من المفارقات العجيبة والمؤلمة في ذات الوقت أن أديس أبابا تلك العاصمة المسالمة التي إحتضنت إرهصات التفاوض الثنائية الأولى بين نظام الإنقاذ والحركة الشعبية لتحرير السودان في محاولة لملمة جراح السودان الذي كان موحداً وسط دخان الحرب .. هي ذات المدينة التي تشهد محادثات رباعية تتعثر بين وفدي الدولة الجنوبية التي أقامها من توحدوا في قطعها عن الجلد الواحد كثوار وفشلوا في صيانتها كحكام.. ومن جانبٍ آخر بين وفد الإنقاذ نفسها التي فرطت في تلك الدولة وبين قطاع الشمال الذي سقط كالسهم عن كنانة الكتف الأيمن وهو يتباعد عن شقه الأيسر ! إستمراراً لنفس مسلسل عصابة الإنقاذ و إتباعاً لسياسة إما مسالمة بأصبع واحد منها للأصبع القوي الذي يؤلمها في عينها من فصيل بعينه فتطويه لتكسره في كفها إغراءاً بالمكاسب التي تنسيه بقيه كفه وإما أنها تجذب من كف الخصم الأصبع الآيل للسقوط عنه لضعفه وترميه بعيداً..! ياترى كم من الوفود ستتفاوض عن الأقاليم التي ستتناثر عن كف الوطن الواحد وتنفرد بها الإنقاذ لو بقيت عاماً آخر أوعامين لا قدر الله وهي على ذات نهجها وسياستها الرامية الى زيادة الشقة يبن الوطن و النيل الأزرق الذي قد ينمو فيله الصغير المسمى بالمشورة الشعبية فيكسر قيدة ويصبح جنوباً جديداً ربما يمد خرطومه ليعقده عند هامة جبال النوبة ..! وهل سيتورع الكيزان عن الخلاص من دارفور وقد رسموا ملامح ذلك المسعى المبيت بتنصيب سلطة مؤقتة إنتقالية هي الأبعد الى الحكم الذاتي ولو في حده الخجول في ولايات رخوة ومبعثرة وهم الذين لطالما تمنعوا عن فكرة توحيد الإقليم لشي ما في نفوسهم ..! الآن الإنقاذ لا زالت تتبع سياسات سلام الأصابع رغم فشلها الذريع وهي التي كانت تدًعي القوة العسكرية والمادية ، ولن تستطع بأي حال من الأحوال وهي في أسوأ حالات ضعفها حكماً وحزباً وجماعة أن تصنع سلام الأكف القوية ، فهي مشغولة حتى النخاع بصراعاتها الداخلية تتقاذف بمواعين سلطتها المشققة ، وهكذا هو دائماً داب العصابات، حينما تفرغ من السرقة مجتمعة فإنها تتصارع في ما بينها حتى يصفي بعضها البعض الآخر مثلما علمنا التاريخ ! bargawibargawi@yahoocom