لا لقهر النساء، والمرأة نصف المجتمع، وهي الام والاخت والزوجة. هكذا دائما نقول لإنصافها. ولكن هذا من العبث إذ نواصل الحديث والكلام بدون تغيير جذري يوقف تلك الإنتهاكات والقهر ويعيد لها كرامتها ومكانتها الحقيقية بين البشر. فأساس المشكلة هي ليست الطغمة الحاكمة التي سنت قوانين لمزيد من قهرها وإستبدادها فزادت من تفاقم ظلمها، ولكن المشكلة الأساسية تكمن في تقاليد المجتمع ونظرته للمرأة وعدم فهم تكريم الله تعالى لها كإنسان. الرجالة ليست بالذكورة.. فى التراث العربي وتاريخ المسلمين القديم لن تجد لفظ كلمة (إنساني) الذي نستخدمه الآن بكثرة لوصف الفعل الراقي الذي يقوم به الإنسان من أجل أخيه الإنسان، ولكنك ستجد صفة أهملت ولفظ يقل إستخدامه بالتدريج فى حياتنا اليومية الآن وهو لفظة "المروءة". مذكر "مرؤة": المرأ، ومؤنثها المرأة. والمروءة هي: كمال النخوة وسلوك يحمل صاحبه على الوقوف عند جميل العادات والإسراع في محاسِن الأخلاق. ثم أخذ الذكر لفظ رجل والذي يعادله مرأ، وجمعها رجال. بينما الإنثى بقيت على لفظ إمرأة وجمعها نساء. الله تعالى في كلامه الحكيم يخاطب الناس جميعا سواسية (رجالا ونساءا). فيقول سبحانه: ((وأذن في الناس يأتوك رجالا)) [الحج: 27]. فالمعروف في الآية ان المقصود ليس هم الرجال كرجال ولكن كل الناس الذين يأتون بأرجلهم لبيت الله ويأدون مناسك الحج راجلين، ذكورا وإناثا. فالله تعالى يؤكد أن الذكور والإناث متساوون إذا في النداء ثم التلبية لله عز وجل. ولهذا النساء تشملهن الآيات الكريمة ((رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله)) [النور: 37]، ((من المؤمنين رجال صدقوا)) [الأحزاب: 23]، وغيرها. وتذكير خطاب الله عز وجل في القرآن ليس تفضيلا للرجال وإنما بحسب ما تعارف عليه الناس في خطابهم مع بعضهم البعض- على إطلاقهم لقب الرجال للذكور، والنساء للإناث. والله تعالى يخاطب الناس في مطلع سورة النساء: ((يا أيها الناس أتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة)). فهو سبحانه وتعالى ليس كمثله شئ، فلا هو ذكر ولا أنثى جل شأنه، وإنما هو العدل، مصرف الأمور والأحوال ويخاطب الناس جميعا ذكر وأنثي بأنهم ليسوا كبعضهم في أداء مختلف المهام في هذه الحياة؛ وإنما هم لبنات تكمل بعضها البعض في بناء مبنى المجتمع البشري السليم. فما التأنيث لاسم الشمس عيب وما التذكير فخر للهلال. إذن، الذكر ليس مفضل على الأنثى –كما يتوهم كثير من الذكور- ولا الأنثى مفضلة عليه، ولكن التفضيل في أن اكرمهم عند الله أتقاهم. ((يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) [الحجرات: 13]. والنساء يتميزن بأشياء لا يمكن أن يفعلها الرجال أصلا كما في قول الله تعالى: ((وليس الذكر كالأنثى)) [آل عمران: 36]. فقد نذرت حنة إمرأة عمران عليهما السلام ما في بطنها من حمل لله تعالى و أرادت أن يكون ما في بطنها ذكرا ليعمل محررا. و المحرر هي وظيفة خدام المسجد الأقصى ولا يسمح لأحد العمل فيه إلا الذكور. فعندما وضعت السيدة مريم تفاجأت وهي التي كانت تدعو الله برزقها مولود ذكر، فقالت: ((ربي إني وضعتها أنثى)) ويرد الحق تعالى ب: ((والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى)). لاحظ لم يقل الحق تعالى "وهو أعلم بما وضعت" بل قال بلفظ إسم الجلالة "الله" سبحانه، ((والله أعلم بما وضعت)) وذلك ليؤكد لها الحق بإسمه العظيم عظم هذا المولود الأنثى والذي فائدته ستكون أكبر من الذكر الذي كنت ترتجين وتتمنين أن يكون خادما. بل وزاد الله في تعظيم هذا المخلوق فقال ((وليس الذكر كالأنثى)) ولم يقل "وليست الأنثى كالذكر". أي أنك ما تمنيت من ذكر ودعوتي الله به لا يمكن ان يكون كالأنثى التي وهبك الله لها، لأن شأنها سيكون اعظم. والملحوظة الأخرى هنا هو ان المشبه به دائما يكون هو الأصل. فنقول: ليس هذا الرجل كالنمر، وليس فلانا كالأسد وهكذا. فالنمر والأسد هما الأصل القوة أو مايراد مراده من التشبيه. فوضعت حنة السيدة مريم عليها السلام التي لم تكن محررا بل كانت من الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. فكانت مريم صديقة وأم السيد المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة و السلام. وولادته كانت معجزة وآية بينة من آياته سبحانه وتعالى التي تنزلت عليها. ومعظم الأنبياء كان خلفهن نساء. فموسى عليه الصلاة و السلام والذي من أحد الأنبياء أولي العزم وقفن خلفه أربعة نساء في حياته. أمه التي أوحى الله لها بإلقاء موسى عليه السلام في البحر. ثم أخته التي إقتفت أثره حتي أرجعه الله إلى أمه كي تقر عينها. ثم السيدة آسيا إمرأة فرعون –عين الله- التي قال الله تعالى ((ولتصنع على عيني)) [طه: 39]، فربته أحسن تربية. ثم بنت نبي الله شعيب عليه السلام التي تزوجها، وأشارت لوالدها أن يستأجر القوي الأمين، وسار معها إلى أن أتاه الوحي. وكفى مثلا بالحكمة السائدة بأن وراء كل رجل عظيم إمرأة. فمن وراء تلك المرأة غير الله العظيم تعالى. وهذا ليس أفضل تكريما من أن الله تعالى خلق فيها عضوا مربوط بإسم كريم من أسمائه الحسنى. فهو "الرحم" الذي من واجبنا المحافظة عليه ليكون حرما طاهرا ومكانا مقدسا، يخلق فيه الرحمن تعالى الإنسان ويصوره في أحسن تقويم. أفلا يجب توقيرهن؟، فذلك أضعف الإيمان. [email protected]