحدث الرئيس عن ثروات لو تم استغلالها بالطرق العلمية لما دخل الوطن فى هذا النفق المظلم باعتراف المسؤوليين. لا اعرف لماذا تنشأ الجامعات والكليات وتخرج الاطباء والمهندسيين والجيلوجيين والزراعيين والبيطريين اذا كنا سنعتمد على العنقالة (لا اعرف معناها لاني محسي) في استخراج الذهب كما قال وزير المعادن الحالي فى اول اجتماع له بالجيلوجيين والذى قال فيه ك- " ما تصدقوا الجيلوجيين – العنقالة قاعدين يطلعوا فى الذهب. العالم كله يعرف ان السودان غني بموارده المائية والزراعية والحيوانية والمعدنية وانه يمكن ان يكون سلة غذاء العالم اذا شمر ابناؤه عن سواعدهم كما فعلت الشعوب الاسيوية وليس بالتمني والادعاء الكاذب. الحكومة التي تهد البيوت على رؤوس ساكنيها في مناطق السكن العشوائي لخرقهم قوانيين الدولة تترك الحبل على الغارب للعنقالة للعبث بالثروات المعدنية وقوانين الثروة المعدنية التى صادق عليها رئيس الجمهورية والمجلس الوطنى وتحطيم البيئة باستعمال المواد السامة مثل الزئبق والسيانيد جهارا ونهارا في الوقت الذي وصلت فيه دولة مثل الاردن الى منع دخول الثرموميتر اليها لاحتوائه الزئبق، أما السيانيد فالعالم كله متفق على اجراءات صارمه فى بيعه وترحيله ما عدا السودان والصومال التي (لا توجد بها حكومة )كما قال الرئيس. كل ما اود ان اقوله من كل قلبي لرئيس الجمهورية وقادة الحركة الاسلامية الذين يمسكون بمفاصل السلطة وبتجرد من اى اجندة سياسية وتصفية حسابات مع احد ان الوطن كله فى مهب الريح والشعب السوداني يعاني من الفقر وعدم الاستقرار منذ ان اعتلت الانقاذ السلطة وارسلت الجيوش باسم الجهاد الى الجنوب مما ادى الى انفصال ثلث السودان والباقي فى انتظار المجهول. النظام الذى يحكم باسم الاسلام يعاني فسادا لم اره في حياتي حتى في الاتحاد السوفيتي فى مراحله الاخيرة والتى كانت تسمى بفترة الركود حيث كان يرتشي المسؤولون بعلبة سجائر اجنبية او زجاجة عطر اجنبية ولهذا عندما اختفى النظام الذي حكم اكثر من ثمانين عاما في ليلة واحدة لم يذرف عليه احد دمعة. الجميع في السلطة والمعارضة يعرف ان البلد صارت بؤرة من الفساد والافساد ويعرف من هم الذين يسكنون في فلل فاخرة بعد ان كانوا لا يملكون غرفة فى الاحياء الشعبية ويملكون اكثر من خمسة سيارات.اتمنى من كل قلبى ان يطلب رئيس الجمهورية من محكمة الثراء الحرام ان يطبق قانون من اين لك هذا ولكن عليه ان يختار لرئاسة هذه المحاكم قضاة سودانيين مشهود لهم بالنزاهة مكان اولئك الذين يرفعون اصابعهم ويرددون "هى لله – هى لله – لا للسلطة ولا الجاه" وعندها اقسم برب الكعبة ان اكون فى مقدمة الشاكيين واطلب من المحكمة تطبيق حد القذف على اذا كنت كاذبا فى ادعاءتى. اما الحل لاخراج الوطن من هذا النفق المظلم فهو في التجرد والخوف من الله وجلوس الجميع معا - حكومة ومعارضة لايجاد خريطة طريق تعتمد على حلول علمية وعملية والا.. انتظار مصير الصومال ..والعاقل من اتعظ بغيره . اللهم اني قد بلغت فاشهد . ربنا لا تسلط علينا غضبك بما فعل السفهاء منا واحفظ بلادنا من كل سوء. تاج الدين سيد احمد طه جدة – المملكة العربية السعودية جوال :- 00966534693362 [email protected]