الغربة والخصام والتناحر الذي فرض على واقع السودانيين بسبب المهمشين والُمهمشين وأشياء من صنع الماضي لم يطهر الحاضر رجزها جعلت السودان حاضراً في عواصم العديد من الدول مؤتمرات، ورش عمل، حلقات نقاش وهلم جرا.. نعم يتبدل الأشخاص ويتغير التمثيل وتظل القضايا هي القضايا (أزمة هوية، غياب تنمية، تهميش، غياب حكم راشد ودولة قانون، سوداني عربي وأفريقي، العروبة والأسلمة والأفرقة.. ربما تُصاب بالتخمة من كثرة ما تتلقف من موضوعات أسبابها ومسبباتها وحلولها.. جميعها أعد في كراسة الإملاء بسبب تجاهل مهارة التركيز في إرادة التنفيذ.. منهم من أطلق عليها نقض العهود (فرانسيس دنيق)، ومنهم من أطلق عليه مدرسة الإنقاذ (وقع وما تنفذ)، (ونس يا مجنون بلغة) المعذبون في الأرض والشواهد كثر في ملف أزمة التنفيذ وآخرها توقف عجلة الحوار الذي دعا له رأس الدولة ولكن بقدرة قادر تبخر وأصبح كسراب ببقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً. إذاً ستخلق كثيراً بسفن المؤتمرات والمفاوضات في عواصم عربية وإفريقية وغربية.. وستتعدد المنابر والنهاية واحدة (تراجيديا) الوطن لم تنته بعد. رغم المشكل السوداني قُتلت بحثاً وتحليلاً من قبل الخبراء السودانيين وغيرهم إلا أن الآخر (المؤتمر الوطني) ينظر إليها بمناظر مختلف ورؤية بينها والرؤية السودانية مسافات ضوئية شاسعة الشيء الذي يجعل البعض يجزم بشدة بأن المحلليين الأجانب ينظرون إلى قضاينا بمنظار مختلف لعدم معرفتهم الجيدة بتقاطعات الواقع السوداني وعناد الإنقاذيون الذي جاء يحمل معه صفات وراثية جديدة للتعقيد تقاوم أية مساعٍ لفك التعقيد.. صحيح خصوصية التكوين للدولة السودانية التي جُمعت من شتات ممالك ودويلات متناثرة هنا وهناك لكل قوتها وارثها.. ونجحت سياسات المستعمر في تقسيمها إلى أنظمة اجتماعية وثقافية وسياسية تتنافر في أغلب الأحيان إلى درجة تشويه جنين القومية الوطنية بأزمات لم تفلح الحكومات الوطنية معالجتها في المراحل الأولى بعد خروج الاستعمار.. فاستمرت سيناريوهات التمييز بين المركز والأطراف.. وتكاثرت الفوارق على مستوى التعليم والمستويات الاقتصادية والسياسية فخرجت عبارة التهميش من رحم التكوينات الإقليمية المطلبية. منذ ستينيات القرن الماضي (نهضة دارفور/ تحالف النوبة/ جبهة البجا).. تخبو نار هذه الكيانات ثم تقودها مرارات التباين بين وسط نيلي وأطراف منسية من التنمية إلى أن جاءت الإنقاذ وصبت الزيت على النار فاحترق الكل.. نعم تراكمات الماضي وتداعيات الواقع لم تترك مجالاً لتناسي التهميش الذي صار الحديث عنه بلغة البندقية خاصة بعد نفض الجنوب يده من مائدة السودان الواحد بقوة السلاح التي أملت اتفاقية منحته تقرير مصيره المواجه اليوم بكارثة الحرب الأهلية.. أما السودان الكبير لا يستطيع أن يتنبأ بنهايته.. والبعض يراه في طور النهاية فقط ينتظر من يشير إلى منسأته المتآكلة.. هل حقاً تأكلت منسأته وأصبح على شفا حفرة من النار!!؟. [email protected]