في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    التقى بروفيسور مبارك محمد علي مجذوب.. كامل ادريس يثمن دور الخبراء الوطنيين في مختلف المجالات واسهاماتهم في القضايا الوطنية    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    ((المدرسة الرومانية الأجمل والأكمل))    من يبتلع الهلال… الظل أم أحبابه؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالفيديو.. رجل سوداني في السبعين من عمره يربط "الشال" على وسطه ويدخل في وصلة رقص مع الفنان محمد بشير على أنغام الموسيقى الأثيوبية والجمهور يتفاعل: (الفرح والبهجة ما عندهم عمر محدد)    كامل إدريس يصدر توجيهًا بشأن الجامعات.. تعرّف على القرار    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    رئيس الوزراء يطلع على الوضع الصحي بالبلاد والموقف من وباء الكوليرا    الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سميح القاسم.. ما تيسر من سورة الموت
نشر في الراكوبة يوم 21 - 08 - 2014

وأخيراً جاءه الموت الذي طالما عشق انتظاره، وسرعان ما لبى نداءه وترك حذاءه ورحل بمعيته حافياً الى حيث يريد. ربما لا أحد في العالمين ناجى الموت كما فعل سميح القاسم وصفيه محمود درويش وصلاح أحمد إبراهيم فكلنا ينتظر-تضرعا وخفية- أن يطرق الموت بابه إلا درويش كان من الصادقين إذ قال: (أَيُّها الموتُ انتظرني خارج الأرض/ انتظرني في بلادِكَ/ ريثما أُنهي حديثاً عابراً مَعَ ما تبقَّى من حياتي/ قرب خيمتكَ، انتظِرْني ريثما أُنهي/ قراءةَ طَرْفَةَ بنِ العَبْد) . ثم خرج في اسره صلاحا هازئا به حينما قال: (ما الذي أقسى من الموتِ؟ فهذا قد كََشفْْنا سرّه، وخَبََرنا أمرَه /واستسغْنا مُُرّّه/ صدئت آلاتُُه فينا ولا زلنا نُعافرْ). ثم يأتينا نبأ ثالثهم سميح اذ دخل على الموت في محرابه وهو يقول (أنا لا أحبك يا موت/ لكنني لا أخافك/ أعلمُ أنّي تضيق عليّ ضفافك/ وأعلمُ أن سريرك جسمي/ وروحي لحافك/ أنا لا أحبك يا موت/ لكنني لا أخافك).
يعد سميح القاسم ثاني اثنين في فضاء الشعر مع صاحبه محمود درويش وسارا سويا يدا بيد في دروب نثر القصائد وهلهلة الاشعار التي عرفت اصطلاحا ب(شعرالمقاومة) وجمعت بين الاثنين قواسم مشتركة عظمى بجانب الروح الرفاقية الفياضة، فالاثنان من عرب (48) وهم العرب الذين اختاروا البقاء خلف خطوط الهدنة التي اعقبت حرب 1948م. وكانا يحملان معا بطاقة الانتساب للحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح)، قبل أن يترك الحزب ويتفرّغ لعمله الأدبي، ودلق حبر كثير في انتمائهما ل(راكاح) وخاض خائضون في هذا الشأن حتى زمان قريب دون علم ولا هدى ولا كتاب منير.
والاثنان تخيرا سويا أن تمر أشعارهما المذهبة الحواشي نغما عبر حنجرة الفنان اللبناني الواعي بقضايا شعبه وأمته مارسيل خليفة، الذي غنى باقة لدرويش بينها (أنا يوسف يا أبي) و(ريتا) وعداهما وتغنى لسميح برائعته (منتصب القامة أمشي).. والأخيرة اوشكت أن تتحول الى ايقونة وطنية للأجيال التي شهدت المحنة التي تلت الاجتياح الإسرائيلي المذل الى لبنان في يونيو 1982م والذي سينسج درويش فيما بعد من وحي تفاصيله الجارحة معلقته الأسطورية (مديح الظل العالي).
وبعد بضع سنين من حصار بيروت وسوست لهما أنفسهما الأمارة بالآداب أن يتبادلا باقة رسائل باذخة ملأت الدنيا وشغلت الناس وسماها البعض رسائل بين شطري البرتقالة أو جناحي طائر، في إحداها يقول درويش لسميح: "سنكتب، لا شيء يثبت أني أحبك غير الكتابة، أعانق فيك الذين أحبوا ولم يفصحوا بعد عن حبهم، أعانق فيك تفاصيل عمر توقف في لحظة لا تشيخ" ويقول له ايضاً :"اشرحْ صبرك، أو فاشرحْ ضيقَ صبرك فهل سيفهم أحد ما تعاني، وما تكابد، أيّهذا الناجي من العواصف بعاصفة، أيّهذا الطاهر في وحْل المفارقات لكن الأبيض أبيض".
ويرد عليه سميح بقوله: "هل أذكرك بقصة أخرى من قصص الجوع اللذيذة؟ حسنا. ها أنت ذات مساء تأتي إلى منزلي في شارع يافا، تلوب قليلا ولا تستقر على مقعد، تمسك كتابا وتفتح راديو. تغلق النافذة وتفتح الثلاجة ثم تصرخ: " أريد أن آكل. أنا جائع! " وأهدئ من روعك: " لا بأس عليك، إنني متضامن معك، ضع جوعك إلى جانب جوعي وسنحظى بوجبة فاخرة".
ويقول ايضاُ: "بخاطرك" لماذا أتوقف عند هذه الكلمة؟ آه صحيح لأنك لم تقلها لي حين أرهقتك ليلة ما في موسكو فشددت مصر الى ما تحت أنفك. لقد أحزني رحيلك اكثر مما أغضبني. كان في رحيلك قسط من الأنانية بقدر ما كان مماثل من الأنانية في سخطي عليك. والغريب في الأمر أن كتيبة بأكملها من الكتاب والصحفيين والشعراء والقراء رأت في (حادث الطرق) هذا منطقاً تاريخياً لتجديد أمجاد القيسة واليمنية حتى انهم اقسموا بلا رعشة هدب أن قصيدة (اليك هناك حيث تموت) موجهة اليك رغم أنها نشرت قبل رحيلك بعامين. هكذا كان . بيد أن قصيدتنا المشتركة في الرامة ودير الأسد وحيفا وحبنا المشترك وسجننا المشترك ونضالنا المشترك وجريدتنا المشتركة وذاكرتنا المشتركة، هذا العالم الزاخر بالفرح الدامي، الجياش بغبطة التحدي وكبرياء الألم، كان رأس النبع الذي اكتشفناه وها نحن نعود اليه".
ولسميح نهج يميزه في القاء قصائده اذ ينفعل بها ومعها أمام الجمهور حتى تحس أن روحه ستزهق معها ويتبدى هذا واضحا في كل قصائده لاسيما الممجدة لأبطال وضحايا المقاومة الفلسطينية. كيف لا والرجل لزم لوح قضيته متبتلا في محرابها عشقها رافضا الوسطية او المساواة. لم يضعف ولم تلن له قناة ويهن حتى بعد أن هان كل شئ بعد بردت جذوة الثورة المتقدة في قلوب الثائرين واشياعهم.
وكما لدرويش صلات مائزة بالسودان روحا ومعنى وتحفظ له الذاكرة السودانية بليال شعرية تهز وترز كان لسميح ايضا صلة قوية لاسيما مع قوى اليسار والحزب الشيوعي السوداني على نحو خاص، وبين يدي محنة يوليو 1971م قدم سميح مرثية لعبد الخالق محجوب في سياق المراثي التي جاءت تترى من كل حدب وصوب لروحه السمح وعبقريته الوثابة سماها ب(الخبر الأخير عن عبد الخالق محجوب) التي افترعها بقوله: (شهقت غابة مانجو ناضجة يا حبيبي ! خض أسراب العصافير حجر شهقت أفريقيا الأخرى وصاحت: يا حبيبي! ونعاك الضوء للضوء نداء ..لا خبر).
في تساؤلات الموت التي طرحها ثلاثتهم صلاح وسميح ودرويش بتؤدة وطمأنينة قال الأخير: "لا أعرف الشخصَ الغريبَ ولا مآثرهُ/ رأيتُ جِنازةً فمشيت خلف النعش/مثل الآخرين مطأطئ الرأس احتراماً/ لم أجد سبباً لأسأل: مَنْ هُو الشخصُ الغريبُ؟).. والآن هل لنا أن نتساءل نحن هل عرفتم من هو الشخص الغريب؟!!.
التيار
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.