د. محمد مراد - براغ فقدنا فى السنين الماضية عدداً من الرفاق الأعزاء الذين رحلوا إلى دنيا الخلود. ودعناهم بحزن عميق ونعيناهم بكلمات وجمل مهما كانت رصينة وبليغة تظل عاجزة عن التعبير الحقيقي عن الوفاء والإقدام والتضحيات التى قدمها هؤلاء الرفاق للقضية التى كرسوا كل إمكاناتهم وقدراتهم بل جل حياتهم لخدمتها وأعنى هنا حرية وتقدم الشعب السودانى. رحلوا وتركوا لنا إرثاً وتراثاً نعتز بهما، وننهل من معينهما، السلوك القويم والاخلاق الكريمة ونكران الذات والعمل الدؤوب دون كلل وملل ومجابهة الصعاب بعقل مفتوح وصبر وجلد والأهم من كل ذلك المعرفة والعلم التى ملكوا ناصيتها وقدموا للشعب عصارتها راجين من وراء ذلك انتشال المجتمع من الفقر والتخلف والجهل بالقدر الذى يمكنه من وضع قدمه على طريق النهضة واستشراف المستقبل الواعد الزاهر الذى تحلم به الأجيال المتعاقبة التى كادت أن تفقد الأمل فى تحقيق ما تصبو إليه من عيش كريم وعدالة واحترام انسانية الإنسان. ذهبوا وتاركوا لنا أمانة يحتم الواجب علينا ألا نفرط فيها ألا وهي الوفاء والإخلاص للقضية التى نذروا حياتهم من أجلها. كان أملهم معقوداً على الأجيال القادمة والمتعاقبة أن تحمل الراية التى رفعوها بوعي وتسير خلفها بخطى ثابتة نحو الهدف المرسوم. لم يخب ظنهم ولم يتلاشى أملهم فقد هب فرسان الأمل وحملوا الراية وأقسموا على مواصلة المسيرة حتى النصر. من بين هؤلاء الفرسان شاب من حي العمده بأمدرمان، نمى وترعرع فى صفوف حركة الشباب الديمقراطية وانتمى للحزب الشيوعى فى وقت مبكر من عمره وناضل بوعي واستقامة وشجاعة ضد الديكتاتورية وكان نصيبه الاعتقال والتشريد على عهد ديكتاتورية مايو والانقاذ. إنه المهندس كامل وداعة. أكمل المهندس كامل تعليمه حتى المرحلة الثانوية فى السودان ثم انتقل الى مصر حيث أكمل مرحلة التعليم الجامعى فى القاهرة. حدثنى عنه الدكتور حسن ابوزيد المقيم حالياً فى بريطانيا والذى تعرف على كامل إبان فترة الدراسة بمصر وقال لى أن كامل كان من أبرز العناصر الطلابية النشطة سياسياً واجتماعياُ وأن الكثير من زملاءه ورفاقه ومعاصريه من الطلاب يذكرونه بالخير ولن ينسوا المساعدات والخدمات المقدرة التى قدمها للطلاب من حوله. ومن أهم ما ذكره د. حسن أن كامل لفت انظار الجميع بصفاته الحميدة وشخصيته المؤثرة نسبة لما يتمتع به من وضوح نظري وثبات فى الوقوف مع الحق وجسارة فى مواجهة اعداء الحركة الطلابية مما جعله هدفاً لعناصر الأمن والاستخبارات السودانية والمصرية وبسبب ذلك النشاط تعرض كامل للملاحقة والتحقيق والاعتقال والترحيل الى السودان. بعد أن أنهى كامل دراسته وعاد الى السودان انخرط فى العمل السياسى بشدة خاصة أنه كان يجيد فنون المزج بين العمل العلني والسري فى ظروف الدكتاتورية. أجبرت ظروف العيش الصعب وضيق فرص العمل كامل الى الهجرة خارج البلاد والتوجه للملكة العربية السعودية حيث حط الرحال فى مدينة مكه التى استقر فيها لفترة زمنية قصيرة. فترة العمل والإقامة فى مكه مكنته من طلب الزواج بالرفيقة الأخت العزيزة زهراء محمد حسنين الرفاعى وتمت مراسيم وحفل الزواج بأمدرمان بحي أبى روف وبعد الزواج التحقت زهراء مباشرة بكامل وتكاملت الفرحة والسرور فى ظل حياة جديدة أثمرت زهرتين هما آمنه ونضال. بعد الانتقال من مكه إلى مدينة ينبع عاشت الأسرة بعضاً من السنين الهادئة إلا أن المرض المفاجئ عكر صفو تلك السنين عندما أصيب كامل بجلطة فى الرأس أصيب على إثرها بهبوط فى النظر وأدخل المستشفى للعلاج وبعد خروجه من المستشفى أصيب بجلطة ثانية أقوى من الأولى أدت الى شلل فى الجهاز العصبى مما جعله لا يقوى على الحركة بمفرده. وعندما لم تتحسن حالته الصحية نقل الى القاهرة ومعه أفرد الأسرة حيث قضى فترة شهرين من العلاج الطبيعى دون جدوى أو تحسن فى الحالة. الآن وأنا اكتب هذه السطور يرقد كامل مريضاً بالمستشفى فى مدينة جده عسى أن يسعفه العلاج هذه المرة وتدب الحياة فى أوصاله واعصابه وشرايينه ويقف على رجليه من جديد وتعود البسمة الى زوجته وابنتيه. السيدة زهراء على الرغم من الظرف الصعب الذى تعيشه والهموم التى تساورها لم تنسى أن تتقدم بالشكر لكل الأفراد السودانيين الذين يسألون عن صحة كامل والذين قاموا بزيارته كما أنها تتقدم بشكر خاص للأخوة والأخوات والسيدات بمدينة ينبع الذين لم يدخروا جهداً ولم ينقطعوا عن زيارة كامل فى المستشفى للوقوف على تطور العلاج والسؤال عن صحته. الشكر كذلك موصول للذين اتصلوا من خارج المملكة يسألون ويطمئنون على صحة كامل. أما بالنسبة للذين تولوا رعاية بناتهم آمنه ونضال فى أسرة الدكتور عبد الحميد الزبير والدكتور عبد الرحمن الخضر أثناء غيابها فى جده تقول السيدة زهراء أنها عاجزة عن شكرهم ولا يسعها إلا أن تتمنى لهم دوام الصحة والعافية. فى الختام أقول ترجل الفارس ولكن طالما أن قلبه ينبض بالحيوية فلن نفقد الأمل فى عودته الى الحياة الطبيعية سليماً معافى ترتسم البسمة على شفتيه ويشع من وجهه النور.