يقول الله تعالى: ((يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم* تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون)) [الصف: 12]. ويقول: ((إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور)) [فاطر: 29]. ويقول: ((إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)) [التوبة: 111]. إذن الله تعالى يحترم التجارة وقانونها، ويعتبر طريقتها أساسا للدين والإيمان. فالمؤمن يقدم نفسه وماله بين يدي الله كثمن لما يريد أن يشتريه من رب العزة –البائع- على سبيل شراء سلعة الله. وما قدمه قد يرتد عليه من الله تعالى أرباحا مضاعفة. وسبحان الله، فالله واهب الحياة للإنسان وخالقه من عدم ولم يك شيئا ورازقه من غير حساب يطلب منه أن يشتري سلعة وهو الغني أساسا وغير محتاج أصلا لزبائن يشترون بضاعته. بل ويقول عن ما يقدمه قرضا حسنا وذلك لأنه رب كريم، رحيم. فقد وضح لنا مراده كأنها تجارة على سبيل ما نفهم، ولله المثل الأعلى. و الغريب أن الكثير لا يفهم كنه هذه التجارة ذات الأرباح المضاعفة التي تعم بفائدتها على المشتري ولا يتضرر ولا ينتفع بها البائع بتاتا. فقد صاروا يطمعون بالحصول على الجنة عن طريق الدعاء والعبادة لا عن طريق العمل والإنفاق (بالنفس والمال- وليس باللسان) الذي أقره الله تعالى في تجارته. فكأنهم يحسبون إن الله تعالى كالتاجر الذي تبور تجارته إذا لم يكون لديه زبائن يشترون سلعته، أو كالسلطان الذي يتزلف له الشعراء بقصائد المدح وتتذلل له الرعية لنيل رضاه بالكلام وطق الحنك. فالله تعالى أجل من أن يستهويه التملق أو يستميله الرياء أو ينخدع بالنفاق. إن تجارة الله تحتاج للمثابرة والإحسان للآخر بمثل ما يفعل رب هذه التجارة الذي يعطي الأجر للأجير وهو لا يحتاج للأجير ولا لسعيه ليتزلف به إليه. ((ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد)) [لقمان: 12]. ((إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا)) [الإنسان: 22]. ومثل ما أوضحنا من قبل فإن الشكر غير الحمد. فالله تعالى يريد لهذا المشتري-الأجير أن يحسن بسعيه على الآخرين بمثل ما يفعل هو (سبحانه) بالإحسان إليه، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان. والذين لا يفهمون تجارة الله جعلوا تجارته سبحانه حكرا لهم أو وسطاء ليديروا أعماله، بل ودخلوا معه كوسطاء صرحاء بمبدأ شركاء لا أجراء –أعوذ بالله-. فهم يريدون أن يكونوا سماسرة لأعمال العباد ووسيطا دائما بينهم وبين الله. ويعتبرون الكلام والعبارات والشعارات والدعاء والبكاء ورفع سباباتهم لعنان السماء والصراخ ملأ شدقيهم: "هي لله..هي لله"، هو ما يريده الله، وبالمقابل عينهم على مردود ذلك كمكاسب وأرباح دنيوية بالتمكين والسيطرة على الناس سياسيا وإقتصاديا ليعيشوا هم حياة طيبة وسعيدة ورغدة والبقية التي لا تنصاع لهم عليها أن تعيش في ضنك لأنها لا تعبد الله حق عبادته. وبعد ذلك يتوقعون في الآخرة دخول جنات عدن وحور عين وغلمان مخلدون ولهم فيها كل ما يشتهون. فهؤلاء يتاجرون بالدين، بل ويتلاعبون به لأنهم وضعوا أنفسهم في مكان الله عز وجل كمدير لتجارته - والعياذ بالله. هؤلاء هم من يقولون لك إنهم إسلاميون أو حركة إسلامية أو أي تنظيم أو حركة تدعي إنها تفعل كل ما تفعل لإقامة الدولة الإسلامية التي يريدها الله. فتراهم يصعدون المنابر ويخرجون باليل والنهار في القنوات الفضائية بالبرامج الدينية المختلفة للترويج لبضاعتهم الفاسدة. أول أساليب دعايتهم التجارية هو الإطلالة عليك بأشكال معينة وألسنتهم مسنونة بسكين قال الله وقال الرسول ليوهموك بأنهم يعرفون الدين وهم أفضل من يتحدث بإسمه. ثم يعملون عليك بالتأثير الإيحائي بأنهم يمثلون الإسلام الصحيح. ومن ثم تسلم بأن كل ما يقوله هذا الشيخ صحيحا وهو من الدين. وهذا كله يتخلله إعجاب ثم متابعة لهذا الشيخ فقط ومن ثم تقديس لشخصه. ثم تعتقد إن كل من يختلف مع هؤلاء الشيوخ هو فى الحقيقة ضد الإسلام ويحارب هذا الدين. وإذا لم تقف معهم وتنتصر لهم فإنك تشارك فى الحرب على الإسلام، ولا تريد الشريعة ولا رفعة الدين. ولكن إذا ناصرتهم ووقفت معهم فسيرضى الله عليك ويبارك لك في رزقك وصحتك ومالك وأولادك لأنك نصرت الإسلام. فهذا جزاء الدنيا، أما جزاء الآخرة فهو أن الله سيدخلك جنة عرضها كعرض السماء والأرض لأن مفاتيحها لديهم. فمن هنا تكمن خطورة التجارة التي تتحول إلى نصب باسم الإسلام وخداع بإسم الدين. وتجدهم يتحدثون عن الأعداء الذين يحاربون الإسلام وأنك لا بد أن ترفع راية الإسلام لإقامة الدولة الإسلامية وتدافع عن نبيك الذي يهينونه فى الغرب، أو عن الدين الذي يحاربه العلمانيون فى الداخل. ويأتون لك بالمواعظ الرنانة والفتاوي المضحكة لكي لا تلتفت من قريب أو بعيد لما يعانيه الناس من فساد وظلم وإستعباد، وتسعى بالإحسان كما أحسن الله إليك. ولكن دعني أقول لك صراحة إن هذا إحتيال ونصب، وهذه هي التجارة بالدين. وللأسف إن هؤلاء النصابين يجدون دوما زبائن كرام يقتنعون بهم، سيما الذين تغلب عليهم عاطفتهم الدينية فينجرون وراء تجارتهم. وكيف لا وهنالك أساسا الكثير من البروفيسرات، والدكاترة والأفندية يتبنون فكرة النصابين فيخدعون معهم من البسطاء الكثير. ثم إن المحتال والتاجر الشاطر لا يعدم موهبة التسويق لبضاعته وإن كانت فاسدة. فهو يملك ميزة فى إقناع الناس وقدرة كبيرة على جذب اهتمامهم وتليين عقلوهم لشراء ما يقدم. ربما تقول لي: هذا كان زمان، ولكني أرد عليك بأن هذا يحدث إلى الآن وفي كل الأزمان، وسيظل يحدث مع الكثير ومعك أنت أيضا. فأنت والكثير أمثالك متدينون ولديهم شعور جياش بالدين، ولكن أغلبهم ليسوا واثقين في دينهم بما فيه الكفاية ليستطيعوا أن يوقفوا أي أحد يدعي إنه عالم أو داعية يأتي بالحديث والآية والحكاية. وفي حين إنك تستمع ولا تستطيع أن ترد يكون هذا التجار المدعي قد حفر نفقا لتجارته في دماغك وانت لا تشعر. ولذلك فإن الأفضل لك أن تكون منتبها وواعيا لأمثال هؤلاء التجار المحتالون. ومن الأمثلة التاريخية الكبيرة الحروب الصليبية. فهل تعلم إنها قامت بسبب تجار الدين فى أوروبا الذين زعموا تعرض قبر المسيح للتخريب في الأراضي المقدسة. فحينها قاموا برفع الصليب وأعلنوا الحرب على المسلمين بإسم الدين المسيحي والحفاظ على الدولة المسيحية. وقد صدق المساكين تجار الدين الصليبيين كما يصدق الآن تجار الدين الإسلاميين المتمسحين بالإسلام والذين يحاربون الناس لإقامة دولة إسلامية. أفليس كلاهما تاجرا يبيع بضاعة ويوهم زبائنه أنه المدافع عن الدين الحق فى مواجهة أعدائه، ويجعله ألعوبة وأداة للفتنة. والأدهى والأمر إنهم يقومون بالتجارة بين المسلمين أنفسهم والتي لا تحدث إلا تفريقهم لطوائف ومذاهب وتشجع الإقتتال بينهم كما يحدث بين السنة والشيعة!. وأوضح لك مثال قريب بما ظللنا نعانيه نحن كشعب من الإسلاميين وحركتهم المشئومة. فقد أفسدوا الديمقراطية وأشعلوا الحروب في الوطن وشطروه نصفين وكأن شئ لم يكن. بل وما زالوا يتبجحون بنصرة الإسلام والدين. وإذا إعترض عليهم أحد يتهمونه بالكفر والخروج عن الملة ومحاربة المشروع الحضاري الإسلامي. وإذا سألتهم ماهو المشروع الحضاري وأين تحقق أساسا في ناريخ المسلمين مطوا شفاههم غرورا وأخرجوا سباباتهم ليبيعوا التزييف. فهل يريدون تطبيق الدولة الإسلامية بمشروع يزيد بن معاوية الذي إستباح المدينة لمدة ثلاثة أيام فأغتصب جنوده ألف امرأة وقتلوا آلافا من أبناء المهاجرين والأنصار وأغرقوا المسجد النبوي في بحر من الدماء حتى منعت فيه الصلاة حتى يقمع الثورة التي أتت بعد مقتل الإمام الحسين!!. أم مشروعهم هو تحويل الحكم إلى شمولي إستبدادي لتستعر الحروب العقدية أكثر بين المواطنين، ويستمروا في تجارتهم ليمتزق البلد فلا تقوم له قائمة أبدا. لقد حكم هؤلاء التجار بالغصب ربع قرن من الزمان، أوليس مشروعهم يشبه مشروع تجار الدين السابقين الذين أعدموا المعارضين والعلماء وزجوا بهم فى السجون، ثم إلتفتوا إلى ملذاتهم فشيدوا القصور الفخيمة وملأؤها بالجواري والغلمان. أليس هذا هو نفس المشروع الحضاري الذي يسير به الإسلاميون الآن. للأسف فإن الكثير لا يعرف عن تجار الدين هذه البضاعة الفاسدة التي تخفى بالترويج لشعارات فقط وبإستغلال جهل المشترين وسذاجة الزبائن الذين لا يعلمون أن الإسلام عانى منذ العصر الأول من تجار الدين وتوالت مأساته إلى يومنا هذا. ثم بعد ذلك يتيمموا الخبيث منها ينفقون. لابد لك أن تفرق بين تجارة الله التي يدعوك فيها المولى عز وجل أنت فقط بنفسك ومالك، وبين تجارة تجار الدين - من حركات إسلامية، من أخوان وسلفيين وداعش لبوكو حرام، وكل من لف لفهم- الذين يريدون إستخدامك وإستغلالك للحصول على مكاسبهم الشخصية والحزبية والدنيوية بإسم الدين. إن التجارة بالدين هى أسهل وأسرع تجارة فاسدة رائجة في الدنيا. ولذلك ففيها أكبر التجار المحتالين و أكثر الزبائن المغفلين على وجه الأرض. سيف الحق حسن [email protected]