* قيل في الغزل: "لا يعرف الشوق إلا من يكابده.. ولا الصبابة إلا من يعانيها". * وفي أمثالنا الشعبية: "الجاياك ما بتختاك"! * بلسان من ذاقوا المكابدة وتحملوا لوعة فقد الأحبة، نقول إن الخبر الذي بشّر به الأستاذ بدر الدين محمود وزير المالية أهالي ولايتي الجزيرة ونهر النيل باعتماد ميزانية توسعة طريقي مدني الخرطوم، والتحدي (الخرطوم، شندي، عطبرة)، شرح قلوب الملايين، وفرّج كُرب المكتوين بنيران أسوأ طريقين في العالم أجمع. * طريقان خطيران، يندر أن تخلو دار في الولايتين المذكورتين من ضحيةٍ قضت نحبها، أو أحبة تحطمت أطرافهم، أو تهشمت عظامهم، وسالت دماؤهم فيهما. * طريقان قميئان، لهما نهمٌ للدماء لا يشبع، وتوقٌ إلى الأشلاء لا يفتر. * لا تكاد تمر ساعة من دون أن يشهدا حوادث قاتلة، تحمل في جوفها الموت الزؤام. * لا يعرف قيمة ذلك الخبر إلا من كابد ويلات ارتياد طريقي (الموت السريع)، وعانى مرارة حوادثهما المروعة، التي قلما ينجو من يقع في شراكهما من الموت، أو الإعاقة الدائمة. * ظل أهل ولايتي نهر النيل والجزيرة يسلكون الطريقين مضطرين، مكرهين، مكروبين، لا يستقرون من البلوى على حال. * يرتادونهما متوكلين على الحي الذي لا يموت، ويصبرون أنفسهم بمقولة: "الجاياك ما بتختاك"، لأن الداخل إليهما مفقود، والعائد منهما مولود. * يمتطون دواب الحديد، ويقع الآلاف منهم فريسة لعناقٍ قاتل، يلتحم بموجبه الحديد مع الحديد، فيرتوي الأسفلت القاسي بالدماء، وتزهق الأرواح، وتتعالى الآهات، وتتناسل المعاناة النفسية والجسدية. * سلكت ذات مرةٍ طريق شرق النيل الجديد من الخرطوم إلى رفاعة، وصولاً إلى مدني عن طريق حنتوب الجميلة، فسألت نفسي: ألم يكن من الأجدى للحكومة أن ترصف هذا الطريق بجوار طريق مدني الخرطوم القديم، لتفض اشتباك (رايح جايي)، وتعفي المواطنين من شرور حوادث التصادم القاتلة، بدلاً من إنفاق المال على طريق جديد (قليل الحركة) في شرق النيل؟ * اهترأ أسفلت طريق التحدي بسبب كثرة حركة الشاحنات فيه، وبرزت في وجهه الشقوق والأخاديد، وبات بحاجةٍ ماسةٍ إلى صيانةٍ عاجلة. * لذلك نرجو أن يتم تنفيذ مشروع التوسعة بالمواصفاتٍ المطلوبة في طرق المرور السريع عالمياً، ليحوي كل اتجاهٍ ثلاثة أو أربعة اتجاهات، ويتم فصله تماماً عن الاتجاه الآخر. * إضافة ثلاثة أو أربعة أمتار للطريق، مع إبقائه مفتوحاً للسيارات المتقابلة قد يقلص عدد الحوادث، لكنه لن يقضي عليها. * لذلك نرجو من الأستاذ بدر الدين محمود وزير المالية، والأستاذ أحمد بابكر نهار وزير الطرق والجسور وولاة الخرطوم والجزيرة ونهر النيل أن يجتهدوا لتنفيذ الطريقين بمواصفات دولية، وأن تتم إنارتهما بالكامل. * خبر اعتزام الحكومة إعادة النظر في الطريقين الخطيرين يستوجب الاحتفاء، لأن إحصائيات شرطة المرور السريع أوضحت بجلاء أن عدد السودانيين الذين قضوا نحبهم في حوادث الطرق يفوق عدد من فقدوا أرواحهم في كل الحروب التي نشبت في تاريخ السودان الحديث. * قرأنا الخبر السعيد مقروناً بتصريحٍ مفرح لوزير المالية فرددنا في سرنا وجهرنا: "خشمك فيهو اللبن يا سعادة الوزير اليوم التالي