حديثا وخلافا للمتوقع ترى الجهل الحديث يضرب بقوة في عمق الوجدان الثقافي والاجتماعي، رغم أن المتوقع هو التطور الفكري المصاحب والمواكب لآليات التطور وإحداثياته التي هي سائدة ودلالاتها وشواهدها حاضرة بيننا في مناحي الحياة المختلفة. ورغم ذلك نرى من يأتي بأفكار وممارسات يربطها للأسف بالدين الذي هو براء منها ، فهي تنبع من واقع خاطئ ومشوش يسيطر على عقولهم ومن ثمَّ تصرفاتهم ، وإلَّا فكيف لنا أن نفسِّر ما تقوم به بعض الجماعات التي تدَّعي بأنها إسلامية بحرق الكنائس والبشر داخل تلكم الكنائس وقتل من يخالفهم في الدين أو الرأي في نيجيريا مثلا وأيضا في مصر؟؟ ثمَّ أؤلئك الذين قاموا مؤخرابإعلانهم الجهاد على رؤوس التماثيل وتدمير الحضارات كما يدَّعون ، فنراهم يفتخرون بقطع عنق تمثال تذكاري للخليفة العبَّاسي المتنور هارون الرشيد في مدينة الرقة السورية- عروس الفرات. هؤلاء الجهلة كانوا قد قطعوا رأس تمثال لأبي العلاء المعرِّي في بلدة معرّة النعمان قبل أشهر بسوريا أيضا وذلك بدافع الثورات !! وهم يتطفلون على المجتمعات خلف ستار الدين والعبادة والعودة بالزمن إلى سنوات سحيقة ولا يعرفون قيمة التاريخ والحضارة وأغلبهم لا يعرف على من يطلق الرصاص ولأي يهدف هو يفعل ذلك؟؟ تتشايه أشكالهم كما أفكارهم ، تراهم يقطعون رأس طه حسين ويضعون برقعا على تمثال لأم كلثوم بمصر ، ويقطعون رأس أبي العلاء المعري وهارون الرشيد بسوريا ويدمرون تماثيل بوذية بأفغانستان ويحاولون تفجير ضريح الحبيب بورقيبة بتونس . لديهم تاريخ من الجهل الأعمى الذي ضرب على قلوبهم قبل عقولوهم ، لا يفقهون سطرا في كتاب الحضارة ولا مفردة في حياة التسامح والتقبل للآخر والتي شدد عليها ديننا الحنيف. كيف لهم أن يعرفوا هارون الرشيد الذي حكم بين عامي 786-809م هو أكثر الخلفاء العباسيين ذكرا في المصادر الأجنبية؟. أما العربية فقد أفاضت الكلام عنه حيث صورته بالخليفة الورع المتدين الذي يبكي عند سماع الموعظة ، والمجاهد الذي أمضى معظم حياته بين حج وغزو ، فكان يحج عاما ويغزو عاما ، ويُعتبر عهده العصر الإسلامي الذهبي؛ ترى أنهم لو يعرفون ذلك هل كانوا أحجموا عن فعلتهم؟؟ أجزم أن الإجابة ستكون "لا" لأنهم جهلة لا يعرفون ما يفعلون ، والأكثر جهلا أنظمة الفساد والديكتاتوريات التي تشجعهم وتتمسك بقشور الأشياء وشكلياتها بينما جوهر عناصر الإصلاح ونشر العدل ورفع المعاناة عن الرعية أصبحت بعيدة المنال ، بل هي آخر محاور إهتماماتهم الحقيقية ... ختاما دعونا نطلق صرخة في وادي الصمت ونرسل دعوة صادقة لتغيير تلكم المفاهيم وترسيخ دعائم تعاليم اسلامنا السمح والمرتبط اسمه بالسلام ؛ ونبذ العنف المُنفِّر والتمسك بالمحبة وتقبل الآخر ... والله المُستعان ... [email protected]