شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالفيديو.. في مشهد خطف القلوب.. سيارة المواصلات الشهيرة في أم درمان (مريم الشجاعة) تباشر عملها وسط زفة كبيرة واحتفالات من المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    خريجي الطبلية من الأوائل    لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النعمان حسن والديموقراطية في السودان

المواضيع والقضايا التي يتناولها الكاتب النعمان حسن وقليل غيره من المواضيع الجادة التي تحفز القارئ للمزيد من البحث والتقصي في مضمونها و أبعادها السياسية ومن ثم إنعكاساتها على مستقبل البلاد ليس فقط السياسي وإنما الإثني والثقافي والإقتصادي. فكثير من المواضيع لا تهتم كثيرا بالبعد التاريخي بل تجعل من الراهن السياسي المتأزم في كل شئ محورا تجلد من خلاله ذاتها ولكن الكاتب النعمان حسن يضيف إلى ما يكتب أحداث تاريخية حية في الأذهان بتصوراتها المختلفة ليغرسها في ذاكرة الأجيال اللآحقة والذين تنقصهم المعلومة التاريخية ومن ثم يعضد بها جلد الذات الحالي التي درج بعض الكتاب والمعلقين على تأكيها كإفراز من إفرازات النظام الحالي القذرة. تناول الأستاذ النعمان حسن بالتحليل الفترات الاولى من الديمقراطية في السودان في منتصف الخمسينات المتمثلة في فترة ما اقبل اعلان الاستقلال وما تلتها بعد إعلانه مباشرة في عام 56 والتي أتت بحزب الأمة في الصدارة ثم إنتحابات عام 1958 التي نتجت منها ما تعارف عيه الباحثون السودانيةن بالحلقة المفرغة في السياسة السودانية وهي كارثة النقلابات العسكرية والثورات الشعبية التي تفضي الى ديموقراطيات ضعيفة في بنيتها التظيمية والمؤسسية والمنعدمة الأهداف إلا من التمجيد والتقديس لرموزها. إعتبر الكاتب النعمان حسن في مقالته تلك أن "حوادث اول مارس ...اعلان سافر باجهاض الديمقراطية من بداية الحكم الوطنى وهو التصرف الذى صادر حرية اول برلمان منتخب عندما اشهر حزب الامة (السيف والحربة فى مواجهة صاحب الصوت فى البرلمان)" باعتبارها " اول واخطر اعلان بعدم الالتزام بالديمقراطية" إنتهى الإقتباس. الواقع في تلك الفترة يقول عكس ذلك الإستنتاج الذي توصل له الأستاذ النعمان إذا نظرنا بموضوعية لما كان يجري من أحداث. إن موقف حزب الأمة لتوضيح وجهة نظره كانت ديموقراطية ولكن موقف الحكومة هو الموقف غير الديموقراطي حين أرادت حجب صوته. ولنصل إلى هذه الحقيقة التي يحجبها بعض الكتاب نتناول أحداث مارس بموضوعية وبصورة متكاملة.
قبيل خروج المستعمر وفي عام 1954م تأكد السودانيون أن النضال من أجل الإستقلال إذا ما توفرت الإرادة والعزيمة له هو السبيل الوحيد الباقي حتى لا يكون السودان تابعا للتاج المصري كما كان ينادي الوحدويون من قوى الشمال. جاءت أحداث مارس 1954م لتقلب كل الموازين ويتحقق بموت قادة تلك الأحداث الإستقلال الثاني للسودان. ولكن هذا الإستقلال لم يشأ له البعض أن يكون فرحا دائما ينعم فيه السودانيون بمختلف تعددهم إنتماءآتهم فتعاونوا مرة أخرى مع القوى الخارجية لكي تعيدهم إلى السلطة مما استدعى رئيس الوزراء اللجوء إلى الجيش بهدف حماية البلاد. الأمر الذي أدخل السودان في أزمة الحلقة المفرغة وهي التأرجح بين نظام ديموقراطي ضعيف بقيادة حزب الأمة والإتحادي الديموقراطي ونظام عسكري تقوده قوى آيديولوجية إشتراكية أو إسلامية تدعي لنفسها أنها تمثل القوى الحديثة في البلاد. فتكون النتيجة في حالات الحكم العسكري تدهور الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية من جانب وضياع هيبة الدولة أمام القوى الخارجية خاصة في عهد نظام البشير حين انفصل فيها السودان وتمزق نسيجه الإجتماعي.
الحديث عن المطامع المصرية في السودان كما هو معروف تاريخيا يمتد إلى ما قبل إستقلال السودان في منتصف العقد الخامس من القرن العشرين وسأفصر حديثي على الفترة التي تناولها الأستاذ النعمان. في هذه الفترة والتي توجهت فيها كل دول العالم المستعمرة نحو إستقلالها عملت الحكومة المصرية على فرض إنضمام السودان إليها من خلال دعمها للمنادين بوحدة وادي النيل. فقبل إعلان إستقلال السودان من بريطانيا ومصر كانت هناك فترة حكم ذاتي مدتها ثلاثة أعوام تحددت وفق مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه الحاكم العام على دولتي الحكم الثنائي والذي أشار فيه إلى تكوين مجلس وزراء سودانى يكون مسئولا امام البرلمان ويختار البرلمان رئيس الوزراء الذى يعين الوزراء وثانيا تشكيل برلمان سودانى يتكون من مجلس نواب من 97 عضوا منهم 40 بالانتخاب المباشر و54 بالانتخاب غير المباشر وثلاثة من الخريجين، وكذلك مجلس شيوخ يتكون من 50 عضوا ينتخب منهم 30 من المحليات ويعين الحاكم العام العشرين الاخرين.
جاءت الموافقة المصرية على هذا المشروع بعد إجتماع فى 15 اغسطس 1952 لمجلس قيادة ثورة يوليو في مصر حين أصدر قرارات وافق فيها على مشروع الحكم الذاتي وإعتراف مصر بحق السودان فى تقرير مصيره وفي نفس الوقت دعوة احزاب السودان جميعا ألى مصر للتفاهم معهم حول مشروع دستور الحكم الذاتى. واصل الجانبان البريطاني والمصري مفاوضاتهما واتفقا فى 21 فبراير من عام 1953م على إقامة الحكم الذاتى وممارسة السودانيين حق تقرير المصير على أن تقوم الجمعية التاسيسية التى سيتم انتخابها بالعمل على تقرير مصير السودان كوحدة لاتتجزأ وأن تقوم بوضع دستور للسودان بجانب وضع قانون لانتخاب برلمان سودانى دائم وتقرير مصير السودان إما في إتحاد مع مصر أو الاستقلال التام عنها. وحتى تتحقق لها رؤيتها في أحقيتها في أرض السودان قامت مصر بتوحيد الاحزاب الداعية الى الاتحاد مع مصر بدعوتهم جميعا إلى القاهرة. هذه القوى السياسية الداعية إلى الإتحاد مع مصر هي: الجبهة الوطنية براعاية السيد على الميرغنى زعيم الطائفة الختمية، وحزب الاشقاء بزعامة اسماعيل الازهرى وفصيل آخر من حزب الاشقاء برئاسة محمد نور الدين وحزب الاحرار الاتحاديين. بالفعل توحدت هذه القوى السياسية فى حزب واحد فى نوفمبر 1952 أطلق عليه إسم الحزب الوطنى الاتحادى وتم اختيار الازهرى رئيسا له ومحمد نور الدين نائبا له. واضح بالطبع الهدف الأساسي في تجميع هذه القوى في حزب واحد حيث نص ميثاق الحزب على جلاء الانجليز من السودان وقيام اتحاد مع مصر عند تقرير المصير.
بدأت مصر على الفور في تنفيذ ما أتفق عليه وأصدرت قرارا بتكليف الصاغ صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة بالاشراف على تنفيذ تلك القرارات. كان الهدف الأساسي لصلاح سالم هو الوصول إلى إتحاد مع السودان كما وضح من رحلته التاريخية المشهورة الى الجنوب فى ديسمبر 1952 وتنقله بين مديرياته راقصا مع سكان الجنوب عاريا. أما في الشمال فكان لدعمه المادي للحزب الوطنى الاتحادى فى الانتخابات الدور الكبير في فوز الإتحاديين بالاغلبية فى الجمعية التاسيسية. فقد فاز الحزب الوطني الديموقراطي ب 51 مقعدا من 97 مما خوله للحكم منفردا برئآسة إسماعيل الأزهري والذي قام بتشكيل الوزارة من 12 وزيرا بينهم ثلاثة جنوبيين. فى 9 يناير 1954 قامت الوزارة الجديدة باداء اليمين الدستورية أمام الحاكم العام لتبدأ في نفس اليوم الفترة الانتقالية ومدتها ثلاث سنوات كما نصت إتفاقية الحكم الذاتى وفي نفس الوقت إختارت حكومة الأزهري أن يكون يوم الاول من مارس من عام 1954م موعدا لافتتاح البرلمان السودانى. وبطبيعة الحال كان لابد أن يحتفل السودانيون بيوم الإفتتاح الذي دعو له ضمن دول أخرى مصر حيث كان اللواء محمد نجيب على راس الوفد المصرى المشارك فى هذه الاحتفالات. بدا واضحا لحزب الأمة أن المساعدات المادية والإعلامية التي قدمتها مصر بعد توحيدها للتيار الوحدوي كانت السبب المباشر في فوز الحزب الوطني الإتحادي لهذا قرر الحزب إسماع صوته وصوت بقية الشعب الرافض للوحدة، للنظام المصري من خلال مظاهرات منظمة في المطار عند مقابلة اللواء محمد نجيب وهو أمر يكاد يكون حاليا هو المعيار الديموقراطي الأول في معرفة رأي الشعوب. ولكن الحكومة السودانية وقتئذ تجاهلت موقف الإستقلاليين هذا وعملت على إخفاء الحقيقة عن الإعلام العالمي وحولت خروج وفد الزعيم المصري من جانب آخر من المطار مما أدى إلى صدامات دامية بين الأنصار والشرطة كانت بمثابة نقطة تحول في موقف إسماعيل الأزهري والبدء في التحول من فكرة الإتحاد مع مصر. وبذلك كانت تلك الأحداث هي الشرارة الأولى التي اندلعت لتقود شعب السودان للإستقلال.
يقول النعمان نادما على فشل إقتراح صلاح سالم بتذويب نسيج المتمع الجنوبي في نسيج العنصر المصري المتلف ثقافيا وإثنيا أن " حزب الامة ... قد نجح فى الترويج لمخطط مصر لاستعمار السودان بسبب اقتراح صلاح سالم بان مصر على استعداد لتقدم مليون مزارع مصرى يستقرون فى جنوب السودان لتنمية قدراته الاقتصادية ويالها من مفارقة فلو ان اقتراح صلاح سالم عرف طريقه للتنفيذ يومها لتغيرت البنية العنصرية للجنوب لان المصريين لا يتعالون على الجنوبيين عنصريا ولا يرفضون التزاوج بينهم ولحلت بذلك قضية الحنوب جذريا ولذابت الفوارق العرقية بين الشمال وجنوب السودان ولتحققت وحدة الوطن موضوعا" إنتهى الإقتباس. ما أشبه الليلة بالبارحة!!! فمن ضمن سياسات نظام الإسلاموي فيما يتعلق بنهب أراضي السودان وبيعها لمستثمرين أجانب تحت غطاء الإستثمار جلب عمالة مصرية قدرت بمليوني مصري تنتشر في مختلف المشاريع المراد تنفيذها ونهب أراضيها والهدف لا يقتصر على الجانب الإقتصادي بل الجانب الإثني والثقافي لقيام دولة " عربية إسلامية" من خلال إستغلال الدين للترويج. هذا الندم الذي يبديه الكاتب النعمان هو إمتداد لنفس السياسة القائمة على الإستعلاء الثقافي والعرقي والتي ورثها الساسة والمثقفون السودانيون من المستعمر وتم تطبيقها في السودان بعد خروج المستعمر البريطاني في عام 1956م برفضهم تطبيق ما نتج عن مؤتمر جوبا في عام 1947م ثم غيرها في كل الإتفاقيات التي تلته مرورا بإتفاقية المائدة المستديرة في 1966م وكوكادام عام 1986م وإتفاقية السلام عام 1988م وإتفاقية نيفاشا 2005م مما أدى إلى إنعدام الثقة لدى أهل الجنوب فى كل ما يصدر عن الحكام فى الشمال. هذا الواقع في حقيقة الأمر لا يقتصر على الجنوب ولكنه يشمل الغرب والشرق وهو خداع مسكوت عنه ولم يبدأ ظهوره علنا الا بعد سياسات الحركة الاسلامية التى هدفت الى تطبيق ما سمته بالمشروع الحضارى وهي تعني الوصول الي السلطة. كان رد الفعل لسياسة الحركة الاسلامية أن يرفع أهل الغرب والشرق السلاح فى وجه هذا المشروع لتبدأ معه أكبر نتائج سياسات الغش والخداع على وحدة البلاد. بهذه العقلية الإستعلائية للقيادات السياسية والثقافية منذ إسقلال البلاد تتأكد لنا وحتى وقتنا الحاضرغياب العقلية الإستراتيجية التي تنظر إلى المستقبل بعيدا عن المصالح الذاتية أو الجهوية أو القبلية.
ظلت حكومة الحزب الوطني الإتحادي بقيادة إسماعيل الأزهري بعد أن إنتهت فترة تلك الأحداث تتأرجح بين الأستقلال التام للسودان وبين الإتحاد مع مصر وإن كانت أقرب في توجهها العام تحو خيار الإتحاد خاصة أن فوزها في الإنتخابات يرجع إلى الدعم المادي والسياسي الذي قدمته مصر. وتحت الضغط الشعبي بسبب الرفض القوي لهذا التوجه من قبل معظم الشعب السوداني في مناطق السودان خارج العاصمة بقيادة حزب الأمة، لم يكن أمام إسماعيل الأزهري إلا أن يقوم بزيارات متواصلة لإستطلاع رأي المواطنين خارج العاصمة فيما يتعلق بموضوع الوحدة مع مصر. في هذه الفترة أيضا بدأ الخلاف داخل الحزب الوطني الإتحادي يتصاعد بين الموالين للسيد علي الميرغني والأزهري ويأخذ منحى آخر يدورحول الاستقلال وليس الاتحاد مع مصر. كان يقود هذا التيار بعض الوزراء في حكومة الازهري على رأسهم خلف الله خالد، وزير الدفاع والدرديري محمد عثمان مستشار السيد على الميرغني. ومن خلال الزيارات التي قام بها الأزهري لمناطق عديدة تأكد له ألا مفر من إعلان الإستقلال تلبية لرغبات الغالبية العظمى من السودانيين الذين قابلوه بهتافات الإستقلال والرفض للوحدة. وهذا ما حدث بالفعل حيث إستجابت الحكومة لرغبة مواطنيها ولا يهم التفسير الذي يقول به البعض وهو أن الأزهري في رؤيته أو دعوته للإتحاد مع مصر كان تكتيكا سياسيا هدفه الحصول على موافقة مصر في القبول بتقرير المصير وبعدها يعلن الإستقلال. وهو كما تلاحظ عزيزي لقارئ تصور لا ينسجم مع الواقع فقد ظل الإتحاديون لفترة زادت عن الثلاثين عاما ينادون بهذه الوحدة بل إن الزعيم الأزهري كثيرا ما أشار إلى أن يكون السودان ضمن حدود التاج المصري بينما المنادون بإستقلال السودان خاصة حزب الأمة ظلوا متمسكين بهذا الإستقلال وكان شعارهم "السودان للسودانيين" حتى قال فيه الوحدويون بأنه شعار حق أريد به باطل. المجموعة التي انشقت عن الأزهري كونوا حزبا جديدا سموه حزب الشعب الديموقراطي وبدأوا بالإتصال بحزب الامة الداعي للإستقلال ورفضوا أي اتحاد مع مصر كما كان يعمل الازهري. الأمر الذي يهدد وجوده خاصة في ضوء بعض التكهنات التي تقول بتقارب بين السيد عبد الرحمن المهدي والسيد علي الميرغني والذي بالفعل قد حدث حينما اجتمعا وأصدرا بيانا مشتركا جاء فيه "يسعدنا ان نعلن تصميمنا القوي لنقف متحدين من اجل مصلحة السودان، وكل ما يحقق له السعادة والحرية والسيادة الكاملة لشعبه". وهو لقاء خاف منه الأزهري أن يطيح به قبل أن يربط إعلان الإستقلال بإسمه بعد أن تأكد له إمكانية إعلانه من داخل البرلمان. لهذا فإن مواقف حزب الأمة الرافضة لأي نوع من الإتحاد مع مصر بجانب الصراع بين الأزهري من جانب والمنشقين عن حزبه والذين هم في الأساس موالين للميرغني خاصة ميرغني حمزة المقرب جدا من السيد علي الميرغني والذي أصبح منافسا خطيرا للأزهري، أدى إلى أن يغير الأزهري رؤيته من الإتحاد مع مصر إلى الإستقلال التام. من هذا المنطلق نستطيع أن نقول إن الخلاف بين الأزهري والسيد على الميرغني لم يكن خلافا فكريا فلسفيا كما يصوره البعض والدليل رجوع الأزهري مرة أخرى إلى أحضان الطائفية وفي ظرف بدت فيه العلاقة بين الحكومة السودانية والمصرية تشهد تدهورا خطيرا حين بدأت تتصاعد مشكلة حلايب مرتبطة بمفاوضات مياه النيل والمساعدات الأمريكية.
بعد إعلان الإستقلال من داخل البرلمان تم تشكيل حكومة قومية برئآسة الأزهري ولم يمض عليها ستة أشهر حتى تضعضعت وسقطت بعد إنقسام الحزب الإتحادي في منتصف يونيو من عام 1956م وبعد أن تم طرح صوت ثقة عليها حيث سقطت في الرابع من يوليو عام 1956م ب 51 صوتا كان من بينهم 17 صوتا من نواب طائفة الختمية المنقسمين عن الأوهري بجانب نواب حزب الأمة وحزب الأحرار الجنوبي. بعدها قامت أول حكومة قومية ضمت الحزب الإتحادي الديموقراطي وحزب الأمة بقيادة عبد الله خليل وحزب الشعب الديموقراطي بقيادة علي عبد الرحمن وحزب الأحرار الجنوبي. هذه الحكومة لم تصل إلى أهدافها فيما يتعلق بقضايا السودان لأسباب جوهرية ترجع من ناحية إلى عدم وجود برنامج واضح يحدد تلك القضايا وطريقة الوصول إليها من ناحية، والمناكفات السياسية داخل الوزارة التي لا تتعلق بقضايا الشعب السوداني من ناحية أخرى. في هذه الفترة كانت التدخلات المصرية تأخذ أشكالا عدة منها ما هو متعلق بتوسيع الخلافات داخل الحكومة القومية بهدف تعزيز موقف الإتحاديين لمقابلة الإنتخابات المقلبة للعمل للتوصل إلى إتفاق بشأن مياه النيل والتي بدأت بالفعل بين الجانبين ولكنها تواجه رفضا لفرض ما يسمى بالحقوق التاريخية لمصر. ومنها ما هو مرتبط بجوانب خارجية يتمثل في البحث عن تمويل السد العالي الذي تنوي مصر بناءه من جهة وبوادر أزمة تأميم قناة السويس مع الدول الغربية من جهة أخرى.
قامت الإنتخابات العامة في عام 1958م بعد أن تأجلت من عام 1957م وشارك فيها الحزب الإتحادي الديموقراطي وحزب الشعب الديموقراطي بجانب حزب الأمة والحزب الشيوعي السوداني وحزب الأحرار الجنوبي. في هذه الإنتخابات فاز حزب الأمة بأغلبية 63 مقعدا لم تمكنه من تكوين حكومة منفردا مما إضطره إلى تكوين حكومة إئتلافية مع حزب الشعب الديموقراطي بقيادة على عبد الرحمن وهو الحزب المنشق إسماعيل الأزهري. لم تكن حكومة حزب الأمة وحزب الشعب الديموقراطي منسجمة في رؤيتها لمواجهة الكثير من المشاكل الإقتصادية والإجتماعية التي ورثتها بعد خروج المستعمر. وبسبب عدم الإنسجام هذا دخلت البلاد في أزمة سياسية كان نتيجتها قيام أول إنقلاب عسكري يشهده السودان وهو إنقلاب الفريق عبود في نوفمبر عام 1958م. هذا الإنقلاب والذي تصوره الكثير من الكتابات التاريخية الحديثة على أنه إنقلاب صوري تم عبر تسليم وتسلم قام به حزب الأمة إلا أن أبعاد وأسباب هذا التسليم والتسلم لم يتم تناولها بصورة علمية رابطة لكل الجوانب المتعلقة بهذا التسليم بما فيها مسيرة العلاقة التاريخية بين الحزبين المؤتلفين من جهة و تاريخية العلاقة بين حزب الأمة ومصر من جهة أخرى. وكما يقول الأستاذ محمود محمد طه "على أثر تصاعد الأزمة بين حزب الأمة وحزب الشعب الديموقراطي، بدأت مصر في لعب دور الوسيط بين حزب الوطني الإتحادي، وحزب الشعب الديمقراطي بهدف توحدهما من جديد وفي ضوء ذلك سافر إلى مصر إسماعيل الأزهري، وعلى عبد الرحمن الأمين بغرض التنسيق تحت الرعاية المصرية." فإذا نظرنا لما حدث بعين الباحث المتجرد فيما يتعلق بإنقلاب عبود العسكري لوجدنا بصمات النظام المصري واضحة من مرحلة الإعداد والتخطيط والتنفيذ وحتى الدعم بعد نجاحه وهو نفس السيناريو الذي يتكرر في إنقلاب مايو بقيادة نميري وإنقلاب الجبهة الإسلامية بقيادة البشير مع إختلافات طفيفة لا تنفي التدخل المصري.
لقد كان تخلى الأزهري عن فكرة الإتحاد مع مصر وتوجهه نحو إعلان الإستقلال من داخل البرلمان خاصة بعد المواقف البطولية وتضحيات الأنصار للوصول إلى إستقلال تام للسودان، نقطة البداية في التحول في علاقة مصر مع الحزب الإتحادي الديموقراطي حيث أوقفت دعمها المادي والسياسي والإعلامي له مما أعطى الفرصة لحزب الأمة بالفوز في الإنتخابات الثانية عام 1958م والتي فاز بها حزب الأمة ب 63 مقعدا مما اضطره للتحالف مع حزب الشعب الديموقراطي بقيادة علي عبد الرحمن. هذا الفوز لحزب الأمة كاد أن يمثل نقطة تحول كبيرة في السياسة التنموية للبلاد حين أعلنت الحكومة بقيادة عبد الله خليل وقف العمل بإتفاقية مياه النيل لعام 1929م الموقعة بين مصر وبريطانيا بعد إنتهاء مدتها في عام 1959م وإعادة النظر فيها. المفاوضات بين السودان ومصر فيما يتعلق بمياه النيل والتي بدأت في أبريل عام 1955م في نهايات فترة حكومة الأزهري ذم تصل إلى إتفاق واقترحت الحكومة السودانية على لسان وزير الري خضر حمد نقل المشكلة الى لجنة وساطة دولية. كان رأي الحكومة السودانية من ثلاثة سيناريوهات يعتمد السيناريو الأول على السكان والثاني أن تقسم المياه غير المستخدمة بينهم بالتساوي بينما يقوم السيناريو الثالث على مساحات الارض القابلة للزراعة. وفي ضوء السيناريوهات الثلاثة سيكون نصيب السودان في الحالات الثلاثة 28 بليون متر مكعب و 20 بليون متر مكعب و 32 بليون متر مكعب على التوالي.
سقطت حكومة الازهري بعد طرح الثقة دون الوصول إلى إتفاق مع مصر بشأن مياه النيل كما فشلت خلال فترة عبد الله خليل. فقد بدأ الجانبان السوداني والمصري في المفاوضات مرة أخرى بعد فوز حزب الأمة فيما يتعلق بمياه النيل بهدف توقيع إتفاقية جديدة ولكن لم يتم أي تقارب في وجهات النظر نسبة لتمسك الحكومة السودانية بحقها. لم تكن تتوقع مصر مثل هذا الموقف من حكومة السودان مما دفعها إلى التفكير في إسقاطها حيث لجأت إلى حلفائها التقليديين من طائفة الختمية. وبسبب الإنقسام داخلهم كان على مصر أولا العمل على توحيدهم وقد تم ذلك بدعوة قياداتهم إلى مصر. سافر إلى مصر قادة حزب الشعب الديموقراطي الحليف في السلطة مع حزب الأمة ومعهم قادة الحزب الوطني الإتحادي. وبعد أن إجتمع الطرفان في ضيافة مصر، صرح إسماعيل الأزهري متحدثا بإسم الحزب الوطني الاتحادي بإعترافه باتفاقية مياه النيل لعام 1929م التي أُبرمت بين دولتي الحكم الثنائي، بريطانيا ومصر. لقد كان هذا الإعتراف للأزهري بالإتفاقية إشارة واضحة بأنه يطلب مساعدة مصر للرجوع إلى الحكم بالصورة التي حدثت في إنتخابات عام 1953م حين لعبت الأموال المصرية بعد الزيارة المشهوؤة لصلاح سالم الدور الكبير في فوزه.
من جانب آخر صرح علي عبد الرحمن رئيس حزب الشعب الديموقراطي بأن حزبه والذي دخل في أزمة مع حليفه حزب الأمة يقف في المعارضة على الرغم من أن حزبه حتى اللحظة كان لا يزال جزءاً من الإئتلاف الحكومي. الأمر الذي يعني بوضوح أن حزبه لا يمانع في الوحدة مع حزب الأزهري من جديد تحت رعاية مصرية. مثل هذه التصريحات في دولة أجنبية كانت دولة محتلة للسودان وما زالت تعتبره حقا تاريخيا لها، تحمل الكثير من المعاني لأي حاكم وطني غيور على السودان وشعبه. في هذا الجو السياسي الذي يهدد ليس الوضع الديموقراطي بل استقلال البلاد وسيادتها لم يكن أمام عبد الله خليل رئيس الوزراء إلا أن يسلم الحكم للجيش حتى يقوم بمهمة الدفاع عنها. بالتالي هذا التسليم والتسلم والذي سمي مجازا انقلابا عسكريا كان الهدف منه إنقاذ البلاد من خطر إعادة إستعمارها من جديد من مستعمرها السابق، قبل أن يكون إنقلابا عسكريا على وضع ديموقراطي خاصة أنه قد سرت إشاعة بأن مصر تخطط لتدبير إنقلاب عسكري في السودان يطيح بحكومة حزب الأمة. وكما يقول منصور خالد كان تسليم عبد الله خليل للسلطة للفريق عبود في هذا الظرف أكثر جدوى من الحفاظ على ديموقراطية لا يستحي بعض المشاركين فيها أن يقفوا ضد مصالح شعبهم. وحتى تخلق أزمة داخلية لحزب الأمة وفي فبرائر من عام 1958م ارسلت حكومة مصر خطابا الى حكومة السودان تعلن فيه سيادتها على اراضي سودانية شمال شرق السودان، شمال خط العرض 22 شمالا وهي المنطقة المعروفة بمنطقة حلايب و منطقة شمال مدينة حلفا، مناطق: سره، ودبيرة، وفرس. رفضت الحكومة السودانية ذلك الموقف المصري واعتبرته غزوا لأراضيها وعملت ةعلى توضيح ذلك للعالم من خلال مجلس الأمن. لم تقف الحكومة السودانية في توضيح سيادتها على هذه المناطق بل حذرت في نفس الوقت في رسالتها إلى مجلس الأمن بأنهم في حكومة السودان: اولا: نحرص على الدفاع عن السيادة السودانية على المنطقتين. وثانيا، مستعدون للتمهل لحل المشكلة سلميا. وثالثا، نرى ان المشكلة يمكن ان تتطور الى مواجهة عسكرية. رسالة واضحة المعالم والنوايا من حكومة يقودها حزب الأمة لما سيترتب عليه عدم إنسحاب مصر. جاء الرد المصري على موقف السودان ملئ بالإستفزاز في 20-2-1958م الأمر الذي جعل حكومة السودان أكثر تمسكا بحقها وهذا ما دفع الحكومة المصرية للتفكير في الإطاحة بها.
الإطاحة بحكومة عبد الله خليل حملت رؤية تغيير من خلال دعم لقيادات عرفت تاريخيا بتوجهاتها نحو الوحدة مع مصر وإن لم تستبعد خيار الإنقلاب العسكري والذي مهدت له بفرض الأمر الواقع بإحتلالها لأراضي سودانية بهدف إضعاف النظام الديموقراطي وإستنزافه. في هذا الوقت والذي من المفترض أن تقام فيه إنتخابات عامة بدأت أحزاب المعارضة وعلى رأسها الإتحادي الديموقراطي بإستثمار هذا الموقف للحكومة سياسيا ضدها وظهر ذلك في عدة مواقف. ففي نفس الشهر فبرائر 1958م الذي احتلت فيه مصر حلايب، أرسل الازهري خطابا إلى عبد الناصر جاء فيه: "اود منكم ايها الاخ الكريم ان يستمر الوضع الراهن حتى بعد نهاية الانتخابات. وانا متأكد انه، بعد ذلك، ستقدر العلاقات والعواطف الاخوية بين شعبينا على الوصول الى حل سلمي. وليوفقنا الله على طريق الحكمة والتعقل." هذه الرسالة تحمل رفض الأزهري للطريقة التي تتبعها حكومة عبد الله خليل من جانب كما تحمل معنى تغيير أسلوب التعاون إذا ما جاء هو إلى سدة الحكم من جانب آخر. جاء رد عبد الناصر للأزهري يحمل نفس المعنى مع الإعتذار وإلغاء اللوم على الإمبريالية وذلك في قوله "نحس بالاسف لتطورات الايام الثلاثة الماضية. ونحن نبذل كل جهد لحل المشاكل بيننا حلولا سلمية. لكننا فوجئنا بالاخبار غير الصادقة بان الجيش المصري يغزو السودان. ستساعد مثل هذه الاخبار فقط الامبريالية التي تريد خلق مشاكل بين الشعبين المصري والسوداني. واتفق معكم على ان روح العلاقات والتعاون بين شعبينا ستقدر على وقف اي تطورات الهدف منها خدمة اعدائنا. فهل يا ترى قامت الإمبريالية بدفع الجيوش المصرية للحدود السودانية أم أن القائد الأعلى للقوات المصرية هو الذي أمرها بذلك؟ أما إعلاميا فقد إنتهز الإعلام المصري خطاب الأزهري وجمال عبد الناصر ليوضحوا للشعب السوداني ان اسماعيل الازهري، رئيس الحزب الاتحادي، لعب دورا كبيرا في حل مشكلة حلايب بهدف زيادة اسهم الازهري في الانتخابات على حساب حزب الامة وعبد الله خليل.
تحت هذه الضغوط الخارجية من قبل مصر والداخلية من قبل أحزاب المعارضة قام عبد الله خليل بتسليم السلطة للجيش ليتحمل مسئوليته تجاه حماية البلاد. وفي بيان صدر عن الإمام عبد الرحمن المهدي أيد حزب الأمَّة الإنقلاب العسكري1 كما أيده حزب الشَّعب الدِّيموقراطي والحزب الوطني الاتحادي. بيانات تأييد إنقلاب عود كانت ذات أبعاد مختلفة فبينما كان تأيي الإمام عبد الرحمن هو ترك الأمر للجيش للدفاع عن البلاد كان هدف الإتحاديين إبعاد حزب الأمة عن الحكم. يقول تيم نبلوك " التقارب بين الإتحاديين مع النظام العسكري هدف إلى تمتين العلاقات مع مصر، وتسهيل مهمة توقيع اتفاقيَّة مياه النيل عام 1959م. وبالتالي أصبح تأييد الختميَّة ضروريَّاً ليس فقط لبقاء النظام العسكري وإبعاد تهمة عدم الشَّرعيَّة عنه، وإنما لدوام العلاقة بينه والنظام المصري"
لا يمكن فهم أسباب إنقلاب عبود العسكري أيضا دون الإشارة إلى المعونة الأمريكية المعروفة لدول العالم الثالث والمعروفة بمشروع إيزنهاور وإرتباطها بالحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الوفيتي. هذه المعونة تزامنت مع موقف مصر من حكومة عبد الله خليل فيما يتعلق بمياه النيل و ورفضها إحتلال مصر لحلايب وتعبئة الجيش والشعب للدفاع عن حدود السودان. فقد أبدت الولايات المتحدة الامريكية في أبريل من عام 1958م إستعدادها لتقديم مساعدات اقتصادية وفنية وحسب قوانينها وتنظيماتها لحكومة جمهورية السودان بهدف تنميته. ونسبة لظروف العالم الثالث في علاقاته بالدول العظمى حينئذ فيما عرف بالحرب الباردة كانت حكومة السودان مترددة في قبول هذه الماعونة. وكما لاحظ الكاتب محمد علي صالح في ترجمته لوثيقة المعونة الأمريكية للسودان أن حكومة عبد الله خليل كانت خائفة من اتهامات "خيانة" و "عمالة" من الحزب الاتحادي والشيوعيين، بالاضافة الى المصريين في ضوء الأجواء المعادية لامريكا بعد التوجه العربي العام نحو الإتحاد السوفيتي بقيادة عبد الناصر
. وكرد فعل لهذه المعونة جاءت تعليقات الصحف المعادية لها تحمل نفس المعاني التي يخشى منها عبد الله خليل. فمثلا جاء في صحيفة الحزب الإتحادي "اندهش الشعب السوداني عندما سمع ان حكومة حزب الامة وقعت على اتفاقية مع الحكومة الامريكية. يريد الامريكيون الضغط على حكوة ضعيفة لتكون عميلة لهم. واثبت تاريخ المنطقة ان المساعدات الامريكية دائما تكون سبب كوارث اقتصادية، وعدم استقرار، وخرق لسيادة الدول، ودخول في احلاف عسكرية اجنبية ..." أما جريدة الصراحة لسان الحزب الشيوعي فقد أشارت إلى أن المساعدات ستكون ستارا لإحتلال السودان من قبل أمريكا حين كتبت "يعلن الاميركيون انهم يقدمون مساعدات غير مشروطة الى دول العالم الثالث. لكنهم يستخدمون هذه المساعدات مثل الشبكة التي تصطاد السمك، ليصطادوا هذه الدول. نحن نرى ان المساعدات الامريكية لن تساعد الاقتصاد السوداني. لكنها ستكون ستارا لجيوش من الخبراء والجواسيس الامريكيين في السودان. سيجوبون السودان غربا وشرقا وشمالا وجنوبا. وسيصبح السودان وكرا للجواسيس الامريكيين، مثل ايران والاردن. ونخن نخاف من هذا على سيادة واستقلال السودان." كذلك أشارت وثيقة المؤتمر الرابع الأساسيَّة (أكتوبر 1967م)، إلى موقف الحزب الشيوعي من إنقلاب عبود ورأيه في الأحزاب الأخرى التي لا تتبع آيديولوجيته حيث جاء فيها "لقد أدَّى العجز الموضوعي للنظام .. في مواجهة قضايا ما بعد الاستقلال .. إلى أزمة حادَّة في البلاد. يقابل هذا نموٌّ متزايد للعناصر الثوريَّة، وخاصة الحزب الشِّيوعي. وكان زمام المبادرة في يد القوى اليمينيَّة المتطرِّفة، فنقلت الصِّراع الطبقي من حيِّزه السِّلمي إلى دكتاتوريَّة عسكريَّة موجَّهة، في الأساس، إلى صدر القوى الدِّيموقراطيَّة. فما عجزوا عنه بالصِّراع السِّلمى أرادوا تحقيقه بالصِّراع الدَّموي" (الماركسيَّة وقضايا الثورة السودانيَّة، ص 108). ولكن الصحيفة الماركسية أو وثيقة المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي لا تريا نفس الواقع الذي سينتج فيما يتعلق الأمر بالمساعدات الروسية ليس للسودان فقط وإنما لمصر حين قام الروس بتمويل السد العالي بدلا عن أمريكا والتي سعت مصر للحصول على تمويل له منها دون أن توفق. قاد الشيوعيون اول مظاهرة ضد اتفاقية المساعدات الامريكية ثم تلتها مظاهرات الحزب الإتحادي حين وصفها الازهري بأنها "اسوأ من الاستعمار البريطاني." وكانت الشعارات لهذه المظاهرات "المعونة الامريكية استعمار جديد" و "حزب الامة يقود السودان نحو احلاف عسكرية اجنبية" في إشارة واضحة إلى رفضهم لحكومة عبد الله خليل.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.