شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    الرئيس التركي يستقبل رئيس مجلس السيادة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    الكتلة الديمقراطية تقبل عضوية تنظيمات جديدة    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    عملية منظار لكردمان وإصابة لجبريل    بيانٌ من الاتحاد السودانى لكرة القدم    ردًا على "تهديدات" غربية لموسكو.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية    «غوغل» توقف تطبيق بودكاستس 23 يونيو    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    تشاد : مخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف خلال العملية الانتخابية"    دول عربية تؤيد قوة حفظ سلام دولية بغزة والضفة    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لتاريخ لن يغفر لعبدالله خليل أنه قضى على قومية الجيش وأقحمه في صراع الأحزاب للسلطة
نشر في الراكوبة يوم 22 - 04 - 2014

- التاريخ لن يغفر لعبدالله خليل أنه قضى على قومية الجيش وأقحمه في صراع الأحزاب للسلطة
دكتور عبدالله محمد قسم السيد وثق لمرحلة هامة على الشباب أن يقف عليها ليتعظ منها
لم يكن الحزب الإتحاد وحده تحت عباءة التاج المصري فحزب الأمة كان تحت عباءة التاج البريطاني
نعم يا دكتور حوادث أول مارس فرضت الإستقلال ولكنه ليس تحت التاج الانجليزي كما أراده حزب الأمة
لماذا أنشأ ميرغني حمزة حزباً يدعو للاستقلال ولم ينصهر مع حزب الأمة إذا لم يكن مشككاً في دعوته
الحقيقة المؤسفة يا دكتور إن الاستقلال بمفهومه الوطني لم يكن في قاموس الحزبين
عفوا عزيزي القارئ ونحن في عصر التكنولوجيا الحديثة وانتشار المواقع الإلكترونية فإن من يطلعون على ما ينشر من مقالات في الصحف في مواقع النت يقصرون تعقيباتهم وأرائهم حول ما ينشر على المواقع الإلكترونية ومن جهة ثانية فان كاتب المقال في الصحف السودانية يصعب عليه متابعة كل ما ينشر من تعقيبات في النت حتى يرصد كل ما يصدر من آراء مخالفة له لتعدد المواقع واتساع حجمها لهذا اعترف باني واحد من الذين يعجزون عن رصد كل ما ينشر من تعقيبات على النت مع إن ما يصدر من تباين في وجهات النظر يثرى الحوار وهو ما يحتاجه السودان في هذه الفترة العصيبة.
فالحقيقة أياً كانت لا يملكها نفر أو مجموعة بعينها لهذا أرجو المعذرة لمن طرحوا أراء مخالفة أو يرونها مصححة لما أوردته في مقالاتي بصحيفة المشهد اليومية التي تصدر في السودان ويتم نشرها في بعض مواقع النت فإنني ما كنت لأتجاهلها لو إنني اطلعت عليها ويا ليت من يدلى برأي ى مخالف أن يبعث لي برأيه على الايميل لنشره في الصحيفة تعميما للفائدة فنحن طلاب حقيقة نجتهد في الوصول إليها.
دفعني لهذه المقدمة الصدفة التي حملتني لان أقف على مقالة من عدة حلقات للدكتور عبدالله محمد قسم السيد والتي نشرها تحت عنوان:
(النعمان حسن والديمقراطية في السودان)
والتي تناول فيها مقالاتي عن حزب الأمة وعن أهم وأخطر فترات تاريخ السودان ضمن ما تناولته عن أحزابنا السياسية.
وكانت مقالة الدكتور التي نشرت في موقع الكتروني تمثل واحدة من الوثائق الهامة التي تغطى أحداث مرحلة تاريخية هامة من تاريخ السودان أرى من الأهمية بمكان أن يقف عليها الشباب وليس معنى هذا إنني ى أوافقه الرأي في كل ما ورد في مقالته ولكن الاختلاف في وجهات النظر مشروع فلقد أبدى الدكتور وجهة نظر مخالفة لي تماما فيما يتعلق بما أصدرته من أحكام عن حزب الأمة في الحلقات التي أفردتها لهذا الحزب وهو خلاف يتعين على أن أنشره وأعقب عليه حتى يقف غليه من اطلع على مقالاتي عن حزب الأمة لما يمثله من وجهة نظر ثانية حول هذا الحزب حتى إن كنا مختلفين في الرأي لأن الحكم على الوقائع حق لكل صاحب رأي مخالف وفى النهاية لن يصح إلا الصحيح ما دمنا طلاب حقيقة فقد يكون احدنا على حق وقد يكون كلانا لم يوفق ونصبح بحاجة لمن يصحح.
فالشكر للدكتور عبدالله الذي استأذنته لنشر ما سطره قلمه بهذه الصحيفة وبمواقع النت لتوسيع دائرة الحوار بحثا عن الحقيقة وان كنت أرى إن الدكتور في سرده للوقائع التاريخية وقع تحت تأثير رؤيته الذاتية التي حمل فيها على مصر والحزب الوطني الاتحادي وغيرها من الأحزاب التي يخالفها الرأي. وتجاهل أطرافا أخرى لم تكن مبرأة من أحداث تلك الفترة وعلى رأسها الانجليز وحزب الأمة نفسه فلقد جاء رأيه مبرأ لكليهما من أي مسئولية وهذا ما لا تقوله الوقائع التي أكد عليها بنفسه خاصة انه عاب على الحزب الوطني الاتحادي انه تحت التاج المصري ويدعو لاستعمار مصر للسودان وبرأ حزب الأمة مع انه كان أيضا تحت التاج البريطاني وكانت لزعيمه تطلعات بان ينصب ملكا تحت التاج البريطاني تحت الدعوة للاستقلال المزعوم يؤكد ذلك إن السيد ميرغني حمزة كان له حزب الاستقلال يدعو لاستقلال مبرأ من الحزبين فلماذا إذن اختلف مع حزب الأمة وكلاهما يدعو للاستقلال؟ :
وبهذا الفهم سأبدى رأيي حول نقاط الخلاف مع الدكتور ويبقى الباب مفتوحا لكل صاحب رأي مؤيد أو مخالف.
في هذا الجزء الأول من مقالته انشر ما سطره عن حوادث أول مارس وعن تسليم رئيس حزب الأمة عبد الله بك خليل السلطة للجيش وهو رئيس الحكومة التي انتخبها الشعب عبر صناديق الاقتراع. وعن زيارة الصاغ صلاح سالم واقتراحه بتقديم مليون مزارع للجنوب
أليكم نص الجزء الأول كما جاء في مقالة الدكتور عبدالله والذي يقول فيه ما يلي:
( أوالقضايا التي يتناولها الكاتب النعمان حسن وقليل غيره من المواضيع الجادة التي تحفز القارئ للمزيد من البحث والتقصي في مضمونها و أبعادها السياسية ومن ثم انعكاساتها على مستقبل البلاد ليس فقط السياسي وإنما نعم الإثني والثقافي والاقتصادي. فكثير من المواضيع لا تهتم كثيرا بالبعد التاريخي بل تجعل من الراهن السياسي المتأزم في كل شي ء محورا تجد من خلاله ذاتها ولكن الكاتب النعمان حسن يضيف إلى ما يكتب أحداث تاريخية حية في الأذهان بتصوراتها المختلفة ليغرسها في ذاكرة الأجيال اللاحقة والذين تنقصهم المعلومة التاريخية ومن ثم يعضد بها جلد الذات الحالي التي درج بعض الكتاب والمعلقين على تأكيدها كإفراز من إفرازات النظام الحالي تناول الأستاذ النعمان حسن بالتحليل الفترات الأولى من الديمقراطية في السودان في منتصف الخمسينات المتمثلة في فترة ما اقبل إعلان الاستقلال وما تلتها بعد إعلانه مباشرة في عام 56 والتي أتت بحزب الأمة في الصدارة ثم إنتحابات عام 1958 التي نتجت منها ما تعارف عيه الباحثون السودانيون بالحلقة المفرغة في السياسة السودانية وهي كارثة الانقلابات العسكرية والثورات الشعبية التي تفضي إلى ديمقراطيات ضعيفة في بنيتها التنظيمية والمؤسسية والمنعدمة الأهداف إلا من التمجيد والتقديس لرموزها. إعتبر الكاتب النعمان حسن في مقالته تلك أن "حوادث أول مارس ... إعلان سافر بإجهاض الديمقراطية من بداية الحكم الوطني وهو التصرف الذي صادر حرية أول برلمان منتخب عندما أشهر حزب الأمة (السيف والحربة في مواجهة صاحب الصوت في البرلمان)" باعتبارها "أول واخطر إعلان بعدم الالتزام بالديمقراطية "إنتهى الإقتباس. الواقع في تلك الفترة يقول عكس ذلك الاستنتاج الذي توصل له الأستاذ النعمان إذا نظرنا بموضوعية لما كان يجري من أحداث. إن موقف حزب الأمة لتوضيح وجهة نظره كانت ديمقراطية ولكن موقف الحكومة هو الموقف غير الديمقراطي حين أرادت حجب صوته. ولنصل إلى هذه الحقيقة التي يحجبها بعض الكتاب نتناول أحداث مارس بموضوعية وبصورة متكاملة.
قبيل خروج المستعمر وفي عام 1954 م تأكد السودانيون أن النضال من أجل الاستقلال إذا ما توفرت الإرادة والعزيمة له هو السبيل الوحيد الباقي حتى لا يكون السودان تابعا للتاج المصري كما كان ينادي الوحدويون من قوى الشمال. جاءت أحداث مارس 1954 م لتقلب كل الموازين ويتحقق بموت قادة تلك الأحداث الإستقلال الثاني للسودان. ولكن هذا الاستقلال لم يشأ له البعض أن يكون فرحا دائما ينعم فيه السودانيون بمختلف تعددهم إنتماءهتهم فتعاونوا مرة أخرى مع القوى الخارجية لكي تعيدهم إلى السلطة مما استدعى رئيس الوزراء اللجوء إلى الجيش بهدف حماية البلاد. الأمر الذي أدخل السودان في أزمة الحلقة المفرغة وهي التأرجح بين نظام ديمقراطي ضعيف بقيادة حزب الأمة والإتحادي الديمقراطي ونظام عسكري تقوده قوى أيديولوجية اشتراكية أو إسلامية تدعي لنفسها أنها تمثل القوى الحديثة في البلاد. فتكون النتيجة في حالات الحكم العسكري تدهور الأوضاع الاقتصادية والإجتماعية من جانب وضياع هيبة الدولة أمام القوى الخارجية خاصة في عهد نظام البشير حين انفصل فيها السودان وتمزق نسيجه الإجتماعي.
الحديث عن المطامع المصرية في السودان كما هو معروف تاريخيا يمتد إلى ما قبل إستقلال السودان في منتصف العقد الخامس من القرن العشرين وسأقصر حديثي على الفترة التي تناولها الأستاذ النعمان. في هذه الفترة والتي توجهت فيها كل دول العالم المستعمرة نحو إستقلالها عملت الحكومة المصرية على فرض إنضمام السودان إليها من خلال دعمها للمنادين بوحدة وادي النيل. فقبل إعلان إستقلال السودان من بريطانيا ومصر كانت هناك فترة حكم ذاتي مدتها ثلاثة أعوام تحددت وفق مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه الحاكم العام على دولتي الحكم الثنائي والذي أشار فيه إلى تكوين مجلس وزراء سوداني يكون مسئولا أمام البرلمان ويختار البرلمان رئيس الوزراء الذي يعين الوزراء وثانيا تشكيل برلمان سوداني يتكون من مجلس نواب من 97 عضوا منهم 40 بالانتخاب المباشر و 54 بالانتخاب غير المباشر وثلاثة من الخريجين، وكذلك مجلس شيوخ يتكون من 50 عضوا ينتخب منهم 30 من المحليات ويعين الحاكم العام العشرين الآخرين.
جاءت الموافقة المصرية على هذا المشروع بعد إجتماع في 15 أغسطس 1952 لمجلس قيادة ثورة يوليو في مصر حين أصدر قرارات وافق فيها على مشروع الحكم الذاتي وإعتراف مصر بحق السودان في تقرير مصيره وفي نفس الوقت دعوة أحزاب السودان جميعا إلى مصر للتفاهم معهم حول مشروع دستور الحكم الذاتي . واصل الجانبان البريطاني والمصري مفاوضاتهما واتفقا في 21 فبراير من عام 1953 م على إقامة الحكم الذاتي وممارسة السودانيين حق تقرير المصير على أن تقوم الجمعية التأسيسية التي سيتم انتخابها بالعمل على تقرير مصير السودان كوحدة لا تتجزأ وأن تقوم بوضع دستور للسودان بجانب وضع قانون لانتخاب برلمان سوداني دائم وتقرير مصير السودان إما في إتحاد مع مصر أو الاستقلال التام عنها. وحتى تتحقق لها رؤيتها في أحقيتها في أرض السودان قامت مصر بتوحيد الأحزاب الداعية إلى الاتحاد مع مصر بدعوتهم جميعا إلى القاهرة. هذه القوى السياسية الداعية إلى الإتحاد مع مصر هي: الجبهة الوطنية برعاية السيد على الميرغني زعيم الطائفة الختمية، وحزب الأشقاء بزعامة اسماعيل الأزهري وفصيل آخر من حزب الأشقاء برئاسة محمد نور الدين وحزب الأحرار الاتحاديين. بالفعل توحدت هذه القوى السياسية فى حزب واحد فى نوفمبر 1952 أطلق عليه إسم الحزب الوطني الاتحادي وتم اختيار الأزهري رئيسا له ومحمد نور الدين نائبا له. واضح بالطبع الهدف الأساسي في تجميع هذه القوى في حزب واحد حيث نص ميثاق الحزب على جلاء الانجليز من السودان وقيام اتحاد مع مصر عند تقرير المصير. بدأت مصر على الفور في تنفيذ ما أتفق عليه وأصدرت قرارا بتكليف الصاغ صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة بالإشراف على تنفيذ تلك القرارات. كان الهدف الأساسي لصلاح سالم هو إلى الوصول إتحاد مع السودان كما وضح من رحلته التاريخية المشهورة الى الجنوب فى ديسمبر 1952 وتنقله بين مديرياته راقصا مع سكان الجنوب عاريا. أما في الشمال فكان لدعمه المادي للحزب الوطني الاتحادي في الانتخابات الدور الكبير في فوز الإتحاديين بالأغلبية في الجمعية التأسيسية. فقد فاز الحزب الوطني الديمقراطي ب 51 مقعدا من 97 مما خوله للحكم منفردا برئاسة إسماعيل الأزهري والذي قام بتشكيل الوزارة من 12 وزيرا بينهم ثلاثة جنوبيين. في 9 يناير 1954 قامت الوزارة الجديدة بأداء اليمين الدستورية أمام الحاكم العام لتبدأ في نفس اليوم الفترة الانتقالية ومدتها ثلاث سنوات كما نصت إتفاقية الحكم الذاتي وفي نفس الوقت إختارت حكومة الأزهري أن يكون يوم الأول من مارس من عام 1954 م موعدا لافتتاح البرلمان السوداني. وبطبيعة الحال كان لابد أن يحتفل السودانيون بيوم الإفتتاح الذي دعو له ضمن دول أخرى مصر حيث كان اللواء محمد نجيب على رأس الوفد المصري المشارك في هذه الاحتفالات. بدا واضحا لحزب الأمة أن المساعدات المادية والإعلامية التي قدمتها مصر بعد توحيدها للتيار الوحدوي كانت السبب المباشر في فوز الحزب الوطني الإتحادي لهذا قرر الحزب إسماع صوته وصوت بقية الشعب الرافض للوحدة، للنظام المصري من خلال مظاهرات منظمة في المطار عند مقابلة اللواء محمد نجيب وهو أمر يكاد يكون حاليا هو المعيار الديمقراطي الأول في معرفة رأي الشعوب. ولكن الحكومة السودانية وقتئذ تجاهلت موقف الإستقلاليين هذا وعملت على إخفاء الحقيقة عن الإعلام العالمي وحولت خروج وفد الزعيم المصري من جانب آخر من المطار مما أدى إلى صدامات دامية بين الأنصار والشرطة كانت بمثابة نقطة تحول في موقف إسماعيل الأزهري والبدء في التحول من فكرة الإتحاد مع مصر. وبذلك كانت تلك الأحداث هي الشرارة الأولى التي اندلعت لتقود شعب السودان للإستقلال.
يقول النعمان نادما على فشل إقتراح صلاح سالم بتذويب نسيج المجتمع الجنوبي في نسيج العنصر المصري المتلف ثقافيا وإثنياً أن "حزب الأمة ... قد نجح في الترويج لمخطط مصر لاستعمار السودان بسبب اقتراح صلاح سالم بان مصر على استعداد لتقدم مليون مزارع مصري يستقرون في جنوب السودان لتنمية قدراته الاقتصادية ويا لها من مفارقة فلو إن اقتراح صلاح سالم عرف طريقه للتنفيذ يومها لتغيرت البنية العنصرية للجنوب لان المصريين لا يتعالون على الجنوبيين عنصريا ولا يرفضون التزاوج بينهم ولحلت بذلك قضية الجنوب جذرياً ولذابت الفوارق العرقية بين الشمال وجنوب السودان ولتحققت وحدة الوطن موضوعا "إنتهى الإقتباس. ما أشبه الليلة بالبارحة! فمن ضمن سياسات نظام الإسلاميين فيما يتعلق بنهب أراضي السودان وبيعها لمستثمرين أجانب تحت غطاء الإستثمار جلب عمالة مصرية قدرت بمليوني مصري تنتشر في مختلف المشاريع المراد تنفيذها ونهب أراضيها والهدف لا يقتصر على الجانب الإقتصادي بل الجانب الإثني والثقافي لقيام دولة "عربية إسلامية" من خلال إستغلال الدين للترويج. هذا الندم الذي يبديه الكاتب النعمان هو إمتداد لنفس السياسة القائمة على الإستعلاء الثقافي والعرقي والتي ورثها الساسة والمثقفون السودانيون من المستعمر وتم تطبيقها في السودان بعد خروج المستعمر البريطاني في عام 1956 م برفضهم تطبيق ما نتج عن مؤتمر جوبا في عام 1947 م ثم غيرها في كل الإتفاقيات التي تلته مرورا بإتفاقية المائدة المستديرة في 1966 م وكوكادام عام 1986 م وإتفاقية السلام عام 1988 م وإتفاقية نيفاشا 2005 م مما أدى إلى إنعدام الثقة لدى أهل الجنوب فى كل ما يصدر عن الحكام فى الشمال. هذا الواقع في حقيقة الأمر لا يقتصر على الجنوب ولكنه يشمل الغرب والشرق وهو خداع مسكوت عنه ولم يبدأ ظهوره علنا إلا بعد سياسات الحركة الإسلامية التي هدفت إلى تطبيق ما سمته بالمشروع الحضاري وهي تعني الوصول إلي السلطة. كان رد الفعل لسياسة الحركة الإسلامية أن يرفع أهل الغرب والشرق السلاح في وجه هذا المشروع لتبدأ معه أكبر نتائج سياسات الغش والخداع على وحدة البلاد. بهذه العقلية الإستعلائية للقيادات السياسية والثقافية منذ إستقلال البلاد تتأكد لنا وحتى وقتنا الحاضر غياب العقلية الإستراتيجية التي تنظر إلى المستقبل بعيدا عن المصالح الذاتية أو الجهوية أو القبلية.
ظلت حكومة الحزب الوطني الإتحادي بقيادة إسماعيل الأزهري بعد أن إنتهت فترة تلك الأحداث تتأرجح بين الأستقلال التام للسودان وبين الإتحاد مع مصر وإن كانت أقرب في توجهها العام تحو خيار الإتحاد خاصة أن فوزها في الإنتخابات يرجع إلى الدعم المادي والسياسي الذي قدمته مصر. وتحت الضغط الشعبي بسبب الرفض القوي لهذا التوجه من قبل معظم الشعب السوداني في مناطق السودان خارج العاصمة بقيادة حزب الأمة، لم يكن أمام إسماعيل الأزهري إلا أن يقوم بزيارات متواصلة لإستطلاع رأي المواطنين خارج العاصمة فيما يتعلق بموضوع الوحدة مع مصر. في هذه الفترة أيضا بدأ الخلاف داخل الحزب الوطني الإتحادي يتصاعد بين الموالين للسيد علي الميرغني والأزهري ويأخذ منحى آخر يدور حول الاستقلال وليس الاتحاد مع مصر. كان يقود هذا التيار بعض الوزراء في حكومة الأزهري على رأسهم خلف الله خالد، وزير الدفاع والدرديري محمد عثمان مستشار السيد على الميرغني. ومن خلال الزيارات التي قام بها الأزهري لمناطق عديدة تأكد له ألا مفر من إعلان الإستقلال تلبية لرغبات الغالبية العظمى من السودانيين الذين قابلوه بهتافات الإستقلال والرفض للوحدة. وهذا ما حدث بالفعل حيث إستجابت الحكومة لرغبة مواطنيها ولا يهم التفسير الذي يقول به البعض وهو أن الأزهري في رؤيته أو دعوته للإتحاد مع مصر كان تكتيكا سياسيا هدفه الحصول على موافقة مصر في القبول بتقرير المصير وبعدها يعلن الإستقلال. وهو كما تلاحظ عزيزي لقارئ تصور لا ينسجم مع الواقع فقد ظل الإتحاديون لفترة زادت عن الثلاثين عاما ينادون بهذه الوحدة بل إن الزعيم الأزهري كثيرا ما أشار إلى أن يكون السودان ضمن حدود التاج المصري بينما المنادون بإستقلال السودان خاصة حزب الأمة ظلوا متمسكين بهذا الإستقلال وكان شعارهم " السودان للسودانيين "حتى قال فيه الوحدويون بأنه شعار حق أريد به باطل. المجموعة التي انشقت عن الأزهري كونوا حزبا جديدا سموه حزب الشعب الديمقراطي وبدأوا بالإتصال بحزب الأمة الداعي للإستقلال ورفضوا أي اتحاد مع مصر كما كان يعمل الأزهري. الأمر الذي يهدد وجوده خاصة في ضوء بعض التكهنات التي تقول بتقارب بين السيد عبد الرحمن المهدي والسيد علي الميرغني والذي بالفعل قد حدث حينما اجتمعا وأصدرا بيانا مشتركا جاء فيه "يسعدنا ان نعلن تصميمنا القوي لنقف متحدين من اجل مصلحة السودان، وكل ما يحقق له السعادة والحرية والسيادة الكاملة لشعبه ". وهو لقاء خاف منه الأزهري أن يطيح به قبل أن يربط إعلان الإستقلال بإسمه بعد أن تأكد له إمكانية إعلانه من داخل البرلمان. لهذا فإن مواقف حزب الأمة الرافضة لأي نوع من الإتحاد مع مصر بجانب الصراع بين الأزهري من جانب والمنشقين عن حزبه والذين هم في الأساس موالين للميرغني خاصة ميرغني حمزة المقرب جدا من السيد علي الميرغني والذي أصبح منافسا خطيرا للأزهري، أدى إلى أن يغير الأزهري رؤيته من الإتحاد مع مصر إلى الإستقلال التام. من هذا المنطلق نستطيع أن نقول إن الخلاف بين الأزهري والسيد على الميرغني لم يكن خلافا فكريا فلسفيا كما يصوره البعض والدليل رجوع الأزهري مرة أخرى إلى أحضان الطائفية وفي ظرف بدت فيه العلاقة بين الحكومة السودانية والمصرية تشهد تدهورا خطيرا حين بدأت تتصاعد مشكلة حلايب مرتبطة بمفاوضات مياه النيل والمساعدات الأمريكية.
بعد إعلان الإستقلال من داخل البرلمان تم تشكيل حكومة قومية برئاسة الأزهري ولم يمض عليها ستة أشهر حتى تضعضعت وسقطت بعد إنقسام الحزب الإتحادي في منتصف يونيو من عام 1956 م وبعد أن تم طرح صوت ثقة عليها حيث سقطت في الرابع من يوليو عام 1956 م ب 51 صوتا كان من بينهم 17 صوتا من نواب طائفة الختمية المنقسمين عن الأزهري بجانب نواب حزب الأمة وحزب الأحرار الجنوبي. بعدها قامت أول حكومة قومية ضمت الحزب الإتحادي الديمقراطي وحزب الأمة بقيادة عبد الله خليل وحزب الشعب الديموقراطي بقيادة علي عبد الرحمن وحزب الأحرار الجنوبي. هذه الحكومة لم تصل إلى أهدافها فيما يتعلق بقضايا السودان لأسباب جوهرية ترجع من ناحية إلى عدم وجود برنامج واضح يحدد تلك القضايا وطريقة الوصول إليها من ناحية، والمناكفات السياسية داخل الوزارة التي لا تتعلق بقضايا الشعب السوداني من ناحية أخرى. في هذه الفترة كانت التدخلات المصرية تأخذ أشكالا عدة منها ما هو متعلق بتوسيع الخلافات داخل الحكومة القومية بهدف تعزيز موقف الإتحاديين لمقابلة الإنتخابات المقلبة للعمل للتوصل إلى إتفاق بشأن مياه النيل والتي بدأت بالفعل بين الجانبين ولكنها تواجه رفضا لفرض ما يسمى بالحقوق التاريخية لمصر. ومنها ما هو مرتبط بجوانب خارجية يتمثل في البحث عن تمويل السد العالي الذي تنوي مصر بناءه من جهة وبوادر أزمة تأميم قناة السويس مع الدول الغربية من جهة أخرى.
قامت الإنتخابات العامة في عام 1958 م بعد أن تأجلت من عام 1957 م وشارك فيها الحزب الإتحادي الديمقراطي وحزب الشعب الديمقراطي بجانب حزب الأمة والحزب الشيوعي السوداني وحزب الأحرار الجنوبي. في هذه الإنتخابات فاز حزب الأمة بأغلبية 63 مقعدا لم تمكنه من تكوين حكومة منفردا مما إضطره إلى تكوين حكومة إئتلافية مع حزب الشعب الديمقراطي بقيادة على عبد الرحمن وهو الحزب المنشق إسماعيل الأزهري. لم تكن حكومة حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي منسجمة في رؤيتها لمواجهة الكثير من المشاكل الإقتصادية والإجتماعية التي ورثتها بعد خروج المستعمر. وبسبب عدم الإنسجام هذا دخلت البلاد في أزمة سياسية كان نتيجتها قيام أول إنقلاب عسكري يشهده السودان وهو إنقلاب الفريق عبود في نوفمبر عام 1958 م. هذا الإنقلاب والذي تصوره الكثير من الكتابات التاريخية الحديثة على أنه إنقلاب صوري تم عبر تسليم وتسلم قام به حزب الأمة إلا أن أبعاد وأسباب هذا التسليم والتسلم لم يتم تناولها بصورة علمية رابطة لكل الجوانب المتعلقة بهذا التسليم بما فيها مسيرة العلاقة التاريخية بين الحزبين المؤتلفين من جهة و تاريخية العلاقة بين حزب الأمة ومصر من جهة أخرى. وكما يقول الأستاذ محمود محمد طه "على أثر تصاعد الأزمة بين حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطي، بدأت مصر في لعب دور الوسيط بين حزب الوطني الإتحادي، وحزب الشعب الديمقراطي بهدف توحدهما من جديد وفي ضوء ذلك سافر إلى مصر إسماعيل الأزهري، وعلى عبد الرحمن الأمين بغرض التنسيق تحت الرعاية المصرية ". فإذا نظرنا لما حدث بعين الباحث المتجرد فيما يتعلق بإنقلاب عبود العسكري لوجدنا بصمات النظام المصري واضحة من مرحلة الإعداد والتخطيط والتنفيذ وحتى الدعم بعد نجاحه وهو نفس السيناريو الذي يتكرر في إنقلاب مايو بقيادة نميري وإنقلاب الجبهة الإسلامية بقيادة البشير مع إختلافات طفيفة لا تنفي التدخل المصري.
تخلى الأزهري عن فكرة الإتحاد مع مصر وتوجهه نحو إعلان الإستقلال من داخل البرلمان خاصة بعد المواقف البطولية وتضحيات الأنصار للوصول إلى إستقلال تام للسودان، كان نقطة البداية في التحول في علاقة مصر مع الحزب الإتحادي الديمقراطي حيث أوقفت دعمها المادي والسياسي والإعلامي له مما أعطى الفرصة لحزب الأمة بالفوز في الإنتخابات الثانية عام 1958 م والتي فاز بها حزب الأمة ب 63 مقعدا مما اضطره للتحالف مع حزب الشعب الديمقراطي بقيادة علي عبد الرحمن. هذا الفوز لحزب الأمة كاد أن يمثل نقطة تحول كبيرة في السياسة التنموية للبلاد حين أعلنت الحكومة بقيادة عبد الله خليل وقف العمل بإتفاقية مياه النيل لعام 1929 م الموقعة بين مصر وبريطانيا بعد إنتهاء مدتها في عام 1959 م وإعادة النظر فيها. المفاوضات بين السودان ومصر فيما يتعلق بمياه النيل والتي بدأت في أبريل عام 1955 م في نهايات فترة حكومة الأزهري ذم تصل إلى إتفاق واقترحت الحكومة السودانية على لسان وزير الري خضر حمد نقل المشكلة إلى لجنة وساطة دولية. كان رأي الحكومة السودانية من ثلاثة سيناريوهات يعتمد السيناريو الأول على السكان والثاني أن تقسم المياه غير المستخدمة بينهم بالتساوي بينما يقوم السيناريو الثالث على مساحات الأرض القابلة للزراعة. وفي ضوء السيناريوهات الثلاثة سيكون نصيب السودان في الحالات الثلاثة 28 بليون متر مكعب و 20 بليون متر مكعب و 32 بليون متر مكعب على التوالي.
سقطت حكومة الأزهري بعد طرح الثقة دون الوصول إلى إتفاق مع مصر بشأن مياه النيل كما فشلت خلال فترة عبد الله خليل. فقد بدأ الجانبان السوداني والمصري في المفاوضات مرة أخرى بعد فوز حزب الأمة فيما يتعلق بمياه النيل بهدف توقيع إتفاقية جديدة ولكن لم يتم أي تقارب في وجهات النظر نسبة لتمسك الحكومة السودانية بحقها. لم تكن تتوقع مصر مثل هذا الموقف من حكومة السودان مما دفعها إلى التفكير في إسقاطها حيث لجأت إلى حلفائها التقليديين من طائفة الختمية. وبسبب الإنقسام داخلهم كان على مصر أولا العمل على توحيدهم وقد تم ذلك بدعوة قياداتهم إلى مصر. سافر إلى مصر قادة حزب الشعب الديمقراطي الحليف في السلطة مع حزب الأمة ومعهم قادة الحزب الوطني الإتحادي. وبعد أن إجتمع الطرفان في ضيافة مصر، صرح إسماعيل الأزهري متحدثا بإسم الحزب الوطني الاتحادي بإعترافه باتفاقية مياه النيل لعام 1929 م التي أبرمت بين دولتي الحكم الثنائي، بريطانيا ومصر. لقد كان هذا الإعتراف للأزهري بالإتفاقية إشارة واضحة بأنه يطلب مساعدة مصر للرجوع إلى الحكم بالصورة التي حدثت في إنتخابات عام 1953 م حين لعبت الأموال المصرية بعد الزيارة المشهورة لصلاح سالم الدور الكبير في فوزه. من جانب آخر صرح علي عبد الرحمن رئيس حزب الشعب الديمقراطي بأن حزبه والذي دخل في أزمة مع حليفه حزب الأمة يقف في المعارضة على الرغم من أن حزبه حتى اللحظة كان لا يزال جزءا من الإئتلاف الحكومي. الأمر الذي يعني بوضوح أن حزبه لا يمانع في الوحدة مع حزب الأزهري من جديد تحت رعاية مصرية. مثل هذه التصريحات في دولة أجنبية كانت دولة محتلة للسودان وما زالت تعتبره حقا تاريخيا لها، تحمل الكثير من المعاني لأي حاكم وطني غيور على السودان وشعبه. في هذا الجو السياسي الذي يهدد ليس الوضع الديمقراطي بل استقلال البلاد وسيادتها لم يكن أمام عبد الله خليل رئيس الوزراء إلا أن يسلم الحكم للجيش حتى يقوم بمهمة الدفاع عنها. بالتالي هذا التسليم والتسلم والذي سمي مجازا انقلابا عسكريا كان الهدف منه إنقاذ البلاد من خطر إعادة إستعمارها من جديد من مستعمرها السابق، قبل أن يكون إنقلابا عسكريا على وضع ديمقراطي خاصة أنه قد سرت إشاعة بأن مصر تخطط لتدبير إنقلاب عسكري في السودان يطيح بحكومة حزب الأمة. وكما يقول منصور خالد كان تسليم عبد الله خليل للسلطة للفريق عبود في هذا الظرف أكثر جدوى من الحفاظ على ديمقراطية لا يستحي بعض المشاركين فيها أن يقفوا ضد مصالح شعبهم. وحتى تخلق أزمة داخلية لحزب الأمة وفي فبرائر من عام 1958 م أرسلت حكومة مصر خطابا إلى حكومة السودان تعلن فيه سيادتها على أراضي سودانية شمال شرق السودان، شمال خط العرض 22 شمالا وهي المنطقة المعروفة بمنطقة حلايب ومنطقة شمال مدينة حلفا، مناطق: سره، ودبيرة، وفرس. رفضت الحكومة السودانية ذلك الموقف المصري واعتبرته غزوا لأراضيها وعملت على توضيح ذلك للعالم من خلال مجلس الأمن. لم تقف الحكومة السودانية في توضيح سيادتها على هذه المناطق بل حذرت في نفس الوقت في رسالتها إلى مجلس الأمن بأنهم في حكومة السودان: أولاً: نحرص على الدفاع عن السيادة السودانية على المنطقتين. وثانيا، مستعدون للتمهل لحل المشكلة سلميا. وثالثا، نرى إن المشكلة يمكن أن تتطور إلى مواجهة عسكرية. رسالة واضحة المعالم والنوايا من حكومة يقودها حزب الأمة لما سيترتب عليه عدم إنسحاب مصر. جاء الرد المصري على موقف السودان ملئ بالإستفزاز في 20-2-1958 م الأمر الذي جعل حكومة السودان أكثر تمسكا بحقها وهذا ما دفع الحكومة المصرية للتفكير في الإطاحة بها.
الإطاحة بحكومة عبد الله خليل حملت رؤية تغيير من خلال دعم لقيادات عرفت تاريخيا بتوجهاتها نحو الوحدة مع مصر وإن لم تستبعد خيار الإنقلاب العسكري والذي مهدت له بفرض الأمر الواقع بإحتلالها لأراضي سودانية بهدف إضعاف النظام الديمقراطي وإستنزافه. في هذا الوقت والذي من المفترض أن تقام فيه إنتخابات عامة بدأت أحزاب المعارضة وعلى رأسها الإتحادي الديمقراطي بإستثمار هذا الموقف للحكومة سياسيا ضدها وظهر ذلك في عدة مواقف. ففي نفس الشهر فبرائر 1958 م الذي احتلت فيه مصر حلايب، أرسل الأزهري خطابا إلى عبد الناصر جاء فيه: "أود منكم أيها الأخ الكريم أن يستمر الوضع الراهن حتى بعد نهاية الانتخابات وأنا متأكد انه، بعد ذلك، ستقدر العلاقات والعواطف الأخوية بين شعبينا على الوصول إلى حل سلمي. وليوفقنا الله على طريق الحكمة والتعقل ". هذه الرسالة تحمل رفض الأزهري للطريقة التي تتبعها حكومة عبد الله خليل من جانب كما تحمل معنى تغيير أسلوب التعاون إذا ما جاء هو إلى سدة الحكم من جانب آخر. جاء رد عبد الناصر للأزهري يحمل نفس المعنى مع الإعتذار وإلغاء اللوم على الإمبريالية وذلك في قوله "نحس بالأسف لتطورات الأيام الثلاثة الماضية. ونحن نبذل كل جهد لحل المشاكل بيننا حلولا سلمية. لكننا فوجئنا بالأخبار غير الصادقة بان الجيش المصري يغزو السودان. ستساعد مثل هذه الأخبار فقط الامبريالية التي تريد خلق مشاكل بين الشعبين المصري والسوداني. واتفق معكم على ان روح العلاقات والتعاون بين شعبينا ستقدر على وقف أي تطورات الهدف منها خدمة أعدائنا. فهل يا ترى قامت الإمبريالية بدفع الجيوش المصرية للحدود السودانية أم أن القائد الأعلى للقوات المصرية هو الذي أمرها بذلك ؟ أما إعلاميا فقد انتهز الإعلام المصري خطاب الأزهري وجمال عبد الناصر ليوضحوا للشعب السوداني إن إسماعيل الأزهري، رئيس الحزب الاتحادي، لعب دورا كبيرا في حل مشكلة حلايب بهدف زيادة أسهم الأزهري في الانتخابات على حساب حزب الأمة وعبد الله خليل.
تحت هذه الضغوط الخارجية من قبل مصر والداخلية من قبل أحزاب المعارضة قام عبد الله خليل بتسليم السلطة للجيش ليتحمل مسئوليته تجاه حماية البلاد. وفي بيان صدر عن الإمام عبد الرحمن المهدي أيد حزب الأمة الإنقلاب العسكري 1 كما أيده حزب الشعب الديموقراطي والحزب الوطني الاتحادي. بيانات تأييد إنقلاب عود كانت ذات أبعاد مختلفة فبينما كان تأييد الإمام عبد الرحمن هو ترك الأمر للجيش للدفاع عن البلاد كان هدف الإتحاديين إبعاد حزب الأمة عن الحكم. يقول تيم نبلوك "التقارب بين الإتحاديين مع النظام العسكري هدف إلى تمتين العلاقات مع مصر، وتسهيل مهمة توقيع اتفاقية مياه النيل عام 1959 م. وبالتالي أصبح تأييد الختمية ضروريا ليس فقط لبقاء النظام العسكري وإبعاد تهمة عدم الشرعية عنه، وإنما لدوام العلاقة بينه والنظام المصري"
لا يمكن فهم أسباب إنقلاب عبود العسكري بعيدا عن المعونة الأمريكية المعروفة لدول العالم الثالث والمعروفة بمشروع إيزنهاور وإرتباطها بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي. هذه المعونة تزامنت مع موقف مصر من حكومة عبد الله خليل فيما يتعلق بمياه النيل و ورفضها إحتلال مصر لحلايب وتعبئة الجيش والشعب للدفاع عن حدود السودان. فقد أبدت الولايات المتحدة الامريكية في أبريل من عام 1958 م إستعدادها لتقديم مساعدات اقتصادية وفنية وحسب قوانينها وتنظيماتها لحكومة جمهورية السودان بهدف تنميته. ونسبة لظروف العالم الثالث في علاقاته بالدول العظمى حينئذ فيما عرف بالحرب الباردة كانت حكومة السودان مترددة في قبول هذه المعونة. وكما لاحظ الكاتب محمد علي صالح في ترجمته لوثيقة المعونة الأمريكية للسودان أن حكومة عبد الله خليل كانت خائفة من اتهامات "خيانة" و "عمالة" من الحزب الاتحادي والشيوعيين، بالإضافة إلى المصريين في ضوء الأجواء المعادية لأمريكا بعد التوجه العربي العام نحو الإتحاد السوفيتي بقيادة عبد الناصر. وكرد فعل لهذه المعونة جاءت تعليقات الصحف المعادية لها تحمل نفس المعاني التي يخشى منها عبد الله خليل. فمثلا جاء في صحيفة الحزب الإتحادي "اندهش الشعب السوداني عندما سمع إن حكومة حزب الأمة وقعت على اتفاقية مع الحكومة الأمريكية. يريد الأمريكيون الضغط على حكومة ضعيفة لتكون عميلة لهم. واثبت تاريخ المنطقة إن المساعدات الأمريكية دائما تكون سبب كوارث اقتصادية، وعدم استقرار، وخرق لسيادة الدول، ودخول في أحلاف عسكرية أجنبية ... "أما جريدة الصراحة لسان الحزب الشيوعي فقد أشارت إلى أن المساعدات ستكون ستارا لإحتلال السودان من قبل أمريكا حين كتبت" يعلن الأميركيون إنهم يقدمون مساعدات غير مشروطة إلى دول العالم الثالث. لكنهم يستخدمون هذه المساعدات مثل الشبكة التي تصطاد السمك، ليصطادوا هذه الدول. نحن نرى إن المساعدات الأمريكية لن تساعد الاقتصاد السوداني. لكنها ستكون ستارا لجيوش من الخبراء والجواسيس الأمريكيين في السودان. سيجوبون السودان غربا وشرقا وشمالا وجنوبا. وسيصبح السودان وكرا للجواسيس الأمريكيين، مثل ايران والأردن. ونخن نخاف من هذا على سيادة واستقلال السودان ". كذلك أشارت وثيقة المؤتمر الرابع الأساسية (أكتوبر 1967 م)، إلى موقف الحزب الشيوعي من إنقلاب عبود ورأيه في الأحزاب الأخرى التي لا تتبع أيديولوجيته حيث جاء فيها "لقد أدى العجز الموضوعي للنظام .. في مواجهة قضايا ما بعد الاستقلال .. إلى أزمة حادة في البلاد . يقابل هذا نمو متزايد للعناصر الثورية، وخاصة الحزب الشيوعي. وكان زمام المبادرة في يد القوى اليمينية المتطرفة، فنقلت الصراع الطبقي من حيزه السلمي إلى دكتاتورية عسكرية موجهة، في الأساس، إلى صدر القوى الديمقراطية. فما عجزوا عنه بالصراع السلمي أرادوا تحقيقه بالصراع الدموي " (الماركسية وقضايا الثورة السودانية، ص 108). ولكن الصحيفة الماركسية أو وثيقة المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي لا تريا نفس الواقع الذي سينتج فيما يتعلق الأمر بالمساعدات الروسية ليس للسودان فقط وإنما لمصر حين قام الروس بتمويل السد العالي بدلا عن أمريكا والتي سعت مصر للحصول على تمويل له منها دون أن توفق. قاد الشيوعيون أول مظاهرة ضد اتفاقية المساعدات الأمريكية ثم تلتها مظاهرات الحزب الإتحادي حين وصفها الأزهري بأنها "أسوأ من الاستعمار البريطاني." وكانت الشعارات لهذه المظاهرات "المعونة الأمريكية استعمار جديد" و "حزب الأمة يقود السودان نحو أحلاف عسكرية أجنبية" في إشارة واضحة إلى رفضهم لحكومة عبد الله خليل.)
تعقيب:
يرى الدكتور إنني ى لم أصيب وأنا أرى إن حوادث أول مارس كانت إعلاناً من حزب الأمة بعدم ديمقراطيته وانه سعى لفرض رؤيته التي لم يسانده فيها الشعب بمنحه أغلبية البرلمان وان يستخدم العنف بالسلاح الأبيض لفرض دعوته ورؤيته للاستقلال التي لم تحقق له الأغلبية البرلمانية عبر صناديق الديمقراطية.
الدكتور لم ينفى الواقعة نفسها إلا انه يرفض أن تكون تعبيراًٍ عن عدم ديمقراطية حزب الأمة بل ويذهب إلى إن الحزب عندما حشد أنصاره وأراد أن يمارس حقه في تنظيم تظاهرة تعبر لرئيس مصر راعى الحزب المنافس له بان الحزب يرفض الوحدة مع مصر والتي تعنى استعمار السودان كما يرى إن قرار الشرطة بتحويل مسيرة موكب محمد نجيب كانت هي السبب فيما حدث من معارك بين الأنصار والشرطة ويصم هذا المسلك بموقف الحكومة غير الديمقراطي.
إذن فالدكتور يؤكد صحة أحداث مارس التي سقط على أثرها ضحايا من الجانبين ولكنه يرفض أن تكون هذه الحوادث إعلانا عن عدم ديمقراطية الحزب.
هذا جوهر الخلاف بيننا فحزب الأمة يا دكتور عبر عن رؤيته السياسية للاستقلال عبر صناديق الاقتراع في أول ممارسة ديمقراطية في مواجهة الحزب المنافس له والذي حظي برنامجه وحدة وادي النيل على ثقة أغلبية الشعب فما معنى تجمهر الأنصار محملين بالأسلحة البيضاء لينظموا تظاهرة في مواجهة رئيس مصر وهو ليس الشخص الذي رفض لهم رؤيتهم السياسية لأنه لا يملك صوتا في الانتخابات فالشعب هو الذي رفض برنامج الحزب الانتخابي ولو إن الشعب كان يثق في إن هذا الحزب يدعو لاستقلال بمعناه الوطني المبرأ من أي تبعية لبريطانيا لما اسقط برنامجه فليس هناك شعب يرفض التحرر من العبودية أيا كانت.
لهذا فان هذه الحوادث يسال عنها حزب الأمة وكانت إعلانا مباشرا من الحزب الذي خسر المعركة الانتخابية باستخدام القوة لفرض رؤيته الذاتية للاستقلال وقد أكد الدكتور نفسه هذا عندما امن على إن هذه الحوادث هي التي أنقذت السودان من استعمار التاج المصري وإنها فرضت على الحزب المنافس أن يتراجع عن برنامجه الوحدوى وان يستجيب لرغبة الشعب في الاستقلال مع انه يعلم إن هذه لم تكن رغبته فالشعب عبر عن رغبته في الوحدة مع مصر عبر صناديق الاقتراع كخيار أفضل له من الاستقلال الذي يدعو له حزب الأمة ولا أدرى كيف يصف الدكتور هذا الموقف برأي ى الشعب الذي لم يقترع لحزب الأمة إن كانت هذه رؤيته.
لهذا أقول للدكتور نعم حوادث أول مارس هي التي حققت الاستقلال ولكنه لم يكن الاستقلال الذي يدعو له حزب الأمة تحت التاج البريطاني إنما استقلال جاء مفاجئا للحزبين وخارج أجندتهم مما أفشلهم في أن يحققوا مضمونه وقد صدق الاتحاديون عندما أعلنوا إن شعار حزب الأمة (السودان للسودانيين) كان شعارا باطلا لأنه يخفى رؤية الحزب الحقيقية في استقلال تحت التاج البريطاني يتوج فيه السيد عبدالرحمن ملكا على السودان تحت التاج البريطاني لهذا فان الاستقلال الذي تحقق ليس هو الاستقلال الذي يدعو له حزب الأمة وإنما جاء مفاجئا للحزبين لهذا غابت عنه أي رؤية وطنية يقوم عليها من كلا الحزبين الأمر الذي افشل فترة الحكم الوطني حتى اليوم
هكذا كانت دعوة حزب الأمة تحت التاج البريطاني كما كانت دعوة الحزب الوطني الاتحادى استقلال تحت التاج المصري قبل أن يحدث انقلاب يوليو 53 في مصر الذي أطاح بالنظام الملكي في مصر وقبل أن يتلقى تهديد حزب الأمة المسلح وبهذا فان كلا الحزبين لم تكن لدي أي منهما رؤية وطنية عن متطلبات الاستقلال بعيدا عن هيمنة واحد من التاجين أي بعيدا عن هيمنة أي من طرفي الاستعمار لهذا لم يكن غريبا أن يدفع السودان ثمن هذا الاستقلال الذي حملته الصدفة يوم خسر الحزبان رغبتهم في انفراد كل منهما بالتحالف مع واحد من طرفي الاستعمار فافرغا الاستقلال من المضمون حيث فشلا في تأسيس هوية سودانية تتخطى الاختلافات العنصرية والجهوية والدينية لإنقاذ بلد ممزق ولصياغة مؤسسية ديمقراطية تحقق له الاستقرار والرفاهية بعد أن انساق حزب الأغلبية للتراجع عن ما فوض له تحت تهديد حزب الأمة الذي أجهض الديمقراطية لأنه لم يحترم إرادة الأغلبية التي رفضت التصويت له لرؤيته. أما تغيير مسيرة موكب الريش المصري فانه لم يكن إجراء لعدم ديمقراطية الحكومة التي تولت السلطة عبر صناديق الاقتراع ولكنه كان اجرءاً واجبا على الشرطة امنيا فكيف لها أن تسمح لقوى معادية للرئيس مصر أن تتهدده بأسلحتها البيضاء مما يتهدد حياة ضيف هي مسئولة عن سلامته. وإذا كان يا دكتور تغيير مسربة نجيب يؤدى للقتال بين الأنصار والشرطة فهذا وحده يؤكد النوايا العدوانية لتظاهرة الأنصار المسلحة فكيف يكون الموقف لو لم يعدل الآمن طريق الرئيس.
ولعل حديث الملحق التجاري الانجليزي المستر ريتشيرز الذي أدلى به عقب أحداث مارس والذي وثق له الدكتور فيصل عبدالرحمن على طه في مقالة له عن هذه الأحداث جاء مؤكدا لهذه الحقيقة حيث قال:
حوادث أول مارس أثبتت للحكومة إن سعيها للوحدة مع مصر سيكون ضربا من الانتحار لان الأنصار سيقاومونه وان حوادث أول مارس أوحت لهم إن أسلم الطرق الابتعاد عن مصر ولذلك يتلاشى خطر قيام الأنصار بثورة) وبالطبع انه يعنى ثورة مسلحة طالما انه يرفض حكم الديمقراطية
إذن هو حديث واضح من مصدر متحالف ومخطط مع حزب الأمة ويمثل التاج البريطاني يؤكد فيه إن حوادث أول مارس لم تأتى بها الصدفة كما يقول الدكتور بل هي رسالة واضحة (الاستقلال أو الحرب والثورة المسلحة) ويا لها من مفارقة الدكتور نفسه يستشهد بنفس الحديث الذي أدلى به الملحق الانجليزي في الجزء الثاني من مقالته فكيف إذن يغالط الحقيقة وقد (شهد شاهد من أهلها) واجد نفسي اتفق مع الدكتور في إن الحوادث هي التي فرضت على الأزهري وحزب وحدة وادي النيل أن يخرج عن قيم الديمقراطية ويعلن الاستقلال مخالفا بذلك ما فوض له عبر صناديق الاقتراع تحت التهديد بالثورة المسلحة كما أكد الملحق التجاري الانجليزي مشاركا بهذا في إجهاض الديمقراطية. التي لم يعرفها السودان حتى اليوم بعد أن شيعها أكبر حزبين هيمنا على الحكم طوال فترة الحكم الديمقراطي
كذلك فان الدكتور يؤكد على حقيقة تسليم السيد عبدالله بك خليل رئيس الحكومة المنتخبة ورئيس حزب الأمة السلطة للجيش في أول انقلاب عسكرى على الديمقراطية شهده السودان حيث قضى على قومية الجيش وأقحمه في صراع الأحزاب من اجل السلطة فكيف للدكتور أن يصور هذا موقفا بطوليا للسيد عبدالله خليل ولحزب الأمة وانه بتسليم السلطة للجيش أنقذ السودان من الاستعمار المصري بعد أن تأكد له عودة الوحدة للحزب الاتحادى مما ضاعف من مخاوفه من فقد حزبه الحكومة بعودة السلطة لحزب الأغلبية مدعيا إن توحد الحزب سيؤدى لاستعمار مصري مع إن هذا الحزب نفسه هو الذي أعلن الاستقلال يوم كان موحدا وصاحب أغلبية وانه هو الذي تراجع عن الوحدة وان الاستقلال أصبح واقعا فالحقيقة التي تعمد الدكتور تجاهلها إن وحدة الحزب تعنى وداع حزب الأمة ورئيسه للسلطة عبر المؤسسة الديمقراطية لهذا قرر الإطاحة بالديمقراطية امتدادا لموقف الحزب السابق في حوادث مارس ولكن بأسلوب مختلف ولم يكن هناك أي حديث عن التراجع عن الاستقلال كما يقول الدكتور حتى يكون هذا مبررا لإطاحة الحزب بالبرلمان و الذي شيع به الديمقراطية ليأتي موقفه هذا امتداد لحوادث مارس ولتراجع الحزب الوطني الاتحادي عن التزامه الديمقراطي لمن انتخبوه ليصبح الحزبان شريكين في كتابة النهاية للدولة الديمقراطية. مع التفاوت في حجم المسئولية.
والى الحلقة القادمة والأخيرة مع مقالة الدكتور مع الجزء الثاني من المقالة وما أدلى به حول الصاغ صلاح سالم في الجزء الأول فكونوا معي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.