"الآلاف يفرون من السودان يومياً".. الأمم المتحدة تؤكد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    السعودية أكثر الدول حرصا على استقرار السودان    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكومة: ما بين التعديلات وطيران الرؤوس الكبيرة!!
نشر في الراكوبة يوم 14 - 12 - 2013


بسم الله الرحمن الرحيم
الحكومة: ما بين التعديلات وطيران الرؤوس الكبيرة!!
التعديلات الأخيرة التي قام بها البشير، لم تكن بالشئ السهل! او يمكن لها أن تمر مرور الكرام، دون أن تثير الغبار والتساؤلات، خاصة وسط المهتمين بالشأن السياسي. بعد أن تم إستبعاد القطاع العريض من القاعدة الجماهيرية، من الإنخراط في العملية السياسية، والإزاحة من دائرة هموم ومشاغل السُلطة. وحُشرت في ركن ضيق من الإهتمامات، أي تدبير إحتياجاتها الأساسية والمُلحة. أي تم إيصالها للنقطة الحرجة، وهي الحياة من أجل البقاء فقط! أي حياة خالية من الطموح والرغبة، والشغف بمتعها والتطلع لفرصها، وتحقيق الذات من خلالها. أي يعيش القطاع العريض من الجمهور، حياة سريرية(علي وزن الموت السريري)، اي حياة غير ذات جدوي، او هي اللأحياة في أصدق تجلياتها! لتعبر من فوق رأسها هذه الأحداث، وكأنها تحدث في الفضاء الخارجي، او في عالم مختلف! وأقصي ما يتمناه الجمهور المُنهك، من ذاك العالم، الذي فقد او أُفقد التأثير عليه، ناهيك عن إجباره او تطويعه، أن يُحدث أي قدر من التحسينات علي واقعه، الذي يصعُب إحتمال مفارقاته، او مجاراة مفاجآته الغير سارة علي الدوام، ووعوده بالرهق الأبدي!
وبما أن النظام احدث قطيعة، بينه وبين الجمهور من جانب، والفاعلية السياسية من الجانب الآخر! فإن هذه التعديلات السطحية التجميلية، لا تمس رغبة وحاجات الجماهير الفعلية، او مطالب التنظيمات السياسية، بالرجوع للديمقراطية وحكم القانون ومنهجية المؤسسات، ومشاركة الجميع، في بناء دولتهم وإدارة شؤونها، دون إقصاء، لا لحزب او مشروع سياسي، ولا لجهة من الجهات او مكون من المكونات الإجتماعية، في حدود الدستور المُتفق عليه، والمحافطة علي هيكل وهوية الدولة، وحق المواطنة كحق مُقدس، يعطي الإنتماء للوطن معناه ومبناه. بتعبير آخر، تظل هذه التعديلات شأن داخلي، يخص النظام ورجالاته ومصالحه ومحاولاته المُستميتة، للحفاظ علي السلطة، وبالأصح المُحافظة علي وجوده من الفناء! بعد أن فقد أي قدرة، علي الإضافة الإيجابية أو الإحترام المعنوي، يمكن أن يشفعا له، لدي أي عاقل او محايد، ليمنحه صوته الإنتخابي او الإصطفاف الي جانبه في أي منافسة عادلة. او مجرد إمتلاك أي قدر من الصبر، يسمح بإستمراره حاكما عليه ولو ليوم واحد. بمعني أن النظام يخوض معركته الأخيرة من أجل البقاء، بعد أن فقد جميع أوراقه وحِيَّله، وتاليا فهو ليس معني بتقديم ما يفيد البلاد وأهلها، إلا في حدود، ما يعتقد أنه يخدم مخطط الإستمرار والبقاء كحاكم أبدي.
ولكن يظل ما جري ليس بالأمر البسيط كما أسلفنا، ليس من وجهة النظر السياسية الطبيعية، او إمتثالاً لسنن الحياة وقانون التغيير، الذي يحكم الجميع بوعيهم ورغبتهم او دونهما! ولكن لأن طبيعة النظام نفسه مُمتنعة علي التغيير! أي نظام طبيعته العناد والمكابرة او الثبات علي المواقف حتي لو كانت خاطئة، وهي في الغالب الأعم خاطئة! بسبب إعتقاده الفاسد، أنه يملك قوة وأخلاقية الصاح والحق! إضافة الي إعتماده المُطلق، علي الثقة في أفراده، وتاليا تشابك مصالح هؤلاء الأفراد، وفي نفس الوقت الإحساس بالخطر المشترك، من قبل الخصوم والشعب! بسبب إستناده علي الشرعية الإنقلابية، او فقدانه للشرعية الحقيقية، ورضا الشعب وقبوله وإحترامه! أي إمتلاكه ما لا يستحقه وتصرفه بالمطلق في حقوق غيره!! وبكلام محدد، إن اللُحمة التي تجعل النظام متماسكا، هي ثقته في أفراده، وليس الشعب المحكوم او القانون، او تقديم ما ينفع البلاد ويخدم تجربتها السياسية. ومجمل ذلك يعني أن التعديلات، هي إنعكاس حقيقي لحالة عدم الإستقرار، التي يعيشها النظام(الحكومة الفعلية)، وهي حسم لصراع مراكز القوي والنفوذ داخله! بعد أن تحول النظام الي مجرد آلية إحتكارية، للسلطة والمصالح الخاصة، والحماية من المحاسبة الداخلية والخارجية! وكذلك هي إنعكاس لتكاثف الضغوط عليه، بسبب إنحسار موارده الريعية ومداخيله النهبية، أي وسائل إغرائه للمناصرين وشراء صمت المحايدين، وأضف علي ذلك تآكل الدعم الخارجي ماديا وسياسيا(بسبب أوضاع إيران الضاغطة، و"مخلبية" الدور القطري أي تذبذبه، وضمور المنظومة الإسلاموية العريضة). وأيضا حسم الصراع يُمكِّن النظام حسب إعتقاده، من التصدي لمهام الفترة القادمة، التي تستهدف وجوده حصريا، وفي نفس الإتجاه إرسال رسالة تطمينية، للجمهور الغاضب، رفيق المعاناة والجرح الإنقاذي العظيم! أن هنالك تحسينات وإصلاح قادم، علي أيدي الأوجه الشابة الجديدة!! ولكن ما حدث يعكس أيضا، أن السُلطة الفعلية في يد البشير، وأنه يُديرها بطريقة فردية ديكتاتورية، لا تضع إعتبار حتي للشوري المُفتري عليها! هذا من جهة، ومن الجهة المُقابلة، تدل هذه التغييرات، أن النظام شأنه شأن الأفراد، عندما يتعرضون للتهديد والتضيِّق، يتم الإرتداد آلياً للمكونات الأصلية او التأسيسية، أي القبيلة او الدين وبالنسبة للبشير تتداخل معها المؤسسة العسكرية، كآليات للحماية ضد الفناء، وللتصدي للخطر الوجودي الذي يتهددها! والمعنِي بالتحديد هُنا، أن خلاصة هذه التعديلات، هي إستبعاد او تصفية وجود المكون المدني او الحزبي، او إرسال رسالة تحذيرية لمن تبقي منه، أن وجوده مشروط بتنفيذ أوامر المؤسسة العسكرية الوجه الآخر لرغبات البشير! وبالمعنَي القبلي للتعديلات، فهي تهدف الي إستبعاد قبيلة الشوايقة من دائرة النفوذ والتأثير والثقة، بعد أن تحالفت زمنا مع المكونات الجعلية والنيلية بصفة عامة، ضد الجمهور العريض الآخر. الذي إعتقد النظام أنه غير جدير لا بالثقة، ولا بتحمل مسؤولية الحكم وأمانة التكليِّف او التمتع بإمتيازات السلطة! وإذا ما صحت هذه الرواية، فإن إستبعاد الرؤوس الكبيرة(الأستاذ علي عثمان والدكتور عوض الجاز والمهنس اسامة عبدالله وقبلهم الفريق صلاح قوش!) بكل رمزيتهم ونفوذهم، ودفاعهم المُستميت عن النظام، بل ومساهمتهم الكبيرة والأساسية، في تشيِّد وبناء هيكل هذا النظام، ورعايتهم له منذ الطفولة(بالطبع لأسباب تخصهم، وليس من أجل قبيلتهم او وطنهم او المؤسسات التي ينتمون لها!)، لا يعني أننا أمام سابقة خطيرة، أو تحوّل في بنية النظام وتوجهاته، او إنه إستوعب درس مضار الإحتكار والتسلُط، او هو فعل يحمل أي قدر من الإستغراب! بل يعتبر من طبيعة الأشياء! وترجمة عملية لمنهجية الإقصاء الفوقي، التي يتبعها النظام! وتاليا يصبح غير ذي جدوي، الحديث عن مجاهداتهم وأعمالهم الجليلة، وتدينهم ومواهبهم القديرة! لأن محصلتها النهائية، تصُب في خط مصالحهم الخاصة وطموحاتهم المكبوتة! كما أنهم أنفسهم كانوا سيمارسون نفس الفعِل، تجاه فريق البشير، إذا ما وجدوا الفرصة او إعترض سبيل طموحاتهم! وليست حادثة الدكتور التربي منا ببعيدة! فما سقاه هذا الفريق للدكتور الترابي سابقا، يشربون اليوم من نفس كأسه!! وهكذا تدور ساقية النظام حتي يفني أبناءه وصانعيه! أي المسألة في حقيقتها صراع علي السلطة، يوظف فيها الدين والقبيلة والشيطان نفسه إذا ما وجدوا إليه سبيلا!! ولكن المؤكد أن كل ذلك لا يفيد الشعب في شئ، أي إذا خرج زيد او دخل عبيد، او طُرد المجرم الفلاني او قُبض علي المجموعة الفاسدة العلانية! فالشعب معني أساسا بقضية التغيير الشامل، وإمتلاك قراره وخيارته في يده، وتأثيره علي من يحكمه. وهذا ما لن يتم، إلا عبر توحد الشعب وتضامن تياراته السياسية ومنظمات مجتمعه المدني، وأخذ حقوقه بيده وتشكيل مستقبله بنفسه. وهو ما يتصادم فعليا مع وجود هذه النظام، سواء أجري تعديلات شكلية في بعض رموزه، اوقدم نوع من التنازلات، التي لا تمس عصب التغيير الجذري، والذي يعني عمليا تفكيك النظام وذهابه الي مزبلة التاريخ! وبكلمة واحدة، شيئان لا يجتمعان مطلقا في بلادنا، الإصلاح ونظام الإنقاذ الحاكم!
ولكن المُلاحظ، أن التركيز إنصب علي إقالة الأستاذ علي عثمان أكثر من غيره، إحتمال بوصفه نائبا أول لرئيس الجمهورية(لإعتبارات الواقع وليس الشرعية)، او بسبب مُبررات الإقالة المُضطربة، التي قدمها النائب علي عثمان بنفسه، والمُتعلقة بطاعته لأوامر رئيسه او لتنفيذ رغبة الجنرال البشير! مما يشي بأن الأمر ليس برغبة شخصية من النائب، او بسبب تقديمه لمصالح البلاد العليا وإستقرار الدولة، علي حساب طموحاته الشخصية!(أي إلباس الإقالة نوع من العمل البطولي). وهي طموحات لم تتوقف يوما عند منصب النائب الأول، والمؤكد أن الرغبة العارمة في تولي دفة القيادة لم تفارقه يوما، خصوصا بعد إزاحة عراب النظام الدكتوري الترابي، الذي ظن وبعد الظن غفلة، أن خيوط اللعبة كلها في يده، ليجد نفسه في الهواء الطلق، تملأ قلبه الحسرة ويعيش علي ذكريات ماضيه ووهم قيادة العالم أجمع! بعد أن إنحسرت عنه الأضواء، وفارقه التعظيِّم المُصطنع، الذي بُذل له مجانا علي مدار تحكُّمه في التنظيم! المهم رغبة النائب الأول في الوصول لمنصب الرئاسة، أصطدمت مرارا وتكررا، بصلابة رغبة البشير في الإستمرار علي سدة الحكم، ودعم المؤسسة العسكرية له، وإصطفاف فريق الجعليين الي جانبه! كل ذلك جعل السيد علي عثمان ينتظر اللحظة المُناسبة للإنقضاض علي السُلطة. خاصة وهو يتمتع بالصبر والنفس الطويل، والبقاء في الظل والعمل في الخفاء، أي إدارة معاركه من خلف الكواليس. ولكن هذا الأسلوب إذا نجح مرة، لا يعني نجاحه في كل الأوقات وبمختلف الظروف! خاصة وإن هذا الأسلوب، تحول عند السيد علي عثمان، من تكتيك او وسيلة للوصول الي الأهداف! الي إستراتيجية تحكم أدئه في العمل السياسي، أي تحول الي منهج وأسلوب عمل، طبع طريقة تعاطيه مع العملية السياسية. وهذا بالطبع ترك تأثيرا كبيرا علي شخصيته السياسية. أي تحول من رجل دولة، له القُدرة علي إتخاذ القرارات الصعبة، وتحمُّل نتائجها، ومواجهة الجمهور وإقناعه بها، او تحمُّل تبعات فشلها بنفس الثبات والوضوح. الي رجل يعيش في ظل الرئاسة او ظل الآخرين، ليحتفظ لنفسه بمساحة للخروج من الورطات! أي فشل الرجل في صناعة كاريزمة خاصة به، تجلب له الشعبية، وتمنحه الثقة والقدرة علي التصدي للمسؤوليات الجسيمة. وإحتمال مرد ذلك يعود الي أنه حاول أن يُمارس العملية السياسية او إدارة الدولة، بنفس عقلية وأسلوب إدارة إتحاد الطلاب، وحقيقة هذه سمة أشار إليها البعض، لا تخص الأستاذ علي عثمان لوحده، ولكنها تطال جزء كبير من قادة هذا التنظيم الإسلاموي، الذي يدعم هذه الحكومة القائمة! أي أن حاضنته الطبيعية طُلابية نُخبوية خاصة او مُغلقة، وليست شعبية عامة، عابرة لمختلف تشكيلات المجتمع ومهنه وحرفه! والمقصود بعقلية إتحاد الطلاب، ليس التقليل من دور الإتحاد وأهمية وجوده، وإعداده لقادة المُستقبل! ولكن المقصود بالتحديد، الإهتمام بالشكل أكثر من المضمون! أي الفوز بمقاعد الإتحاد والإنتصار علي الخصوم، أكثر من الإهتمام بقضايا الطلاب ومعالجة إشكالاتهم! وحتي هذه عندما تتم، فإنها تتم من باب التمهيد لإنتخابات أخري وفوز آخر، بمعني يتم توظيفها لإستدامة السيطرة علي الإتحاد! وعيب هذا الأسلوب من الإدارة، إنه يُبيح إستخدام كل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة، أي تنتفي مسألة شرعية الوسائل لتحل محلها سيطرة الغائية! وفي هذه الحالة يصبح الفوز قضية مُقدسة لا يمكن خسارتها، وتصبح الخسارة خطيئة يجب تجنبها! وبالوصول الي هذه المرحلة، تصبح لا أهمية، لا للعملية الديمقراطية التي تفرز الأصلح و لا للمشاركة التي تضمن إستقرار الاوضاع! وبكلام آخر، حدث نوع من الخلل في التربية السياسية، وإنحراف في رؤية الصالح العام، للكادر الإسلاموي، وعلي رأسهم الأستاذ علي عثمان، بل قد يعتبر أحد مهندسي هذا الخلل. وإذا كان هذا الأسلوب قد منحهم بعض الإنتصارات، فقد حرمهم التطور الذاتي والنضج السياسي، وإكتسابهم لمهارات إدارة الدولة بالصورة السليمة(وكلها تزدهر في إطار الحرية والمنافسة العادلة، وليس الإرهاب والعنف والتدليس الذي حكم مسيرتهم السياسية)، وللأسف هذا الأسلوب المُتبع، مس حتي الجانب الأخلاقي والقيمي، وما أسلوب التبرير المجاني للخطايا والفساد منا بغريب! وهذا الأسلوب المجافي للمصلحة السياسية، الذي أتبع من قبل النائب السابق، يرقي لوصف دارس الحقوق والقانون والممارس السابق لمهنة القضاء، السيد علي عثمان بمحامي النظام غير الأمين! فقد كان غير أمين لا مع الحكومة ولا مع الشعب، وإلا فماذا نسمي الدفاع عن جماعة او عساكر، قاموا بإنقلاب علي سلطة شرعية منتخبة! وماذا نسمي مرور تقارير المراجع العام، وهي تمثل قمة جبل الجليد فقط من قضايا الفساد، تحت ناظريه مرور الكرام وهو القانوني الضليع، وماذا نسمي المجازر التي إرتكبها هذا النظام، في حق شعبه من الإبرياء، وهو مكون أصيل في هذا النظام...الخ من المآسي والفتن، التي تفنن في إرتكابها هذا النظام، بدم بارد وضمير ميت، وفي وجود السيد علي عثمان نفسه، أي بإشرافه او بصمته لا فرق! ولكن كل ذلك لا يمنع أنه نسبيا، أفضل حالا من بقية رجالات الإنقاذ، سواء من ناحية خطابه ولغته السياسية، او من ناحية تفهمه للعالم الخارجي، وآليات عمل منظماته وهيئاته. فهو بطريقة او بأخري، مثَّل ساتر للنظام، المجرد من أي قدرة علي الإقناع، لا من جانب الإدارة السياسية او التنمية الإقتصادية للدولة السودانية، لا للداخل او للخارج! أي مثَّل دور العقل والحكمة والبراغماتية السياسية، لمنظومة غير حكيمة بالمرة! وقد يكون السبب خلفية الرجل القانونية، وإنخراطه في العملية السياسية منذ صباه! ولكن الأكثر تأكيد وفي كل الأحوال، أن محصلة حصاده، كانت الهشيم لوطنه، والتأسيس للمعاناة والجوع واليأس لشعبه، وترك ذكري في غاية الألم والمرارة والأسف، علي لوح التاريخ الوطني!
كلمة أخيرة
أن ينادي الإسلامويون بالدعوة لليمقراطية، فهذا أمر يدعو للتعجب والإستغراب!! ولكن أن يكونوا الصوت الإعلي نبرة والأكثر مطالبة بالديمقراطية، والتعبير عن ذلك بصورة هستيرية، ومن دون مراجعة جذرية، لمرجعيتهم المُعادية للديمقراطية، ولماضيهم وغدرهم بالتجربة الديمقراطية السابقة، فهنا يكمن الخطر، الذي يستوجب أخذ الحيطة والحذر!
إعتذار وتوضيح
يبدو أنني تجاوزت حدود اللياقة، في الربط بين البدانة والأستاذ حسين خوجلي، في مادة سابقة، ولو أنها علي سبيل الدعابة، لذلك وجب الإعتذار للأستاذ حسين خوجلي وللقارئ الكريم ولموقع الراكوبة المحترم. ولكن هذا الإعتذار لا يمنع بعض التوضيح، فقد شاع الربط بين البدانة او إستخدام كلمة مثل (ترطيبة) لوصف حالة الغني التي ينعم بها الفرد، مثل إمتلاك عمارة او شركة او قناة! أي أصبحت تمثل نوع من الفرز الطبقي لو جاز التعبير! وكذلك(جعان تعبان) وغيرها من الألفاظ التي إرتبطت بحالة الفقر! أي هي نوع من إظهار التمايُزات التي أفرزها هذا النظام، الذي ينحاز لمُناصريه ضد الآخرين داخل الوطن! ولا يفهم من ذلك أننا ضد البدناء او الأغنياء بالمطلق! بل بالعكس فالأغنياء يلعبون دورا هاما إجتماعيا وإقتصاديا في الدولة الرشيدة! وذلك بقدرتهم علي المبادرة والمغامرة والإستثمار، وتاليا فتح فرص عمل للآخرين، ودفع الإقتصاد الوطني خطوات الي الامام، وذلك عبر تفجير الطاقات الكامنة للأفراد، ومضاعفة الثروات، وزيادة الحافز للعمل والمنافسة والصعود! ومجمل ذلك، الدعوة للإستقرار والإنخراط فيه، بغرض إستدامة المنافع والفوائد. أي بتقديم أكبر قدر من التنازلات للحصول عليه ومن ثم المحافظة عليه لأطول مدي. وبكلمة واحدة هم جزء أساس من حالة توازن المجتمع والدولة. ولذلك فالمقصود هنا، أننا ضد إستخدام أدوات الدولة وإستغلالها ضد لشعب، او من أجل مراكمة المال لدي قلة تمتص جهد الآخرين، وتمتهن عمليات السمسرة والمضاربة والنصب والفساد المقنن، وغيرها من الممارسات التي تعادي الإقتصاديات القوية المعافاة، وتحد من إنطلاقتها وتقدمها الي الأمام، وهذا إذا لم تنخر في عظمها وتحيلها الي تراب او أثر بعد عين. وتجربة الإقتصاد السوداني خير دليل وبرهان لمن أراد العبرة اوالإعتبار.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.