كتب الزميل علي البصير قبل أيام قليلة عن داعية محتال يعظ في المساجد فيثير العواطف الدينية وربما يُدمع الحاضرين تأثرًا بما يحكيه من سِير السلف الصالح والعِبر والعذاب الذي ينتظر العصاة، لكنه ما إن انتهي من موعظته المؤثرة إلا وقام بإخراج أوراق مصوَّرة «فوتو كوبي» فيحث المصلين على ضرورة التبرع لتشييد مركز إسلامي في إحدى المناطق لكن لسوء حظ المحتال شك في أمره أحد المصلين من أصحاب الفراسة فاستلم منه الأوراق وتفحّصها وسرعان ما اندهش عندما تبيَّن له أن الأوراق قديمة، ولما ضيّق الخناق على «الداعية» المحتال اعترف بأن ظروفه الصعبة أجبرته على الاحتيال وكشف أن الغرة التي تتوسط جبينه قام بنقشها في سوق ليبيا بمبلغ خمسة جنيهات فقط، ويقول الزميل البصير إن بعض المحتالين يعملون غُرتين بدلاً من واحدة طمعًا في مزيد من التأثير وجلب «البنكتوت» لكن بالطبع هذا «الداعية» المحتال ليس هو الوحيد فالكثير من المحتالين اتخذوا المساجد ساحة للتسول باسم الدين فبعضهم يدّعي أن لديه حيرانًا في خلوة ويريد إطعامهم والبعض الآخر يقول إن لديهم مسجدًا لم يكتمل تشييده أو مركزًا إسلاميًا إذا كان «الداعية المحتال أكثر طمعاً، والطريف أنني استمعت يومًا إلى أحد هؤلاء الدعاة المحتالين في أحد المساجد بمدينة الصحافة شرق قبل سنوات يخاطب المصلين بعد صلاة المغرب بأسلوب جاذب جدًا فتسمّر معظم المصلين في أماكنهم لكن بعدما أطال في حديثه أخذ بعض الحاضرين يخرجون من المسجد وكان الخطيب يتابعهم وهم يخرجون، وعندما تزايدت أعدادهم قال متبسِّمًا بخبث «قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذا» في إشارة إلى الآية الكريمة في سورة النور فقد كان الداعية يصاب بالقلق كلما خرج أحد المصلين وربما كان ينظر إلى هيئته حتى يطمئن أنه ليس من الميسورين الذين بإمكانهم تقديم الدعم الذي سيطالب به بعد خطبته مباشرة، مما اضطرّ «الداعية» المحتال أن يُنهي موعظته خوفًا من تسرُّب مزيد من الحضور إلى خارج المسجد فسارع بعرض مسألته التي تحدَّث فيها كعادة المحتالين عن «خلوة» في حاجة إلى الدعم، ويبدو أن تجارة الغرة كلما كانت رائجة زاد بالمقابل «الدعاة» المحتالون، فالغرة أصبحت ترسم على الجبين بطرق مختلفة حسب الطلب، فهناك غرة واحدة وغرتان وربما ثلاثية أيضاً، وهو أمرٌ ربما جعل عباقرة الجبايات في المحليات يسارعون في فرض جبايات على كل غرّة وربما تدخّلت المواصفات وطالبت بفرض مواصفة معينة لرسم الغرة، «وكلو بتمنّو» بالطبع، أما إذا ازدهرت تجارة الغُرة ففي هذه الحالة فربما تُرسي المحليات عطاء غُرر يمكِّنها من احتكار ريع هذه البضاعة الغُرِّية لشركة معيّنة وبما أن الشركة ستكون مطالبة برسوم إنتاج وضريبة أرباح ورسوم نفايات وتشمل نواة البلح المستخدَمة في رسم الغُرر على الجبين بالإضافة إلى رسوم كشف صحي لصانعي الغرر فستضطر بلا شك إلى زيادة أسعار الغُرر والتي سيكون سعرها أعلى لأصحاب اللون الأسمر لأن عمليات الإظهار ستحتاج إلى مجهود أكبر، ومن يدري ربما بعثت صناعة الغُرر تجارة جديدة تتمثل في بيع نواة البلح، الأمر الذي سيدفع بعض المحليات لفرض رسوم على كلِّ نواة أو على الأقل فرض رسوم بالكيلو على كل شحنة، كذلك من المتوقّع أن يستفيد الشماسة من تجارة النواة فهم سسنقِّبون في كل الأماكن التي كان يقام فيها إفطار رمضان في الأحياء السكنية وربما صاح حاج حسن في أبنائه قائلاً: «يا أولاد يا مسانيح ما تمصوا النواة دي كويس خلُّونا نشوف رزقنا» أما حاج حريصة فقد نصب في بيته سلّة كتب عليها «من فضلك ضع النواة هنا»، لكن حاج عثمان قال لأصحاب الغرر المغشوشة «يا ناس عرفنا جبهتكم عملتو ليها غُرة لكن عليّ الطلاق وشّكم ده كان وصّلوه بسد مروي ما بنوِّر».