الحوار هو أنجع طريقة يمكن أن تساعدنا بالتفاهم في التوصل للحقيقة لحل جميع مشكلاتنا. فلابد أن تتوفر فيه إذن الشفافية والمساواة بين المتحاورين لتحقيق العدالة التحاورية. ولذلك فإن أهم مبدأ في الحوار هو ان تضع نفسك مكان الشخص الآخر وتحاوره بنفس الطريقة التي تريد ان يحاورك بها لينتج حوار بناء يخلو من لغة الإستعلاء. فالحوار الصحيح ينتح حلولا صحيحة وفشل الحوار يعني الفشل في أسس ولغة الحوار. فالأسس يجب أن تعتمد على المساواة بين المتحاورين. أما اللغة يجب أن تكون مبنية على الشعور بالآخر وإمتصاص غضبه والإقناع بعيدا عن العنف اللفظي والتهديد والوعيد، مع إنتفاء النرجسية نهائيا خصوصا من الذي أراد ويدير الحوار. يقول الباحث الأمريكي فبلن: إن الأشخاص الذين يستخدمون الكلمات الغامضة والمصطلحات الغريبة في حديثهم غالبا ما يتسترون على ضعف ما في نفوسهم. فكلما قلت معلومات شخص ما وإضمحلت ثقافته لجأ إلى المصطلحات الغامضة ليسد بها عقدة كامنة في أغوار نفسه تحفزه دوما نحو التميز والإستعلاء. وهذا ما برز من أول خطاب الوثبة الذي دعا فيه الرئيس (الذي لا يمثلني) للحوار وهدد ووعد بلغة الإندغام. إن إنسحاب حزب الأمة وحركة الإصلاح وعدم وجود الحزب الشيوعي من الأساس والجبهة الثورية نتاج حتمي لمآل إنهيار الحوار. فكيف تبدأ حوار مع الأطراف وانت تريد أن تمثل الشيخ الوصي وتتحكم في رقاب الناس للهيمنة على جميع المتحاورين ليتقيد الحوار ويصبح كالحمار الذي يساق إلى أهداف مسبقة، أو إلى مكان ما تريد أن يربط قائلا للجميع المثل: "أربط الحمار محل ما صاحبه يريد". كان من المفترض قبل بدء الحوار الإعتراف الصريح بالفشل والإخفاق في إدارة البلاد لربع قرن من الزمان وإلتماس الإعتذار عن تشريد المواطنين من وظائفهم وتفشي الفساد في جميع المناحي والدخول في حروب داخلية كثيرة قتلت مئات الألاف وشردت الملايين وفوق ذلك التفريط في تراب الأرض وشطر الوطن إلى نصفين. ثم كان من الواجب إعلان الإستعداد للمحاسبة عن كل تلك الجرائم لمن يتورط فيها. ولكن لم يحدث ولا أقل من ذلك، بل بدأ الحوار والقتل والتشريد والإغتصاب مستمر وبصورة أفظع بمليشيات الجنجويد أو ما يسمونها بقوات التدخل السريع. فكيف يتم الحوار في هذه الأجواء وهناك من يستعلى ويزهق الأرواح ويروع الأبرياء ليكون ورقة ضغط له في الحوار. فيبدوا إنهم يحسبونه حمارا فعلا ويعملون بنظرية تحريك البعير: "دق القراف خلي الجمل يخاف". والأنكى هو إعتقال كل من يتحدث عن تلك الجرائم ومنع الصحافة عن التحدث في المعضلات كالفساد المتعفن وعن كل تلك القضايا الوطنية. نتمنى أن يحل الحوار مشاكلنا ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه خصوصا إذا كان في المتحاورين الرقعاء والإستغلاليين والأغبياء والأغرار الذين لا يقبلون النقد والأنانيين الذين يضعون مصالحهم الحزبية فوق مصلحة الوطن والشعب المغلوب على أمره. فالرقعاء يثيرون الفوضى ويغضبون بسرعة ويتوسلون للرضا بعدما تهدأ أنفسهم. أما الإستغلاليون فهم يتربصون بمكان الكتف عندما يجلس المتحاورون في مائدة الحوار. واما الأغبياء فهم ك"تمامة الجرتق" أو كأبطال أفلام الكرتون" الذين يدورون في حلقة مفرغة. واما الأنانيون فهم يدعون إلى الحوار عندما يكونون في حاجة إليه، ولكن عندما تنتهي حاجتهم يسدون تلك بطينة والاخرى بعجينة ثم يمطون شفاههم تطاولا بأعناقهم للتحكم في الرقاب ولي عنق الحقيقة. فالحوار بين هؤلاء لا يسعنا إلا أن نسميه حوار الطرش والذي يخلو من التعاطي الإيجابي أو أي تقدم. فكل واحد يقف في مكان مختلف وله حوار يسرح به في وادي. فهذا الحوار في وادي، والثاني في وادي آخر. فهذه هي العقبة، وما أدراك ما العقبة. فهي التي تتسبب في فشله وإنهياره تدريجيا ولا يمكن أن تقتحم ولا تجتاز إلا بفك تلك الرقبة. [email protected]