عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل الشريف حسين أهدر الفرصة التي لاحت ثانية لتصحيح مسار الحزب الاتحادي حلقة (3)
نشر في الراكوبة يوم 20 - 10 - 2013

زين العابدين الهندي على درب الأزهري سلم الحزب للسيد محمد عثمان الميرغني
المراغنة دخلوا القصر الجمهوري باسم الديمقراطية ودخلوه تحت الدكتاتورية العسكرية
في الحلقة السابقة ورد سهواً إن كتاب السيد محمد احمد محجوب (الطريق للبرلمان) والحقيقة إن هذا عنوان كتاب الزعيم الأزهري أما كتاب
المحجوب فهو(الديمقراطية في الميزان‘) المعذرة لهذا الخطأ غير المقصود والشكر لكل من اتصل أو عقب مصححاً:
وفى الحلقة السابقة قلت أن أكبر مفارقة في عهد الشهيد الأزهري انه أعاد الحزب للوحدة مع الطائفية تحت مسمى الحزب الاتحادي الديمقراطي فجمع نقيضين لا يجتمعان لو إننا أعملنا المنطق بين نصف اكبر يتزعمه الأزهري لا يهادن الانقلابات ونصف يمثل العنصر طائفي لا يرفض الدكتاتورية والعسكرية.
هذه التناقضات سبقها انفصال طائفة الختمية من الحزب يوم كونت حزب الشعب الديمقراطي وبانفصالها أهدرت الأغلبية التي كان يتمتع بها الحزب في أكثر الأوقات أهمية لأنها أخلت بميزان القوى لصالح طائفة الأنصار كما لا تقف هذه التناقضات عند تأييد ومباركة السيد على الميرغني لاستيلاء العسكر على السلطة متفقا مع حزب الأمة الذي أسلم السلطة للعسكر هربا من الديمقراطية حتى يسد الباب أمام عودة الأزهري للسلطة إلا إن ما هو اخطر انه في الوقت الذي قام فيه الحزب الوطني الاتحادي بإعلان مناهضته للانقلاب واخذ قادته وعلى رأسهم الزعيم الأزهري طريقهم نحو سجون الانقلاب ( في ناقشوط ) كانت القيادات المتحالفة مع الطائفة من الحزب والتي أسست حزب الشعب الديمقراطي كانت ترفع مذكرتها الشهيرة المؤيدة للانقلاب والتي عرفت بمذكرة (كرام المواطنين) والتي أعلنوا فيها تأييدهم لاستيلاء العسكر على السلطة لهذا كان قبول الأزهري مبدأ بعودة الوحدة بين الشريكين المتناقضين أمر ليس له من تفسير إلا رغبة الأزهري في السلطة كما أشرت وكانت هذه الخطوة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وهى تحرر شهادة الوفاة لحزب كان يملك كل مقومات النجاح حيث أصبحت مكوناته من شريكين احدهما طائفي لا يعترف بالمؤسسية الديمقراطية ويؤيد الانقلابات العسكرية وبين طرف ثاني.
يرفض الانقلابات العسكرية ويستشهد قادته دفاعا عن الديمقراطية ولعل هذا التناقض أصبح ملازما للحزب وبصورة اشد حدة وعنفا منذ ورث السيد محمد عثمان الميرغني زعامة الحزب بعد أن تمكن من إحكام قبضته عليه الجناح الموالى للانقلابات العسكرية
فهل نملك أمام هذه الحقيقة غير أن نقول إن هذه التناقضات كتبت النهاية المبكرة لحزب الحركة الوطنية لهذا من الطبيعي آن يكون هذا هو حاله اليوم.بعد أن مزقته الطائفية لقطع متنافرة.
ولابد هنا من وقفة أمام هذا التطور السالب الذي دفع بحزب الحركة الوطنية لان يعود ويتوحد مع نقيضه واكبر مخالفيه الرأي.
الحقيقة وان كانت مؤسفة أو محبطة للبعض لما اعلمه إن هناك من لا يقبل المساس بالشهيد الأزهري لما له من مكانة وجهد وطني لا يمكن التقليل منه و دفع حياته ثمناً له إلا إننا ولاستيعاب الدرس من التاريخ علينا أن نواجه الحقيقة فالذي دفع الأزهري على الإقدام على هذه الخطوة التي أضاعت الحزب انه تطلع يومها لرئاسة الجمهورية بعد أكتوبر وأصبحت القضية عنده حساب الأصوات الانتخابية التي تقود للرئاسة إلا إن الثمن كان غاليا على الحزب حيث كانت هذه الخطوة واحدة من حساباته لهزيمة نده التقليدي حزب الأمة المنافس له على الرئاسة طالما إن ما حدث من انقسام في الحزب يصب لصالح خصمه خاصة وانه قد برز في ذلك الوقت تقاربا كبيرا بين حزب طائفة الختمية وبين الحزب الشيوعي السوداني حيث برزت وجهة نظر ثالثة تمحورت فئ تقديم شخصية السيد بابكر عوض الله للترشح كمنافس ثالث لرئاسة الجمهورية وبالرغم من إن حسابات المعركة لم تكن ترجح كفة هذا المعسكر الثالث إلا إنها ستكون خصما على موقف الأزهري لان ترشح المجموعة الثالثة سيكون خصما على مؤيدي الأزهري ولن يضار أو يتأثر منهم مرشح نده التقليدي حزب الأمة .مما ضاعف من رغبته وتنازله لقبول توحد الحزب رغم مواقف الطائفة من الدكتاتورية العسكرية ه يؤكد ذلك ردود الفعل الغاضبة والحقد الشخصي للزعيم الأزهري على الحزب الشيوعي والغريب انه حقد على الحزب الشيوعي وناصبه العداء لأنه مارس ورشح سكرتيره ضده في معركة النيابة كما تحالف مع الحزب المنشق في معركة الرئاسة في الوقت الذي لم يحقد على الطائفة التي كانت السبب في كل ما لحق به حزبه.
هكذا كانت عودة الأزهري وقيادة حزبه للوحدة ثانية مع طائفة الختمية التي كتبت نهاية حزب الحركة الوطنية تحت مسمى الحزب الاتحادي الديمقراطي من اجل هذا الهدف المصلحى
وبالطبع فان غياب المؤسسية الديمقراطية في حزب الحركة الوطنية كان له الأثر السالب في هذه الخطوة لان مثل هذه الخطوة وقرار عودة الجمع بين النقيضين لا يقررها إلا مؤتمر عام للحزب بإرادة قاعدته وليس بإرادة زعيمه أو المجموعة التي حوله فهذا تعدى واضح على حق القاعدة التي أحبطها عودة الحزب للطائفية لأنها سبق وقالت كلمتها يوم حققت للقيادات الوطنية تميزا على حزب الطائفة يوم انقسم واحتكم لصناديق الاقتراع ولكن قيادات الحزب تحت زعامة الأزهري تعاملت مع هذه القضية بفردية واتخذت قرار العودة والتوحد الخطير دون الرجوع لقاعدة الحزب ليعيد الأزهري بهذا موقفه التاريخي يوم تراجع عن وحدة وادي النيل دون أن يرجع للناخبين ووحد حزبه مع الطائفة التي يعلم ما ستجره من مشكلات في الحزب.
بل لم يقف موقف الأزهري ى من هذه القضية عند هذا المسلك حيث اختتم سلسلة الأخطاء والتناقضات عندما وقف بجانب واد الديمقراطية يوم أيد ونادى بحل الحزب الشيوعي وبل ليصبح داعية لدستور إسلامي ى دون أن يحتكم لقاعدة الحزب ليستبين موقفها من كلتا القضيتين. رغما عن إنها قضايا فاصلة لا يجوز لأي مجموعة أن تنفرد بالقرار فيها حيث إن الأولى هزيمة للديمقراطية والثانية تتهدد البلد بالتشرذم والانقسامات.
فهل يعقل لرئيس حزب ديمقراطي راهن عليه الشعب ليؤسس لمؤسسية ديمقراطية ورئيس مجلس سيادة الدولة في نفس الوقت أن يهدد برلمان الدولة المنتخب ديمقراطيا بأنه إذا لم يقرر طرد نواب حزب منتخبين عبر صناديق الاقتراع نفسها التي جاءت به رئيسا للبلد طردهم من عضوية البرلمان ومن من ؟ من نواب جاءوا للبرلمان عبر نفس صناديق الاقتراع وذهب الأزهري لان يتهدد البرلمان بأنه سيقود المظاهرات ضده إذا لم يفعل ذلك فأي موقف يتعارض مع مبادئ حزب الحركة الوطنية إذن اخطر من ذلك فهل يمكن أن يصدر عن فرد أو أفراد في حزب الحركة الوطنية الذي يرفع لواء الديمقراطية مثل هذا القرار وهو موقف لا يملكه إلا المؤتمر العام للحزب ولكن ماذا نقول والحزب لم يعرف مؤتمرا عاما عبر تاريخه حتى اليوم بل عرف عن رئيس الحزب نفسه عبارته الشهيرة التي يفصل بها من لا يخضع لطاعته والتي يزين بها بيانات الفصل من عضوية الحزب والتي يقول فيها (إلى من يهمهم الأمر سلام) لكل من يخالفه في الرأي والذين طالبوه بالديمقراطية في الحزب ورفضوا له انفراده بالقرارات ولعل اشتر هذه المواقف يوم تصدرت هذه العبارة قرار الأزهري بفصل الشريف زين العابدين الهندي يوم قررت لجان الحزب بدائرة برى الانتخابية ترشحه للبرلمان ضد مرشح الحزب الشيوعي احمد سليمان إلا إن الزعيم رفض له الترشح وأمره بالتنازل لمرشحه هو السيد ابراهيم جبريل الذي ترفضه لجان الدائرة ولكن أمام إصرار لجان الدائرة بان تقرر هي مرشح الدائرة وان هذا من حقها وليس حق الزعيم في شخصه وتمسك الشريف بتلبية طلبها في الترشح فكان أن اصدر الأزهري قرار فصله وتصدرت العبارة المذكورة قرار فصل الشريف من الحزب إلا انه واصل الترشح باسم الحزب رغم فصل الرئيس له لتكشف نتيجة انتخابات الدائرة الخطأ الذي ارتكبه الزعيم في حق الديمقراطية في الحزب وهو يضيع على الحزب فوزا مستحقا وبفارق كبير بعد أن اثبت الواقع أن قراره افقد الحزب الدائرة لمرشح الحزب الشيوعي حيث إن الأصوات الضئيلة التي حققها مرشح الزعيم كانت خصما على مرشح لجان الدائرة وكانت كفيلة بتحقيق الفوز لمرشح لجان الحزب في الدائرة.
نظام الحكم المطلوب للبلد دون الرجوع لعضوية الحزب فكيف له إذن أن ينادى بدستور إسلامي وهو يعلم ما قد تسببه هذه الدعوة من ردود فعل رافضة من جهات سودانية لا تقبل بالعنصرية الدينية وها نحن نلمس مخاطر هذه الدعوة اليوم فلقد أصبحت سبباً في الحروب الأهلية في أكثر من منطقة بالسودان بسبب هذه القضية لأنها رسخت للعنصرية الدينية والعربية يوم جاء للحكم نظام فرض الحكم الإسلامي بقوة الانقلاب العسكري.
ولعل اكبر أخطاء وممارسات حزب الحركة الوطنية انه يتحمل المسئولية الاكبر في ما صحب قضية الجنوب التي انتهت اليوم بانفصاله الذي أصبح كارثة على السودان فلقد فشل الحزب في قراءة قضية الجنوب وفشل في التعامل معها بما يحقق الهوية السودانية الشاملة للعنصريات غير العربية والإسلامية وعلى رأسها الجنوب لان تعامله مع القضية اتسم بقصر النظر في مطالب الجنوب في بداية العهد الوطني والتي لم تطالب بأكثر من نظام فدرالي في إطار الدولة الموحدة ومع ذلك تجاهل الحزب القضية بل ساعد في تعقيدها عندما خرج زعيم الحزب الأزهري نفسه داعيا لحكم البلد بدستور إسلامي متجاهلا ما يعنيه هذا الانحياز والتعصب لدين واحد من أثار سالبة على الجنوب كما انه قدم نموذجا سيئا للحكم الوطني وهو يفقد الجنوب ثقته فيما يبرمه من اتفاقات مع الجنوب لا يلتزم بها حتى عرف الشمال بالنكوص عن العهود فلكم من مرة نكصت القوى الشمالية الحاكمة عن ما وعدت به الجنوب والذي كان سيصون وحدة السودان فكان هذا خطأ استراتيجي شارك في ارتكابه حزب الحركة الوطنية وهاهو الجنوب اليوم ينفصل عن السودان أمام إصرار النظام الحاكم على فرض الحكم الإسلامي الذي سبق أن دعي الأزهري إليه باسم حزب الحركة الوطنية في مفارقة كبيرة.
لهذا فان التاريخ لن ينسى هذه الواقعة التي تؤكد سوء التقدير لهذا المطلب الذي يمزق وحدة السودان مع انه كان الحزب الوحيد الذي يملك التأهيل لاختراق الجنوب وتوسيع قاعدة الحزب فيه إذا ما تفهم قضيته واحترم حقوقه الشرعية خاصة ولفعل ذلك في كل مناطق السودان التي تعانى من فوارق جهوية وعنصرية ودينية وهى القضايا التي تتهدد السودان اليوم بالتمزيق وتحقق مصالح التآمر الأجنبي على السودان لأنه لم يكن صوتا لطائفة دينية تحد من قدرة اختراقه للجنوب الذي كان بذرة صالحة لانتشار حزب الحركة الوطنية جنوبا بل وغربا.
هكذا كانت المرحلة التاريخية الأولى للحزب التي ترتبط بفترة الزعيم الأزهري والسيد على والتي عابها كما ترون الكثير من الأخطاء من حزب كان يفترض أن يكون مؤسس الديمقراطية والحكم الوطني إلا إن سلبيات المرحلة الثانية والأخيرة من ممارسات الحزب مرحلة السيد محمد عثمان الميرغني الذي ورث الحزب تبقى هي الأخطر والتي ستكون لها وقفة خاصة في هذه الحلقات وهى وقائع لابد من مواجهتها للاستفادة من دروسها أن كان هناك أمل في أن ينشا حزب حركة وطنية بديل متحرر من هذا الواقع وهذا لن يتحقق إلا بمواجهة تاريخ حزب الحركة الوطنية دون مجاملة حتى يتعظ البديل من المسيرة السالبة لحزب الحركة الوطنية الذي كان يمثل الخيار الوحيد للبلد إلا انه فشل في ذلك.
ومع هذا فان القيادات الوطنية التي تصدت للمرحلة الأولى فإنها رغم سلبياتها التي أوردتها فإنها قدمت الكثير من التضحيات والجهد الصادق من اجل الوطن حتى إن بعض قادتها قدموا حياتهم من اجل الوطن إلا إن قلة خبرتها السياسية أعجزتها عن التعامل مع قضايا الوطن بما تستحق من اهتمام وعلى رأسها غرس القيم الديمقراطية لتأسيس سودان مؤسسي ديمقراطي إلا إنها لم تكن مهيأة لمواجهة هذه القضايا وتفتقد الخبرة ورهانها وفكرها كان موجها لوحدة وادى النيل ولم يكن في حساباتها إنها ستواجه الاستقلال الذي حملته التحولات في مصر صدفة فلقد كانت خالصة النوايا بالرغم مما ارتكبته من أخطاء تاريخية لا تقلل من قدرهم لما واجهوه من ظروف صعبة لازمت الاستقلال بعكس ما هو الحال في المرحلة الثانية والتي شيعت الحزب لمثواه الأخير.
ولكن وقبل الولوج في تفاصيل هذه المرحلة الأخيرة التي ترتبط بمرحلة السيد محمد عثمان الميرغني والشريف زين الهندي فانه لابد من الوقوف عند محطة هامة تخللت الفترتين كان من حظ الحزب العاثر إنها كانت الأقصر عاد فيها الأمل من جديد لإعادة تأسيس حزب الحركة الوطنية وهى الفترة التي لاحت فيها ولاية الشهيد الشريف حسين الهندي خاصة بعد رحيل الشهيد الأزهري وهى الفترة التي ضعف فيها دور طائفة الختمية وبدأ في التقلص في طريقه للنهاية بسبب مواقفها المتواطئة مع الانقلابات العسكرية حيث كان حزب الحركة الوطنية موعود تحت زعامة الشريف حسين بان يسترد ذاته وان يضعف وجود طائفة الختمية فيه إلا إن الشريف اختطفته يد المنون والسودان والحزب في أمس الحاجة إليه حيث كان الحزب موعودا تحت قيادة الشريف حسين الهندي لتحرر تام من أي نفوذ للطائفة في الحزب لان شخصية الشريف حسين كانت بالقوة التي همشت نفوذ الطائفة فئ الحزب وأخرست صوتها بسبب مواقفها المؤيدة للانقلاب العسكرية وكانت شخصية الشريف بدأت في الصعود كرقم ورمز قيادي منذ حياة الزعيم الأزهري عندما كان وزيرا للمالية بماكينة زعيم كبير ساعده على ذلك تصديه القوى لمواجهة الطائفية وبصفة خاصة زعيم حزب الأمة الصادق المهدي الذي كان قد انتزع القيادة من السيد محمد احمد محجوب وهو في سن الثلاثين بعد أن حسم آل المهدي أمر الحزب وقرروا قيادة أسرة المهدي للحزب مباشرة حتى أصبح اليوم حزب أسرة بعينها يتوارثونه إلا إن انقلاب مايو 69 حال دون أن يحقق الشريف ما خطط له للملمة الحزب وإكمال مشواره في تحرير الوطن من هيمنة الطائفية سواء كانت على مستوى الحكم في مواجهة زعيم الأنصار السيد الصادق المهدي أو على المستوى الحزبي لإسكات صوت طائفة الختمية في حزب الحركة الوطنية.
والمفارقة هنا إن موقف طائفة الختمية ممثلة في زعيمها الجديد الذي ورث الطائفة عن والده لم يختلف عن موقف السيد على في تأييده لانقلاب نوفمبر بل ما حدث في انقلاب مايو ثم من بعده يونيو فلقد كانا اخطر وأفظع حيث شهدا دخول آل البيت المكتب السياسي لانقلاب مايو الذي استشهد في مواجهته الأزهري والشريف حسين كما دخلوا القصر الجمهوري في انقلاب يونيو في ارفع مناصب النظام وهو ما تؤكد الوقائع انه أكثر خطورة كما سنرى من التفاصيل.
فتأييد طائفة الختمية لانقلاب مايو لم تقف على برقية التأييد ومذكرة كرام المواطنين وإنما امتدت للمشاركة في النظام الدكتاتوري الذي شهد معارضة قوية من قادة الحركة الوطنية حيث استشهد في سجونه الزعيم الأزهري ولحق به الشريف حسين الهندي الذي شارك في تأسيس جبهة وطنية لإسقاط النظام من خارج السودان والتي نظمت عملا مسلحا في مواجهته ولم توفق إلى أن عاد الشريف للسودان شهيدا محمولا من خارج السودان لهذا فان المفارقة انه بالرغم من مواقف زعماء الحزب الوطني الاتحادي من قادة الحركة الوطنية الأزهري والشريف ورفاقهم الذين اخذ أغلبيتهم طريقهم لسجون الانقلاب فان طائفة الختمية انصرفت للمشاركة في سلطة الانقلاب ولم تقف فقط على برقية التأييد بل أشركت الطائفة سكرتير حزب الشعب الدكتور احمد السيد حمد وزيرا في حكومة الانقلاب ولقد أكد الدكتور احمد السيد بعد الانتفاضة انه شارك بأمر من زعيم الطائفة السيد محمد عثمان الميرغني كما إن موقف زعيم الطائفة لم يكتفي بمشاركة الدكتور احمد السيد حمد ممثلا له في الوزارة وإنما ذهب لان يشرك السيد احمد الميرغني شقيق زعيم الطائفة أن يشركه عضوا في المكتب السياسي للانقلاب الذي رحل على رأس ضحايا الأزهري والهندي مما يؤكد تناقض المنهجين بين الحزب الوطني الاتحادي وحزب طائفة الختمية لهذا جاء موقف الغول مناهضا للدكتاتورية مقدما في مناهضتها اكبر زعمائه شهداء ناضلوا ضدها بينما أصبح الطرف الثاني الذي ارتضى عودته الأزهري للحزب في وحدة لم يكن لها ما يبررها و لأسباب خاصة ليؤكد الخطأ الذي ارتكبه زعيم الحزب الأزهري يوم ارتضى الوحدة مع شريك مسرف في تأييد الدكتاتورية بل والمشاركة فيها ويا له من سوء حظ الحزب والشريف حسين يرحل قبل أن يكمل ملفاته التي ناضل من اجلها سواء ضد الدكتاتورية العسكرية أو الطائفية.الأمر الذي ادخل الحزب في نفق أكثر خطورة تحت قبضة السيد محمد عثمان الميرغني.
حقيقة لقد كانت هناك مفارقات اغرب لزعيم الطائفة الذي ورث والده حيث انه كانت له مواقف بعد انتفاضة ابريل لما عاد الحزب الاتحادي الديمقراطي وقد فقد زعيمه الثاني الشريف حسين الهندي ولقد كانت مرحلة ما بعد الانتفاضة تشهد ضعفا واضحا في موقف الطائفة في الحزب بسبب موقفها من مايو مما كان يشير لنهاية عهد الطائفة في الحزب لولا إن عودته للأضواء يسال عنها الشريف زين العابدين الهندي الذي رحل عن دنيانا وهو نادم على ماف عله بحق الحزب لأنه اسلم أمره للسيد زعيم طائفة الختمية يوم وقف بجانب عودة الطائفة للحزب فأعاد بموقفه هذا ارتكاب نفس الخطأ الذي سبقه إليه الأزهري.
_ وربما يكون اخطر- لان نتيجته النهائية جاءت اخطر فلقد امتلك السيد محمد عثمان الحزب_ فلقد أعاد الشريف زين العابدين الهندي طائفة الختمية للحزب الاتحادي في وقت كانت قد بلغت نهايتها السياسية حيث كانت مرفوضة من كل الاتحاديين الوطنيين بسبب موقفها للمرة الثانية من الانقلابات العسكرية وكان الاتحاديون قد أسقطوها تماما من الحزب بل وكثيرون من قادة الحزب الذين زاملوا الأزهري والشريف حسين نضالهم ضد الانقلاب قد رفضوا انخراطهم في الحزب بسبب مواقفهم الانقلابية إلا أن الشريف زين العابدين الهندي وكان الأكثر نفوذا في الحزب أو بتعبير أدق الأكثر قبولا يومها قد أصر على عدم اتخاذ موقف رافض لوجودهم في الحزب وحجته في ذلك إنهم كيان منظم سوف يقوى الحزب الذي تفككت أوصاله وفقد قياداته مما اجبر الكثيرين من قادة الحزب المناضلين ضد الدكتاتورية أن يرفضوا عودتهم للحزب وان يجلسوا جنبا إلى جنب مع طائفة مؤيدة للانقلابات العسكرية فانفض منهم من انفض عن الحزب وفئة أخرى منهم فضلت أن تنشئ للمرة الثانية الحزب الوطني الاتحادي وعلى رأسهم الحاج مضوي واحمد زين العابدين وعلى محمود حسنين وطيفور الشايب وكثيرون غيرهم إلا إن الحزب وبسبب موقف الشريف زين العابدين الذي وقف بجانب الميرغني والطائفة والذي ارتضى أن تكون هيئة خمسينية للحزب نصفها من العائدين من ساحة النضال ضد الانقلاب والنصف الثاني من أنصار الطائفة الذين ارتبطوا بالانقلاب وهى الهيئة الخمسينية التي تولت أمر تنظيم الحزب بصفة مؤقتة والتي اختارت الشريف أمينا عاما للحزب ولم تسمى الميرغني رئيسا له لأنه لم يكن للميرغني أي نفوذ فيها وكان هذا وحده مؤشرا لرفضه وكانت الهيئة الخمسينية قد كلفت بفترة انتقالية مؤقتة لستة أشهر تعمل فيها الأمانة العامة التي تولاها الشريف لتنظيم قواعد الحزب وعقد مؤتمر عام للحزب لينتخب هيئته القيادية ويسمى رئيسا للحزب وهو ما لم يحدث حتى اليوم وبهذا المسلك هيا الشريف المسرح للسيد محمد عثمان الميرغني لان يعيد ترتيب أوراقه حتى احكم قبضته على الحزب ولعلني قد أوضحت في حلقة سابقة كيف إن الشريف وفر الحماية لزعيم الطائفة يوم رفض جهود هيئة دعم وتوحيد الحركة الاتحادية التي وقف بجانبها 37 من نواب الحزب لانحيازه لجانب الميرغني الذي رفض وحارب الهيئة في جهودها لتوحيد الحزب وتأكيد ديمقراطيته لأنه كان سيكون أول ضحايا هذه الديمقراطية لأنه حتى ذلك الوقت كان يواجه رفض الاتحاديين له بسبب مواقف الطائفة من الانقلاب الذي استشهد قادة الحزب في مواجهته.
أما المفارقة الأكبر فان الميرغني الذي استثمر موقف الشريف منه لتقوية نفوذه في الحزب فانه قد وجه حربه ضد الشريف شخصيا حتى لا يرث زعامة الحزب تنفيذا لمقولته الشهيرة بأنه لن يرتكب الخطأ الذي ارتكبه والده الذي سمح للأزهري أن يصبح زعيما للحزب فكانت المفارقة الكبرى انه اجبر الشريف هذه المرة لينقسم هو على الحزب ويعلن عن تكوين ما سماه الحزب الاتحادي الأمانة العامة مفسحا بهذا التصرف المسرح للسيد الميرغني ليهيمن على الحزب وقد فعل..ويا لها من مفارقة غريبة فلقد قبل الأزهري عودة الطائفة لحظيرة الحزب وكان هو الطرف الأقوى الذي يملك أن يصفى وجودها من الحزب ثم عاد الشريف ليخرج هو عن الحزب ويخلى الجو للميرغني ليحكم قبضته به بعد أن أصبح هو الطرف الأضعف مما مكن السيد من استغلال الظروف غير الطبيعية التي لاحت له ليحكم قبضته على الحزب تماما خاصة بعد رحيل الشريف زين العابدين نفسه والذي رحل كما قلت وهو نادم على ما فعله في حق الحزب يوم اسلم أمره للطائفة كما فعل من قبل الأزهري ولم يخلف وراءه أي رقم قيادي قادر على مواجهة الميرغني ولعل ما شاب هذه المرحلة من تفاصيل يؤكد كيف إن غياب المؤسسية الديمقراطية عن الحزب كانت وبالا على الحزب حتى أسلمت أمره تماما لهيمنة أسرة الميرغني على الحزب حتى أصبح إرثاًٍ كأي حديقة أو بناية أسوة بأسرة المهدي في حزب الأمة والى المزيد من التفاصيل في الحلقة القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.