لم تبارح أزمة السودان في دارفور محلها منذ إنفجرها في 2003م والان تشهد تعقيداً وتصعيداً خطيراً ، مرد ذلك ل "عقلية " نظام المؤتمر الوطني المنتجة للأزمة والممسكة بخيوطها ، والتي إعتمدت الحلول العسكرية الخانقة والسياسات القمعية التي قسمت درافور إثنياً وجهوياً وشجعت وتبني ميليشيات قبلية وتسخيرها في القتال ضد المدنيين العزل ، مما دفع كثير من الضحايا علي حمل السلاح وتكوين حركات مقاتلة لتتسع رقعة الحرب لتشمل المدن الكبيرة في دارفور وكانت النتيجة نزوح الملايين ومقتل الألاف وحرق المئات من القري ، جاء في تقرير لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة ما يلي ( الوضع في دارفور أسوا كارثة إنسانية من صنع البشر في العالم ، الحكومة السودانية وميليشيا الجنجويد مسئولان عن جرائم دولية مثل الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي إرتكبت في دارفور والتي لا تقل عن حرب الإبادة خطورة وبشاعة ) ، هذا الوضع سّود سجل السودان في مجال حقوق الإنسان بموجب الإدانات الكثيرة من لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ، وصدرت قرارات كثيرة من مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة إنتقصت من السيادة في كافة سلطاتها التنفيذية والقضائية والتشريعية وأصبحت البلاد تحت الوصايا . تتحمل الحركات المسلحة في دارفور كطرف ثاني جزء من تأزم الوضع هذا لعدم بلورة كل مطالب الإقليم في وثيقة موحدة وإدماج كافة الحركات في حركة واحدة وعدم مراعاة أصحاب المصلحة " إنسان دارفور" في الإتفاقيات والمفاوضات . في ظل هذا الإخفاق الكبير لنظام المؤتمر الوطني من جانب وعجز الحركات المسلحة من جانب أخر ، كان حزب الأمة القومي يقدم صوت العقل من منصة المسئولية التاريخية يطلق الأفكار والحقائق والحلول التي تخفف معاناة إنسان دارفور وموأساة الضحايا وتقديم المبادرة تلو المبادرة والجلوس في طاولة الحوار مع الحركات الدارفورية والحكومة والمجتمع الدولي للتوصل لحل الأزمة ، لا غرابة في ذلك إذ تمثل قضية دارفور بالنسبة لحزب الامة قضيته المحورية ولم يألوا جهداً في البحث عن مخرج ، عقد عدة ورش عمل لمعالجة الازمة أولها تلك التي عقدت بجامعة الأحفاد في يونيو 2004م وأخرها عقدت أيضاً في نفس الجامعة في فبراير 2013م ، ورحب بالمبادرات الجادة لا سيما إتفاق أبوجا وثيقة هايدلبرج وثيقة الدوحة مع التنبيه الي الثغرات والعيوب وتأكيد إستحقاقات سلام شامل في دارفور، وشّكل حضوراً في كل المنابر والملتقيات والمؤتمرات ، ويكاد لا تخلو خطابات رئيس الحزب في أي مناسبة من إستعراض الشأن الدارفوري منذ إندلاع الحرب الي يومنا هذا ، هذا ما لمسه أحد المراقبين الاجانب للشأن السوداني قائلاً " الناظر لقضية دارفور يري بوضوح أن الصادق المهدي هو المعبر السياسي والإجتماعي للقضية والحركات المسلحة تعبر عن الوضع الأمني والإنساني والحكومة السودانية تعبر عن عمق الأزمة التي وضعت نفسها فيها " . مثّل حزب الأمة علي الدوام الضلع الثالث في قضية دارفور فاعلاً أساسياً يّقيم المستجدات ويقدم الروشتات العلاجية بلا مِّن ولا أذي . من أين جاء هذا اهتمام حزب الامة الكبير بقضية دارفور ؟؟ الإجابة البسيطة لإن دارفور تمثل نفوذ وثقل الحزب وإمتداه التاريخي والجغرافي وقد فاز الحزب في أخر إنتخابات حرة نزيهة ب 34 دائرة من دوائر دارفور ال39 ولو تتبعنا مسيرة التنمية والخدمات والحكم والأمن في دارفور أبان حكومة الديمقراطية الثالثة نجد الإنصاف والإهتمام اللائق من الحكومة بدارفور تقف شاهداً علي ذلك الكتاب الاسود الذي بّين حجم المشاريع التنموية والخدمية والمشاركة الحقيقية في حكم البلاد والامن المستتب ، ولو قارنا ما بين إنجازات سنوات الديمقراطية الثلاثة وإخفاقات سنوات الإنقاذ التي تجاوزت ال25 سنة تكشف حجم الإستهداف السياسي والأمني لإقليم دارفور من قبل الانقانيين . عطفاً علي منطلقات الحزب الفكرية والسياسية القائمة علي محاربة الظلم والعدالة والحرية والكرامة الإنسانية وما حدث في دارفور من إنتهاكات إستنهض الضمير العالمي ناهيك عن سودانيين يؤمنون بعدالة قضيتهم . أياً يكن فحزب الامة وزعيمه الإمام الصادق المهدي يدفع ثمن إرتباطه العضوي والسياسي بقضية دارفور ، الحركات المسلحة تهاجم الحزب ومواقفه مع إيمانها بدوره وفاعليته وتأثيره في دارفور بل أكثر هذا الهجوم يكون في إطار اللؤم والعتاب للأم الرؤوم من قبل أبنائها لأن أغلبية قادة هذه الحركات من جذور أنصارية وحزب امة ومن حقهم المطالبة بدور أكبر . أما نظام المؤتمر الوطني ينطلق من إستراتيجية تكسير حزب الامة وتشتيت قواعده في دارفور وإضعاف تأثيره لكي ينفذ سياسته البغيضة في الأقليم ، لذا اُتهم بدعم حاملي السلاح ورعاية زعماء المعسكرات وتحريض الضحايا والمجتمع الدولي وإثارة الغضب الشعبي ضد الحكومة ، ومع كل ذلك شّكل حزب الامة الصوت العالي المعبر عن ما يدور في دارفور ، ولهذا الصوت مصداقيته وواقعيته وتأثيره داخلياً وخارجياً لذلك يحمل محمل الجد ، وما زالت تترسخ في ذاكرة الكثيرين ذلك المؤتمر الصحفي الذي عقده الحزب بعد عودة قيادته من طواف دارفور في يونيو 2004م والذي قال فيه الحزب أن هناك جرائم حرب أرتكبت وجرائم ضد الانسانية إن لم يتم التحقيق حولها ومحاسبة الجناة وإنصاف المظلومين سوف تتدخل العدالة الدولية وهذا ما حدث بعد شهرين عندما أحال مجلس الامن الأمر الي محكمة الجنائية الدولية (ICC) ، ويبقي ثبات المبدأ في التعامل مع القضية والإستجابة للتحولات بما يخدم قضية إنسان دارفور ثمة يمكن أن تلاحظ ما بين موقف الحزب منذ إنفجار الازمة والي يومنا هذا ، وفي المؤتمر الصحفي الذي عقد عقب إجتماع الهيئة المركزية لحزب الامة في السابع من مايو 2014م جاء في خطاب السيد رئيس الحزب " الوضع في دارفور في كثير من المناطق عاد الي سيرتها الاولي في عام 2004م الإقتتال لا سيما علي أيدي قوات الدعم السريع أدي لحرق عدد كبير من القري والي زيادة كبيرة في النازحين فراراً من الدمار .... هذا كله مرفوض وسوف يؤدي لنتائج عكسية كما في الماضي ونطالب بأن يكون حفظ الامن حصرياً علي أيدي القوات النظامية ونطالب بإجراء تحقيق عاجل التي وقعت وإنصاف المظلومين والإ فإن المجتمع الدولي سوف يتحرك ويبسط شبكة عريضة من الإتهامات علي الجناة " هذا التشخيص للأزمة بهذه العبارات الواضحة والمفهومة لكل الأطراف ، لم يكن من المستغرب والمفاجئ حقاً ردة الفعل العنيفة التي قام بها النظام بتخوين الإمام وإعتقاله وتوجيه إتهام بتقويض النظام الدستوري والتحريض وغيرها من التهم . من الطبيعي المناصرة الكبيرة التي حظي بها الإمام لعدالة قضيته وسلامة موقفه حول إنتهاكات حقوق الإنسان في دارفور فهي قضية سياسية من الدرجة الاولي تتعلق بإتساع دائرة الحرب وإنتشار الميلشيات وزعزعة الأمن ونهب أملاك المواطنين من جانب أخر محاولة إسكات صوت الإمام حول هذه الإنتهاكات وفي نفس الوقت إجهاض مشروع الحوار الوطني الذي يتعارض مع مصالح ومصائر الإنقاذيين . أخلص للقول أن الرهان علي الحلول الفوقية بإتفاقات جزئية مجرد قرص إسبرين فلا جدوي من مفاوضات ثنائية تعيد إنتاج الأزمة ، وكذلك الحل العسكري غير ممكن في ظل تعقيد الأزمة وإنتشار السلاح وزيادة الغبن والضيم . ويبقي الرهان الرابح هو الإصغاء الي الطرف الثالث الداعي لتولي عملية السلام في دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان " مجلس قومي للسلام " لقيادة العملية التفاوضية وإعلان مبادئ السلام العادل والشامل وإقرار توصياته في مؤتمر قومي دستوري ، بالمقال صّم فوهة البندقية ونفض اليد من إي مفاوضات الغرض منها ترويض وإستقطاب بعض الحركات المسلحة . وأهم الخطوات العملية هو إيقاف التخبط السياسي وإنهاء فصول مسرحية التزرع بالخطوط الحمراء لإسكات صوت الطرف الثالث ، وإطلاق سراح الإمام الصادق المهدي وكل المعتقليين السياسيين ، والإعتراف بالفشل في إحتواء الأزمة وحل وتسريح الميلشيات غير الدستورية وتحمل الأجهزة الشرطية مسئوليتها لحماية المواطنين وحفظ الأمن ، مع العلم أن لم يعد هنالك وقتاً للمراوغة والمماهاة والإقصاء والتنكيل والإستبداد ، فقط الوقت يسمح لإدراك ما يمكن إدراكه مما تبقي من الوطن . [email protected]