بدون لفَّ ودوران أو بلا مؤاراة - كما يقولون - يمكننا وصف ما يدور هنا ومنذ مدة من حراك فاقد إتجاه البوصلة لكونه غير موجه أو سمِه أنْتَ إنْ شِئْتَ حركةً شبهة عشوائية ومتخبطة في أوساط المجتمع الجنوبي عامة وداخل بيت أخوة الرحم لحماً ودماً وأعني بهم " الساسة آل السياسة" ... إتجاه تفكيرنا الآن في جزءه الأكبر يشبه إلي حدٍ كبيرٍ مسلكاً رأوه السودانيون قديماً عند أهلهم " الحسانية" ...قالوا: إن ما صدرَ وحدّثَ من الحسانيين حينذاك اعتبره بعض السودانيين شئياً مرفوضاً كونه جسد درجة من التهرب و التقاعس عن القيام بواجب مقدس ملّح تجاه الوطن من طرفهم ... تجاهلهم الإستجابة لنداء الوطن في الزمن الحرج وعدم مساندة أخوتهم في الوطن والأرض في الموعد المطلوب والمعقول لصد عدوهم المشترك القادم و الغاشم الزاحف من خارج حدود بلادهم حينه فقط بحجة أن هذا النداء قد جاءهم متأخراً وأن أوليتهم "الحسانية" في ذاك الزمان والتوقيت كانت إجراء مبارايات سباق الحمير الذي كان قد وضعوه في جدول أعمالهم السنوية قبل أشهر "أي قبل قدوم جحافل جيوش العدو" ولذا - وحسب الحسانية - وجب قيام سباقات أَحمِرتهم أولاً وقبل كل شئ ولو تحت وابل من الرصاص من فوهات مدافع الغزاة المعتدين.. !!! ولأنهم عجنوا أي "لخبطوا" أوليات أمتهم الكبيرة بأوليات قبيلتهم الصغيرة بهذه الصورة المخجلة والمؤسفة كما تري صاروا مضرباً لهذا المثل الشائع والمتداول حتي يومنا هذا وهو" الناس في شنو والحسانية في شنو" !!!! تخبطنا الذي أصبح تقريباً سيد الموقف حالياً هو بلا شك إبن شرعي مولود من صلب اللأمبالاة في أجواء اللا وفاق واللا تسامح بيننا ..هذا بلا شك هو نتائج طبيعية لفشلنا المخجل في العثورعلي إجماع وطني حقيقي حول ما ينبغي إنتقائه و إختياره من بين مشاكلنا الملحّة العديدة والكثيرة التي يعاني منها المواطن المسكين وكذا وطننا الجريح أيضاً علي أساسي يومي ... ماذا يستوجب علينا وضعه في سلم أولياتنا الملحة و في جدول البحث عن حلول لها؟ الرد علي هذا السؤال القصير والبسيط هو المشكل !!!! ... ذكرنا أن الوطن يعيش الآن وضعاً إستثنائياً وأحواله لا تسرُّ عدواً له ناهيك عن صديق حميم و خذ التألي أمثلة : - الحرب مستعرة نارها الآن في ثلثه النيلي والتي تكأد تحصد منا كل يوم أرواح اخواننا وأخواتنا مَنْ مهما اتفقنا واختلفنا معهم فهم جميعاً لنا أعزاء لأنهم من صلب هذا الشعب الذي نحبه... - والأكثر وجعاً و إيلاماً هو أن الأمن والأستقرار المحبب والعزيز المنشود من قبل الجميع قد جعله طرفا الحركة الشعبية المتعاركان والمتنافسان "علي لا شئ "حلماً لا يمكن الوصول إليه حالياً فقط لأن شيطان السياسة دقسَّ الساسةَ ولا يزال يدقسهم ويخدعهم حتي ضيعوا علينا سلامنا المشتري بكل ثمين ونفيس عبر القرون .. - وعن جند الفقر والجهل والمرض المدجج الذي يحاصر ويتوعد السواد الأعظم من أبناء وبنات شعبنا بالفناء والموت البطئ فطوّل لسانَك يا أخي وتحدثي كذلك يا أختي بإسهاب دون التوقف وبلا خوف أو وجل لأنه هو وضع معترف به وقد أقرَّه ولايزالُ يقرُّه الجميعُ ولا أحد سينكرُ وجوده في حياتنا ولن تحتاج أبداً لأن تأخذ تصريحاً من جهة رسمية علا مقامها أو قل كي تسمح لك بالحديث عنه عبر وسائط الإعلام محلية كانت أو عالمية ...... - أما دساتيرنا وشرائعنا فهي فعلاً في القراطيس وفي مكاتبنا ودواويننا مواثيق آخاذة تضارع من حيث الدقة والرصانة تلك القوانين المعتمدة والممهورة من قبل هيئات حقوق الآدميين التابعة لمنظومة أمم الأرض الكائنة بيورك الجديدة ولكن ما أن تقفز ببصرك أنت قاصداً رؤية جوانبها التطبيقية اصابتك الحسرة والندم في المقتل لماذا؟ لأن هذا الجانب منها في الواقع دميم وقبيح إن لم يكن أقبح من القبح نفسه... قال لنا صديق في إحدي مجالسنا النيمية يوماً " والضمير نا المتكلمين يشير هنا إلينا نحن معشر البوميين والفياميين الغبش "جالفاجيين" وسميت تلك الجلسات بالنيمية لأن معظمها تعقد دائماً في الهواء الطلق تحت ظلال الأشجار أغلبها أشجار النيم"..قال لنا هذا الرفيق "أقصد الكميرد حتي نكون أكثر تواكباً لهذا العصر - لغته ولسانه - : "إن تلك الدساتير والقوانيين تتم صياغتها من قبل بعض الرفاق وتمُرحلُ عبر مراحل عدة كي تتم إجازتها بشكل رسمي ونهائي وما أن يستكملوا هم كل المراسم والطقوسات اللازمة والمطلوبة شرعاً وقانوناً تنادي كل الرفاق فيما بينهم فرداً وجماعات بصوت جهير ومسموع "هيا لنضع هذه القوانين في أدراجنا حتي لا تري عيونها نوراً يوماً وحتي لا يطالبنا هؤلاء الغبش بتطبيقها لاحقاً ، وحتي تتهيأ لنا أيضاً أجواء مؤاتية وملائمة يتسني لنا فيها تطبيق شرائع ودساتير أخري غير مرئية كونها غير مكتوبة وغير مصادق عليها من قبل من يدعون ظناً ووهماً بل خطاءاً أنهم ممثلو الفياميين والبوميين " ممثلو الشعوب في مجالس نواب الشعوب في العاصمة والولايات "..!!" نعم هذا ما قد حدث ويحدث الآن، نعم في ظل هذا الواقع المصنوع تظهر في الوجود تعاليم غير مكتوبة تصدر من مؤسسات شخصية مثل مؤسسة "بانجديت"- زعيم كبير ، كما ينطقها لسان الأخوة الدينماركيين " الدينكا" أو قل أكاديمية " كوارميديت"- زعيم كبير أيضاً- كما يحبذه أهلي من أمة النيرويج "النوير" والملتان تحديداً تؤمنان إيماناً قاطعاً ومطلقاً ببانجديتية وكورميديتية أو " بانجديتزيم/ كوارميدتزيم"..!!!.... قلنا إن مصفوفات أولوياتنا أو جدولها تكاد تخلو تماماً من عناصر جادة ومفيدة وإلا ما كان ليحدث هذا التلاهي والإنصراف الشبه كامل هذه الأيام وهذا بالطبع مخجل ومبكٍ في آن واحد... أنظر بينما تحترق الأرض فوق رؤوس و تحت أقدام المساكين الحياري في مدن مثل : بور والناصر،وبانتيو، أيود ،باليت ... الخ تري جماعات منّا تتلاهي بأشياء أخري تشبه شكلاً ولوناً حمير الحسانية في ذاك السباق و في ذاك المكان والأوان...!!! من بين هذه الأمور التي يتسلي بها هؤلاء وأؤلئك حالياً "جدليتا الفيدرالية ونقل العاصمة".. وكأن مواطننا البسيط الآن يموت فقراً جوعاً ومرضاً هنا لأن عاصمته لم تنقل بعد من جوبا إلي واو أو يكون ذاك المسكين ،في ركنه القصي هناك في احدي القري البعيدة والنائة ، قد قضي نحبه فقط لأنه لم يحكم حتي هذه اللحظة بقوانين تشريعية مستمدة من نظام لا مركزي أو فيدرالي... أفلن يكون من عين الحكمة والمنطق لو أخرجنا قوانيننا الحالية من محابسها "من الأدراج" أولاً ثم طبقناها ثانياً علي نحو أمين وصادق؟ لأن ما في أيدينا الآن من شرائع تمنح الإقاليم أو الولايات من السلطات ما يلبي جاجياتنا المحلية بدرجة كبيرة علي الأقل في الوقت الحاضر... ولو يستمرون في نهجهم فلربما يقول قائل إن الإخوة المنشغلين بهذه المسائل هذه الايام " وتحديداً بعض أصوات بحر غزالية وأستؤائية" ربما لم يضعوا في الإعتبار ما قد يرأه بعض منا خطاءاً في إختيار هذا الموعد والحديث عن مثل هذه الأمور لأن في هذا الميقيات بالذات ربما يتهمهم أخوتهم في منطقة أعالي النيل الكبري سراً أو جهراً أنهم غير معنين البتة بما يحدث لهم من موت وخراب ودمار فقط لأن لهيب نار القتال والحراب غير مشتعل بشكل كبير بعد في ديارهم الصغيرة .....وإلا فكان يجب عليهم أولاً التفكير والمساهمة بشكل فعال في الجهود الهادفة و الرامية إلي تحقيق وتجسيد السلام والوئام المجتمعي في كل أرجاء البلاد أولاً ومن ثمَّ يأتون من بعد ذلك ليتحدثوا عن نقل العاصمة والفيدرالية وأشياء أخري ستكون أكيد مفيدة ومجدية عندما يتحدث عنها الناس لاحقاً في زمانها المناسب ... نشرته جريدة الموقف بجوبا [email protected]