لحقت الموت ولم يلحق بك ...دوما اردت الوصول الى نهاية النهايات يعرف الكثير من زملائك في المرحلة الثانوية انك كنت من المتميزين في الكديت المدرسي(التدريبات العسكرية التي كانت ضمن الانشطة المدرسية)دفعك شغفك بالاشياء للذهاب الى معسكر جبل كردفان بالابيض لتأخذ جرعة زائدة لمدة ثلاثة اشهر ليس لشئ سوى انك اردت ان (تحددها) على حسب تعبيرك(بمعنى تصل حد الشئ) .نعم وصلت في حياتك حد كل الاشياء .حتى انك (حددتها) مع الموت .اخالك وبكل فوضويتك وكثرة حركتك وتمردك على الاشياء. قد قررت في تلك اللحظة الدخول في حالة سكون ابدي فاخترت ان تكون رجل الثلج .مت وحيداً ..بعيداً..متجمداً. ولكن الصورة الطاغية الآن والأكثر حضوراً في ذهني .هي صورة بهنس قبل سنوات مضت .كنت اراك كثيرا وانا اتردد على اخي (محمد حميمة) بجامعة ام درمان الاهلية ، لم تكن وحيداًوابداً كان حولك الكثير من البهنسيين ، اتذكر الوجوه ولكنني لا اعرف اسماءهم جميعا. كانوا اصدقاءاً خالصين . تقاسمتم زماناً كاملاً بحلوه ومره ، وبفوضويته العفوية ، بقلقه الخلاق ، تقاسمتم معاً حب الحياة وكل الاشياء السمحة. لعلهم لو كانو يعلمون بما انت فيه ما تركوك مهجوراً هائم الخطى .ولكن هو قدرك . اخي حميمة لا زال يردد ومنذ معرفته بخبر موتك قصة تعرفك به ، انه وفي البداية قبل ان يقترب ويعرف ما تحمله بدواخلك من روح فن متمردة تاخذ الدنيا واشياءها بطريقة تختلف عن الآخرين ، ربما لغرابة نمط تلك الطريقة في البداية بقيت هنالك مسافة بينكما رغم وجود اصدقاء مشتركين . ذكر انه في احد الايام وجدته في الجامعة بصحبة صديق فلسطيني (خالد عياش ) ودون مقدمات وجهت لهما دعوة للغداء بمنزلكم في ام درمان ، لبيا دعوتك تلك فوجدا بيتا واخوة واسرة سودانية تشبه سماحة كل اسر السودان واصالتها و(غداء لا زال يذكر مكوناته ). و وجدا اماً اوسعتهم سلاما وترحاب ، و طلبت منهما ان (قولو لبهنس يخلي ورقه الكتير دة) .تلك كانت طريقتك لاذابة الجليد من العلاقات فكيف عجزت اليوم عن اذابة الثلوج والبرد عنك ؟ فهل تجمدت هكذا على الرصيف؟ لتواعد مواسم ذوبان الثلوج... !؟ام اردت ان تسقط عنا (الورقة التي يحاول الكل ان يخصف ويغطي بها عورته) .؟ سيظل رحيلك قرصة برد في مفاصل كل دائن و مدان ، ستظل المجالس تحكي قصة بهنس رجل الثلج ، الذي انكره الكل وتنكر له وطنه ، لك الراحة و السكون الابدي ، ولك فردوس بعرض السموات والارض كما وعدنا الرب. فهنيئاً لك يا بهنس . ولا عزاء لنا ..لا عزاء فاطمة ابراهيم..الخرطوم [email protected]