كان الذكور في الجاهلية يحطون من شأن النساء بالنظر إليهم كأداة متعة جنسية ومصدرا للعار وحاضنة أطفال في أحسن الأحوال. فأصبحت النظرة العامة للمرأة دونية وتطبع المجتمع الجاهلي مع هذا الإذلال والمهانة فصار متواطئا ضد المرأة. ولقد جاء الإسلام ليسترد لها كرامتها ويعطيها حقها وبدأ بالفعل بإخراجها تدريجيا من دائرة الجهل والجاهلين. فنص الله تعالى بحقوقها كإنسان في كتابه الكريم. تدبر في القرآن الكريم وستجد كيف يدافع الله تعالى عن النساء. ألا يكفي أنك تجد أغلب مايذكر جل وعلا في التعاملات مع المرأة بأنها حدود الله تعالى، فلا تقربوها ولا تعتدوها. خذ مثلا مطلع سورة المجادلة. فبمجرد إفتراء الزوج على زوجته بالمظاهرة عليها بالقول فإنه يأثم إلا من يتوب عن القول وقهرها. ومن يرجع ويقهرها بالقول، ويريد أن يتوب، فعليه أن يكفر عن ذنبه بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا إن لم يستطيع الصوم وذلك من قبل أن يمسها مجددا. وتأمل في ختم الله تعالى لهذا المقطع: ((ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله، وتلك حدود الله، وللكافرين عذاب أليم)) [المجادلة: 4]. وتقوى الله في هذا الأمر يؤدي إلى الإيمان بالله ورسوله، ومن يستهين بهذا الموضوع الذي قد يظنه بسيطا فإنه يتعدى على حدود الله، ويكفر بالله ورسوله لأنه يجحد بما يقوله الله تعالى من الحق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما قدروا الله حق قدره. والحق تعالى لم يفضل النساء بل يريد أن يحق حقوقهن ويعطي المرأة مكانها الطبيعي كإنسان في المجتمع. ولكن كفار الجاهلية تهكموا وظنوه تفضيلا فقالوا: ((أصطفى البنات على البنين)) [الصافات: 153]، بل ويقولون إن ملائكة الله تعالى إناثا ((أم خلقنا الملائكة إناثا)) [الصافات: 150]. ولم يعبأ الله تعالى بهم وظل يفضحهم بقوله:((وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم* يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون)) [النحل: 59]. وجاهد رسول الله المبعوث رحمة للعالمين صلوت الله وسلامه عليه وعلى آله طوال حياته ليحرر المرأة من الجاهلية عمليًّا ويدلل على سمو مكانتها. ونذكر ثناءه على أمنا السيدة خديجة رضي الله عنها: ( .. آوتنى حيث طردنى الناس، ونصرتنى حين خذلنى الناس، وصدقتنى حين كذبنى الناس، وآمنت بى..). وكانت اول من آمن به على الإطلاق من الناس رجالا ونساءا. وقد بينت في مقالات "أنا النبي لا كذب- حقوق المرأة" كيف عمل صلوات الله وسلامه فعليا في تحرير المرأة وإحقاق حقها. فقد تزوج صلوات الله وسلامه عليه ليكون قدوة في تحرير النساء بالعتق وأنه لا سبي ولا جواري في الإسلام والأصل في الزواج واحدة فقط. فقد غير الله تعالى إسم الجواري لملكات يمين، ثم حرم مضاجعتهن بغير زواج، وحث على الزواج منهن بعقد نكاح. وإذا تزوج الرجل ملكت أيمان فإنها تكون زوجته، وتحصن أي تتحرر من أن تكون جارية. أي أن الرجل كان يمكن أن يتزوج ما يشاء من النساء ويكن له زوجاته كما فعل صلوات الله وسلامه عليه ليكون قدوة وكان نساءه تسعة أو إحدى عشر. ولكن من جاء خلفهم من السلاطين والملوك والذين سموا أنفسهم بأمراء المؤمنين وخلفاؤهم، وبتقنين من رجال الدين، طمسوا هذه الحقيقة وحددوا عدد الزوجات بأربع، وأن يتمتع بما يشاء من الجواري. ومن هنا دخل في الناس الشك في كيف يبيح الله تعالى بالزواج بأربع والرسول متزوج بأكثر، أو أنه تزوج كل تلك النساء شهوة وإستمتاعا، وهذا ما أتاح للمفترين من إصدار الرسوم والأفلام المسيئة جهلا بسيرته. وألا يخالف هذا القرآن، بأنه كان قرآنا يمشي بين الناس، وقوله تعالى ((وإنك لعلى خلق عظيم))!. ولقد بينت أيضا أنه ليس هناك زيا إسمه زي إسلامي أو حجاب إسلامي فالزي شئ إجتماعي يتعارف عليه المجتمع الإنساني بمختلف ثقافاتهم. وأمر الله تعالى للمرأة بالعفاف والإحتشام لكي لا تكون لقمة سائغة لمن في قلوبهم مرض. للأسف صرنا كما كان المجتمع الجاهلي واقتفينا أثر ما روجه التأريخ الزائف وهجرنا القرآن تدبرا وندعي السير على هدى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهو لديه شكوى مقدمة مسبقا إلى الله تعالى نقرأها غافلين: ((وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)) [الفرقان: 30]. فهذه الأقوال الزور و التقاليد البهتان والتأريخ الذي لا يمثل خلق النبي –القرآن- كانت مصدر للإنتهاكات الصارخة التي مارسها جلاوزة الطغمة الحاكمة الإسلاميين ضد المرأة. فقد قرأت تقرايرا العام الماضي يقول بأن 43 ألف فتاة طالهن التخويف والإنتهاك في عام واحد، و17 ألف قهرن بكتابة تعهدات بعدم إرتداء زي فاضح!!. ونرى اليوم كيف إنتهكت حرمات بنات دارفور في الداخليات، وكيف تغتصب مليشيات النظام الإسلامي النساء النازحات وتقتلهن من غير أن يطرف لهم جفن. وما عسانا أن نقول أكثر لشعب ينصت ويستمع ويسكت لرئيسه (الضرورة) الذي لا يرى حرجا في إغتصاب النساء وبالأخص من القبائل الأخرى التي يراها بعين كبره ونفسه المريضة قبائل دونية. فقد قال إن: إغتصاب و وطأ الرجال من تلك القبائل شرف لهن؟؟!!. فكفي ممارسة للتقية أو ما يشبهها فى مناقشاتنا النظرية للإنتصار لحقوق المرأة. كفانا قولا: المرأة نصف المجتمع، الإسلام كرم المرأة، المرأة نالت حريتها بعد الإسلام، المرأة هى الأم والأخت والزوجة كيف نهينها.. إلخ. ولكن فى الأفعال والتطبيق والنصرة الحقيقية لا نجد هذه الأقوال بل و نسكت حين نراها تذل أمام أعيننا ونجفل عن نصرتها حين نرى حرمتها تنتهك بهذه الصلافة.بل ونمارس معها أبشع أنواع التمييز والعنصرية والدونية، فلا يحرك ساكنا حينما يشاغلها أو يتحرش بها شباب في الشارع، ونقول: "لماذا هي خارجة من بيتها أساسا"!!. فالمشكلة إذن ليست فى النصوص وإنما فى تزييف التأريخ والفهم القاصر والتطبيق الخاطئ في تربية البنات ونظرة المجتمع ككل للمرأة. فبقدر ما نص وحث ودفع الإسلام لإحقاق حقوق المرأة بقدر ما إستعصم الجهلاء بإرجاع المرأة و المجتمع كله للجاهلية وحصر دورها في أدوار معينة. فتراهم يحفظون عن ظهر قلب نصوصًا سواء آيات أو أحاديث، يفسرونها تفسيرات خاطئة ومغلوطة. فمثلا ((الرجال قوامون على النساء))، فهي ليست للسيطرة بل لرعايتها والإشراف عليها في زمن كانت المرأة تحتقر ويتم فيه وأد البنات الصغار. ((وللذكر مثل حظ الإنثيين)) وهذا أيضا لرعايتها في ذاك الزمان بحصول الرجل على نصيب أكبر لأنه يكون مسؤولا عن نفسه وأمرأته المتزوج بها. وفي هذا كله حفظ للمرأة. وكقوله تعالى: ((وقرن فى بيوتكن))، كانت في معركة الأحزاب حين تحرش المنافقون بنساء المدينة. ((ومثنى وثلاث ورباع)) وهم يغفلون عن شرط الزواج ((وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء....))، فأين تحقق الشرط الأول؟. وغيرها. وبالمقابل يأتوا بالأقوال ك "النساء ناقصات عقل ودين"، "شاوروهن وخالفوهن"، "صوت المرأة عورة"، "فتنة أمتى فى النساء"، "أكثر أهل النار من النساء" إلى غيرها من النصوص التي تحط من شأنها وتأصل لذكورية المجتمع وتنسف لمبدأ مساواتها كإنسان. ولكن إقرأ فالله تعالى يرد على هؤلاء المفترين بأنها كإنسان متساوية عنده سبحانه بقوله: ((من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)) [النحل: 97]. مشكلتنا أننا إستسلمنا للتلقين وتعودنا على الركود العقلي والتأويل الجاهز للنصوص المغلوطة ونعتبرها حقائق ونخشى من إثارة أسئلة منطقية ان ساورتنا، خوفا من المجتمع. ونصر على الإستماع للفتاوي وحفظ النصوص الجاهزة، وقال الشيخ والعالم الفلاني، والله علق فوق رؤوسنا ألبابا سنسأل عنها، وكلهم آتيه يوم القيامة فردا. ولا أدري هل فكر هؤلاء في النصوص الواضحة ك: "خيركم خيركم لأهله"، و"رفقًا بالقوارير"، و"استوصوا بالنساء خيرًا"، و"ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، و"ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم"، والخطاب الموحد للجنسين فى التكليف والجزاء "المؤمنين والمؤمنات، والقانتين والقانتات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات" والله نعالى أفرد سورة كاملة بإسم النساء. وقال أيضا: ((وللرجال عليهن درجة)). كل هذه نصوص واضحة فاضحة لهذا التمييز الفج الذى يمارسه بعض الذكور وإعتاد عليه المجتمع ضد النساء بدعوى تكريم الله لهم عليهن. ومن المؤسف أن تجد النساء أنفسهن غافلات عن حقهن ويساعدن الرجال في هضمه. وسيظل وضع الجاهلية كما هو عليه ما دام على رأس السلطة السياسية الإسلاميين- من جهلاء العصر- الذين يتحكمون في المجتمع، ويقودونه إلى ذاك العصر الذي يكون فيه الإنسان لفي خسر، لعدم التواصي بالحق. [email protected]