ان فشل الحزب الحاكم في ادارة شئون البلاد لا خلاف عليه بل ان سياسات الحزب وتخبطه قد ادخلت بلادنا في نفق مظلم يصعب الخروج منه . ولعل جنوح الحزب الحاكم الي اشراك القوى السياسية بعد ربع قرن من انفراده بالسلطة لاكبر دليل على قناعة الحزب باستحالة الاستمرار في الحكم منفردا . وهذه السياسة الجديدة للحزب تاتي في اعتقادي الشخصي محاولة منهم لانقاذ حزبهم وليس انقاذ السودان كما اطلقوا ذلك على انقلابهم في العام 1989 فبعد ربع قرن من السلطة المطلقة لم يستطيعوا انقاذ البلاد والتي لم تكن توشك على الغرق في ذلك الوقت لكنها غرقت خلال فترة حكمهم في مياه عميقة وسط امواج متلاطمة وعاتية لا تفلح كبريات السفن على الابحار من خلالها والوصول الي بر الامان. ولقد كتبت في مقال سابق ان سنة اولى سياسة قد تكون فاشلة للحزب ككيان سياسي حديث عهد بادارة شئون بلد كالسودان وقد نجد لهم العذر خلال سنين حكمهم الاولى باعتبارهم في طور المراهقة السياسية ولكن ان يكون الفشل ملازما لهم طوال ربع قرن من الزمان لم تنجح معه كل محاولات التجميل لاستخدامهم مساحيق منتهية الصلاحية عفى عليها الزمن فكان ان ازداد الوجه قبحا وتشوها كلما حاولوا اطفاء نوع من الجمال عليه حتى بانت عظامه الداخلية ولزم الامر اجراء جراحة عاجلة علها تعيد اليه بعض بريقه المفقود فهداهم تفكيرهم الي اعلان الحوار الشامل مع جميع مكونات المجتمع باحزابه السياسية ومنظماته الاجتماعية للخروج بالبلاد من ازماتها الكثيرة.ومعلوم للجميع ان منهج الشرع في الحكم الا تطلبه بل يجب ان يطلب اليك لان رسولنا عليه الصلاة والسلام قال :( من طلب شيئا اوكل اليه ومن طلب اليه شيئا اعين عليه) . وخلال ربع قرن من الفشل المستمر وعدم التوفيق في كل صغيرة وكبيرة لاكبر دليل ان الحكم في السودان قد اوكل لهذه الجماعة لانهم من طلبوا ذلك عندما خرجوا ببيانهم المشئوم صبيحة يوم 30/06/1989 ولم يطلب منهم احد ان يقدموا على هذه الخطوة وخروجهم على حاكم منتخب واجهاضهم للتجربة الديمقراطية الثالثة واغتيالهم لاحلام الشعب السوداني في حكم ديمقراطي يراعي مصلحة البلاد والعباد دون تحيز او تمييز لاي فئة على حساب مكونات الشعب الاخرى. ولعل اعتراف الريس بانهم قد انتهجوا سياسة التمكين خلال ربع قرن من الزمان لتثبيت دعائم حكمهم دون مراعاة لمصلحة البلاد قد نتج عنها تدهور كثير من مرافق الدولة بل توقف كثير من المشاريع العملاقة والتي كانت عمود الاقتصاد السوداني( مشروع الجزيرة) وقد صاحب سياسة التمكين ابتداع قانون اسموه الصالح العام شرد الاف من الكوادر المؤهلة في القوات النظامية والخدمة المدنية وغيرها من المصانع التي كانت تدور وتدعم مالية الدولة وتم تعيين اصحاب الولاء الحزبي دون اي مؤهلات علمية او خبرات عملية فكان طبيعيا ان ينهار مشروع الجزيرة والعديد من المصانع وتنهار مؤسسات وطنية كانت شامخة ليس في بلدنا وحسب وانما على مستوى دول الجوار في عراقتها ودورها في دعم الدخل القومي(سودانير- السكك الحديدية- النقل النهري) . وامعانا من الحزب الحاكم في تغيير ملامح السودان بأكملها وطمس كثير من معالمه وتشويه كثير من قادته وصبغه بصبغة الحزب الحاكم شرعوا في تنفيذ برامج دون ان تخضع لاي دراسة فكان تغيير السلم التعليمي الذي اثبت التجربة فشله الذريع وهم يحاولون الان العودة الي السلم التعليمي السابق كما انهم فتحوا جامعات دون ان تتوفر لها بنية تحتية والغاء نظام الداخليات فحدثت فوضى لم تقتصر على التحصيل العلمي والمستوى الاكاديمي لجامعاتنا بل تعدت ذلك الي بروز ظواهر اجتماعية سلبية لم تكن معروفة في مجتمعنا بينما ظلوا هم يسبحون عكس التيار ويجملون تلك الظواهر القبيحة بحديثم المكرر عن مجتمع الفضيلة وقيم الطهر والعفاف والتي اصلا كانت متأصلة فينا كسودانين ولسنا في حاجة الي من يذكرنا بها وهي قيم تلاشت الان في ظل المشروع الحضاري الذي اصبح من الماضي ولايتحدثون عته الان وربما يخيل اليهم حسب اوهامهم اانهم قد اكملوا هذا المشروع المزعوم وبدات نتائجه تظهر في انتشار الفساد بكل انواعه وظهور جرائم نوعية وغريبة على مجتمعنا فصرنا نسمع بان معلما اغتصب تلميذا وسائقا اغتصب عدد من التلاميذ وشيخ خلوة اغتصب طالبا واخر قتل والده واخرى ذبحت والدتها واخرى تركت بيت اهلها واخرى تنصرت وغير ذلك من الجرائم الغريبة والدخيلة علينا فهذا هو مشروعهم الحضاري ومجتمع الفضيلة الذي بشرونا به منذ مجيئهم . ومن الاشياء الغريبة ان الريس قد كون لجنة لمحاربة الفساد واعلن على الملأ لكل من يمتلك ادلة على وجود فساد ان يتقدم بها ولكن اصبح من تقدموا ببلاغات هم الضحايا ومازال المجرمون احرارا يمارسون هوايتهم في نهب المال العام وكل من اتهم بالاعتداء على المال العام برئتهم المحاكم واصبح الحزب الحاكم يبحث عن مخرج لاعضائه المفسدين فصرنا نسمع (بالتحلل والتحكيم) في قضايا تعتبر جنائية بامتياز فالحصول على تلك الاموال تم بطرق غير قانونية اهمها التزوير في اوراق رسمية ولكن لانهم مؤتمرجية فلا احد يعلن اسمائهم وحتى وان اعلنت لا يطالهم القانون فكيف تريدون ان تطبقوا شرع الله وانتم تتحللون من المال الحرام وانتم تستخدموا التحكيم في قضية احد اطرافها كل الشعب وهي واضحة وضوح الشمس اضف الي ذلك ظهور بدعة جديدة اسمها تعظيم حرمة الاعتداء على المال العام ؟ وهل المال عاما كان او خاصا لفرد او جماعة تحتاج حرمته الي مؤتمرات وورش عمل؟ هذه اساسيات نتربى عليها في بيوتنا كما انكم وخلال ربع قرن من الزمان لم يكن الاعتداء على المال العام محرما في نظركم ؟ ام ان الفترة المسموح خلالها بالاعتداء على المال العام انتهت بإنتهاء عهد التمكين؟كما ان رجال الدين في بلدنا والذين نكن لهم كل تقدير واحترام ظل معظمهم صامتين بينما انشغل اخرون بقضايا ثانوية كختان الاناث وزواج القاصرات ومارسوا اضعف الايمان في قضايا كبيرة هي السبب الرئيسي في تدهور اقتصادنا وانعدام الخدمات في مدننا وظهور طبقة طفيلية تتمتع بحياة رغدة دون احساس بمن حولهم من عامة الشعب فحياتهم في اللاشعور واكبر دليل على ذلك تصريحات كثير من المسئولين من على شاكلة تصريحات ربيع عبدالعاطي ومصطفى عثمان ومهدي ابراهيم وغيرهم ممن يسمون بقيادي بامؤتمر الوطني. ان ربع قرن من الزمان من تاريخ بلدنا الحبيبة كانت فترة مظلمة فقدنا فيها جزء عزيز من بلدنا باعتباره مهرا للسلام المزعوم الذي لم يتحقق ووصل فيها اقتصاد البلد الي مرحلة كارثية وتوقفت كل المشاريع المنتجة بل وانهارت معظم مؤسسات الدولة وتبع ذلك تدهور بل وانعدام الخدمات الاساسية في كثير من اقاليم البلاد كالتعليم والصحة وخدمات المياه والكهرباء وحتى الامن في بعض مناطق البلاد وصارت الاخفاقات المتكررة وعجز النظام عن توفير حياة كريمة للمواطنين ولو في ادنى درجاتها صارت انجازات ونقلة نوعية للمواطن السوداني في نظر المسئولين فقد عرفنا الهوت دوق والبيتزا في عهدهم وارتفع دخل الفرد الي 1800 دولار كما انهم متعوا الشعب السوداني خلال فترة تدفق النفط بعد ان كنا شحادين قبل قدومهم الميمون كما انهم صبروا علينا كثيرا لاننا شعب مدلل اكثرنا عليهم من مطالبنا فمدوا لنا حبال الصبر حتى وصلنا الي مرحلة الترف فكان الاولى بنا كشعب ان نصبر عليهم ايضا اعترافا برد الجميل خلال هذه الفترة العصيبة انتظارا لفرج ياتي من رحم الغيب فهل نحن فاعلون؟ اللهم هذا حالنا بين يديك وهذا ضعفنا لايخفى عليك فارحمنا برحمة من عندك وارفع عنا الوباء والغلاء ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا والله المستعان وعليه التكلان. مجذوب محمد عبدالرحيم منصور [email protected]