كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات: الرحلة إلى هانوفر/ألمانيا


محمد جمال:
5-7
سيلفيا تأمرني بقتلها! !»Kill me»
مضت نيللي لشأنها فأصبحنا أنا وسيلفيا وجهآ لوجه في قصرنا الممدود.
مشت سيلفيا إلى الداخل بينما جلست أنا على أريكة في بهو الدار الفسيح قبالة إنشوطة صغيرة تلعب بها النسمات الشمالية العابرة أراقب صمت الجبل المهيب وأطرد من خاطري أطياف السيدة نيللي المزعجة.
وما هي إلا لحظات وعادت سيلفيا في إزار رهيف تلاعبني كعادتها. ثم مضت فجلست على الإنشوطة تتهادى من فوقها وتقول لي:look at me راقبني «عاين لي» وتكررها عديد المرات وأنا لا شأن لي غيرها. مذ ألتقيتها قبل عدة شهور أعاينها وتعاينني، أراقبها وتراقبني، «لوكنق آت ها آن لوكنق أت مي»، دون أن ألتفت ولو لمرة واحدة إلى وجهة أخرى مهما دعت الضرورات حتى لأخالني نسيت ألوان الشوارع وغابت عني وجوه الناس فما عدت أذكر وجه أبي.
تأملتها ملياً وهي ما تزال تتهادى فوق الإنشوطة.رأيتها كطفل غرير. نعم هي طفلة عذبة. تأملتها أكثر فأكثر فوجدتني مثل كل مرة أكتشف ان سلفيا جميلة بطريقة لا يسعها الخيال. وذكية تحتال على عقل فيلسوف ولطيفة الروح.
كانت الشمس ترنو إلى المغيب عندما ترجلت سيلفيا بغتة من الإنشوطة مع تزامن دفقة من هواء الجبل الواني فأزاح عنها نصف إزارها الرهيف لكنها لا تكترث.
جاءت وقفت أمامي في إبتسامتها الشهية تأمرني بطريقة بدأت جدية، تقول لي: اقتلني!. Kill me!. . حبيبتي المجنونة!. حسبتها تمزح. لكنها رقدت على الأرض قبالة الأريكة التي أجلس عليها. وكررتها منثى وثلاث ورباع وعديد المرات: : اقتلني، اقتلني، اقتلني.تأملتها من جديد وهي ترقد من تحتي تأمرني بقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأي نفس هي؟!. هي نفس سيلفيا ذاتها!. شهدت وجهها الملائكي يزداد بريقاً يزهق البصر. ..وكان شعرها ذهبياً تختبيء عنده شقرة كاسفة، وجيدها، وصدرها، وخصرها، وعجزها، وساقاها وأصابع قدميها كله نسق من آيات معجزات كتبن على لوح من الماس.
سلفيا روح قدس وعقل نبي وجسد حرام.
تقول: اقتلني!.
لو أن أحدهم من أي ثقافة على وجه الأرض سمعها تقول اقتلني بينما تفتر شفتاها عن إبتسامة شهية وترقد من أمامي نصف عارية لما خالجه شك في أن الفتاة تود العناق. لكن لا!. لا.
أنا وسيلفيا لا نفعل الأشياء تلك الطريقة الحكيمة. ففي لحظة أوجاعنا الحقة لا نعرف الحكمة. لا نتحدث لا نتفاوض... لا كلام. هناك فعل، آكشن، ولا نقول ما نفعل حين نفعل.وإن كنا قعوداً لا نقوم وإن كنا قياماً لا نقعد. لا وقت!. نتحول إلى حيوانات وحشية كاسرة غير ناطقة.
في مثل ذاك الأوان يحدث شيء واحد لا غيره: هجوم وحشي كاسح. لا شيء غير ذلك. لا حوار. هناك حرب!.
وكثير ما مزقت أنا ثيابها الداخلية ومزقت سلفيا قميصي. لا وقت. لا صبر لحيوانين جائعين على الدوام.
مرة قالت لي سيلفيا أن تكلفة الثياب التي نمزقها في الشهر الواحد تكون كافية لتسديد فاتورة الكهرباء لمدة عام بأكمله.
نحن لا نتفاوض ولا نجامل بعضنا البعض ولا أحداً من كان أوان أوجاعنا الحقة. إنما نكون حيوانين أنانيين كل يود الفوز بالفريسة كاملة. لا نعرف بعضنا البعض لا آخر لا ديمقراطية لا حضارة. هناك عماء. سيلفيا تكون ظبية يانعة تلاعب ضبع كاسر جائع منذ الأزل في جزيرة نائية لم يغشاها خيال بشر. حيث هناك لا فكرة لا ذاكرة ولا تذكر... لا كلام... لا إحترام...غريزة فجة وحيوانية بشعة... وفي لحظة فاصلة تغرز سلفيا أظافرها في جلدي فتدميني بلا هوادة و بلا رحمة.ثم بعد أن تعود من الغياب، تعتذر: «سوري»... ثم تفعلها من جديد و»سوري» وهكذا دواليك.
تقول: : اقتلني!.
اقتلني. كانت تعنيها. يا للهول!. يا للجنون!.كانت تعنيها حرفيا.
قالت أن الشيء الوحيد في الدنيا الذي يخيفها هو الموت. وهي على يقين أن كل الناس تموت في نهاية المطاف. وهي أيضاً تموت ولو أنها لا تموت... فهل يموت الشهداء!. وعندها تصور آنها أن الموت آن يأتي يكون شيئاً بشعاً ومؤلماً ومؤذياً منتهى الأذى وهي تهابه ويرعبها أشد الرعب. وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن كل شيء أفعله أنا بها ممتع ولذيذ، كل شيء، بلا إستثناء، كل شيء. ولهذا تريدني أن أقتلها كونها على ثقة أنها ستمتع غاية المتعة أوان أبدأ في ذبحها وتقطيعها إلى أجزاء صغيرة وفي بطء شديد لمزيد من المتعة.
وما هي إلا هنيه وأنا في دهشتي تلك حتى فسرت لي سيلفيا تلك الرؤية البائسة ثم أعتذرت عنها ونهضت تعانقي وهي تقول لي: «أود أن أقول لك شيئآ أقوله لك كل لحظة لكنني لم أقله أبدآ: أحبك». وعندها شرعنا في الغياب ثم أدمتني بأظافرها و «سوري».
6-7
Mijn Man Kan Alles رجلي يستطيع كل شي حتى المستحيل!. (سيلفيا تثرثر مع أمها من تلفون القصر).
مرت ثلاثة أسابيع ونحن نعيش ونخدم بنجاح في بيت السيدة نيللي. ننام ونصحو. نغيب ونحضر. وسيلفيا تطعم الأسماك وتغسل الأحواض بمادة زرقاء من فصيلة الكلور. وأنا أعتني بالخيول وأدللها من حين إلى آخر وأتأمل الوحش الأسترالي الوديع. بينما أطوع المهر الجامح «بيرا» وأروض المهرة الجامحة «سيلفيا» بنجاح لا يخطأه البصر.
وعند الإسبوع الثاني تعرفنا على نادي الحي عبر جارتنا اللطيفة «كاثرينا»وصديقها المهندس «ليونارد». لعبنا الورق والدومينو والبلياردو وكرة المضرب والشطرنج (لعبتي الأثيرة) . والمرة الوحيدة التي ألعب كرة قدم كانت عند مباراة ودية لكنها ساخنة بين فريق حي قصرنا وفريق من حي مجاور بين أهله وأهل قصرنا ثارات كروية قديمة. فتهيأ لي عبر مصادفة نادرة ان أحرز هدفين وأنتهى الماتش 2 ل 1لمصلحة فريقنا. كنت لوهلة أشعر بالفخر والسعادة كوني نجحت في مجال بعيد من هواياتي الأساسية. صفق لي الناس وعانقتني سيلفيا طويلآ وهي لا تحتاج الأعذار لعناقي.وذهبنا ذاك المساء نحتفل في أحد ملاهي هانوفر . فرقصنا وسعدنا ونحن نتبادل الأنخاب. وسلفيا تسقيني التكيلة بالملح والسترون. وحكت لي سيلفيا أن الفتيات في الملهى قلن لها أن صديقها وسيم بطريقة غير محتملة ويبدو أنه راقص محترف يتمايل بسلاسة ويتقافز كالنمر. ورددت سلفيا ببرائتها المعهودة: «أنا أكرههن، كن يراقبنك أين ما ذهبت».
سيلفيا فتاة رومانسية بطريقة غير ممكنة. لم اقرأ في الكتب ولم أشاهد في الأفلام السينمائية ولا سمعت عبر وسيلة من الوسائل أن كائنآ مثلها يكون حقيقة!. خلال كل الحياة التي عشتها معها لم تكذب ولا مرة واحدة ولم تكذبني ولا مرة.
أذكر مرة أنني وجدت كنزآ قيمآ في احد أدراك نيللي. كانت هدية من السماء: كتاب قديم عن ترويض الخيول الجامحة تحت عنوان «How To Tame and Train Wild and Vicious Horses» لا اذكر إسم مؤلفه لكن كان به معلومات قيمة ويتحدث عن طرق سهلة لترويض الخيول الجامحة. ولا ننسى أن نيللي بإعاز من سيلفيا قد ورطتني في مهمة شبه مستحيلة وهي تطويع الحصان الجامح بيرا والذي أعرف أنه ربما يتسبب في قتلي إذا ما ورطت نفسي في أي غلطة فادحة معه. لكنني عازم على تطويعه. فأنا لا أحب أن أخزل أحدآ. فعكفت ثلاثة أيام أطالع الكتاب الذي من خلاله أستطعت أن أنجز المهمة بطريقة باهرة أسعدت نللي في نهاية المطاف فأجزلت لنا العطاء. ولذات السبب دعتني السيدة نيللي للمجيء إلى تكساس الأمريكية في وقت لاحق!.
غير أن قراءتي للكتاب لم تكن بلا ثمن!. فقد غضبت مني سيلفيا عدة مرات بإعتباري لم أعد أهتم بها ووجدتها مرتين تبكي فوق الأرجوحة كونها تشعر بالأسى لغيابي عنها عدة ساعات في اليوم لمدة ثلاثة أيام وانا أقرأ الكتاب ولو أنها كل الوقت كانت تربض بجانبي وكثيرآ ما كانت تقاطعني بلا أسباب موضوعية وتحك قدمها بين الفينة والأخرى على قدمي.
وعندما بلغت سيلفيا من التذمر أقصاه أخذت مني الكتاب عنوة ورمته بعيداً وهي تقول لي: « أنت لا تحتاجه فأنت صائد تماسيح فما أسهل صيد الخيول على وحش مثلك»!. وكنت قد رويت لسيلفيا في زمان سابق حكاية خرافية من أيام الصبا حول صيد التماسيح تنطوي على كثير من الخيال. ولكي أستطيع إكمال الكتاب أخترعت لها خدعة صغيرة فحواها أنني أقرأ الكتاب من أجل الحصول على معلومات صغيرة تتعلق بسلامة الحصان فأنا أخشي مني أن أكسر رقبته فصدقتني!. وسمحت لي بإتمام الكتاب.
ووعدتها في المقابل أن أنفذ وعدي لها بأن أعلمها أنواع السباحة التي أجيد وهي عديدة. فسعدت أيما سعادة وهي تعلم أن أمي ولدتني فوق ظهر موجة نيلية صيفية في قلب جزيرة أم أرضة قبالة جزيرة رفيدة من جبل أولياء حيث تتعايش الناس والتماسيح ويبادلون بعضهم البعض التحايا والأشواق. فعلمتها فنونآ من سباحة الصدر والظهر والفراشة والحرة. وعانقتني مرة في المسبح حتي كادت أن تغيب أنفاسني.
عند سيلفيا مقدرة فذة على التلاصق والكلام. فإما يدها في يدي أو عينها في عيني وإلا هناك مشكلة. إن لم نكن على تلك الحالة فهي عادة ما تحسبني غاضب منها أو ما عدت أحبها كالسابق. وعند لحظة الطعام وأثناء الأكل تلاعبني بأقدامها على أقدامي من تحت الطاولة. وإذا ما حدث أن نهضت عند منتصف الليل من أجل الذهاب إلى دورة المياه على سبيل المثال فإنني عادة ما أحتاج لعدد مقدر من الدقائق كي أفرز نفسي منها وأستطيع أن أتعرف على يديي وقدميي من يديها وقدميها.
وسيلفيا تخاف الصمت. هناك مشكلة في الصمت. هي لا تعرف أبدآ أن تحدث نفسها في الداخل. هي شفافة لدرجة أن هواجسها الحقيقية وحقدها كبشر وغضبها وطمعها وجشعها ومؤامراتها وكل ما يحرص البشر العاديون على إخفاءه هي تعلنه. لا شيء مدسوس في دواخلها. صافية. لا يوجد أبدآ مكان في سريرتها معد لإستيعاب مثل تلك الأشياء الفائضة. ليست طبيعية!. لذا إما أن تتحدث هي وكثيرآ ما تفعل أو أتحدث أنا وكثيرآ ما أروي لها من حكاياتي القديمة. سلفيا فتاة عجيبة لم تخطر على خلد الوجود!. كانت صدفة من صدف الطبيعة العمياء. رومانسية، صادقة ، شفافة وجميلة.
لكنها بعد تستطيع أن تتآمر وتخطط!. في يوم السبت الماضي حدثتني عن رغبتها في الصعود إلى قمة الجبل. ليست ببعيدة. وعندما وصلنا إلى هناك وجدتها تحمل ملاية صغيرة ملونة فأستفسرت عنها. فقالت لي خشيت أن تأتيك الحالة فتحملني على الحجارة العارية ، أنا لا أضمن شرك!. فضحكت أنا عندها وضحكت سيلفيا و سمعنا الجبل يضحك معنا متخليآ لبرهة عن صمته الرهيب. ضحك ثلاثتنا في نسق الوجود كل بطريقته. وما هي إلا لحظات وتحولنا بالفعل إلى وحشين في مكانهما المناسب من الطبيعة الوحشية. ثلاث ساعات وأنا تتقمصني روح ذئب جائع وسيلفيا ظبية يانعة.
ثم بكت سيلفيا!. بكت بعدها وهي تعانقني وتنظر في البعيد. بكت على حين غرة. بكت على قمة الجبل وقالت أنها سعيدة وهي ما تزال تبكي وتتساقط الدموع فوق صدرها الوضيء.سعيدة. هي لا تستطيع إلا أن تبكي. تبكي وتسألني متعجبة: من أين جئت أنت!. خلتها تحدث الجبل!. ورأيت حبيبات دموعها اللامعة تختلط بأنوار الليل الوانية التي تنصب علينا من البعيد. فنظرت إلى السماء الصافية. كان ثمة نجوم بعيدة. والفضاء مفتوح على سماوات سبعة. فجاءتني خشية رهيبة من مشهد الكون المهيب. فصليت على شريعة الوقت وناجيت في سري عدداً من الآلهة وفي دخيلتي هاجس مجنون!. إذ أنني تصورت لوهلة أن رهطآ من الملائكة أو الجن ربما هبطوا علي من السماء يريدون بي شرآ كوني أضع في أسري كائن من جنسهم!. لكنهم تقاعسوا!. فظل الملاك ملك يدي.
في يوم الأحد التالي لصعودنا جبل الآلهة (هكذا أسمته سيلفيا) وعند المساء أتصلت سيلفيا على والدتها من تلفون القصر. تحدثا طويلا. كانت سيلفيا جل الوقت تحدث أمها عني بوصفي كائن معجزة. قالت لها «Mijn Man Kan Alles» رجلي يستطيع أن يفعل كل شيء، حتى المستحيل!. إنه يعلم كل شيء عن الناس والطبيعة والمجرات. ويستطيع أن يلعب كرة القدم والمضرب والبلياردو والورق والشطرنج ويكسبها جميعا. ويرقص كيف شاء ويسبح كما الأسماك ويروض الخيول ويصطاد التماسيح. أواه ماما... ويستطيع أن يخاطب الملائكة والجن ويكلم الآلهة من قمة الجبل. أواه ماما... مستحيل!. I love him.
7-7
موت ننو
لسيلفيا مقدرات ومواهب عديدة حدثتكم عن بعضها عند الأحداث الماضية غير أنني لم أحدثكم عن أهم مقدرات سيلفيا على الإطلاق وهي مقدرتها على «الدموع»!. سلفيا تبكي حين تحزن أو تغضب أو تتألم. ذاك أمر طبيعي ربما يفعله كل منا. لكن سيلفيا تسرف.كما أنها لا تبكي فقط عند تلك اللحظات وحدها بل عادة ما تبكي حينما ينتابها شعور غامر بالسعادة وقد فعلتها عديد المرات وهي تعانقي علي شواطيء نهر الراين وفي قمة جبل الآلهة وفي الشارع العام وفي المطبخ وفي الصالون وفي صدري.
وحدث مرة أمر أدهشني أيما دهشة إذ سقطت سيلفيا من دارجتها النارية عند أحد شارات المرور وخدشت خدشآ صغيرآ في ساقها الأيسر وعندما ألتقيتها بعدها مباشرة عانقتني بحرارة وهي تجهش بكاءآ وتقول لي «سوري حبيبي» وترردها عديد المرات وأنا في دهشتي لا أقوى على الفهم «مماذا تعتذر لي» إذ لا مناسبة. وعندما ذهبنا إلى بيتنا وعند المساء سألتها عن سر إعتذارها لي!. فذكرتني أنني كتبتها قبل عدة أسابيع قصيدة رومانسية أشدت فيها ضمن ما فعلت برقتها وعذوبتها وجمالها الروحي لكن أيضآ بتقاسيم جسدها وللحق فهو نسق من الماس والبلور وذكرت في القصيدة التي تقمصتني عندها روح شعراء العذرية الأوائل أنني لا أفرق بين شفتيها وساقيها كله من نور وكله عذب وكله نار. فأخبرتني أن الحكمة من إعتذارها لي أنها تعتبر جسدها ملكي لا ملكها ولا أحدآ من كان غيري ، هو لي أنا وحدي. وأنها رأت أنها لم تحسب حسابها وكادت أن تتسبب في تخريب أحد أهم ممتلكاتي منها وهو ساقها، لكن الأقدار لطفت. فضحكت عندها لوهلة ثم بكيت مثلها دموعآ حرى وأنا أتلمس دموعها الغزيرة وأطمأن على «ساقي» من جديد. يا لها من طفلة عذبة!.
قبل عودة السيدة نيللي بإسبوع واحد وبينما أنا في مزرعة نيللي في أحد العصريات أضع اللمسات الأخيرة على تطويع الحصان بيرا إذا بسيلفيا تأتيني منتحبة والدموع تبلل فستاها الشفيف ناحية الصدر تقول لي «لقد ماتت» وتكررها عديد المرات وأنا في دهشتي أحاول تهدئة روعها علها تخبرني «من مات؟». قالت: ننو!. السمكة الجميلة الملونة. أجمل أسماك السيدة نيللي على الأطلاق. وكانت تلك السمكة محل حب سيلفيا الخاص. وذكرت لي بدرامية أنها تعتقد أن ننو أنتحرت كونها حولتها من حوض إلى آخر، حوض صغير كانت فيه لوحدها لأول مرة في حياتها، وظنت أن ننو شعرت بالوحدة وربما أصيبت ب deep depressionفقررت الإنتحار. عندها ترجلت من حصاني كي أعزي حبيبتي في مصابها الجلل. وعندما دخلت الحجرة وجدت سيلفيا تضع الجثمان على الطاولة وتحدق فيه وتبكي. فهدأت من روعها بطريقة فكاهية وشرعت أصلي بصوت جهور على ننو، وضعت يدي مضمومتين فوق أرنبة أنفي ورددت في خشوع: (ننو الجميلة حبيبة سلفيا حبيبتي، ها أنت قد رحلتي عنا بعيدآ حيث تلقين جدودك وجداتك الأسماك الأوائل فتبدئين رحلة جديدة في بحر الخلود. وأعدك يا ننو أنني وحبيبتنا سيلفيا سنذهب غدآ على ظهر الخيول فنجلب من دكان أسماك الزينة في هانوفر سمكة جديدة في زهوك وجمالك وسنحبها مثلك تمامآ لكننا لن ننساك أبدآ، آمين). ثم كفنت ننو في قطعة من بلاستك وحفرت لها قبرآ صغيرآ بقلمي على حافة المزرعة وقفلنا أنا وسيلفيا راجعين إلى ديارنا. فضحكت بعدها سيلفيا بشهية عندما أنتبهت إلى حقيقة كوننا «ناس مجانين»!.
وعند الصباح الباكر أسرجنا أنا وسيلفيا حصانين من أحصنة نيللي وطفقنا نخب قبالة هانوفر وبدأت أنا كفارس من القرون الوسطى بصحبة عشيقته الأميرة الأثيرة ونظر إلينا الناس في شوارع المدينة بعين ملأها الدهشة والإعجاب والحسد. وعدنا في نهاية المطاف ب «ننو 2»هكذا أسمتها سيلفيا وهي تحملها على ظهر الحصان وأنا أنشدها قصيدة وسيلفيا تحبني وأحبها ويحب حصانها حصاني. وعندما ترجلنا عن قافلتنا بكت سيلفيا من جديد!. قالت أنها سعيدة لا تستطيع إلا أن تبكي
الصحافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.