شاهد بالفيديو.. (ما تمشي.. يشيلوا المدرسين كلهم ويخلوك انت بس) طلاب بمدرسة إبتدائية بالسودان يرفضون مغادرة معلمهم بعد أن قامت الوزارة بنقله ويتمسكون به في مشهد مؤثر    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    شاهد بالفيديو.. مطرب سوداني يرد على سخرية الجمهور بعد أن شبهه بقائد الدعم السريع: (بالنسبة للناس البتقول بشبه حميدتي.. ركزوا مع الفلجة قبل أعمل تقويم)    الخرطوم وأنقرة .. من ذاكرة التاريخ إلى الأمن والتنمية    السودان يعرب عن قلقه البالغ إزاء التطورات والإجراءات الاحادية التي قام بها المجلس الإنتقالي الجنوبي في محافظتي المهرة وحضرموت في اليمن    "صومالاند حضرموت الساحلية" ليست صدفة!    مدرب المنتخب السوداني : مباراة غينيا ستكون صعبة    لميس الحديدي في منشورها الأول بعد الطلاق من عمرو أديب    شاهد بالفيديو.. مشجعة المنتخب السوداني الحسناء التي اشتهرت بالبكاء في المدرجات تعود لأرض الوطن وتوثق لجمال الطبيعة بسنكات    تحولا لحالة يرثى لها.. شاهد أحدث صور لملاعب القمة السودانية الهلال والمريخ "الجوهرة" و "القلعة الحمراء"    الجيش في السودان يصدر بيانًا حول استهداف"حامية"    رقم تاريخي وآخر سلبي لياسين بونو في مباراة المغرب ومالي    شرطة ولاية القضارف تضع حدًا للنشاط الإجرامي لعصابة نهب بالمشروعات الزراعية    استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وراء تزايد تشتت انتباه المراهقين    بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    استقبال رسمي وشعبي لبعثة القوز بدنقلا    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    قبور مرعبة وخطيرة!    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعلان زواج تأخر كثيرا
نشر في الراكوبة يوم 13 - 05 - 2014

طوى الخطاب بعناية و طبّقه أربع مرات ثم وضعه في ظرف بعناية. وضعه في جيب البدلة الأسفل في الجهة اليمنى. هذا ما توصل إليه أخيرا.ً و هو أن يكتب لها خطاباً خاصا، يشرح لها فيه ما جرى. خاصة انه منذ أن عرف بأن اليوم سيكون هو يوم زفافها لازمه ذلك الأرق المشوّش، و صارت حركاته و سكناته كأنها تتم بأوامر لا تصدر منه. شعر بأنه سنوات عمره خلال أسبوع قد زادت عقدا أو عقدين. لكنه انتبه فجأة. كيف سيرسل لها الكتاب؟
كان هو معروف لدى الجميع بأنه منظم في مواعيده و في ملبسه و في حاجياته ، و في كل اموره . إلا أنه منذ أن نما إلى علمه خبر زفافها لم يعد بأنه في حاجة إلى نظام أو ترتيب. بل بدأ يشعر بأن الكون كله قد أصبح يسير بلا نظام أو ترتيب.
كان ذلك منذ عشرين سنة انقضت. و قد كان في مقتبل العمر و اليوم تعدى عمره الخمسين عاما.كانت هي ( بل لا زالت) في كامل ملاحتها، و كامل أناقتها و بهاءها. جئت أنا موظفا جديدا في ذلك المكتب الذي يتبع لتلك الوزارة الكبيرة. كانت هي ضمن مجموعة من الموظفات. و لكنها كانت تمتاز عليهن بودها الذي يهلّ في إشراق من خلال ابتسامتها التي تهل في وجهها فتملاه حبورا و ألقاً. ابتسامة تدعوك لتخطي الحواجز و التكلفة و الدخول في عالمها ذاك العالم الرحيب. الذي تحكي فيه حكاوي طفولتها و بساطة الحياة التي عاشتها في القرية البعيدة الوادعة التي تدلي قدميها صباح مساء في ماء النهر الوادع و هو يحيط خصر قريتها في حنو قريتها الصغيرة.كانت كثيرا ما تحكي بحنان و حسرة عن قريتها و عن طفولتها فيها. و كنا نحن نتحلق في شوق حولها حول طاولتها في نصف دائرة في منتصف المكتب.
كنت أنا ضمن مجموعة من الزملاء الذين كانوا يتحلقون حولها كأنها النواة و كأنهم اليكترونات هائمة في فضائها البهيج. كانوا يتنافسون دون عداء في محاولة التقرب منها و في الفوز بقلبها. كنا جميعا في بدايات الشباب أحلامنا كبيرة و طموحاتنا عريضة. و كان حب الحياة يملأ خياشيمنا و كل أقطار أنفسنا بالأمل. لم يكن الشعور بقصر الحياة يطوف على مخيلتنا إلا نادراً. لم نكن نعي بأن الحياة قصيرة، و لا أن اللقاء لا بد أن يعقبه الفراق. و لم نكن نفكّر بأن كل واحد منا سيختار شخصا واحدا فقط لكي يبني معه عشه. مثلها في ذلك مثل لعبة الكراسي لا بد من أن يجلس في النهاية شخص واحد و الجميع يغادرون اللعبة.
تدرجنا في سلك الوظيفة و ترقينا في الوظائف الإدارية و زادت طموحاتنا و تبلورت رؤيتنا للحياة شيئا فشيئا. و كان لا بد من أن تتخلى عن أشياء لنكتسب أشياء. و أن نختار أشخاص و نتخلى عن أشخاص لندور في فلكهم.
تسللنا تدريجيا جميعا من حياتها كتسرب الماء ببطء من تحت سطح الأرض دون أن تحس. تسللت السنوات فجأة من بين أيدينا. و سافر لبلاد الغربة من سافر. و انتقل إلى مواقع أخرى من انتقل. و ترقى من ترقى، و بقيت هي كما هي، في مكانها. بقيت كما هي في روعتها، و جلالها صامدة تجتر أحلامها لوحدها في صمت. بقيت كما هي كالأيقونة أو كالتاج الذي يكلل قلوبنا. كان كل واحد منا يحتفظ لها بمكان في قلبه يضعها فيه، كتميمة ضد الزمن و ضد الفراق و ضد النسيان.
كان كل واحد من الشلة يعتقد بأنها تحبه هو. و لم يجرؤ أي منا أن يطلبها لنفسه. فهي مهرجان و حفل متاح للجميع. كنا نتسابق لكي نحكي لها الملح و الحكاوي و الطرائف نتلاطف و نتظارف في حضرتها علها تختار واحد منا، أو أملاً في ان يحظى واحد منا بقلبها لوحده. كانت كملكة النحل يتسابق كل الذكور في الخلية للفوز بها.و كانت هي تسعد بهذا الوضع. بل كان يستهويها ذلك فهي محبوبة الجميع.
و كانت عندما تخلو لنفسها تتساءل أيهما يا ترى سيكون من بينهم من سيختارها زوجة. و كانت لا تفتأ أن تتساءل : لا بد في نهاية الأمر أن ينجلي الأمر. لابد من أن يختارني واحد منهم. لكن ايهم سيكون هو البادئ. المهم سأظل محافظة على توازن دقيق في توزيع استلطافي عليهم. كانت جدتي تقول أن الرجال غيرتهم أقل من النساء لكنها أشد فتكاً خاصة إذا اختارت الأنثى واحدا من بين مجموعة.
من حيث الميل فانا أميل إلى حد ما إلى( مصطفى) فهو يهتم بهندامه و بأحاسيس الآخرين. و لكنه لا يبدي شعورا مختلفا عن البقية فهو يبدي إعجابه لكن يغلفه ببعض التحفظ. أما (على) فهو يبدو أكثر انسيابية في مشاعره إضافة إلى أنه لطيف. و لكني أخشى مثل هذا النوع من الرجال الذي يحمل قلبه في يده يقدمه هدية لكل من يقابلها. لكن من يدري لعل الزمن و الارتباط به يجعله أكثر التزاما.
أما أحمد فهو رزين، كثير السرحان و التفكير يكاد إعجابه بي يطل من عينيه العسليتين الكبيرتين و التي أعشقهما. لكنه متردد في قراراته. فاليوم يقرر شيئا و في الغد يتخلّى عنه و يأتي بشيء جديد. لكنه حنون، و من المؤكد أنه سيقدس الارتباط الزوجي في النهاية.
أما حيدر فرغم التصاقه بي و احترامه لكل ما أقول لكني أرى فيه تعنتا في أفكاره و أخشى إن ارتبطت به أن يخنق أحلامي الشابة. و أن يزداد عناده عنادا و حينها سيكون لا مهرب لدي.
كان أكثر المقربين منها في البداية( مصطفى) لكنه كان و يا للمفاجأة! كان أول من قرر أن يتزوج من المجموعة ، و ذلك بعد أن دخل في قصة حب مفاجئة و سريعة . كان يشعر بتأنيب الضمير و أخفى الأمر عن الجميع. إلا أنه عرفوا بالأمر خلال أسبوعين. لم يشأ أن يخبرها. كان محتارا كيف سيسوق لها خبرا كهذا. المهم بعد تردد و نكوص و حيرة نزل الخبر عليها كما توقع كأنه الصاعقة. و هي أكثر من توده و من ترغب في الارتباط به. لكنها في المقابل شعرت بذكاء المرأة و عرفت أن هناك من سرقت قلبه و أنه يعيش قصة حب جارفة. تركته لقلبه و لحبه الجديد. و لم يتغيّر شيء من ناحيتها تجاهه، و لم يتغير شيء من ناحيته تجاهه. و لكن يبدو أن أموره المستجدة كانت تنضج بسرعة و على نار عالية الاشتعال فأعلن نيته في الزواج. شارك الجميع بما فيهم هي في مراسم زواجه و تمنوا له الخير و السعادة و بالتالي كان كورقة سقطت من روزنامة حياتها.
لم يكن هو وحده من سرقت قلبه فتاة من خارج نطاق العمل. تساقط الزملاء واحد تلو الآخر في شباك فتيات و تزوجوا، و بقيت هي. كان الجميع مقتنعا بأنها أفضل من كل من الفتيات التي تزوجها كلا منهم. بل أسرّ بعضهم بذلك علانية و أعلن أكثر من واحد منهم ندمه لأنه لم يختارها زوجة له.
أما أنا فقد تزوجت نعم. لكني سأتزوجها يوما ما. فأنا لست سعيدا في زواجي و قد أنجبت لي زوجتي ابنا و لكن لا مشكلة فمن يرغب في الزواج بحق لا يقف في طريقه شيء. حاول أن يلمّح لها برغبته في ان يتزوجها لكنه شعر بأن ردها كان غير واضح مثل تلميحه هو. ثم انجبت له زوجتي إبنة و لا زال الوضع مع زوجتي كما هو. سافرت و لا زلت أحمل في قلبي رغم السنين بذور حب قديم . و لا أنسى كلما كنت أحضر إلى الوطن أن أزورها في مكتبها فكانت المشاعر هي هي لم تتغير و كانت ملامحها الجميلة تزداد ألقا و فتنة. أجلس معها بالساعات و نتطرق لكل شيء عن الحب و الأغاني و العمل و عن فلان و فلانة...إلخ و لكننا لا نتطرق إلى رغباتنا الحقيقية.
كنت كثيرا ما أسائل نفسي متى ساتخذ القرار الصعب و أطلب يدها. خاصة أن عمرينا قد تعدى الأربعين بل يزيد. و لا زالت لواعج العشق الخفي و الإعجاب تطل في عيوني رغم عني و لا أقول تفضحني.
و في المقابل كانت هي بطبيعة الحال تتسآل في صمت. كل من حولي انفضوا. و كونوا أسراً و انجبوا البنين و تركوني أسيرة احلامي التي لن تتحقق. أحلامي في أن يكون لي زوج و أسرة. لماذا المرأة لا تختار من تحبه مثل الرجل؟ لماذا لا تكشف عمن تود أن يكون فارس أحلامها؟ الآن صرت في هذا السن سأقبل بكل من يطلب يدي لكن واقعيين لا خيار لي في ذلك انتهي عهد الاختيار بالنسبة لي.
رجعت أنا إلى الوطن هذا العام و كلي عزم في أن أطلب يدها بالرغم من أنني متزوج و لي أبناء هم في طور المراهقة. قد أتعرض للانتقاد من هنا و هناك و قد يقولوا متهور و قد يقول البعض مجنون و قد يقول البعض قرار يفتقر للحكمة و لكني ألست مقتنع بذلك ؟ فزوجتي لها أن تقرر ما تراه فقد تغضب ثم ترجع مكرهة ابنائي هم أبنائي في النهاية ثم أنا لا احتالج إليهم في شيء على الأقل في الوقت الحالي بل هم من يحتاجون إلي.
زرتها و تفحصت ملامحها بهدوء و تروي كأني أريد أن أتأكد من صدق مشاعري. و من أنها لا زالت تحمل لي ودا و أنها لن ترفض طلبي. قضيت معها حوال نصف الساعة، و أودعت يدي في كفها مودعا ليس كما كنت أفعل دائماً. و كأنني أوعدها بانتظار قرار وشيك مني سوف يفرحها. و ودعتها متمهلا، و شعرت كأن في عينيها نداء غامضا و توسلا خفيا. و لكنه قد يكون ذلك مجرد أوهام من جانبي . و دعتها واعداً إياها بعودة وشيكة.
كنت قد سافرت إلى بلاد الغربة و أنا أحسب لكل شيء عدته و أرتب أشيائي في هدوء و خفية. لم أصرح لها بشيء حتى الآن لكنها بلا شك تعرف و تشعر بأن قلب المرأة لا يخذلها في التنبوء بمثل هذه الأشياء. و أنا صديق قديم فكل شيء سيكون سلسا. أول الشهر القادم سأكتب لها بالإيميل رسالة مختصرة فحواها هي تعرفه مقدما و من المؤكد أنها تشعر به. الرسائل بيننا لم تكن كثيرة بل متباعدة إلى حد ما. كانت الرسائل محاولة للإبقاء على الود القديم و تمسّكاً بالحفاظ على وشائج لا أود أن تنقطع العميق. كانت الرسائل تؤدي عدة وظائف لا بد منها.إذ كانت تربط الزملاء القدامى. و تنقل إلينا و لبقية زملائي أهم محطات حياتها، زواج شقيقها ، ترقيّها في العمل، سفرها لحضور دورة تدريبية في الخارج، زواج إبن إختها...إلخ. و بالرغم من أنني كنت أرسل إليها الرسائل لكنني كنت أتحفظ في أن يبدر مني ما يجرح مشاعرها. فلا أحدثها بشيء عن زوجتي أو مراحل دراسة أولادي و نحو ذلك.
كانت هي ذكية بما يكفي لكي تعرف الحرب الخفية التي تدور في دواخله. تنظر إليه في صمت و تشعر بزهو انثوي صامت كذلك.
كانت أحيانا تفكّر و تحلل و تسرح... اتاني أحمد الأسبوع الماضي لاحظت في عيونه الرغبة و الهروب، كنت أطالع فيهما التردد و الإقدام و أنظر فيهما التقدم و أرصد فيهما التراجع. إنني خبيرة في قراءة ما يدور في الدواخل. و هل تحتاج قراءة العيون إلى خبير؟ . لعله ذلك شيء طبيعي لمن هو في وضعه. منذ أن عرفته لم أحاول أن استخدم معه أي أسلحة متاحة لي كأنثى، ليس لأنها صارت محدودة التأثير بفعل السن و الزمن، أو لأنها أصبحت سلاح غير ماضي. و إنما لأنها ليست مجدية في مثل حالته .كما لن تكون قوية التأثير عليه كما كانت في بداية تعارفنا. و فوق كل ذلك فهو غارق في مسئولياته و التزاماته الأسرية و محاصر بقيود الزوجة و الأبناء و لا أريد أن أضايقه.
لقد أصبحت مؤخرا أكثر واقعية في أفكارها و أحلامها. فقد صارت و كأنها في مواجهة صريحة و مفتوحة مع النفس. خاصة بعد أن اقتنعت بأنها الآن كما تقول: قد اصبحت في سن لا يتيح لي الاختيار كما ليس لدي الخيار فسأستجيب لأول طارق. إن (أحمد) كما أعرفه يبدو مترددا. سأنتظر حتى نهاية الجولة حيث يبدو أنه سيكشف قريبا عن مشاعره لي.. لكنه ..متردد. و إنني أجد له العذر. فمن يكون مثله ينعم بدفء الحياة الزوجية (حقيقة أو افتراضاً) و دثارها المخملي ، يصعب عليه التنازل عن ذلك الوضع إلا بثمن باهظ. حيث أن التطلع لإمراة أخرى يتطلب شيئا من الجرأة و المغامرة. فهل يا ترى يستطيع هو أن يتحلل من أغلاله؟.ثم هناك سؤال آخر دائما ما يلح علي:هل تتجمد مشاعر و ميول الرجل حو المرأة بعد الخمسين نحو علاقة حب جديدة أو بالتحديد نحو إحياء علاقة قديمة؟ إنني أشعر بأن احساسي كأنثى لم يزل كما هو لم يتغير و سينفض عن نفسه غبار النسيان عند أول من يرفع عنه ركام النسيان.
لقد ودّعني أحمد في زيارته الأخيرة و كان كأنه يعتذر لي. أكاد أقرأ في عيونه الشوق و الرغبة و ظل اعتذار خفيف يبرق في لمعة عينيه. و دعته كما كنت دائما بحرارة و بإبداء اهتمام لم يتغيّر مذ عرفته و كما كنت أفعل دائما معه طيلة معرفتي به. و هو يستحق ذلك.
و دعها أحمد و ذهب. غادر مكتبها و كان كمن يحمل خطواته مجبرا و هو يتسلل بعيدا عنه. كان يحاول أن يستصحب معه كل ذكريات اللقاء. و بدأ يفكّر في داخله بشيء من الحسم و كأنه اتخذ قرارا. سوف أضع نهاية لإعجاب و لمشاعر معتقة أحملها لها. هي أحاسيس ليست بخافية على أي منا و إن كنا نظن بأننا نخفيها بين جوانحنا فهي تطفو رغما عنّا في لمعة العين، في ارتعاشة الأيدي و في شبح ابتسامة نخفي بها ترددنا. مشاعر تبدو بالرغم منا في النظرات الحنونة التي تفتش في العيون و الملامح عن مراسي لعذاباتنا و عن آفاق نرسل نحوها شعاع أحلامنا و تبحث عن قلوب ندرك أو نتمنى أن تكون محط أمين لأسرارنا و أحلامنا التي نكتمها في دواخلنا.
اتخذ قراره بينه و بين نفسه. سوف يعلن لها بأنه قرر أن يتزوجها. متوجا بذلك علاقة ود قديم كان يكتمه بصعوبة. سوف يفاجئها بالخبر السعيد الأسبوع القادم.
كلها أيام و سأعلن لك حبا مكتوما لأكثر من عشرين سنة دون داع. سوف اسعد دواخلها بما تستحق أن تفرح به منذ عقدين. فمثلك لا يستحق أن يترك هكذا هائمة في صحراء الأحلام و وواحات السراب، تائهة هكذا سنين عددا.
في نهاية الأسبوع جاءني تنبيه يعلن عن وصول رسالة عرفتها أنها منها: فتحت الرسالة بعد أن وجدت اسمها و بدأت في قراءتها. و لكن كنت كأني لم أقرأ شيئا، أو لم أفهم أو استوعب شيئا مما قرأت.استحالت الكتابة حروفاً بدون معنى. تنهدت لأريح نفسي. و اعدت قراءة الرسالة. كانت الرسالة عبارة عن سطر واحد من خمسة كلمات: الأسبوع القادم سيكون عقد زواجي. أدعو لي بالتوفيق.
هكذا خمسة كلمات باترة. بضع كلمات اختصرت تاريخ من العلاقة الغريبة التي تراوحت بين الحب و الإعجاب و الرغبة و التردد و الخوف و بين الحوار الصامت بين قلبين عشق كل منهما الآخر و لكنه لم تواتيه الشجاعة لكي يلقي إليها ببوح صريح عن مكنونات قلبيهما.
قرر أخيرا أن يكتب لها رسالة يكشف لها فيها ما كان قد قرره عله يكفّر عن تردده و عن الخطوة التي تأخر في الإعلان عنها. رسالة يود أن يبعثها له علها تواسيها و تكون لها زاد في حياتها الجديدة التي خرج منها فجأة بعد أن قرر أخيرا أن يكون جزء منها.
لم يستطع أن يكتب إلا بضع أسطر.
عادت من شهر العسل. و بعد أيام قررت أن تفتح بريدها لكي تستأنف حياتها من جديد.و وجدت رسالته .ظنتها رسالة تهنئة منه باعتباره زميل و رفيق عمل أثير و قديم. بدأت في قراءة الرساة إلى أن وصلت إلى:
( كنت قد قررت أن أطلب يدك و لكن.....) لم تكمل الرسالة تراجعت في جلستها للخلف ثم ابتسمت ابتسامة ساخرة.
محمد عبدالله الحسبن/ الدوحة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.