كانت إنتخابات 2010م هي إحدي إستحقاقات إتفاقية السلام الشامل وقد جاءت نتيجتها كاسحة لصالح الحزب الحاكم بلغت نسبة 90% وهي علي خلاف ما جرت عليه العادة فقد كان الفوز في العهود الديمقراطية السابقة دوما من نصيب الحزبين الكبيرين، اللذان يرتكزا علي طائفتي الختمية والاأنصار، وقد تباينت الآراء حولها من حيث النزاهة والتزوير ، فالمراقبون الدوليون قبلوا بها رغما عن ما شاب إفتقارها للمعايير الدولية ، أما القوى الوطنية الأخري التي شاركت أو تلك التي قاطعت فقد وصفتها بالتزوير وعدم النزاهة ، الصادق المهدي يري أنها كانت مطبوخة وستؤدى لإنقسام حاد وستمهد الطريق لإنفصال الجنوب ودخول البلاد في أزمة إقتصادية عقب الانفصال ، أما مرشح الرئأسة حاتم السر فقد قال هي مهزلة حتي هم أنفسهم أصيبوا بالخجل منها فقد جاء الفوز بنسبة لا يقبلها العقل )، أما النظام فيرى أن الفوز كان مستحقا وقد ذكر نافع علي نافع بأن الفوز جاء نتيجة لدراسة وتخطيط وبرمجة. ولئن كانت هذه هي قراءة القوى الوطنية لإنتخابات 2010م فإن إجراء أي إنتخابات أخري في ذات الأجواء ستجسد هذه الصورة وتعمق من أثرها السالب في نفوس الجماهير ، ففوز الحزب الحاكم لم يكن مستحقا لانه لم يكن في دفتره من إنجاز يرتكز عليه سوى إتفاقية السلام الشامل التي أطالت من عمره وأكسبته إعترافا دوليا وهذه رغما عن إعتراف القوى الوطنية بها لأنها أوقفت حمامات الدم ، وإستنزاف موارد الدولة وأفسحت مساحة مقدرة للحرية (التي إفتقدتها البلاد منذ30يونيو) فإن الناس كانوا يتحفظون على ما يشوبها من شوائب بل هنالك من يرى أنها أعطت الجنوب أكثر من حقه فهي غير عادلة وستمهد الطريق للإنفصال. إذا هنالك عوامل أخرى أدت لفوز النظام وإكتساحه لنتيجة إنتخابات2010م منها أولا: البعد الخارجي والذي تمثل فى أن الإرادة الدولية كانت تقف لجانبه لإنجاز مشروع الإستفتاء علي تقرير المصير ، ثانيا:تسخيره لأجهزة الدولة وأموالها لصالح مشروعه الإنتخابي الذي تعهد فيه بتغليب خيار الوحدة وإستكمال مشروعات النهضة ثالثا: معظم القوى الوطنية كانت مغيبة عن جماهيرها بفضل سياسة حجب الحريات والنهج الشمولي للدولة كذلك إفتقارها للخطط والبرامج والمال جعل من آدائها الدعائي بائسا فهي لم تكن مستعدة بالقدرالكافي الذي يمكنها من الفوز أو حتي يؤهلها للمنافسة الشفيفة. واليوم الخارطة السياسية في البلاد تغيّرت كثيرا عن ما كانت عليه في عهود الديمقراطيات السابقة وحتي عن ما كانت عليه في عهد إنتخابات 2010م ، فالنظام لم يستطيع أن يحافظ علي وحدة البلاد كما لم يستطيع إسكات صوت الرصاص ولم ترى مشاريع النهضة الا ضمورا وكسادا والجماهيريطحنها الغلاء الفاحش و البلاد تتناقص من أطرافها ودورنا الخارجي يتراجع بل الخناق يضيق علينا رويدا رويدا. ورغما عن إستمرار نهج الحوار الا أن ثماره لم تينع ليتثني قطافها وهوة عدم الثقة بين النظام و معارضوه والجماهير تزداد سعة تتردى بها في مهاوى الظنون والقطيعة والإحتراب والعمل المسلح ضد الدولة يزداد بأسه ويتطاول مداه ليبلغ أذاه المركز ، الحزب الحاكم علي خلاف ما يبدو متماسكا فالخلافات تمور بداخله مورا وتعصف به في مهب الريح وما رجوعه للدكتور الترابي الا محاولة للإمساك بالبوصلة من جديد ،أما الأحزاب الطائفية فقد عملت يد الزمان في أماكن نفوذها عملا لن تمحوه إلا سنوات من الكفاح والنضال العلمي العملي الهادف الي مدنية الدولة وديمقراطية الحزب داخل مؤسساته المختلفة مما يسمح بظهور قيادة جديدة من جيل الشباب تؤمن بالتغيرالديمقراطي ولا تساوم عليه ، أما أحزاب التوالي المشاركة في النظام فإن لم تتحول لأحزاب حقيقة فستدركها غاشية الفناء، وكذلك أحزاب اليسار التي إلتزمت جانب المعارضة باكرا إن لم تحول أقوالها لأفعال وتقترب أكثر من الجماهير وقيادة الشارع فإنها ستعفو أثارها وتندثر مثلما عفت أفكارها. إذا ما تأملنا ما ذكرناه آنفا نجد أن الساحة السياسة تخيم عليها ظلال كثيفة من الركود وتخلو من المبادرة خلو فؤآد أم موسي فهل نستكين ونجزع ونلين ؟ أم ماذا؟ وهل نعول علي العمل العسكري عبر الجبهة الثورية أو غيرها من الحركات المسلحة ؟ وهل البلاد تتحمل مزيدا من التصعيد والمكابرة ؟ أم سيكون مخرجنا عبر إنتخابات 2015م؟ إن العمل العسكري ضد نظام المؤتمر الوطني تنادي اليه الأحرار منذ الأيام الاولي للإنقلاب وظلّ متواصلا حتي يومنا هذا فلم تجني منه الاطراف غير النزوح ولم يجني منه الوسط غير مزيدا من القبضة الامنية ولكنه يظل خيارا الجوء إليه وارد لمعظم قوى المعارضة إن لم يستجب النظام لنداءآت الضمير الوطني وتحذيرات الأكاديميون والمفكرون والمحللون السياسيون بأن البلاد إن لم نتداركها ستمضي نحو الحرب الأهلية الشاملة التي سنخسر فيها إنسان السودان وأرضه . فهل يكون مخرجنا عبر إنتخابات 2015م ؟ حاليا كما أوضحنا لا تتوفر جاهزية لا للنظام ولا للمعارضة بخوض هذه الإنتخابات المستحقة في العام القابل فالنظام إن أصرّ عليها فستكون عواقبها خيبة أمل كبيرة تماثل ما أفرزته نتائج إنتخابات2010م المشكوك في نزاهتها ولن تعترف بها القوى الوطنية وستطاب بإسقط النظام لا حواره ، لكن إذا إستجاب النظام لمطلوبات المرحلة وأسكت صوت الرصاص وأطلق الحريات ومكن الأحزاب من حرية الحركة والإتصال بقواعدها وتعبئة جماهيرها لخوض الإنتخابات بعد الإتفاق علي ميقاتها وضمان نزاهتها وشفافيتها فإنها ستكون أول خطوة في طريق الإنعتاق والتحرر من هذا الواقع المزري الأليم. أحمد بطران عبد القادر [email protected]