الحقيقة التي يمكن استخلاصها من طبيعة وحجم الحراك السياسي الكثيف الذي يمارسه الدكتور غازي صلاح الدين زعيم حزب الاصلاح الان في المنابر والملتقيات السياسية وحتي في الفضاء السفيري المفتوح ان غازي وجد ضالته وهو بعيدا عن المؤتمر الوطني وربما شعر تماما بانه كان اثير قيود وتقاطعات داخل حزبه القديم عطلت كثيرا من مشروعه الفكري والسياسي والاصلاحي فهو الان يتحرك بطلاقة وبلاقيود وهو الرجل الاول في حزبه تماما كما الترابي والصادق المهدي والسيد محمد عثمان الميرغني يطلق من منصته الرسائل والمبادرات السياسية لكل فصائل ومكونات الطيف السوداني ولكن اخطر ما ظل ينادي به غازي بانه يطالب حلفائه القدامي من الاسلاميين في المؤتمر الوطني بضرورة الفطام بين المؤتمر الوطني والدولة حتي يتحقق للحزب الانعتاق التام من كل ارتباطاته وقيوده والاخطر من هذا كله ان الدكتور غازي لا يريد دولة يكون الامن فيها لاعبا اساسيا في نشاطها السياسي وفي حراكها العام فماذا اذن سيبقي للمؤتمر الوطني اذا قطعت الحكومة امدادها المادي واللوجستي من الحزب ؟ وماذا سيبقي ايضا للحكومة اذا اخرجت الامن من أي ممارسة سياسية لا تتفق مع دوره ومسوؤلياتها كجهاز احترافي ؟ ولكن يبقي السؤال منذ متي ادرك الدكتور غازي ان افكاره هذه يجب ان تسوق في المسرح السياسي ويجب كذلك تطبيقها في الدولة السودانية ..لماذا يادكتور هذا الطرح الان فقط ؟ مجرد سؤال تفكيك مشروع "التمكين" ..! مهمة عسيرة وعصية تلك التي اوكل بها السيد رئيس الجمهورية القاضي مولانا حسن محمد مختار لتولي قيادة لجنة الاختيار للخدمة العامة ولكن مبعث الصعوبة ومشقتها ليس في امكانية تطبيق القانون او اللوائح او بسط العدالة في توزيع فرص التوظيف فقط وانما عسر المهمة تكمن في ان القادم الجديد ليس امامه سبيلا للاصلاح وترميم الخراب الا ان ياتي بانقلاب علي الموروث القديم من التجارب والمفاسد التي تاسست علي مفاهيم وافكار "التمكين" تلك المفردة التي اغرت بها الانقاذ كوادرها ومكنتهم في مفاصل الدولة في سبيل تحقيق مشروعها الاسلامي الذي حملته علي اجنحتها منذ فجرها الاول قبل 24 عاما وفي المقابل كانت فكرة التمكين هي الابعاد وسد الافق امام كل من ينشد وظيفة عامة دون ان يكون من اصحاب الحظوة والولاء التنظيمي ولم يجد هؤلاء سكة في سبيل البحث عن وظيفة ومعايش الا وسلكوها بل فرت ملايين الاسراب من الكفاءات والقدرات السودانية الي المهاجر لان الداخل لم يحتملهم . ولكن مولانا مختار قال عقب ادائه القسم انه سيحارب كل الاساليب والامراض القديمة التي هتكت بجسم الخدمة المدنية وافقرتها تماما من كفاءاتها وخبراتها واعمال مبادي الشفافية والوضوح والعدالة بلا محسوبية او عائلية علي ان يتساوي الجميع امام شررائع التوظيف في مؤسسات الدولة وبهذه الخطوة كانما تريد الحكومة بهذه اثبات جديتها وصدقها في التغيير عبر انفاذ وثيقة الاصلاح الشامل وانهاء سنوات التمكين السياسي والوظيفي في الخدمة المدنية ولكن هل تنجح الفكرة ؟ وهل يفلح القادم الجديد في اصلاح الحال ويعيد للخدمة العامة هيبتها وكفاءتها ؟ ام ان الذين جاء بهم هذا المشروع تمكنوا فعلا وانسربوا في مفاصل الدولة وبنوا مستعمراتهم فيها؟ الناس علي دين اعلامهم ..! عدد كبير من قبيلة الاعلام بقادتها وخبراؤها ووزراؤها يتحلقون صباح اليوم علي مائدة دعوة اعلامية تنظمها وزارة الاعلام ..والفكرة هي مناقشة قضية "الحرية والمسوؤلية" والوصول بها الي تفاهمات ورؤي مشتركة تتيح للصحافة حقها في اداء مسوؤليتها دون عسف او تقييد طالما ان هذه المسوؤلية مصانة خصوصا ان المرحلة تقتضي تهيئة الاجواء وازالة القيود وتعبيد كافة الطرق التي توصل السودانيين الي حوار راشد ومرشد والي منطقة التقاء . ولكن اكثر ما تنتظره قبيلة الاعلام من هذا المحفل هو ان تجد الصحافة دورا واعترافا بمهمتها في رصف الطريق من اجل الوصول الي حوارسوداني / سوداني وهذا لن يتاتي الا اذا سلكت الحكومة طريقا ممهدا للصحافة في مسيرة بحثها عن معلومة وحقيقة فالقضية تحتاج منها أي الحكومة الي تشريعات قانونية وادب سياسي جديد يملك الصحافة المعلومة متي ما ارادت وكيفما ارادت وبالتاكيد هذا لن يحدث ما لم تتفهم السلطة بكل اذرعها ومكوناتها ومؤسساتها بمهمة الصحافة ودورها وبحقها في الحصول علي المعلومة وبتاثيرها في تشكيل الراي العام ازاء ما يطرح من قضايا لكن يبدو واضحا ان واقع الصحافة السودانية يعاني وبشكل حاد من عبش المعلومات وتضارباتها وتقاطعاتها وفي كثير من الاحيان غيابها واكثر ما يثقل علي الصحافة مهمتها حينما تنتهج مؤسسات الدولة خيار الناطقين باسمها ولكن هؤلاء الناطقين لاينطفون وحتي اذا نطقوا فلا يقولون كل الحقيقة قتلجأ الصحافة الي ممارسة فضيلة الاجتهاد والتفسير او البحث عن خيارات اخري ولهذا ظلت العلاقة بين الصحافة والسلطة مبنية علي الشك والتربص ..فالرسالة التي نبعثها هنا لمهندسي الخطاب الاعلامي الرسمي ان ابحثوا لنا عن حوافز جديدة ومسنودة بتشريعات تعزز وتساند دعوة السيد رئيس الجمهورية لتوسيع هوامش الحريات الاعلامية والرئيس نفسه ظل يردد بالاخص في السنوات الاخيرة عبارة ان "الناس اصبحوا علي دين اعلامهم " لعنة "منصب" ..! بات الدكتور ابراهيم الامين الامين العام لحزب الامة القومي في وجه العاصفة وربما تقزف به الية الحوار ومطلوباته الي خارج منصبه اعتقادا من قيادة "الامة" بان الدكتور الامين من الغلاة ومن المتشددين ضد اي عملية توافق مع الحكومة وهو في ظن الكثيرين بما فيهم قيادة الحزب يقف حجر عثرة في سكة الحوار او التواصل مع المؤتمر الوطني وهذا ما لا يتفق مه مزاج القيادة وبالتالي فان الدكتور ابراهيم الامين سيكون هو الضحية القادمة لوار الامة والوطني وتستمر لعنة "منصب الامين العام " في استنزاف قيادات الحزب اما بالرحيل او الاقصاء الممنهج . ولكن من غرائب حزب الامة في انتاج مواقفه ان الامين العام السابق الفريق صديق اسماعيل قزفت به قيادة الحزب الي خارج المنصب لاعتقادها ايضا بانه يوالي الحكومة ويقود الحزب للتحالف معها ولهذا فان تبدل المواقف وغبشها تقود الحزب الي التبدلات في كراسي قياداته وربما تتفق الهيئة المركزية لحزب الامة في اجتماعها الاسبوع المقبل باتخاذ قرارها باقصاء الدكتور ابراهيم الامين افساحا لعجلة الحوار والتقارب مع الوطني . "مركز" وولاية..وصمت ..! علي ذمة الاخ محمد الكامل فضل الله الذي تخلي عن كل مناصبه في الحزب وفي الجهاز التنفيذي بعد ان كان لسنوات متطاولة الرجل الثاني في المنظومة الحاكمة بالجزيرة والمقربة جدا لجناب الوالي ولكنه الان خرج مغاضبا قبل ان يصوب انتقادات لاذعة للبروف الزبير بشير طه وقال بعبارة صريحة للزميلة "الحرة" :للاسف الوالي ازعن لبعض الضغوطات التي مورست عليه من لصيقين" هكذا كانت افادات ود الكامل بل ذهب الي اكثر من ذلك في اتهام المنهج الذي يدير به البروف الولاية بانه غير موضوعي . هذا جزء من حكاية الجزيرة الحزينة والممكونة فالقضية اكبر من استقالة ود الكامل وليست باقل من الكارثة فكل شي هناك يتداعي وحتي الحزب لم تعد له ارادة ولا تاثير ولا حتي قرار بل قلة من "الحاشية" تتحكم في مصاير العباد والحق العام .."والمركز" وكانه ابكم لا يسمع ولا يري ولا يتحدث ولكنه يمارس فضيلة الصمت المريب كل المدافعات والمرافعات وحتي المزكرات والشكاوي والتقارير المدبجة فشلت في ان تتعاطي بشكل موجب مع كل ازمات الجزيرة واحتقاناتها . عدد من القيادات بالجزيرة عبروا باسي شديد عن الحال المائل بالجزيرة واكدوا ان حزبهم الان في اسوا حالاته وربما تشهد الايام المقبلة انسلاخ مجموعات كبيرة من الحزب حال عدم تلافي اوضاع الحزب والولاية واحد القيادات ابلغ "الانتباهة" انهم شرعوا في حملة توقيعات واسعة بحثا عن حلول ومعالجات وغدا لناظره قريب . [email protected]