كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل اعتنق عزمي بشارة الإسلام؟ نصيحة عادل إمام لعزمي بشارة؟؟
نشر في حريات يوم 04 - 08 - 2012


تقديم وتعليق شوقي إبراهيم عثمان ……
شخصي الضعيف كان أحد المعجبين بالدكتور عزمي بشارة بداية خروجه النهائي من إسرائيل عام 2007م، وآخر احتكاك لي بمقالاته كان في الأعوام 2007- 2008م – وبعدها لم أقرأ له، ولم أعرف ماذا حل به لمشاغلي العائلية الضاغطة، هذا إضافة إلى أنني قاطعت التلفزيونات العربية خاصة قناة الجزيرة منذ وقت مبكر، والعبد لله لا فخر أول من كشف لعبة وملاعيب قناة الجزيرة منذ 1998م، وقد تلقى مني أحمد منصور كما هائلا من الفاكسات التي هي عبارة عن شتائم مقذعة باسمي الحقيقي..فأنا لا أعرف المواربة أو الكتابة باسم مستعار!!
ومع الأسف، مدحت عزمي بشارة في العام الماضي عن جهل فظيع، ويعزى الجهل كما قلت سابقا لانقطاع متابعتي لنشاطه، وربما سخرت الدكتورة مضاوي الرشيد من مدحي لبشارة عزمي ووضعي رأسه برأسها – وهي جناية فكرية حقا في حق الدكتورة. ولكن سلوانا وعذرنا لدى الدكتورة العظيمة المثل المشهور: إذا عُرِف السبب بطل العجب!! بل وهي الأميرة العظيمة عن حق، وهي أميرة فعلية من آل الرشيد وليست صناعة بريطانية، بينما توجت نفسها ليس بالوراثة بل عبر انتخاب طبيعي في الأعليين كأميرة للفكر النقدي والتحليلي السياسي – يزين رأسها تاج النضال لشعبها أي شعب الحرمين.
مدحت الدكتور عزمي بشارة قبل عام لتذكري مقالة له كتبها في عام 2008م أنتقد فيها مثقفي السلطة – وهي أطروحة أستلفها بشارة من جان بول سارتر، وحين أعجبت بالمقالة لم يكن بعد عزمي بشارة أحد موظفي دولة قطر.
بعد مدحي للدكتور بشارة العام الماضي اكتشفت بالتدريج الخطأ الفادح الذي سقطت فيه. ولكن هذا الخطأ استفاد منه الدكتور النور حمد الترابي ويعمل محاضرا بجامعة قطر. فقد فاجأني الدكتور حمد بطلبه مني أن أكتب ورقة اقتصادية عن القرن الأفريقي لصالح مركز الدكتور عزمي بشارة، مع تذكرة طائرة، وإقامة ومصاريف نثرية الخ. ومن هذا الطلب الكريم من الدكتور حمد عرفت لأول مرة أن للدكتور عزمي بشارة مركزا للدراسات العربية الإستراتيجية بدولة قطر وبشكل سريع تكشفت لي أبعاد شخصية الدكتور عزمي بشارة الجديدة وتحوله إلى موظف ديواني كبير بدولة قطر لكي يلعب دورا مرسوما ومركزه في خدمة إستراتيجيات تل أبيب وواشنطون بتمويل قطري. بعد هذا الاكتشاف المتأخر لشخص عزمي بشارة، لم أتحمس كأن أكتب تلك الوريقة الاقتصادية كما طلب الدكتور حمد، وترددت، ثم تحمست وكنت أزمع كتابتها عن اقتصاديات الدولار والترويج في تسفيه العملة الأمريكية في عقر الدولة القطرية وهي أحد أعمدة الدولار الأمريكي. قلت للدكتور حمد باشتراط مبطن ومهذب، لو شاركت فهو للترويج لفكرة إنشاء مدرسة لطفي الاقتصادية. باختصار مرت الأيام ولم أستجب للدعوة الكريمة من الدكتور حمد وهو أحد الناشطين بمركز الدكتور عزمي بشارة – ولم أكتب الورقة الاقتصادية لهم.
أهمية هذا المقالة التي أقدمها للقراء ليست معذرة واستغفارا فحسب عن ذنبي في مدح عزمي بشارة، بل أساسا لكونها مقالة مثالية من عدة وجوه.
فالكاتب السوري نارام سرجون قطعا يساري تقدمي ويفهم بالدقة الموضوعية المتناهية تضاريس القضية الدينية والإسلامية كأفضل من الإسلاميين أنفسهم. بهذه المقالة أو بهذه النقرة رغبت أن أشمت في المثقفين السودانيين وفي يسارنا بشكل خاص – وخذ معهم بشكل خاص اليسار القومي من البعثيين الذين من فرط سذاجتهم لم يدركوا بعد أن البعث القومي العراقي “متسنن” لأسنانه وظاهرة مضادة “للتشيع”، وهكذا نفى حزب البعث العراقي عن نفسه صفة القومية الخ، هؤلاء بالمجموع بفضل الكسل الفكري يجهلون الكثير عن تفاصيل القضية الإسلامية الإقليمية وملابساتها الخليجية لارتباطهم بدول الخليج بشكل نفسي أو وظيفي، ونقصد بالأخيرة أولئك المثقفين والصحفيين مراسلي الصحف الخليجية من اليساريين السودانيين وهم معروفين للكافة. ونقصد أيضا صحيفة الراكوبة التي تقدم نفسها كصحيفة سودانية معارضة (!) وتدير نفسها من داخل الدولة السعودية، هذه الدولة الخصم لكل العرب والمسلمين؛ هذا التناقض الموضوعي تجهله ذوات مالكي الصحيفة.
بلا شك، إن الأزمة السورية في هذه الأيام تمثل المحك والاختبار لكافة المثقفين والإعلاميين خاصة اليساريين، فعلى صخرة سوريا يمكن استقراء سذاجة أو عمق الصحفي أو المثقف السوداني ومدى درجة أصالته الفكرية. وبلا شك أن الصحف السودانية وكتابها يقفون موقفا مضادا من النظام السوري بلا استثناء، إما عبر رؤية يسارية قاصرة أو بتأثير من الإسلاميين أو بفضل بخور أعضاء حزب الأمة.
وقد عن لي أن أفحص الكاتب السوري المعارض ياسين الحاج صالح وتضع صحيفة “حريات” مقالتين له بشكل ثابت، إحدى مقالاته بعنوان “في تكوين الثورة السورية و”طبائعها” وتحولاتها المحتملة”، والمقصود بفحص شخصه سيرته الذاتية. فهو شيوعي سوري وكما تابعت مكث في سجون سوريا ستة عشرة عاما ونتأسف له. ولكننا نأتي لما نقصد إليه مباشرة، إذ لا نستغرب أن ينتهي ياسين الحاج صالح إلى قاع سجون حزب البعث السوري. ويعزى عدم الاستغراب إلى أن معظم اليساريين في العالم العربي مصابون بكوزموبوليتانية متطرفة متخارجة عن الجغرافيا والتاريخ، يجهلون تفاصيل التاريخ العربي والإسلامي في العمق. فعلاقة الشيوعيين العرب بتاريخ الإسلام وبتاريخ المسلمين مع الأسف ضعيفة جدا – ويكفي تحليل وفهم صيرورة موقف اليسار الشيوعي العربي والفلسطيني من القضية الفلسطينية عام 1948م. ليس لأن الأيديولوجية الشيوعية تفرض أو تحتم السقوط في الكوزموبوليتانية، بل لعيب فكري ومنهجي. لو كان الشيوعيون السوريون وغيرهم يجهدون لكي يجيدوا فهم “التاريخ العربي” و”الإسلاميات” جهدهم لفهم الماركسية، لفهموا العديد من الآليات التي تعيق التقدم الديمقراطي والتحول إلى الدولة المدنية العصرية ولسدوا معظم الثقوب في عقل المثقف العربي. بينما قطعا لتقاربت الافهام مع السلطة والنظام القومي البعثي الحاكم في سوريا أو أية سلطة تقدمية – وفي ذهننا الأستاذ ياسين الحاج صالح.
لذا إنتاج معظم الشيوعيين العرب الفكري مقل ويسقط في السطحية وتكرار للمكرور ويميل للقوالب اللفظية والفكرية الجاهزة وضعيف وآحادي النزعة – وفي السودان لم يتجاوز أدبيات مرحلة الثورة الديمقراطية. فمثلا لم يستفد اليسار العربي من الأطروحات المتقدمة من قبل المفكر المغربي عبد الله العروي على سبيل المثال لا الحصر. بينما الماركسي مكسم رودنسون اليهودي المستشرق الذي يعتبر كتابه “الرأسمالية والإسلام” عملا ضخما، وقد قرأته بالانجليزية، يثري الإسلام نفسه ويقدم له خدمة كبيرة في ربط محكم “بينهما” في أهم مفاصل نظرية رأس المال– أي الفائدة الربوية. وأيضا تجاهل الماركسيون مساهمات الشهيد محمد باقر الصدر في كتابيه القيمين فلسفتنا واقتصادنا. وإذا سألت معظم الشيوعيين السودانيين هل تعرف مكسم رودينسون أو قرأت له ستكون النتيجة بالنفي. عموما، نجد جل الصفوة والنخبة اليسارية والشيوعية العربية تجتر العناوين الفوقية وتهمل موروثها الثقافي الإسلامي – لا يفرقون مثلا ما بين الخوارج والمعتزلة ويشاركهم هذا الجهل سواد الجمهور.
مقالة نارام سرجون السوري اليساري الماركسي في عزمي بشارة اختزنت الكثير من الرؤى السياسية والدينية بأسلوب فذ في قالب أدبي متمكن وفيها الكثير من السخرية السياسية والدينية التاريخية، ومع ذلك لم تفسد السخرية موقف الكاتب الرصين أو أفكاره الرصينة. وقد عكس الكاتب وعيا كبيرا حين أشار إلى بن تيمية كمكمن الخطر على الأمة العربية والإسلامية، وبل على الإنسانية جمعاء!!
على جثة الدكتور عزمي بشارة كتب نارام سرجون ملحمة قصيرة اختزلت تاريخ العرب الإسلامي القديم والمعاصر وشخَّصت حالهم الذي يقارب من الكوميديا البلهاء. وإليك المقالة:
بقلم: نارام سرجون
هل اعتنق عزمي بشارة الإسلام؟ الجواب بالطبع لا .. ولكن في هذا الاستعراض سنحاول معرفة المهمة الجديدة التي كلف بها المفكر العربي عزمي بشارة ..أفلاطون قطر.. الذي لا يزال على منصة المسرح رغم غيابه المتعمد خلال الأشهر الأخيرة للتحضير للمرحلة التالية من الغزو الديني الظلامي للمنطقة العربية الذي يحمل غزوا غربيا على سرجه..
وفي الحقيقة لم يعد هناك أطرف وأظرف من رؤية المسرحية الثورية القطرية والممثلون يحاولون إقناع أنفسهم أن المسرحية لا تزال تحبس أنفاس الجمهور وأن المشاهد التي يقدمها الممثلون لا تزال تنغرز في وجدان الناس كأنها الحقيقة .. كم تغير المسرح وكم تغير الناس حول المسرح والمسرحجيون لا يزالون على المنصة يقدمون المشاهد تلو المشاهد وهم تحت الأضواء لا يرون ماذا في عتمة المسرح ولا يعرفون أن الصالة فرغت إلا من بعض أقرباء الممثلين وجيران المخرج وصديقات البطل الثانوي .. ووالدة البطل الرئيسي ..وموزة ..
وفي الحقيقة لم يعد هناك أطرف وأظرف من رؤية المسرحية الثورية القطرية والممثلون يحاولون إقناع أنفسهم إن المسرحية لا تزال تحبس أنفاس الجمهور وأن المشاهد التي يقدمها الممثلون لا تزال تنغرز في وجدان الناس كأنها الحقيقة ..
كم تغير المسرح وكم تغير الناس حول المسرح والمسرحجيون لا يزالون على المنصة يقدمون المشاهد تلو المشاهد وهم تحت الأضواء لا يرون ماذا في عتمة المسرح ولا يعرفون أن الصالة فرغت إلا من بعض أقرباء الممثلين وجيران المخرج وصديقات البطل الثانوي .. ووالدة البطل الرئيسي ..وموزة ..
لقد تغير جمهور المسرح الذي بدا منفعلا في بداية المسرحية مأخوذا بالحوار والإضاءة والنص الساحر البليغ وأداء الممثلين الرفيع .. حيث كانت العيون تغرورق بالدموع أمام بعض المشاهد الوجدانية مثل جمهور السينما في الخمسينات والستينات .. وأما المشاهد البطولية فكان يتلوها انفجار التصفيق والتهليل والثناء المنفعل .. بالطبع لم يكن هناك من يقول ..الله أكبر.. كما الآن على مسرح (الربيع العربي)….
أهم المسارح العربية هذه الأيام هو مسرح الظل في قطر وهو يقدم الثنائي المرح (كاراكوز وعواظ) على مسرح الجزيرة وأعني به لقاء الأخوين المسرحجيين علي الظفيري وعزمي بشارة ..هذا الثنائي الذي لا يزال يقدم عروضه رغم تلك الفضيحة المجلجلة والتي أشعلت النار في ثياب المفكر العربي الكبير عزمي بشارة وهو يستجدي تجنب الأردن في عبارة صارت أشهر من عبارة سرحان عبد البصير (اتكل على الله واشتغل رقاصة).. فعبارة (الأردن بلاه) و(سورية تكفيها 40 دكيكة) من صوت مخنوق خافت متسلل يكررها الظرفاء الآن في سخريتهم من الأشياء في جلسات الصفا والدعابات..فإذا أراد شخص تجنب موضوع محرج قال متظارفا بصوت خافت (الأردن بلاه) بنفس طريقة استجداء عزمي بشارة لأخيه الصغير علي الظفيري..فيرد عليه خصمه (اذا لم تقدر على المواجهة.. اتكل على الله واشتغل مفكر عربي)..وتنفجر الضحكات ..
تحاول قطر والجزيرة إعادة إنتاج نسخة جديدة من عزمي بشارة (عزمي شيخ الإسلام) عبر سلسلة من اللقاءات والبرامج والمحاضرات ..والغاية كلها من هذه المحاضرات واللقاءات المصورة بهذا الشكل بعد هذا الغياب الطويل هي إعادة الترويج لعزمي بشارة بعد أن تبين أنه شخص مشبوه جدا وأنه يبيع ويباع .. ويشتري البضاعة ويبيع البضاعة كما أي تاجر .. والأهم أن إقامته في كنف الجزيرة حيث يروق للمخابرات الإسرائيلية أن تستجم وتستحم في مستعمرات الخليج أو أن تقتل شخصا مثل محمود المبحوح دون خجل .. هذه الإقامة أكبر دليل على أن مسرحية الهروب من التصفية الجسدية في إسرائيل كذبة أكبر من كل كذبات جورج بوش بالحرب على الإرهاب والقاعدة وأسلحة الدمار الشامل .. لأن قتل عزمي بشارة في قطر أسهل على الموساد مليون مرة من قتله في قلب تل أبيب .. وبالذات تصفيته في استوديوهات الجزيرة المليئة بالخبراء الإسرائيليين تحت مسميات كثيرة للتمويه..
الجزيرة تريد هذه الأيام أن يلبس عزمي ثيابه من جديد بعد أن وقعت عنه في معركة سورية وبات عاريا كما ولدته أمه .. والجزيرة تريد أن تزيح آثار الحرائق عن تمثاله الذي اسودّ.. وهي تعتمد على نصيحة لأحد الصهاينة عن ذاكرة العرب تقول: (إن للعرب ذاكرة محدودة لأن المشتغلين بالفكر فيهم قلة .. المفكرون هم حراس ذاكرة الأمم ..والأمة التي يقل فيها المفكرون تقل ذاكرتها مهما كانت أمما كبيرة .. وأنت لا تحتاج دبابات لاحتلالها بل مجموعة من المضللين وماسحي الذاكرة) ..انه لا شك كلام يوصّف عزمي بشارة وأخوته في الجزيرة..
جلس بالأمس الأخوان (كاراكوز وعواظ) في مسرح الظل (وهو بالطبع ظل نتنياهو وبرنار هنري ليفي) على منصة الجزيرة وغاصا “في العمق” على عدة حلقات لاستخراج اللؤلؤ من قاع بحر العلوم حيث دماغ عزمي بشارة .. عنوان المسرحية هو (في العمق – الديمقراطية ومفهومها) .. والبطل كالعادة هو المفكر العربي عزمي بشارة الذي يجلس وحيدا على كرسيه مثل بوذا متكئا إلى الخلف فيما الأخ الصغير يتوسل منه الإجابات ويستجدي الشروح وطرح القضايا الصعبة والعويصة .. وقبل أن يجيب المفكر يتدلى شارباه الكبيران ويتحدث بلهجة تقريظية أبوية فيها توقفات تأملية وأحكام مطلقة ونغمات الحتمية القدرية .. أو يتحدث للأمة كالرسول الذي يلقي عليها الوصايا ويقرّعها وتكاد تحس في وعظه أن العرب وفكرهم وفلسفتهم كانوا كلهم عبر القرون يتهيئون لإطلاق هذه الظاهرة الفكرية الكونية التي ذاب فيها ابن سينا والفارابي والكندي ومحي الدين بن عربي والمعتزلة والأشاعرة.. وفوقهم ابن رشد وعمر الخيام..
عنوان الحلقة-المسرحية كان (الديمقراطية ومفهومها) كما أسلفت وبالطبع من الواضح أن ديكور المسرح تغير إلى “مكتب ومكتبة” بدل الأستوديو وخلفيته وذلك لإضافة هالة من العظمة والفخامة والرهبنة العقلية والتصوف الروحي على وعظيات لقمان الربيع العربي عزمي بشارة الذي قدم محاضرة للجمهور العربي عن “الانتخاب” وشروطه .. من قطر التي تعب شعبها من الانتخابات البرلمانية والتشريعية ومن انتخابات الكونغرس القطري!! .. من قطر التي سمح للمرأة بحق التصويت فيها لأول مرة عام 1997 بينما في سورية بدأ عام 1949 .. (في السعودية لم يتحقق إلا عام 2011) فيما الأخ الصغير يستمع ساكنا مستسلما لموجات الفكر وحركة المد والجزر في العلم والعلمانية والعزمانية والثيولوجيا والبشاروجيا ..
وكان يمكن لعزمي أن يتحدث مباشرة إلينا كما كان المفكر الكبير حسنين هيكل ينطلق دون مقاطعة .. لكن يراد بالطبع من حضور ووجود الظفيري – الذي يجلس كما لو كان في معبد بوذي ولا يقاطع بوذا إلا نادرا – كالديكور في المشهد .. يراد منه فقط تعليم الجمهور المتلقي لجرعات الفكر الانصياع والاستسلام للتنويم المغناطيسي الذي يمارسه المعلم أفلاطون وخاصة عندما يتحدث بشارة عن تحفظاته الشخصية على مفاهيم ديمقراطية كبرى وكأنه أحد مؤسسي الحقبة الديمقراطية الأوروبية وهو يوحي أن اعتراضه عليها ينقص من علاقتها بالحرية ..وكدنا نقول بعد تلك المحاضرة إن عزمي بشارة ظل يوصينا بالديمقراطية حتى ظننا أنه مؤسسها الأول..وأنه هو من ألهم أفلاطون كتاب “الجمهورية”..وهو من نحت له أهل أثينا تمثاله في معبد الأكروبوليس..
ورصّع المفكر العربي عرضه باستعراض تاريخي لنشوء الديمقراطية وبأسماء آدم سميث وجان ستيوارت وتجربة فريدريك الثاني وهنري الثامن والاكليروس .. الخ.. وكل تلك الأسماء الألماسية البراقة مع بعض المصطلحات الغربية التي يتفضل بترجمتها لنا في عمل لا يجيده إلا المحتالون على المساكين والبسطاء .. لأن الغاية ليست تعليم البسطاء والعامة فنون الديمقراطية فهؤلاء لن يفهموا مثل هذه المحاضرات .. وعزمي يعرف أن محاضراته لن يسمعها أو يفقهها الإسلاميون العرب المنفلتون من عقالهم باللحى والسلاح والسكاكين في الشوارع بل إن من يسمعه هو طبقة متعلمة عربية واسعة ليس اختصاصها التمحيص في ما يقول وهي غالبا ما تحتاج إلى من ينير لها طريقها السياسي .. وهؤلاء هم من يمكن لهم أن يقرروا مصير الحركة السياسية العربية واتجاهها ..
ولكن ما هي الديمقراطية التي يبشر بها أفلاطون قطر..عزمي بشارة؟؟
من يتابع نشاطات عزمي بشارة هذه الأيام يجد أن هذه المحاضرات في مسرح “في العمق” هي نسخة طبق الأصل لمحاضرة قام سابقا بإلقائها على القيادة التونسية الجديدة برمتها حيث جمعت القاعة جمهورا من الإسلاميين على رأسهم الغنوشي (مفكر البكّيني) والأبله المرزوقي الذي قدم بنفسه المفكر العربي عزمي بشارة تقديما مسرحيا قبل أن ينزل إلى مقاعد الجمهور يصغي باستسلام وامتنان وانبهار وهو مأخوذ .. مستمعا كعادته كتلميذ نجيب ..فيما جمعت القيادة التونسية الثورية لتستمع إلى زخات الفكر والعلم والشتاء العقائدي تماما كما كنا نجمع طلبة طلائع البعث والشبيبة للاستماع للرفيق فلان الفلاني في أطروحات الرفاق البعثيين (انظر الرابط وانظر إلى الحضور والقيادة التونسية المذهولة والمأخوذة مجتمعة لتتعلم .. ومن لديه الجلد في الاستماع ويتابع المحاضرة الطويلة يجد أنها نفس المحاضرة التي ألقاها عزمي على أخيه علي الظفيري منذ أيام على مسرح الجزيرة في برنمج كاراكوز وعواظ – في العمق) ..
في جلوس رئيس الدولة مستمعا في محاضرة مع أركان ثورته وحكمه ليس انتقاصا لمقام الرئاسة ولكن هذا السلوك بالذات في محاضرات أفلاطون قطر وضع لغاية نفسية مقصودة من فريق عزمي بشارة والأوصياء القطريين على قيادة الثوار التونسيين تذكرنا بتوجيه نبوي نقل عن الرسول بأن: “خذوا نصف دينكم من هذه “الحميراء”، في إشارة إلى السيدة عائشة .. أما في تونس فقد كان انضواء الرئيس والحزب الحاكم وقياداته الفكرية تحت مظلة واحدة تستمع لعزمي بشارة يشبه الانصياع لخطبة نبوية .. وكاد الأهبل المرزوقي يقول لنا (خذوا دينكم كله من هذه الرقطاء .. عزمي بشارة)..
الكاميرا تجول بين جمهور حبيس الأنفاس مبهور لسبب أن عزمي جاء بالجمهور الذي (في معظمه) لا يعرف عما يسمع ولا كيف يجادل ويعترض بل هناك كومبارس لتأييد ما خلص إليه عزمي بشارة من أن الثورات العربية الإسلامية هي أساس الديمقراطية القادمة .. ولو كان عزمي بين مجموعة من المفكرين الكبار وعتاة التنوير لسمع من الكثيرين ممن استوقفوه أو أحرجوه أو عنفوه على ما قال .. الجمهور ليس حاوية ووعاء نسكب فيها عقولنا ونمزج فيها الألوان للوحاتنا .. بل هو الريشة التي تعيد رسم لوحاتنا من ألواننا .. وهو البحيرة التي تموج عندما تهب عليها رياح الفكر الخلاق الذي يحرضها..وغير ذلك هو جمهور مستنقعات الطين الفكري.. جمهور كومبارس..
بالطبع لا يسمح لأحد أن يكون في حوار فلسفي عميق مع عزمي بشارة وهو يتحدث عن الفلسفة ومفاهيم الدولة والعلمانية إلى جمهور كله من مستوى الأبله المرزوقي أو أخيه علي الظفيري .. الجمهور التونسي مثلا في محاضرة عزمي لم يوجه نقدا له بل رشقه بالمدائح والإطراء والدعاء ولم يتحده أحد في شأن هو من أكثر القضايا والشؤون العربية الراهنة سببا للنزاع والسجال والتراشق بالنقائض في زمن نحن فيه أحوج ما نكون للسجال والمبارزة الفكرية وليس للانصياع الفكري والتنويم المغناطيسي .. أي سجال على مبدأ (الاتجاه المعاكس) وليس على طريقته البدوية الهمجية البائسة ومواويل الهوّارة لفيصل القاسم ودبكاته ..
ولذلك لا يمكن لعزمي أن يظهر إلا أمام من يستمع إليه أو من لا يتفوق عليه .. هذا ديدنه في كل شأن .. فعندما تحداه النائب اللبناني والمناضل المثقف الكبير ناصر قنديل إلى منازلة فكرية بشأن الأزمة السورية على برنامج الاتجاه المعاكس أحجم المفكر العربي وغاب عن الوعي .. ووقع في غيبوبة!!..
الغاية من البرنامج المرتب بعناية ومن هذه الجولات الفلسفية على العرب هذه الأيام هي إعادة حقن اسم عزمي بشارة برمزية العبقرية الفكرية والأخلاقية السياسية بعد أن تآكلت مشروعيته الأخلاقية والفكرية .. في تحضير لإعادة إطلاق قصفه المدفعي في معركة سورية التي عجزت الجزيرة عن إنهائها .. لكن الأخطر من ذلك هو إيصال رسالة في غاية الخبث من خلال استعراض لفظي واستعراض عضلات لثقافة كثيفة تريد أن تقول الرسالة المفخخة الخطرة التالية التي قالها عزمي بشارة صراحة وهي أن الإسلاميين هم الديمقراطية كما كانت المسيحية ممرا نحو ديمقراطية أوروبة .. وهذا ملخص ما قاله:
الديمقراطية لا تنشئها إلا التيارات الدينية!! .. ولكم في أوروبة مثال بديع قائم انطلق من ثورات دينية بما فيها الثورة الفرنسية!! .. وأن الفكرة المغلوطة عن لا ديمقراطية المؤسسات الدينية كانت بلهاء ولا منطقية وسببها أن العرب متأثرون بالدرس الفرنسي والروسي عندما تواجد تحالف بين الاكليروس والطبقة السياسية مما جعل الأحرار والطليعة الثورية في هذه الدول معادية لرجال الدين لدرجة نمو ثقافة الإلحاد في الاتحاد السوفييتي .. لكن في بلد مثل بريطانيا تطورت كل الديمقراطية في إطار المناقشات الدينية من خلال صراع كرومويل..الخ
ويتابع عزمي زرع الحشيش والأفيون بالقول: إن الديناميكية بين الدين والديمقراطية هي حقيقة .. وفي تحول البروتستانتية المسيحية إلى أحزاب دينية دليل على أن الدين شكل رمزي .. كما أن الكنيسة الكاثوليكية في بولندا بعد انتصارها على الشيوعية عادت إلى مكمنها دون تدخل في المجتمع .. وأن الكنيسة كانت وطنية ولذلك فان استبعاد الدين من الفضاء السياسي العربي خطأ وأن تجربة الكنائس في أوروبة تفيد أنها قادرة على اتخاذ مواقف من قضايا سياسية مثل البيئة والحرب والسلام ..
ويخلص عزمي إلى استنتاج ما يلي: إن النفور العام من المتدينين مرفوض تماما.. بل من قال إن الديمقراطية تتناقض مع الإسلام؟؟!! بل إن الديمقراطية هي نتاج الدين !!..
ولعل أخطر ما قاله هو التالي: إنني أرى أن ابن تيمية رجل ثوري ومجدد في عصره .. فهو القائل إن الحاكم العادل الكافر أفضل من الحاكم المسلم المستبد .. وتم اختصار ابن تيمية في هذه العبارة وكأن ابن تيمية بهذا اكتشف ما لم يكتشفه أربع خلفاء نسميهم في التراث بالراشدين وما تلاهم من كل مفكري العرب من المعتزلة (ومنهم الجاحظ والرازي) الذين كان لهم اجتهاد بالعدل والتوحيد .. إلى الأشاعرة إلى إخوان الصفا ..لكن الإشارة إلى ابن تيمية تحديدا والاحتفاء به من قبل عزمي هو إشارة مواربة منه إلى صحة وثورية المرجعية الفكرية للوهابية المنتشرة والإسلام العنيف الحالي..
وفي هذا يلتقي عزف عزمي مع أنغام يروج لها عملاء قطر في كل مكان مثل الصحفي الطبال عبد الباري عطوان صديق قطر الذي يدغدغ المشاعر العربية بتذكيرها أن وصول الإسلاميين إلى السلطة في دمشق يذكرنا بأن أول إمبراطورية إسلامية انطلقت من دمشق نحو العالم ..ثم يبيع الوهم بأن إسرائيل هي المتضرر الأكبر من وصول الإسلاميين إلى السلطة في دمشق !!
بل في محاضرة ألقاها عزمي بشارة في ذروة حرائق الربيع العربي في الشهر التاسع من عام 2011 قال “إن من الجهل العلماني التخلي عن ارث الشريعة الإسلامية العظيم” .. وهنا لا يوجد من يناقشه ليقول له أية شريعة تريدها مثلا ؟ هل هي ” شريعة طالبان” أم “محمد بن عبد الوهاب” أم “شريعة النجف الشيعي” أم “شرائع الأزهر”؟ أليس من الضروري توحيد تعريف فقه التشريع ومصدره قبل الخوض في الدعوة له؟؟ .. للأسف هذا بحث معقد اختصره بعبارة ناسفة فيها كل المغالطات ..لأنه يريد للمشروع الإسلامي النفطي الفوز بالسلطة وفق التنسيق مع برنار هنري ليفي (انظر الرابط وهو يدعو للتمسك بحكم الشريعة العظيم ويبرر له بخبث متناسيا حقائق مفصلية في التشريعات الغربية)
وبالرغم من دعوته لاقتباس التجربة الديمقراطية الغربية المنبثقة من المسيحية فانه في الشهر السادس من عام 2011 في ترحيبه بالثوار المصريين سخر من التجربة الديمقراطية الغربية .. فلنستمع إلى المفكر الذي ألقى علينا عظة الديمقراطية.. هذا مقطع مسجل .. لا تستمعوا إليه فهو مليء بالثرثرة والتكرار للبديهيات لكن فلنستمع تحديدا إلى آخر المقطع (الدقيقة الخامسة) وهو يسخر من ديمقراطية أمريكا وأوباما وكلينتون .. بل والكلمة السحرية هي آخر كلمة عندما يقول: إن نصحنا بالاستفادة من تجربة بولندا الديمقراطية هي ببساطة لأن أمريكا استولت على بولندا بهذه اللعبة
ولا شك أن هناك مغالطات كبرى وعملية تمويه هائلة يمارسها عزمي بشارة لصالح المشروع الإسلامي المدعوم أميركيا دون مساحيق ولا براقع .. فمن يعرف الثورة الفرنسية يعرف أنها كانت ضد النخب الكنسية ويعرف أن جان جاك روسو هو صاحب نظرية “الدين المدني” وأن كتبه كانت تحرق في شوارع باريس من قبل رجال الدين … وهو جهل بوثيقة (دين الفطرة) التي كتبها روسو .. بل إن فولتير رائد التنوير الثوري الفرنسي البارز رفض وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة أن يتقبل ما يلقنه له رجل الدين وقال له كلمته الشهيرة عندما طلب منه التبرؤ من الشيطان (لا وقت عندي لكسب مزيد من العداوات) .. ويتجاهل عزمي بشارة أن التجربة الشيوعية في نأيها عن الدين لم تكن بسبب فساد الطبقة الدينية فقط والتي مثلها راسبوتين الرهيب وتحالفها مع القياصرة بل لأن هناك اتجاها قويا يقول إن الماركسية في عداوتها للكنيسة إنما كانت بالأساس رغبة يهودية عبر اليهودي كارل ماركس لتحطيم الكنيسة الأرثوذوكسية العدو القديم لليهودية .. ولذلك تبنت الشيوعية فكرة الإلحاد لهدم الكنيسة الأرثوذكسية..
الغريب أن الدعوة لتعلم الديمقراطية من دروس أوروبة في استقبال الديمقراطية الدينية طريقة غريبة وخبيثة في التبشير بالإسلاميين لأن طريقة انحناء الكنيسة للقيم الديمقراطية مرت عبر حروب أهلية مديدة ومذابح بلا نهاية إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه .. والدرس الذي تعلمه العالم هو أن الاستسلام للديمقراطية الدينية الرثة سيفضي إلى المرور عبر نفس ممر الآلام والعنف الذي نشهده الآن في العالم العربي عبر آلاف الانتحاريين والذين يعدمون من يخالفهم العقيدة ..إنها دعوة إلى رحلة شاقة ديمقراطية طويلة فيها أثمان باهظة وحركة إلى الخلف ..وعندما نكتشف إنها فاشلة سنكون متأخرين كثيرا ومفككين كثيرا في مجتمعات متطاحنة واهنة .. عندها ماذا سيفيد اعتذارنا من أحفادنا؟؟!!وماذا سيفيدنا رجم قبر عزمي بشارة..
ان دعوة عزمي بشارة لتجربة الإسلاميين والتفاؤل بهم يشبه الدعوة لتجربة حكم نازي أو فاشي جربته البشرية ستتلوه ديمقراطية .. ويغطي عزمي دعوته بخبث بنبذه أي مجموعات دينية طالبانية عنفية ذات تاريخ غامض النشوء تدمر مجتمعاتها قبل الوصول إلى ديمقراطية غربية الطابع..ويفهم منه الترحيب بديمقراطية دينية فيها إسلام القصور والتكايا وبالإسلاميين الذين ينتقلون من مرحلة وعاظ السلاطين .. إلى الوعاظ السلاطين..يعني إسلام أردوغان (الصهيوني) وإسلام شيخ البكيني الغنوشي (صديق ايباك) .. وإسلام الشقفة الذي تعهد بأمن إسرائيل..وإسلام مصر الذي تشرف عليه قطر والقرضاوي.. ..
إنها دعوة تتجاوز النظر إلى الثمن والعاقبة وتتلذذ بالنهاية الرومانسية .. إن الديمقراطية الدينية الموصوفة من قبله تترك الإسلاميين الجدد بتحالفاتهم المريبة بالغرب والمنفلتين حاليا من غير ضوابط طلقاء في الحياة السياسية ..وهو توصيف للفوضى أو رومانسية سياسية قاتلة .. لأن من ينهض بمهمة الإسلاميين العرب اليوم ليس الإسلام الثوري الذي جاء به جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده أو الخميني بل هو التيار السلفي والقاعدي والتكفيري الظلامي المخردق بالاختراقات الغربية والاستخبارات والمزروع برجال الفتاوى المبرمجين ماليا الذي يقسم المجتمع إلى كافر ومؤمن .. وإلى مسلمين وذميين .. والذي كان من الأجدر على بشارة أن يدعو الإسلاميين لاستئصاله وجعل المرجعية الإسلامية نفسها ديمقراطية عاقلة بدل إنزالها هائجة إلى الشارع السياسي لما ستطلقه من عنف وتخلف .. أو أن يدعو إلى تحريرها من حبسها في القصور كما إسلام القرضاوي وأئمة آل سعود .. لأن هذا منطقيا ان لم يحدث فهو الذي سيبتلع الأحلام الرومانسية للديمقراطيين العرب فهؤلاء العتاولة التكفيريون هم البرلمان الحقيقي للحركة الإسلامية على عكس الحركات الأوروبية الكنسية التي قيدها التنويريون قبل انطلاقها .. فالتنوير سبق الثورة أما نحن فان الظلام يسبقها .. ومن سبقه الظلام لن يعرف الطريق .. ففي المساجد يتم اليوم صوغ الحياة الاجتماعية والفكرية والممارسات الديمقراطية للبرلمان في تونس ومصر وليس العكس .. والمساجد هي مكان جهاز السيطرة على ممثلي الحركة السياسية الإسلامية كلها .. وهذا الجهاز خاضع بدوره لجهاز سيطرة تحكم موجود في القصور الملكية الخليجية .. والقصور الملكية بدورها خاضعة للسفارات الغربية في الخليج المحتل ..سلسلة أجهزة تحكم متتالية توصل في النهاية إلى أن الديمقراطية الإسلامية الوليدة خاضعة لجهاز سيطرة وتحكم في الغرب..
هذه القضايا المعقدة والتي تنفجر في مجتمعاتنا بالتشويش واللغط وسوء الفهم هي التي تحتاج إلى تلاقح فكري وديمقراطية في الطرح وحرية في النقد المباشر .. فتخيلوا لو أن عزمي بشارة في حديثه عن ضرورة سطوة التيارات السياسية الدينية الحالية قد واجهها شخص بسوية محمد أركون المفكر الجزائري العملاق الذي رحل عام 2010 صاحب العديد من المؤلفات الثمينة والنظريات الهامة للغاية في نقد العقل الديني .. وهو صاحب كتاب “نقد الفكر الأصولي واستحالة التأصيل” ..وهو الذي نقل إلينا مفهوم “الجهل المقدس”..لا شك ان مفكرا من هذا الوزن كان سيظهر عزمي بشارة ولدا مراهقا في الفكر الديني والفلسفي وتاجرا لبضاعة هو وكيلها وليس صانعها..خاصة أنه من المهين أنه ليست لعزمي بشارة مؤلفات في الإسلام السياسي والأصوليات الدينية واختلافها أو تشابهها مع المسيحية السياسية كي يحاضر بها علينا ..
والغريب أن عزمي بشارة هو مسيحي عربي .. والمسيحيون العرب هم أشد وطأة على الغرب وإسرائيل من المسلمين العرب .. ويكفي أن أكثر الزعماء ضراوة في عدائه لإسرائيل كان الزعيم أنطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي وهو مسيحي عربي .. كما أن ميشيل عفلق مسيحي عربي وهو رائد حزب البعث العربي الاشتراكي ..وهذه الحركات هي حركات ثورية أصيلة ووطنية ضد واقع استعماري خارجي .. ولا ينسى دور الأسر المسيحية العربية مثل أسرة اليازجي والبستاني ودور فرح انطون واديب اسحق في عملية النهضة الحديثة والتنوير..
لكن أن يقوم عزمي بشارة وهو المسيحي العربي بالترويج للديمقراطية الدينية الإسلامية وفكر ابن تيمية لمجرد إعجابه بعبارة عابرة .. والحماس المنقطع النظير للأحزاب الإسلامية فهذا يستدعي التوقف والتساؤل المشروع .. فهل أسلم عزمي بشارة على يد القرضاوي؟؟ ..
أم هل هو امتداد للمسيحية الصهيونية التي وصلت طلائعها إلى المنطقة وانضوى تحتها بعض المثقفين العرب المسيحيين الذين يوطئون لتفكيك الإسلام المناوئ للغرب؟؟ هل هو يشبه كارل ماركس الذي أراد تحطيم الكنيسة الأرثوذوكسية بالتبشير بالدين الجديد الشيوعية؟؟ .. وبالتالي هل عزمي هو أحد المسيحيين الصهاينة المزروع بين نخبنا لاستدراج المجتمعات العربية إلى فخ إسلامي جذوره ترتوي من النفط وتتنشق الغاز ؟؟ .. أم هو استدراج للحركات الإسلامية لتفتك عبر فوضاها وميولها القروسطية بالنهضة الحديثة ومشاريع المقاومة في المجتمعات العربية والتي غالبا ستنتهي إلى صراع عميق مع القوى المتنورة القلقة من الارتداد الظلامي حيث ينتهي الصراع بين الطرفين إلى إضعافهما والقضاء على دور الجامعة والجامع ويوم الجمعة؟؟ .. الجامع الثائر على الاستعمار.. ويوم الجمعة الذي احتضن الثورات ضد الاستعمار وتحول اليوم إلى رمز للفوضى والموت والتراجع حتى صار يثير الاشمئزاز .. كما صار نداء الله أكبر يثير اشمئزاز المسلمين المتنورين قبل غيرهم .. ؟؟
عزمي بشارة .. أيها الإمام المؤمن .. ويا شيخ الطرق الصوفية الثورية .. نحن لا نصدقك ونحن من صار يعرفك حتى لو لبست طربوشا أو عمامة .. بيضاء أو سوداء .. حتى إن التحيت وزرت البيت العتيق.. وصمت رمضان ولعبت بحبات المسبحة وختنت نفسك .. وتذكّرنا عروضك الإسلامية بالمستشرق الفرنسي الذي ختن نفسه ليتمكن من خداع المسلمين ويتسلل إلى ثقافتهم وفكرهم ..لا شك أنك تعرفه .. أرجوك اسمع لنصيحة الزعيم عادل إمام بعد الذي حدث ..لأنك لن تقنعنا .. لذلك “اتكل على الله واشتغل …رقاصة”..
—————
ملحق بالموضوع:
عندما كان عزمي بين أهله في (إسرائيل) كان يظهر على وسائل الإعلام الإسرائيلية ودودا غير صلف أو متعجرف حيث لا مكان لإلقاء النصائح والكلام والثرثرة والوعظ والاتكاء على الأرائك والجلوس مثل بوذا .. بل لتبادل المجاملات والدعابات حتى لو كان يدافع عن حقيقة جغرافية مثل أن فلسطين هي جزء من بلاد الشام..انظروا مثلا هذا الرابط ولاحظوا حجم عزمي الحقيقي ووده حيث لا وجاهة ولا هالة ولا وعظ ولا جمهور الأبله المرزوقي..لاحظوا هل هناك فرق بين المتحدثين؟؟ أم هي عائلة واحدة؟؟
(السبت 2012/07/28 SyriaNow)
شوقي إبراهيم عثمان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.