لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمم المتحدة... والنظام العالمي المنتظر...؟
نشر في الراكوبة يوم 29 - 09 - 2013

كما في كل عام، يلتقي قادة ورؤساء حكومات العالم في نيويورك، على مدى أسبوع كامل، للمشاركة في افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة. غير أن هذا اللقاء قد فقد مظهره البناء، بعد أن تحول تدريجياً إلى استعراض تلفزيوني، لا تفوقه جماهيرية إلا دورة الألعاب الأولمبية، أو مباراة كأس العالم لكرة القدم.
فقد تحولت هيئة الأمم المتحدة إلى أداة طيعة بيد الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ سياساتها وأجنداتها الاستراتيجية واستنفار أجهزتها كالجمعية العامة ومجلس الأمن لإصدار القرارات التي تحقق لها مصالحها، فقد أصبحت تقارير هذه الهيئة وقراراتها وتوصياتها وبالاً على الشعوب المستضعفة تحت ذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية.
ففي أجواء دولية مشحونة، تبدأ أعمال وفعاليات الدورة 68 للأمم المتحدة وسط ظروف دولية وإقليمية بالغة التعقيد والدقة، وفي حضور أزمات دولية معقدة وملفات شائكة تهدد أمن العالم واستقراره، حيث من المنتظر أن تكون قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة منبراً للخطابات الرنانة والانفعالية التي لا تقدم ولا تؤخر وبخاصة لقادة الدول الغربية المسؤولة على نطاق واسع عن أزمات العالم ومشكلاته وحروبه.
والسؤال الذي يطرح نفسه دائماً ما جدوى انعقاد هذه الدورة وغيرها من الدورات إذا كان العالم سيظل يدور في حلقة مفرغة من التكاذب والنفاق الأميركي والغربي، وماذا باستطاعة الأمانة العامة للأمم المتحدة ممثلة بشخص بان كي مون أن تنجز من جدول الأعمال المقترح في ظل هذا الانقسام الدولي الحاصل وإصرار الولايات المتحدة الأميركية على لعب دور شرطي العالم وتعاطيها مع المنظمة الدولية وكأنها مؤسسة تابعة لها...؟!
في خضم المؤامرات الدولية، قد ينسى الكثيرون، أو يتناسون أن هيئة الأمم المتحدة، وسائر متفرعاتها في العالم، كانت، في حقيقة الأمر، منذ أن كانت، وبالاً على العالمين العربي والإسلامي.
وهل يفوتنا، نحن العرب، أن نتذكر أن باكورة أعمالها كانت قراراً، لا سابق له ولا لاحق له، إذ كان قرار تقسيم فلسطين؟
ترى، هل هذا الأمر الخطير، بل البالغ الخطورة، كان مصادفةً أم مؤشراً؟ وهل يخطئ الظن مَنْ يستنتج، في ضوء أحداث الستين عاماً المنصرمة، أن هذا القرار لم يكن البتة وليد الساعة، بل كان منذ اللحظة الأولى حتى اليوم، مع جميع ما خطط له، من أجل تمزيق سورية، بدءاً من ''مفاوضات ماك ماهون الشريف الحسين'' تلك المفاوضات، ''المؤسسة'' كما قيل، للثورة العربية الكبرى! وما تلاها من ''وعد بلفور''... ''البريء''، إلى ''فرض الانتداب'' بقوة السلاح على سورية وفلسطين، إلى تقسيم سورية إلى أربع دويلات طائفية، مع اقتطاع لبنان بوصفه قنبلةً موقوتة من الدويلات الطائفية المرجوة، ومن ثم إلى سلخ لواء الاسكندرون، فإحداث المملكة الأردنية الهاشمية؟...
هل يخطئ الظن أيضاً من يجزم بأن كل ذلك قد خطط له منذ زمان بعيد دفعة واحدة، ووفق برنامج محتوم، رسم له أن ينفذ على مراحل، فيما هو يشكل مشروعاً استعمارياً، مزدوجاً، صهيونياً وأوروبياً، واحداً، كفيلاً، على المدى البعيد، في حال تنفيذه، بتفكيك سورية أولاً، ومن ثم العالم العربي، بقصد توفير جميع الفرص القادرة على تحقيق النجاح والديمومة لإسرائيل...؟
أما انتقال مركز هيئة الأمم المتحدة، التي حلت عام 1945، محل ''عصبة الأمم''، وكانت قد اتخذت لها مركزاً في مدينة جنيف في سويسرا، إلى مدينة نيويورك، أفليس فيه ما يثير شبهة، بل سؤالاً؟ فهل ثمة من يجهل أن نيويورك كانت ولا تزال تضم أقوى وأغنى تجمع يهودي في العالم؟ وهل ثمة من يجهل أن وجود هيئة الأمم المتحدة في نيويورك بالذات، من شأنه، في الحد الأدنى، أن يعرّضها لضغوط من اللوبي اليهودي، قد لا تستطيع الإفلات منه دائماً؟
وإلى ذلك، فهل من يجهل أن هذا اللوبي اليهودي، بل الصهيوني، بات اليوم يطبق على الولايات المتحدة الأميركية، في جميع مجالات الحياة؟ وهل هناك من لا يتذكر أن إحدى أهم الشخصيات في تاريخ الولايات المتحدة، وهو ''بنجامين فرانكلين''، كان قد نبّه المسؤولين الأميركيين منذ عام 1787، عام صياغة الدستور الأميركي، إلى ضرورة سنّ بند في الدستور الجديد، يُحظر فيه على اليهود الإقامة في أميركا، لئلا يأتي يوم يسيطرون فيه على مقدرات البلد كلها؟
ثمة أسئلة أخرى، تقودنا إليها في آن واحد، الأسئلة السابقة والأحداث السياسية، الكبيرة والصغيرة على السواء التي رافقت نشوء هيئة الأمم المتحدة، منذ اللحظة الأولى حتى اليوم، ولاسيما تلك التي تتعلق بالعالم العربي، وتحديداً التي تتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.
فإن كانت هيئة الأمم المتحدة منظمة دولية حقاً، فيجب عليها أن تكون أنظمتها نافذة وشاملة لجميع الدول، كبيرتها وصغيرتها، قديمتها وحديثتها. والحال أن هناك من الدول من لا تخضع لقوانينها، ومن تخرق قوانينها، بل من تضع مسؤوليها وجنودها فوق جميع القوانين على الإطلاق. وتلك هي حال الولايات المتحدة. ومن الدول أيضاً، مثل إسرائيل، من لا تخضع لأي من قوانينها، بل من تفلت من مئات القرارات التي تدينها صراحة، وحتى من قرار حق العودة ذي الرقم 194 الذي وضع شرطاً أساسياً لقبولها عضواً في هيئة الأمم المتحدة، وهي تدوس كل يوم، ومنذ عشرات السنين، المعاهدات الدولية، مثل معاهدات جنيف، دون أن يجرؤ أحد في أي من المؤسسات الدولية، على مجرد معاتبتها... وثمة جديد أعقب الحادي عشر من أيلول عام 2001.
ذلك بأن الولايات المتحدة باتت، مع الغرب كله، مطية في يد الصهيونية، إذ هي تقود هذه القوى الغربية الهائلة، صاغرةً، إلى استباحة العالم بأسره، ولاسيما العالمين العربي والإسلامي، فتدمر وتقتل وتشرد وتعتقل وتعذب، وتنهب خيرات الشعوب، تحت ألف غطاء وغطاء، ولاسيما غطاء الديمقراطية والحرية.
أو ليس هذا بعينه ما فعلته وتفعله في أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان وليبيا؟ أوليس هذا أيضاً ما حاولت أن تفعله في سورية، بعد أن أشعلت في تونس ومصر والبحرين واليمن، ما سمّته ''الربيع العربي''؟
أوليس هذا بالذات ما كانت الصهيونية قد أعلنت عنه في السر منذ عام 1954، على لسان ''بن غوريون''، ومن ثم على الملأ، عام 1982، في عدد شباط من مجلة ''كيفونيم'' الإسرائيلية، الصادرة في القدس، حيث أكدت ضرورة تفتيت العالم العربي كله إلى دويلات إثنية وطائفية ومذهبية وقبلية، متناحرة، لا قِبَل لها بالحياة، ولا بالتحضّر ولا بالتطوّر؟
وهل هناك ما هو أسهل من ذلك، بعد أن أطبقت الصهيونية على خناق الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية كلها، حتى بات العديد من كبار المثقفين فيها، مثل ''روجيه غارودي'' الفرنسي، و''جان زيغلر ''السويسري، والأميركيين ''نعوم تشومسكي'' و''بول فيندلي'' و''جون ميرشايمر'' و''ستيفن والت'' و''فرانكلين لامب''، يحذرون من الكارثة الواقعة والآتية، ويدعون إلى ضرورة التحرر عالمياً من الفخ الصهيوني والأميركي؟
أما... وقد جاء يوم انساق فيه معظم ''الزعماء'' العرب، مع هذا الطوفان الصهيوني والغربي، الخارج على كل أخلاق وقانون وحدود، فقد بات لزاماً على من تبقى لديهم، أي زعماء العالم وشعوب الأرض، بقية من عقل ووجدان وخوف على المصير البشري، أن يتطارحوا السؤال، بإلحاح وجدية، عن جدوى استمرار مثل هذه المؤسسات الدولية، بل عن شرعيتها...
أوليس هذا ما انتهى إليه ''زعماء'' العالم الغربي اليوم، مثل ''أوباما'' و''هولاند'' و''ميركل'' و''كامرون''... الذين يتصرفون بين ليلة وضحاها، وكأنهم مهرجون في سيرك، يطلقون الوعود، ولا ينفذون منها حرفاً واحداً، ويقبّلون أيدي يسارعون إلى قتل أصحابها، ينادون بالحرية، فيما هم يشوون الشعوب بقنابلهم الجديدة...
كل ذلك أملاً منهم في توفير مزيد من رفاهية لشعوبهم، تعود عليهم بالبقاء في كراسيهم لفترة ما... وبكسب رضا سيدتهم الحقيقية والكبرى، إسرائيل، على ما ارتكبت وترتكب من فظاعات يومية، منذ ستين عاماً في البحر والبر والجو، تحت ذريعة حق الدفاع عن ذاتها، فيما هي تتبوّل أمام العالم بأسره، منذ ظهورها على مسرح التاريخ، على جميع الأنظمة والقوانين والمعاهدات، وعلى من سنّ هذه الأنظمة والقوانين والمعاهدات، من مسؤولين وحقوقيين ومفكرين غربيين!
ومن المؤسف أن العالم يجتمع في الأمم المتحدة، حيث تتلاقى دبلوماسيات العالم، تبحث في مصالحها، وشؤونها وشجونها، إلا الدبلوماسية العربية، إلا أعرابنا الذين انتظروا هذا اللقاء الواسع، وأمام الطيف الدبلوماسي، وعلى مرأى العالم كله، ازدادوا عرياً وخجلاً وانغماساً في التآمر بعضهم على بعض... ولكن ألم يكن حرياً بالعرب، ودبلوماسيتهم أن يكونوا فاعلين في هذا المحفل العالمي لطرح قضاياهم الحقيقية... أين قضية فلسطين والأراضي العربية المحتلة... أين الحديث عن سياسة التهويد التي لم تبقِ من القدس شيئاً...؟
بل أين الحديث عن شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل ولا أحد يمتلكها هنا في هذه المنطقة إلا الكيان الطارئ إسرائيل أم إن أعرابنا المراهقين والمستجدين في حراكهم الدبلوماسي يظنون أنهم في مشيخاتهم بمنأى عن خطرها وأنها ستكون أدوات تخصيب لأراضيهم وتنبت لهم زرعاً بعد أن تجف منابع نفطهم ويعودوا شحاذين على طرقات الحج ومواكب القوافل التجارية؟!
وهؤلاء الأعراب ليسوا إلا جزءاً يسيراً من التواطؤ العالمي في الأمم المتحدة/ مجلس أمنها وجمعيتها... صحيح أن أصوات حكماء وعقلاء تسعى جاهدة لأن تعيد تصويب هذه المؤسسة العالمية ومنعها من أن تكون بإدارة وتوجيه الكونغرس العالمي ويعمل هؤلاء العقلاء لأن يبقى ميثاق الأمم المتحدة سيد المواقف والأحكام، ولكن الصحيح أيضاً أن أعراب الغاز والنفط ظنوا أنهم فاعلون وحقيقيون في هذا الحراك الدبلوماسي، ثمة من قرع لهم جرس الإنذار ألف مرة: أنتم لستم سوى أدوات لكنهم في غيهم يعمهون... فهنيئاً لعالم أدواته غباء أعرابنا.
فقد سارع معظم الحكام و''المسؤولين'' العرب، بتنكر مطلق للإسلام الحقيقي، وبغباء ذليل سيقودهم مع شعوبهم إلى نهايات محتومة، ينتصب الجحيم إزاءها، كجنات خلد، إلى تقديم الخضوع للصهيونية، وعبرها للولايات المتحدة وأوروبا الغربية، في سعيهم الحثيث إلى تدمير سورية، فما عسى العالم كله ينتظر من مؤسسات دولية تدّعي أنها المرجع الوحيد والأعلى والأسلم للعالم بأسره، فيما هي قد بلغت هذا الدرك من الفساد والأنانية والغباء، حتى باتت تفعل على نطاق العالم، تماماً عكس ما قامت من أجله، من حيث توفير الأمن والغذاء والعدالة والسلام لكل إنسان على وجه الأرض؟
وإذا كانت الحرب على الإرهاب، قد رُفِعت شعاراً بيد الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، ومن ورائهما ''إسرائيل''، لشن حروب عشوائية ومدمرة على العالمين العربي والإسلامي، من أجل فرض إرهاب غربي مكشوف على العالم بأسره، فما عساه تبقى للشعوب الفقيرة والمستضعفة، من آمال في حياة حرة وكريمة وآمنة، في ظل هيمنة مطلقة على جميع مرافق الحياة الاقتصادية والزراعية والاجتماعية والمالية والثقافية والعلمية والإعلامية؟
وإذا كانت فلسطين وما يجري فيها من إرهاب منظم وقاتل، يمارسه كيان عنصري، يضع نفسه فوق جميع المراجع الدولية وقوانينها منذ سبعين عاماً، من دون أن يطوله عتاب واحد صادر عن الدول الغنية والقوية، أو عن المراجع الدولية الرسمية والمسؤولة، فما عسى البشرية تنتظر في الآتي من الأيام، بشأن آمالها الواسعة في توفير الأمن والغذاء والحرية والاستقرار والكرامة لكل دولة ولكل إنسان على وجه الأرض؟
وإذا كانت المؤتمرات تلو المؤتمرات تعقد من دون توقف، على مستوى الأمم المتحدة، ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، وعلى مستوى هذه أو تلك من العواصم أو المدن ''المستكبرة''، مثل إستطنبول أو الدوحة أو تونس أو فرنسا، لتعلن فيها حرباً مفضوحة على دولة آمنة مثل سورية، لا لشيء إلا لأنها، كما قال ''كيسنجر''، ''تمثل موطن الإسلام المعتدل''، ولأنها تمثل منبع الفكر القومي العربي، ولأنها تشكل قلعة المقاومة العربية في وجه الكيان المارق على جميع القوانين والدول، الذي هو ''إسرائيل''... وإذا كانت تُسخر المليارات على الملأ لتوفير السلاح وتمويل المقاتلين والمرتزقة، وتقديم رواتب نظامية لهم، من أجل تدمير سورية، وإذا كانت مرجعيات ''مسؤولة، مثل ''كيري'' و''فابيوس'' و''أردوغان'' و''بندر بوش''، يعلنون على الملأ أن ضرورة تسليح المقاتلين في سورية، ''واجب أخلاقي''، فما عسى أن ينتظر العالم بعد اليوم من الدول الكبرى، والمراجع الدولية الكبرى، لتوفير الأمن والغذاء والكرامة لشعوب العالم وفقرائه؟
ترى، هذا الذي يجري اليوم علناً، والصادر عن الدول الكبرى والمراجع الدولية الكبرى، أليس إجراماً حقيقياً وموصوفاً، يجب أن يعاقب عليه مرتكبوه، كما كان يعاقب زعماء المافيات في إيطاليا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية؟
اليوم يمكن القول إن الأمم المتحدة تجتاز مرحلة انتقالية وكما يؤكد الخبراء فإن تحولات فترة الانتقال تجري بصورة متسارعة وتغطي مختلف نواحي العلاقات بين الدول والشعوب، وبين الشمال والجنوب وبين السلام والاحتكام للقوة... لذا فإن إجماعاً عالمياً يكاد يتوافر حول الحاجة الملحة إلى إصلاح هذه المنظمة الدولية لتصبح فعلاً منظمة لكل دول العالم تتعامل بإيجابية مع قضايا البشرية وخصوصاً مع قضايا الأمن والسلم والتنمية من أجل عالم أكثر أمناً وتوازناً.
وتزداد الدعوات حول الحاجة إلى تطوير هذه المنظمة الدولية في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة الأميركية إلى إضعاف دورها، سواء في مجال تسوية الصراعات أو في مجال التعاون الاقتصادي والعلاقات بين الدول غنيها وفقيرها ومعالجة مشكلات البشرية من فقر وجوع... حيث يظهر عجز الأمم المتحدة في أداء منظماتها المختلفة وخصوصاً في التعامل مع قضايا الأمن والسلم الدوليين بسبب محاولات واشنطن التحكم في أداء الأمم المتحدة خلال فترة الحرب الباردة ثم العمل على تهميش دورها في مرحلة القطبية الأحادية حيث أعطت لنفسها صفة القطب الأوحد لكن العالم يتغير نحو بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب جراء ظهور قوى عالمية جديدة فاعلة.
وانطلاقاً من متابعتي الجادة لطبيعة إشكالية العلاقة الجدلية بين الواقع والقانون ومدى انسجام قرارات مجلس الأمن مع معطيات الواقع، أؤكد وبكل ثقة أن من الأسباب التي أدت إلى خلق هذه الإشكالية، هي أن ميثاق الأمم المتحدة لم يتضمن مفهوماً محدداً لحفظ الأمن والسلم الدوليين. كما أنه لم يتضمن تعريفاً محددا للحالات التي أقرها مجلس الأمن في معرض مهمته الرئيسة في حفظ الأمن والسلم الدوليين، في الوقت الذي راح فيه مجلس الأمن يمارس سلطته وفقاً للمادة (39) من الميثاق. بل واستطاع من خلال الصلاحيات التي منحت له أن يحوز في الواقع على كل صلاحيات وسلطات فروع هيئة الأمم المتحدة الأخرى دون أن يكون هناك أي مادة في الميثاق يمكن أن تردع قراراته إذا ما انحازت هذه القرارات لمصالح الدول العظمى، وكثيراً ما انحازت قراراته لمصالحها، الأمر الذي أدى إلى جعل مجلس الأمن يسخّر كل فروع هيئة الأمم المتحدة وقراراتها لما يخدم مصالح الدول العظمى، متجاهلاً في ذلك كل الأعراف الدولية والإنسانية التي أقرها ميثاق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية .
إن هذا الموقف اللا إنساني واللاعقلاني المتمثل في حالة التناقض بين الواقع والقانون الدولي عبر مسيرته التاريخية... بين ما يعلنه ميثاق الأمم المتحدة من قوانين ومبادئ تسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار والسلم الدوليين، وما يمارس على الواقع من تناقضات تكمن وراءها مصالح الدول العظمى عبر تسخيرها لمجلس الأمن وغيره من فروع الأمم المتحدة، شكل عندي في الحقيقة هاجساً إنسانياً لا يهدأ، دفعني إلى البحث والتنقيب في الكثير من المصادر والوقائع عبر تاريخ مسيرة مجلس الأمن التاريخية من أجل الوقف على الإجابات الصحيحة والمنطقية للأسئلة المشروعة التي طرحها على نفسه والتي جئنا عليها قبل قليل، حيث وصلت إلى نتيجة تؤكد: أنه من الصعوبة بمكان تطبيق نصوص ميثاق الأمم المتحدة، وفهم ماهية دور مجلس الأمن دون فهم ماهية العلاقة بين الدول الأعضاء الدائمة العضوية، والمعنية بصناعة القرار الدولي، هذه العلاقة التي خضعت في الكثير من مراحلها للظروف والمتغيرات الدولية، ما أدى إلى خرق مفهوم التوازن الدولي لصالح الصراع العالمي الذي مؤداه التناقض والاختلاف بين الدول لأسباب أيديولوجية واقتصادية كحالة تقدم الحرب التقليدية، وهو ما اصطلح على تسميته بالحرب الباردة.
على هذا الأساس أطالب كل المعنيين بالسلم والأمن الدوليين ضرورة إعادة النظر في ميثاق الأمم المتحدة ومدى مطابقته للواقع. ثم ضرورة البحث عن طرق وأساليب جديدة لتحقيق الأمن والسلم الدوليين تساهم في حل جملة التناقضات التي تحيط بالواقع العالمي قديمها وما ترتب عليها من حديث وما هو مستجد منها أيضاً أو يمكن أن يستجد، انطلاقاً من مصالح الإنسان، وتحقيقاً لعودة كل ما فقده من شروط إنسانيته المضاعة تاريخياً.
إن ما أدعو إليه وأطالب به يعد أمراً مشروعاً، بيد أن المشكل الأساس يقع في كيفية إعادة صياغة جديدة لمنظمة الأمم المتحدة بحيث لا يعود مجلس الأمن هو المؤسسة الوحيدة المتحكمة بمصير حركة وتشكل مسار العالم من جهة، وأن لا يبقى هناك من يمتلك حق النقض، بإسم الديمقراطية، قادراً من خلاله أن يفشل أي قرار يتخذه مجلس الأمن ذاته عندما يشعر من يمتلك حق النقض أن القرار المتخذ لا يخدم مصالحه.
وفي ختام هذا المقال، إني، بكل بساطة، أدعو لعملين ملحين:
الأول: هو دعوة العقلاء من حكام ومثقفين وعلماء وباحثين وأناس عاديين، في كل مكان، لحشد جهودهم وتصعيدها، بقصد المطالبة العاجلة بإعادة النظر في المؤسسات الدولية القائمة، مثل هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان ومتفرعاتها، لأنها بلغت من الانحياز والظلم والفساد والجبانة والكذب والتزوير، ما يجعلها هي المسؤولة الأولى عن تفاقم الشرور والمظالم في العالم.
ولا بد من البحث عن أساليب فعالة لحجب الثقة عنها، وإلغائها، من أجل إحلال مؤسسات جديدة ونظيفة بدلاً منها.
الثاني: هو دعوتي لجميع الكتاب والمفكرين الشرفاء ولرجال الدين الأتقياء، لوقفة جريئة وصادقة مع الشعوب العربية والإسلامية المظلومة، ولاسيما الشعب الفلسطيني، من أجل مطالبة قادة العرب بالخروج عن صمتهم المخجل حيال ما ترتكبه دول الغرب من مظالم مروعة بحق شعوب برمتها، ومن أجل إدانتها علناً وتكراراً، ومن أجل تحريض الرأي العام الغربي عليها من دون هوادة، وذلك قبل استفحال خطر قد يجر العالم كله إلى الهاوية... وإني لأرى أن هذين الموقفين الجذريين لا بديل عنهما.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.