دارفور والإنقاذ فصول من المعاناة الممتدة (2) شكل جديد من الصراع القبلي في دارفور: استخدمت حكومة الإنقاذ التركيبة القبلية الهشة في دارفور في صراعها مع الحركات المتمردة هناك, وذلك بالزج بالقبيلة في أتون هذا الصراع, وقد تمت تعبئة بعض القبائل العربية تحت دعاوي الاستهداف والإبادة من قبل الحركات المسلحة التي ينتمي منسوبيها إلى القبائل الأفريقية بالولاية على حسب زعمها, وإن هذه الحركات يقف وراءها بعض المنظمات الغربية والصهيونية المعادية للعروبة والإسلام .. وكذلك استعانة الحكومة بمرتزقة حروب تم جلبهم من بعض البلدان الأفريقية المجاورة, وتم تجيّش هذه المكونات المحلية والخارجية ذو الجذور العربية لمواجهة الحركات المسلحة.. وصارت الحكومة تدير صراعها في دارفور بالوكالة عبر هذه المليشيات والتي اشتهرت بمسمى الجنجويد, واستخدمت سياسة التفرقة بين المكونات الاثنية بالولاية عرباً وأفارقة. قاد كل ذلك إلى تفكيك النسيجي الاجتماعي في دارفور وعمق من شكل الصراع القبلي وأضاف بُعد جديد للصراع القبلي وهو البعد السياسي بكل آثاره التي لا تزول في المدى القريب .. وقاد ذلك إلى التغير في شكل وأسباب الصراع القبلي الذي كانت أسبابه في الغالب تتمحور حول الأراضي والمراعي والتي كانت تحل في إطار المصالحات القبلية التي تقودها الإدارات الأهلية ولا تمتد آثارها لأبعد من المحيط المكاني للمشكلة.. وقد صارت الآن كثيراً من الصراعات القبلية مفتعلة ويقف وراءها أطماع ومخططات السياسيين في التنظيم والانتهازيين من أبناء الولاية ويدفع ثمنها غالياً سكان الولاية بكل مكوناتها القبلية بلا استثناء .. فهؤلاء الانتهازيين استغلوا القبيلة في تحقيق مطامعهم السياسية والتقرب لحكومة المركز ومساعدتها على تنفيذ أجندتها في الولاية, الأمر الذي جعل نار الحرب بين قبائل الولاية موقدة بلا انطفاء .. فكلما انطفأت ناراً للفتنة القبلية أوقدوا أخرى .. كما ان قادة المليشيات المسلحة التي تتبع للحكومة من أبناء الولاية قد تحولوا إلى تجار حرب وأصبحوا من أثرياء العهد الجديد ولضمان استمرارية وضعهم الجديد لابد من استمرار الصراع والحرب, فأصبحت الحروبات تدور حتى داخل القبائل ذو الاثنية المشتركة وداخل القبيلة الواحدة وربما يصل الأمر حتى أبناء العمومة. وسياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها حكومة الإنقاذ في محاربة القبائل التي انضم بعضاً من أبنائها لحركات التمرد في دارفور قد خلفت أعداداً مهولة من النازحين واللاجئين والمشردين, وخلفت دمار في البنية العمرانية لأكثر من 70% من المناطق الريفية لهذه القبائل, فهجرت معظم هذه القبائل مناطقها الأصلية تحت ضربات الطيران الحربي الحكومي ونيران مليشيات الجنجويد .. ولاحقاً استوطنت هذه المناطق الوافدون الجدد من منسوبي القبائل العربية الذين تم جلبهم من بعض البلدان الأفريقية .. وقد أضاف ذلك بعد جديد للصراع القبلي في الولاية, صراع بين قبائل الولاية وهؤلاء الوافدين الجدد ومرتزقة الحروب الذين احتلوا أراضي القبائل المحلية ومراعيها ومزارعها الخصبة وقد طاب لهم المقام بقوة السلاح وبمباركة الحكومة .. دارفور خارج حسابات حكومة الأخوان: وبعد فشل المشروع الحضاري الأفريقي الإسلامي وانسحاب حكومة الإنقاذ من العمق الأفريقي تحت الضغط العالمي (وقد ورد ذلك في الحلقة الأولى من هذا المقال), تراجعت أهمية دارفور الإستراتيجية بالنسبة للتنظيم الاخواني, ولكن سعت حكومة المركز لتعويض خسائرها مالياً, حيث مثلت دارفور الكبرى مورد اقتصادي ذو أهمية كبيرة في برنامج التمكين الإنقاذي .. فخلال العشرة أعوام الأولى من حكم الإنقاذ كانت دارفور بولاياتها الثلاثة تمثل اكبر مورد مالي داعم لخزينة المركز .. وقد مثلت فترة الوالي الحاج عطا المنان في ولاية جنوب دارفور, والذي كان يمثل أيضاً منسق غير رسمي لبقية ولايات دارفور في المركز, مثلت هذه الفترة فترة جرد اقتصادي وتقييم استراتيجي شامل لكل ولايات دارفور, والتخطيط لما بعد ذلك, فالرجل استنزف الولاية الأغنى اقتصادياً في دارفور "ولاية جنوب دارفور" استنزفها مالياً وأفقرها اقتصاديا وتركها مثقلة بالديون والالتزامات المالية, ثم دق إسفين التفرقة بين مكوناتها القبلية ورحل .. وبعد اندلاع التمرد في دارفور والحرب التي كانت قائمة في الجنوب والحروبات التي شملت ولايات الشرق والنيل الأزرق وجنوب كردفان, الحروبات التي نتجت من التهميش والإهمال وانشغال حكومة المركز بمشاريعها الهلامية والتمكين الاقتصادي والسياسي للتنظيم ومنسوبيه. وقد أثقلت تلك الحروبات خزائن الحكومة وتعارضت مع مشروع التمكين المالي, ظهر بعض منظري الإنقاذ منادين بفصل تلك الولايات الهامشية عن السودان نسبة لعدم جدواها الاقتصادي في المدى البعيد, وربما يظهر ذلك جلياً في نظرية المثلث الاقتصادي لحمدي .. والذي يمثل رؤية مجموعة كبيرة من منسوبي التنظيم .. وهناك الآن كثيراً من الإشارات التي تفصح عن نية هذه الحكومة في فصل دارفور .. والآن وقد انتهت الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية لدارفور بالنسبة لحكومة الإنقاذ فربما لم يتبقى غير اكتمال سيناريوهات الفصل ... فهل نشهد جزءاً آخر يتهاوى من ارض هذا الوطن المثخن بالجراح؟ . [email protected]