أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان يكشف عن انتهاكات خطيرة طالت أكثر من 3 آلاف شخص"    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    سيناريوهات ليس اقلها انقلاب القبائل على المليشيا او هروب المقاتلين    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    خطوط تركيا الجويّة تدشّن أولى رحلاتها إلى السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. خلال حفل بالقاهرة.. فتيات سودانيات يتفاعلن في الرقص مع فنان الحفل على أنغام (الله يكتب لي سفر الطيارة) وساخرون: (كلهن جايات فلاي بوكس عشان كدة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    حياة جديدة للبشير بعد عزله.. مجمع سكني وإنترنت وطاقم خدمة خاص    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    هدف قاتل يقود ليفربول لإفساد ريمونتادا أتلتيكو مدريد    كبش فداء باسم المعلم... والفشل باسم الإدارة!    ((أحذروا الجاموس))    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    مبارك الفاضل..على قيادة الجيش قبول خطة الحل التي قدمتها الرباعية    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    السودان يستعيد عضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العربي لكرة القدم    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خواطر الجمعة .
نشر في الراكوبة يوم 06 - 12 - 2013

قبل البدء في الخواطر ، لابد من كلمة وداع في حق اشهر زعماء العالم اجمع ومناضيله ، فقد رحل مساء امس الخميس الزعيم الافريقي الكبير ( نيلسون ما نديلا ) بعد ان تعدي الخمس وتسعين عاما من العمر ، قضي منها منذ شبابه الباكر وبسبب نضاله ضد التفرقة العنصرية سبع وعشرون عاماُ محبوسا في جزيرة بالساحل الجنوب الافريقي بالسجن الذي خصصه نظام الاستعمار الاستيطاني ( حكم البيض ) للمناهضين له من اهل البلد السود للتفرقة العنصرية بجنوب افريقيا ، فخرج ما نديلا من سجنه في العام 1990م ليكتسح حزبه الانتخابات وليفوز ما نديلا بمنصب رئيس الجمهورية منتصرا علي آخر رئيس ابيض ( ديكلارك ) ولكن لأن مانديلا يتمتع بالحكمة وسعة الافق ، فإنه لم يشأ ان تحدث في بلاده مجازر ضد البيض الوطنيين من سلالة الإنجليز وغيرهم بسبب أنهم يسيطرون علي مفاصل الدولة والتجارة وكل شيء ، فقام بعملية مصالحة ضخمة وتاريخية أطلق عليها مصطلح ( الحقيقة والمصالحة ) أي ان يعترف كل من ارتكب خطأ بخطأه ثم تتم عملية المصالحة التي تبتعد عن الانتقام ، بل ذهب اكثر من ذلك حتي لا تنهار الدولة والتجارة والعلاقات الدولية ، فقام بتعيين منافسه الرئيس الاسبق ( ديكلارك ) نائبا للرئيس ، وبذلك يكون قد عبر ببلاده الي بر الامان وأحدث سلاما اجتماعيا بين البيض والسود لن ينهار . لكنه وهو يعرف بأنه قد تقدمت به السنون وقد بلغ الثمانين بعد انتهاء فترة رئاسته ( اربع سنوات ) في العام 1994م فإنه لم يترشح لمقعد الرئاسة تارة اخري حتي يضع تراثا ودرساً وحكمة لرؤساء العالم الثالث بأهمية تداول السلطة حتي لا تتحول الي ديكتاتورية بفعل الاستمرارية القبيحة في المقعد ، فكلما جلس الرؤساء طويلا في مقاعد الحكم ، كلما زادت اخطاؤهم فتصعب معالجتها فيما بعد ، فيجلسون اكثر لمداراتها خوف الحساب الذي يكون في الغالب عسيرا جدا يفقدون فيه كل شيء ، فقد إعتزل مانديلا العمل العام وتفرغ للاعمال الوطنية الاخري وقد فاز بعده بالرئاسة ( ثامبو امبيكي ) الذي لم يترشح بعدها لدورة اخري بسبب ان عده قد شهد فسادا بائنا لا يصمن له الفوز ولم يرشحه حزبه اصلا ، وقد ظل امبيكي يمثل الوسيط وسلنوات عديدة في المشكل السوداني والجنوبي الي ان ارهقه صعوبة الحل وباعترافه شخصياً.
وفي الخرطوم الآن ، ترهق القيادة نفسها وترهق الشعب وربما الدنيا كلها بتقاطعات المرحلة القادمة ، وبأي تشكيل يأتي الحكم القادم ، فتستقيل قيادات انقاذية مهمة ، وتتشاجر اخري ، وتغادر ثالثة ، ويتشقق الحزب الحاكم كنتاجا طبيعيا لضخامة المشاكل وصعوبة الحلول ، والحالة الامنية كما نراها ترهق الناس في المركز وفي الاطراف وفي ولايات اقرب للعاصمة من كل الجهات ، ولا احد لديه حلا سلميا ناعما يحفظ الدماء ، بعد ان غادرتنا لغة الحوار تماماُ ، ويتصاعد الصراع في كل لحظة ، والكل ينتظر الحلول من السماء ، والحلول تصبح عصية .. وبرغم ذلك فإن الحل والمخرج في نظري هو ابتكار حكم انتقالي شفاف يشارك فيه كل اطراف الصراع بالمركز والهامش المسلح ليضعوا لنا حلولا للمشكل السوداني اقتصاديا وامنيا وعسكريا بدلا عن الصراع الحالي الذي لا يتكهن احد بمخرجاته ... إذن الرسالة واضحة لكنها تحتاج تفكيرا عميقا دون وجل ومن كافة الاطراف ... وأعتقد ان المسألة اصبحت مهفومة ولا تحتاج لوسطاء ، بل لمبادرات جريئة وذكية جدا في الساعة الرابعة والعشرين لتخرج بلادنا من وضعها القومي المضطرب ... ولا أزيد.
كنت قد وعدت القراء في خواطر الجمعة الماضية بذكر اسماء نجوم الهلال والمريخ في تلك المباراة الشهيرة التي اقيمت قبل خمسين عاما ( 23 أغسطس 1963م ) وقد كسبها الهلال بهدف جكسا الشهير في ليلة المولد وقد وضعت المباراة حدا للهزائم المتوالية الثمانية التي نالها الهلال من المريخ طوال عامين . وقد مثل المريخ في تلك المبارة كل من : هاشم محمد عثمان في حراسة المرمي ، ورباعي الدفاع هم : عبدالله عباس ( العمدة ) - بكري موسي ( التقر ) – منصور رمضان والذي توفي في المدينة المنورة في نهاية سبعينات القرن الماضي بسكتة قلبية اثناء مران نادي احد الذي تعاقد لتدريبه – وجعفر قاقارين الشقيق الاكبر للكابتن علي قاقارين ، وفي الوسط ابراهيم محمد علي بحيري ( ابراهومة سيد الاسم الاول ) والذي سجله المريخ بواسطة ابو العائلة كابتن المريخ وقتها في العام 1958م بعد مبارة ودية بين الناديين بودمدني ( الاتحاد والمريخ ) وقد هاجر ابراهومة الي دولة قطر ملتحقا بشقيقه كابتن حمد النيل الذي كان يلعب بالهلال منتقلا له من النيل مدي وسنسرد هنا سبب هجرة ابراهومة من المريخ .. ولايزال الشقيقان هناك في سلك التدريب بالاندية القطرية بعد ان لعبا طويلا بها ومثلا المنتخب القطري كثيرا بعد التجنس . وكان في وسط المريخ مع ابراهومة الكابتن ( ماو ماو ) ذي الطول الفارع . اما رباعي هجوم المريخ هم : الراحل عبدالوهاب عبدالفضيل ( جقدول ) جناح ايمن وقد توفاه الله في مدينة جدة في العام 2002م اثر اصطدام سيارة مسرعة به بعد ان تعالج هناك من مرض ما ويرتب للعودة . كما كان اللاعب ود الحسين يشغل الجناح الايسر وهو من ابناء قرية (ألتي ) بجوار المسيد . ثم كابتن ماجد المرعب كرأس حربة ومعه اللاعب حسن محمد عثمان ( دقنو ) .
اما فرقة الهلال في تلك المباراة التاريخية فكانت تتكون من : سبت دودو في حرسة المرمي وقد استقر في جدة منذ السبعينات مدربا لحراس النادي الاهلي ، وفي الدفاع كل من محمد احمد ود الاشول – امين زكي – ابوزيد فرح الذي رحل مؤخرا – سمير صالح فهمي ( سمارة ماش ) والذي سجله الهلال من الشاطيء ودمدني. وفي الوسط ابراهيم يحي الكوارتي الذي توفي في العام 2011م والراحل محي الدين عثمان (ديم الصغير ) الذي رحل ايضا في العام 2001م ، كما كان الهجوم يتكون من الاجنحة صديق محمد احمد القادم من اندية عطبرة ويونس ( يونسكو ) ابن الدويم . وفي الهجوم كابتن نصر الدين عباس جكسا والراحل كابتن حبشي الذي وصل لمنصب الوكيل بوزارة الرياضة والشباب .
لكن من اهم إنعكاسات وتداعيات تلك المباراة التاريخية أن المرحوم العقيد حسن ابو العائلة سكرتير عام نادي المريخ وقتذاك وقد كان غاضبا بعد المباراة حين عاد الي النادي ووجد اللاعبين يضعون امامهم ( جردل عصير الليمون المثلج ) يشربون ويضحكون ، فقام ابوالعائلة بركل الجردل بقدمه قائلا لهم ( وكمان مغلوبين وبتضحكوا ؟؟؟ ) . فلم يقبل اللاعبون هذا التصرف ، فاتفقوا بالرد علي تلك الاساءة بالتمرد والغياب عن تمارين المريخ لعدة ايام كنوع من الاحتجاج لكرامتهم ، فتدخل الوسطاء لكنهم اشترطوا تقديم ابوالعائلة بإعتذار لهم ، وبما أن ابو العائلة كان متمسكا ومعتدا برأيه فإنه قام بإستصدار قرار من مجلس ادارة النادي بإيقاف اولئك اللاعبين من النشاط الرياضي مدي الحياة ، ولم يقرر شطبهم حتي لا يدع لهم مجالا للتسجيل لاندية اخري . واللاعبون هم : ماجد – ابراهومة – جقدول – عبد الله عباس – ماوماو وآخرون ، وهنا فقد هاجر اللاعبون الي خارج الوطن ، بينما عاود البعض نشاطهم بالفريق.وقد قام ابو العائلة بتصعيد العديد من الاشبال للفريق الاول واثتبوا جدارة لمدة عشر سنوات متواصلة واصبحوا نجوما لا يشق لهم غبار في مسيرة المريخ ، نذكر منهم : بشارة – السر كاوندا – محسن العطا – قدورة – بشري وهبة ، وآخرون .
ونختم الخواطر بالفن ، كإستراحة اخيرة ومرغوبة جدا ، فحين كنت اعمل متعاقدا مع حكومة قطر كمراجع حسابات بالخارجية القطرية خلال الفترة ( 1998- 2003م ) كان يجاورني في مجمع السكن الحكومي بحي ( المرخية ) بالدوحة ، الأخ الكبير والموسيقار وصاحب الالحان التي تجاوزت ثلاثمائة لحن ، الأستاذ الصديق جدا ( عبداللطيف خضر ) ودالحاوي واسرته حيث عمل لسنوات طويلة مسؤولا عن تأسيس وتدريب الفرق الموسيقية بالأندية القطرية وعددها 16 ناديا ، فقد كنت أعلم ان عبد اللطيف قد قام بتلحين الاغنية الاكثر شهرة التي يؤديها الاستاذ والصديق ايضا صلاح بن البادية ، كما انني اعلم ان شاعرها كان هو الراحل ابو امنة حامد حين كان ضابطا في الشرطة في ستينيات القرن الماضي ، فسألت ودالحاوي عن قصة الاغنية وكيف اتت له ولماذا اختار ابن البادية بدلا عن ثنائيته المعروفة مع الفنان الذري ابراهيم عوض في اعمال غنائية عديدة لحنها له ولاتزال تتسيد الساحة الفنية ويرددها العديد من ناشئة المطربين ، فقال لي عبداللطيف خضر عن قصة ( سال من شعرها الذهب ) : انه قد سافر الي بورتسودان كعازف للأكورديون من ضمن فرقة موسيقية صاحبت بعض الفنانين من العاصمة لأحياء حفلات بسينما بورتسودان ، وقد كان الشاعر الراحل الذي كان ضابطا بالشرطة في مدينة بورتسودان يزروهم من وقت لآخر بالفندق ، وقبل عودتهم لحق بهم ابو آمنة ليودعهم بمحطة السكة الحديد عند عودتهم بقطار اكسبرس بورتسودان ، والأكسبرس هو قطار لا يقف في كل المحطات إلا الكبيرة منها ، وفي المحطة قام ابو آمنة بإعطاء عبداللطيف خضر قصيدة باللغة العربية كي يلحنها ويمنحها لإبراهيم عوض حيث كان ابوامنة يتابع الحان ودالحاوي التي يتغني بها الفنان الذري ومن اهمها اللحن الأول ( ليه بنهرب من مصيرنا ) التي كبتها الشاعر المجيد سيف الدين الدسوقي . وفي القطار كان عبد اللطيف يقرأ وينبهر من المفردات الجديدة التي كتبها ابو أمنة ، مستغربا ومعجبا بهذا اللون الجديد من الشعر الغنائي المكتوب باللغة الفصحي ، وكيف له ان يلحن هذه القصيدة المعقدة الكلمات :
سال من شعرها الذهب ....
وتدلي وما انسكب ..
كلما عصفت به ...
نسمة ماجَ واضطرب .
ويقول عبد اللطيف : لقد اكملت قراءة هذه القصيدة ، وكنت في كل مقطع أجد كلمات اكثير تعقيدا في كل مقطع منها ، وأسأل نفسي ، كيف لي ان اجد لحنا يناسب ضخامة هذه الكلمات الجديدة علي دنيا الغناء السوداني الذي نعرفه ، فأخرج القصيدة من جيبي لأبدأ من قراءة كل مقطع بهدوء تام غير منتبه لونسة الزملاء داخل قمرة القطر
النسيمات والخصل ... في عانقٍ وفي غزل
نسجت حوله القُبل .... موكبا يغزل الطرب
فيه من سمرة الأصيل .. شعرها المذهب الجميل
ثغرها اليانع البليل .... كرزة ٌ حفّها العنب
****
يا الله .... اقول انا ، كيف لضابط صغير يمتهن العمل الشرطي ويخرج لنا هذا الشلال من الكلمات المفرحة ، ففي كل مفردة تجد القاً بائنا يتخلل المسام ويدغدغ الخيال ، ولك ان تلاحظ : نسيمات .. وخصل وعناق وغزل في شطر بيت واحد ، ليس ذلك فحسب ، بل تجد قبلات منسوجة في هذا المقام الرومانسي ، وقد شبهه ابو امنة كالموكب الذي يغزل او ينسج الطرب للناس ، وحتي الثغر المبتل من فرط نداوته ، كأنه كحبة الكريز الذي تحيط به عناقيد العنب في كل جانب .... وهذا وصف لا يأتي إلا من مجنون شعر ، وقد كان ابو امنة شيخ مجانين الشعر السوداني حتي في كتاباته النقدية في الرياضة الفن معاً .
ويواصل صديقنا عبداللطيف خضر السرد لقصة الاغنية الحدث حتي اللحظة ، بأنه بعد مضي كل ساعة وهو بالقطار متجها الي الخرطوم يخرج القصيدة ثم يحاول فهم مقاصدها جيدا ويتساءل في نفسه : يا اخوانا كيف اجد لحن لهذه الكلمات الغريبة والصعبة ، وظل يحادث زملاءه الموسيقيين داخل قمرة القطار ( الكابينة ) ، فيأخذها محمدية ليقرأها ثم يتركها لعربي ، وغيرهم حتي تعود لود الحاوي تارة اخري حيث اجمعوا علي صعوبة تلحينها ، حتي وإن وجد اللحن فمن اين له بالإيقاع ( الزمن ) الذي يناسبها . وفي الاثناء ، اتي الالهام اللحني لعبداللطيف خضر والقطار اصبح علي بعد ساعتين من الخرطوم ، والكلمات تتدلي تطلب توظيف اللحن :-
ياحبيبيَ كلما .. قلبي المغرم إحتمي
بك وانزاح ملهما ... عاد كأسا بلا حبب
فارهُ .. مُترف ٌ ... لدن ... فننُ لا ولا فنن
هزني الوجد والشجن ... في الهوي قلبيَ إغترب
يقول عبداللطيف خضر : جاءني اللحن يتدفق وبسرعة فطلبت العود من احد الزملاء الفنانين وبدأت اردد اللحن والورقة امامي يمسك بها زميل وانا اغني وأغني وأعيد المقطع وفجأة أصرخ بطبقة صوت عالية جدا حتي اهتزت قمرة القطار ( فننُ .. لااااااااااا ولا فنن ... هزني الوجد والشجن ) وقد جاءني إلهام إيقاع الاغنية من صوت عجلات القطر وهو يجري ويقطع الفيافي والسهول والوديان، وصوت العجلات يقطع صمت الليل ، والفرقة حفظت اللحن بسرعة لأنه كان سهلا وخفيفا وغير مرهق ، فأنزلوا آلاتهم الموسيقية من ارفف القمرة وبدأوا معي في العزف بترديد الاغنية بإيقاعها الجديد الخفيف السهل والراقص .
وعند وصول القطار لمحطة السكة الحديد بالخرطوم ، وق كان الوقت صباحا ، يقول ودالحاوي : ذهبت كل مجموعة تسكن جوار بعض الي موقف التاكسي بساحة المحطة ، إلا انا فقد إعتذرت وأستأجرت تاكسي طلب متجهاُ الي الخرطوم بحري حيث يسكن الفنان صلاح بن البادية في شمبات الحلة حتي اللحظة ، وقد قررت ان هذه الاغنية تتناسب وطبقات صوته حتي تكون بادية تعاون لي معه ، فزرت صلاح الذي اندهدش حين رآني في وقت غير مناسب لزيارة ، فجلسنا في الصالون واحضر لي شاي الصباح ، فحكيت له الحكاية وانني قد عدت علي التو من محطة القطار قادما من بورتسودان ، أتيتك قبل الذذهاب الي بيتنا حتي لا يطير اللحن من خاطري ، ففرح ابن البادية بهذه الروح وطلبت منه العود وووضعت ورقة القصيدة في منضدة امامي وبدأت أغني له باللحن ، وفي المرة الثانية بدأ صلاح يرددها وقام بتسجيلها ، ولم يمر اسبوع واحد حتي كانت الفقرة الموسيقية لصلاح تحفظها ، ليقوم بغنائها في حفل في العيد في العام 1967م بأستديوهات التلفزيون . فتنتشر وتنتشر وتصبح اغنية الموسوم بلا منافسة . ثم قال لي الاستاذ عبداللطيف أن صديقه الفنان الذري ابراهيم عوض كان ( ماخد في خاطره ) لفترة طويلة كيف لم امنحه هذه الأغنية الضجة ، حيث كانت ثنائية ودالحاوي مع ابراهيم عوض في اوج انتشارها مثل اغنيات : المصير – يا زمن – سحابة صيف - غاية الامال – لو عايز تسيبنا ، وغيرها .
وهنا اود أن اشير إلي انني في حفل زواجي ببركات بالجزيرة في العام 1978م حين كنت اعمل وقتذاك في اغترابي الاول كمحاسب صغير بعد التخرج بمدينة جدة ، كان اخي الراحل وفنان ودمدني المعروف حسن الباشا والذي اشتهر بترديد اغنيات ابن البادية بذات طبقة الصوت ( طبق الاصل )، قد تعاقد مع ابن البادية لإحياء حفل ( الحنة ) ببركات وقد إختتم صلاح الحفل بتلك الرائعة ( سال من شعرها الذهب )
جمعتكم مباركة ... وإلي اللقاء في الخواطر القادمة ،،،،،،،
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.