إن ماوصلت اليه شعوب النوبة و البجة والانقسنا ودارفور من وعى تجاه قضايا حياتهم ابتداء من حقوقهم السياسية والاقتصادية والثقافية يعتبر محصلة طبيعية للتطور الذى وصلت اليه معرفتهم بواقع حالهم المتردى فى بلاد من المفترض أن تكون هى الانتماء الحقيقى لذاتهم ولكن سياسات القابضين على مقاليد السلطة ظلت ولاتزال ترفضهم ضمن السياق الطبيعى لانتمائهم لارض السودان بالمعنى الحرفى لمعنى كلمة ارض، اى انهم السودانين الذى لا جدال حول انتمائهم التاريخى و الوجدانى لارض السودان. وقد انعكس ذلك الوعى فى مطالبتهم بحقوقهم فى بلادهم من قبل سلطة المركز والتى نعنى بها (منظومة لعلاقات نشأت وتطورت تاريخياً الى مرتكزات لتجسيد السلطة لمصلحة مجموعة ضد مصلحة المجموعات الأخرى المختلفة مع المركزية إثنياً )، وهذه المركزية تمثلت فى سيادة تيار مجموعة الاسلاموعروبيين فى السودان وتضم مجموعات الشمال النيلى والوسط التى تعبر سياسات الدولة الرسمية عنها و التى يستمتع المنتمى اليها بكل الامتيازات المادية والمعنوية ابتداء من الثروة وصولا الى الفن.إن انعكاس مسألة التمركز والتهميش فى المجتمعات نجدها تتفاوت حسب البعد من المركزية و التى تنتج بالضرورة تفاوتات وتراتيبيات اجتماعية وتبعيات و طبقات مختلفة ويتمظهر ذلك بوضوح فى بناء علاقات الإنتاج - والمستفيد من النتائج المتعلقة بالملكية وقوانين الملكية ومن يملك ، فإذا فكرنا في هذه المداخل نجدها وهى ( المركزية ) علي حساب الأطراف الأخرى . وفى واقع الحال يتجلى ذلك اكثر مايكون فى مفهوم السيادة المتمثل فى جعل اللغة ،الزى وحتى النخيل العربي هو الرسمى فى دواووين الدولة السودانية و بالتالى كان من حكم البديهى والطبيعى أن تنبنى على ذلك كل علاقات السلطة والتى تنعكس على الاخر ( المهمش ) ، فكل الذين ينتمون ثقافيا الى مجموعات التيار السائد لهم امتيازات مادية ومعنوية تتفاوت حسب البعد الى المركزية نفسها ، وبمعنى اوضح فكل منتمى الى مجموعات الجعليين والشايقية يعتبر اكثر حظا فى الامتيازات من الذين ينتمون الى البطانة و النيل الابيض وهولاء اكثر حظا من الذين ينتمون لمجوعات عرب كردفان ودارفور وهكذا يستمر التدرج فى الامتيازات الى أن يصل الى المجموعات المعاد انتاجها داخل الحقل الاسموعروبى والذين ينتمون الى الدين الاسلامى ولكن اثنياتهم افريقية (نوبة الشمال وجزء كبير من نوبة الجبال – قبائل دارفور- البجة – الانقسنا – فلاته..الخ) و هولاء يعتبرون الكثر حظا فى الامتيازات من الذين ينتمون الى مجموعات غير عربية و غير مسلمة ( النوبة ). إن مرحلة الازمة السودانية التى تقف فيها الان تتطلب ضرورة إعادة قراءة الواقع الذى انبنت عليه الدولة السودانية و من ثم اعادة صياغة الدولة والانسان السودانى وذلك بالاتفاق حول اساس الازمة والتحاور لايجاد حل له بدلا من الصراع حول من سيحكم ؟ فالذى يحدث فى السودان يحير العقل فالقوى السياسية برمتها حكومة ومعارضة (مسلحة وغير مسلحة) قد فشلت حتى الان فى الوصول الى صيغة مناسبة لادارة السلطة فى السودان ، فالمركز لايزال يصر على احاديته وصلفه مستخدماً منطق العنف والاقصاء ، مقابل معارضة تشتت بها السبل الايدلوجية و النزعة القبلية وضعف الارادة فعجزت عن احداث تغيير فى مجريات الواقع . فى كل الحالات يظل المواطن هو الخاسر الحقيقى فى ظل الوهن الحالى الذى اصاب معظم قوى التغيير التقليدية و الحداثوية منها ، فالبعد الجوهرى فى ضعف المعارضة السودانية هو عدم خضوعها لاسس تنظيمية تجعل منها مؤسسات فاعلة وقادرة على تحقيق اهدافها على الصعيد الفردى أو التحالفى ، فهى لاتزال قديمة قدم السودان القديم ، حيث ظلت تنادى على الدوام بالكثير من المبادئ التى لا قدرة لها على تحويلها الى سلوك تنظيمى ينعكس فى بنائها ابتداء من العمل وفق دستور محدد ومجاز من قبل مؤسسات المؤسسة المعينة ، يقود بدوره الى وجود هياكل تنظيمية لها القدرة على القيام بواجباتها ، اضافة الى ضعف وتخلف التدريب فى مختلف المجالات لمجارة التطور الحادث فى العالم فى كل النواحى ابتداء من بناء القدرات ورفع المهارات وزيادة المعارف بمختلف اشكالها، فحال معظم القوى السياسية السودانية معارضة مسلحة وغير مسلحة و الحكومة على السواء تعتبر انظمة لاديمقراطية ولايمكن أن تكون ديمقراطية مالم ينعكس ذلك فى بنائها القيادى الذى يتسم بالتصلب والتحجر فليس هناك رئيس أو قائد لاى منها قد تم تغييره من منصبه مالم تأخذه المنية كما أن معظم من يتحلقون حولهم يظلوا هم زوى القربى والاهل أو الاصدقاء ، كما ان وثائقها الحاكمة تظل على الدوام شأن يخص القيادة ولايخص عضوية التنظيم فهم من يصدرون الفرمانات وهم من يجيزونها ويتحكمون بها على مقالد السلطة داخل التظيم دون أن يكون هنالك حق لاى محاسبة أو مسائلة وهو لعمرى الفساد بعينه. إن غياب التظيم عن العمل السياسى الحادث فى معظم قوى المعارضة السودانية يجعل من المستحيل احداث اى تغيير بل قد يؤدى الى أن تتماهى مصالح قادة المعارضة و حكومة الخرطوم والذى سيقود الى مسلسل نيفاشا اخر ستكون نهايته هو انفراط عقد الدولة وزوالها، فالواقع يؤكد قدرة الجماهير على تجاوز اى شكل من اشكال التزييف فى قضايا حياتهم وذلك بتجاوزها لمؤسساتها الحزبية و الانغلاق داخل القبيلة و هذا ما بدر فى داخل العديد من قوى المعارضة المسلحة حيث صارت القبيلة هى معيار الانتماء للحزب او اى كان المكون.كم نؤكد أن وسائل المركز التقليدية المستخدمة فى اسكات قوى الهامش من قبيل ( تلبيتا ،دانيال كودى وكبشور كوكو ) ليقنع النوبة، ( كاشا) ليقنع البقارة (كبر) ليقنع اهل دارفور (ايلة ‘ أمنة ضرار) ليقنع الهدندوة وذلك عندما تتحدث الإثنيات الأخرى عن التهميش يقولون لهم إبنكم فلان وزير وهو مايسميه دكتور ابكر ادم اسماعيل جدلية الهامش وإنتاج المركز (الترميز التضليلى) ،قد اصبحت معلومة للجميع و انها لن تنطلى على قوى التغيير مرة اخرى . إن ضميرنا يملى علينا ضرورة ان نلفت نظر قادتنا بمختلف مناصبهم وتنظيماتهم مدتية وعسكرية ، بأنه قد حان الوقت لان نتجه لبناء مؤسسات حقيقية لها القدرة على تحقيق امال وطموحات الملايين من السودانين والسودانيات الذىن تتعلق امالهم بتنظيماتهم المختلفة ‘ فعدم التنيظم يجعل من محاولات عقد الاتفاقيات مع نظام الخرطوم عبارة عن دفن الرأس فى الرمال وعدم القدرة على مواجهة مكامن الضعف والعمل على معالجتها وإن كان الامر يحتاج الى الكثير من الشجاعة والمعرفة لقد اصبح الوضع مناسب الان لاحداث نقلة حقيقية فى ادوات التغيير ضد نظام القهر والظلم فالنظام الان فى اضعف حلقاته حيث اصبح يعتمد على استخدام العنف وكل الوسائل اللا اخلاقية مستغلافى ذلك العائد من البترول السودانى الى جانب الدعومات المقدمة من قطر وايران ، بعد أن وصل الجيش الى حالة الانهيار التام واصبحت المليشيات الاسلامية و عصابات النهب و المرتزقة هم وسيلة الدفاع عن لصوص القصر ، عليه لابد من الضغط على طغمة الخرطوم على الصعيد المدنى والعسكرى و عزلها على المستوى الدولى و ذلك لايأتى الا عبر التنظيم الداخلى لكل هذه القوى إلا والانهيار فالوضع اصبح لايحتمل المزيد من التهاون والخنوع . فإن تقلها تموت ... وإن لم تقلها تموت .. اذاً قلها ومت. [email protected]