قلنا ان الملك اراد ان يعرف سر البركة التي تحوي سمكاً مسحوراً حين يخاطبه جن أو جنية تأتيه عبر الحائط فإنه يتحدث إليها وتحادثه ثم ترمي به من فوق الطوة فيتفحم في الحال اقتاد الصياد الملك ومن معه الى مكان البركة التي يأتيهم منها بذلك السمك الملون العجيب ومن هناك قرر الملك ان يمضي في سياحة منفرداً بحثاً عن من يخبره بسر هذه البركة.. وقلنا انه في طوافه وجد قصراً منيفاً مؤثثاً من الداخل ويخلو من السكان فيما عدا شاب وجده نصفه الاسفل حجر ونصفه الاعلى بشر.. وطلب منه ان يحكي له عن البركة والسمك والقصر وعن قعوده منفرداً هكذا وحكى الشاب قصته مع ابنة عمه وهي زوجته التي خرجت من القصر ليلاً وتبعها دون ان تدري حتى بلغت قبة بعيدة دخلتها بينما ظل هو في قمة القبة يرى ويسمع.. رآها مع عبد اسود غليظ الشفاه يتبادلان عبارات الغرام وشهرزاد في الليلة الثامنة واصلت حكايتها لشهريار تحكي ما كان يقصه الشاب للملك الباحث عن الحقيقة قال الشاب: ولما سمعت كلامهما وأنا انظر بعيني ما جرى بينهما صارت الدنيا في وجهي ظلاماً ولم اعرف روحي في اي موضع. وصارت بنت عمي واقفة تبكي وتتذلل بين يدي العبد وتقول له يا حبيبي وثمرة فؤادي فان طردتني يا ويلي يا حبيبي يا نور عيني ومازالت تبكي وتتضرع له حتى رضى عليها ففرحت.. وتمضي بعض الاشياء الصغيرة كالاكل والشراب والاضجاع.. فقال الشاب: فلما نظرت الى هذه الافعال التي فعلتها بنت عمي غبت عن الوجود فنزلت من فوق اعلى القبة ودخلت واخذت السيف من بنت عمي وهممت ان اقتل الاثنين فضربت العبد اولاً على رقبته فظننت انه قد قضى عليه وادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. في الليلة الثانية.. قالت شهرزاد: بلغني ايها الملك السعيد ان الشاب المسحور قال للملك الذي جاءه بحثاً عن الحقيقة.. لما ضربت العبد لاقطع رأسه قطعت الحلقوم والجلد واللحم فظننت انني قتلته فشخر شخيراً عالياً فتحركت بنت عمي وقامت بعد ذهابي فأخذت السيف وردته إلى موضعه واتت المدينة ودخلت القصر ورقدت في فراشي الى الصباح ورأيت بنت عمي في ذلك اليوم قد قطعت شعرها ولبست ثياب الحزن ومكثت في الحزن سنة ثم قالت اريد ان ابني لي قبة في قصرك مثل القبة وانفرد فيه بالاحزان واسميه بيت الاحزان قلت لها افعلي ما بدا لك.. بنت لها بيتاً للحزن في وسطه قبة ومدفناً مثل الضريح ثم نقلت العبد وانزلته فيه وهو ضعيف جداً لكنه يشرب الشراب ومن اليوم الذي جرحته فيه ما تكلم إلا انه حي لأن اجله لم يفرغ.. صارت كل يوم تبكي عنده وتسقيه المساحيق دخلت عليها فجأة ووجدتها تنشد عليه الابيات.. قلت لها وسيفي مسلول في يدي: هذا كلام الخائنات اللاتي ينكرن العشرة واردت ان اضربها فرفعت يدي في الهواء فقامت وقد علمت اني انا الذي جرحت العبد ثم وقفت على قدميها وتكلمت بكلام لا افهمه.. وقالت: جعل الله بسحري نصفك حجراً ونصفك الآخر بشراً فصرت كما ترى وبقيت لا اقوم ولا اقعد ولا انا ميت ولا انا حي.. فلما صرت هكذا سحرت المدينة وما فيها من الاسواق والغيطان وكانت بمدينتنا اربعة اصناف مسلمين ونصارى ويهود ومجوس فسحرتهم سمكاً فالابيض مسلمون. والاحمر مجوس والازرق نصارى والاصفر يهود وسحرت الجزائر الاربع اربعة جبال واحاطتها بالبركة ثم انها كل يوم تعذبني وتضربني بسوط مائة ضربة حتى يسيل الدم ثم تلبسني من تحت هذه الثياب ثوباً من الشعر على نصفي الفوقاني ثم انخرط يبكي.. قال له ذلك الملك الذي ترك جيشه وأهله خلفه بحثاً عن حقيقة البركة وسمكها العجيب وعن حقيقة القصر وحقيقة الشاب. وأين تلك المرأة؟ قال: في المدفن الذي فيه العبد راقد في القبة. قال الملك: والله يا فتى لافعلن معك معروفاً اذكر به وجميلاً يؤرخونه سيراً من بعدي. ثم جلس الملك الباحث عن الحقيقة يتحدث مع الشاب المسحور الى ان اقبل الليل ثم صبر الملك الى ان جاء وقت السحر فتجرد من ثيابه وتقلد سيفه ونهض الى المحل الذي فيه العبد فنظر الى الشمع والقنديل ورأى البخور والادهان ثم قصد العبد وضربه فقتله ثم حمله على ظهره ورماه في بئر كانت في القصر ثم نزل ولبس ثياب العبد وهو داخل القبة والسيف معه مسلول.. وبعد ساعة اتت الساحرة وعند دخولها جردت ابن عمها من ثيابه واخذت سوطاً وضربته فقال: آه.. يكفيني ما انا فيه فارحميني قالت: هل انت رحمتني وابقيت لي معشوقي ثم ألبسته اللباس الشعر والقماش من فوقه ثم نزلت الى العبد ومعها قدح الشراب دخلت عليه القبة وبكت وقالت يا سيدي كلمني.. حدثني فخفض الملك صوته وعوج لسانه.. آه.. آه.. لا حول ولا قوة إلاّ بالله فلما سمعت كلامه صرخت من الفرح.. قالت لعل سيدي صحيح فخفض الملك صوته وقال: انت لا تستحقين ان أكلمك قالت: ما سبب ذلك؟ قال: سببه انك طوال النهار تعاقبين زوجك وهو يصرخ ويستغيث حتى حرمتيني النوم من العشاء الى الصباح ولولا هذا لكنت تعافيت.. قالت: عن اذنك اخلصه مما هو فيه قال: خلصيه واريحينا ثم قامت وخرجت من القبة الى القصر واخذت طاسة ملأتها ماء ثم تكلمت عليها فصار الماء يغلي ثم رشته منها وقالت بحق ما تلوته ان تخرج من هذه الصورة الى صورتك الأولى.. فانتفض الشاب وقام على قدميه وفرح بخلاصه فقالت: اخرج ولا ترجع الى هنا والا قتلتك.. نزلت الى القبة وقالت يا سيدي اخرج حتى انظرك.. (يتبع)