ستة أعوام بالتمام مضت على رحيل الفنان المبدع عثمان حسين وكأنها ستون عاما-شب هذا العبقري وترعرع في قرية مقاشي قرب كريمة وتشبع كبقية الأطفال من تلك البيئة الغنية بالتراث والفن وبما حبتها الطبيعة من مناظر خلابة تتجلى في لقاء رمال الصحراء الذهبية بخضرة الزرع على ضفاف النيل ولقاء النيل سليل الفراديس بالجروف وأشجار النخيل الباسقة وتشبع هذا الطفل بأصوات القماري وهي تقوقي على أشجار النخيل وبأصوات المداح وهم يعمرون ليالي القرية بحلقات المديح وتشبع ذاك الطفل بأصوات السواقي في الثلث الأخير من ليالي شتاء الشمالية البارد وشنفت أذنية أصوات حيران الخلاوي وهم يرتلون القرآن في ساعات الفجر الأولى-ورحل الطفل عثمان للخرطوم وهو محمل بكل ذاك الإرث وفي الخرطوم عمل في مهنة(الخياطة) وهي مهنة لاتبعد عن عالم الفن كثيرا ونحن نرى شهرة مصممي الأزياء اليوم في أوربا تفوق شهرة الفنانين وظهرت ميول عثمان الفنية مبكرا وأجاد العزف على العود مصاحبا الفنان عبد الحميد يوسف حتى هيأ الله له الإلتحاق بالإذاعة السودانية في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي وكانت أغنيته الأولى(حارم وصلي مالك) بالله تأملوا في تلك العبقرية -فنان مبتدي يظهر بمثل تلك الأغنية الرائعة والتي وضع لها لحنا عبقريا عكس جمال كلمات عتيق -تأمل في المقطع(طرفي إذا تأمل في حسان المواكب وضيا الكواكب والبدر المكمل برضي أراها دونك بل وحياة عيونك أنت لطيف وأجمل)حيث يعبر اللحن عن الصورة أجمل تعبير ومضى هذا العبقري في طريق الفن الأصيل وإلتقى بالشاعر الملهم بازرعة وكانت الحصيلة(القبلة السكرى)و(الوكر المهجور)و(لاتسلني) وغيرها من الروائع التي مازالت تتفوق على ماغني قبلها وبعدها وإستمرت مسيرة النجاح وإلتقى بالشاعر الصوفي قرشي محمد حسن وكانت الحصيلة (الفراش الحائر)و(اللقاء الأول) وغيرها-بالله تأملوا في عبقرية لحن وموسيقى الفراش الحائر وكأنه مزمار ساحر هندي يغازل ذاك الفراش الحائر بنغمات موسيقية ساحرة تتموج لتعبر عن الموقف والكلمات -لم يدرس عثمان الموسيقي ولم تكن تكنلوجيا هندسة الصوت في ذاك الزمن تخرج لنا حتى الآن مثل لحن الفراش الحائر إنها العبقرية والبيئة التي ترعرع فيها عثمان كما ذكرت لكم وإلتقى بعد ذلك بالشاعر المبدع السر دوليب وكانت الحصيلة تلك الدرر الخالدات(مسامحك ياحبيبي)و(ومابصدقكم)و(قلبي فاكرك) وغيرها وإستمرت مسيرة هذا الفنان الملهم وإلتقى بالشاعر الرقيق عوض أحمد خليفة وكانت الحصلة تلك الدرر الجميلة(ربيع الدنيا)و(نورة)و(من أجل حبي) وغيرها وإلتقى بالشاعر الفذ إسماعيل حسن وكانت الحصيلة(عارفنه حبيبي)و(ألمتني) وغيرها وغنى عثمان للشاعر الرقيق عبد المنعم عبد الحي(ناس لالا) وغيرها وغنى للشاعر محمد يوسف موس (أحلى البنات) وغنى للتيجاني يوسف بشير(محراب النيل) والتي أشاد بموسيقاها محمد عبد الوهاب وهي موسيقى تصويرية بديعة تدل على عبقرية عثمان حسين يصور فيها إنسياب مياه النيل وهي تلثم تلك الجروف الوديعة وغنى للوطن(أرضنا الطيبة) وغنى لشعراء أخر كثيرين ويلاحظ بأن عثمان حسين ينتقي الكلمات الرفيعة الجميلة والتي إرتقت بذوق المتلقي السوداني مما جعل تلك الأغنيات خالدة وكلما إستمع إليها الشخص زاد تعلقا بها ولذلك بقيت أغاني هذا الفنان في حين إندثرت أغاني الكثيرين من الفنانين الذين أتوا بعده وقبله وتأموا اليوم في هذا الغناء الغث الركيك الذي يقدم عبر وسائط الإعلام ومن خلال الحفلات حتى أصبح المستمع يتمنى أن تنتهي الأغية أو الحفل بأسرع مايكون أنه فن ساقط وزمان المهازل ويستثنى من ذلك القليل من الفنانين ألاء رحم الله الفنان الملهم عثمان حسين بمثل ماقدم للفن وللأمة السودانية وأسكنه فسيح جناته ولأسرته التحية والتقدير ولسان حالنا يقول(ليه تسيبنا ياحبيبنا) سيد أحمد الخضر- المعمورة الخرطوم سيد أحمد الخضر [email protected]