على مدى التاريخ الإنساني، عرفت الأمم والشعوب ال(جيوش)، أو ما يعرف حديثاً بمصطلح (القوات المسلحة)، كأحد الأعمدة، بل الركيزة الأولى والأساسية للتشكيلات أو الكيانات الوطنية، المكونة من أفراد الشعب أو المجتمع المعني، بهدف حماية ذلك المجتمع أو الشعب أو الدولة كغاية سامية وحيوية. وبصفةٍ خاصة، تستهدف الجيوش أو القوات المسلحة، على الصعيد السياسي أو العسكري أو القتالي، رعاية وحماية الكيانات التي كوَّنتها سواء كانت دولة أو مملكة أو شعب أو جماعة. وثمة أهداف ومهام ووظائف أخرى للجيوش، تخرج عن الإطار العسكري وتدخل في الجانب المدني، كمساعدة أجهزة الدولة المختلفة في مواجهة بعض الظروف والأحوال الاستثنائية كالظروف الطبيعية غير المواتية (أعاصير، فيضانات، حرائق، زلازل.... إلخ)، بجانب دعم قوات الشرطة أو السلطات المدنية عند حدوث تفلتات أو أعمال شغب نتيجة للاحتجاجات الداخلية وغيرها، وبما يحفظ الدولة أو المجتمع، أي أنَّ تدخلاتها حتى في هذا الجانب، إنما تأتي في إطار هدفها العام وهو حماية الدولة أو المجتمع ككل. لم نسمع أو نقرأ من قبل، أن جيشاً هاجم مواطني دولته أو شعبه أو كيانه الذي يساهم في توفير وتجهيز رواتبه ومعداته وآلياته إلا في عهد هؤلاء الإسلامويين الأوغاد، فمع صباح كل يوم جديد نسمع ونرى لهم جريمة ترتكبها قواتهم هذه، عقب فشلها في مهامها الرئيسية المتمثلة في حماية الدولة ككل، وحدودها ضد التعديات الخارجية لتتفرغ لممارسة أبشع صور الإجرام والتعدي على الشعب السوداني. وفشل القوات المسلحة السودانية لم يتوقف على حماية حدودنا التي أصبحت مباحة للجميع يأخذوا منها ماشاءوا (حلايب والفشقة وغيرها)، وإنما فشلت القوات المسلحة السودانية حتى عن حماية نفسها والانتصار لكرامتها التي تمرغت وباتت في الحضيض، بعدما قال قائد قوات المليشيات المسماة (الدعم السريع)، وبكل ثقة قولته الشهيرة في الجيش السوداني (لما يكون عندكم جيش تعالوا أسألونا)! وبعدها أوسعوا ضابطاً كبيراً برتبة عميد ينتمي لهذا الجيش جلداً وجعلوه بملابسه الداخلية.! قادنا لهذه المقدمة، الجريمة البشعة التي ارتكبتها مجموعة (رسمية) من القوات المسلحة السودانية (بحسب ما حملته الأنباء ولم تنفيها قيادة الجيش) على (200) امرأة سودانية (حُرَّة) على مسمع ومرأى العالم أجمع! وهي الجريمة – أي الاغتصاب – التي تعد من أقسى الجرائم جسامة، لارتباطها بالحرية بصفةٍ عامة، وحصانة ورعاية وحفظ شرف وكرامة الإنسان بصفةٍ خاصة، ولها ما لها من أضرار بدنية وصحية ونفسية. فقد اعترف قائد حامية "تابت" بارتكاب قواته ليل الجمعة الماضية لجريمة التعدي والاغتصاب الجماعى بحق نحو (200) امرأة من سكان قرية "تابت" التي تبعد 65 كيلو متر جنوب غرب الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بالإضافة إلى ضرب واهانة وإذلال سكان القرية! نعم.. أقر قائد الحامية صباح الاثنين الماضي (بعد ثلاثة أيام على الجريمة) حينما أتى برفقة بعض الصعاليك التابعين له، طالباً (الصفح) و(العفو) نتيجة لتعدي قواته (بالخطأ) على سكان القرية! فتأملوا هذا الانحطاط: اغتصاب (200) امرأة بينهن (8) تلميذات في مرحلة الأساس و(72) قاصرة، و(105) فتاة غير متزوجة تمَّ عن طريق الخطأ، يستلزم فقط الاعتذار بنحو سريع بالصيغة التي وردت أعلاه!!! ثم تعاود ذات الجماعات جريمتها باغتصاب أخريات (المستهدفات فعلياً) بحسب زعم قائد الحامية لكونه أخطأ في القرية المستهدفة!!!! لا ندري حقيقة ماذا نقول وكيف نصف هذا الإجرام المُمنهج والمنظم للعصابة الإسلاموية، الذي ظلت تمارسه في حق الشعب السوداني بصفةٍ عامة، وأهل دارفور على وجه الخصوص، بعدما عملوا على فصل الجنوب ويسعون لتفتيت بقية السودان! وللحقيقة هو أمر توقعناه، في ظل التراخي الأممي للتعاطي مع المجرمين الإسلامويين وأفعالهم المشينة، وآخرها إبقاء السودان في البند العاشر في آخر اجتماعات لمجلس حقوق الإنسان في جنيف قبل شهر، وتوقع الجميع تمادي تجاوزات هؤلاء الأوغاد وهجماتهم المسعورة ضد حق المدنيين بكل السودان، وتركيز إجرامهم وتعدياتهم على أهل دارفور بصفةٍ أكثر خصوصية، الذين عانوا وما زالوا يُعانون من هؤلاء المجرمين! وها هي ذي الأيام تصدق ما توقعه الجميع، وستستمر الجرائم بلا حياء أو خوف، طالما لم يجدوا الردع والحسم اللازمين! ولكم أن تتأملوا صيغة اعتذار قائد الحامية، التي لا تخرج فقط عن حدود ومهام القوات االمسلحة أو الجيوش المشار إليها في صدر المقال، وإنما تخرج حتى عن كل القوانين والتشريعات المنظمة للحياة الإنسانية الكريمة الشريفة.. فهل يعني اعتذاره ال(هايف) هذا، أنه كان سيكون مشروعاً لو كانت القرية هي المستهدفة؟ وهل الاغتصاب والحرق والجلد والإهانة ضد المدنيين من مهام القوات المسلحة؟! إن ما تمَّ من جريمة بشعة، ينم عن ترتيب وتخطيط مسبق، ويجد الموافقة من السلطات وعلى مسمع ومرأى من العالم أجمع، بمن فيهم قوات اليوناميد التي تكتفي فقط بإصدار البيانات الهلامية، وما شهادة الموفدة الدولية قبل عنها وعنكم وعنا ببعيدة! ويبدو واضحاً سعي الإسلامويين لإضفاء الكراهية بين ابناء الوطن الواحد، بل أبناء الإقليم الواحد والأقاليم المجاورة، باعتبار التشكيلات المكونة للقوات المعتدية على المدنيين، وهي أعمال غير أخلاقية أو قانونية أو إنسانية! والاكتفاء بمجرد الإدانة (داخلياً وخارجياً)، لم يعد كافياً، ولا يدعم الحد من مثل هذه الجرائم، ويستلزم الأمر تحركات عملية قوية، من كل أبناء السودان على اختلاف أطيافهم ومستوياتهم التعليمية ومجالاتهم العملية، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والقوى السياسية وقطاعاتها العديدة، بل وحتى القوات النظامية الأخرى، لمجابهة هذا الإجرام الممنهج ضد المدنيين والمواطنين العزل. فاليوم دارفور وغداً مناطق أخرى، والأمر لن يتوقف عند هذه الحدود، وهو ما ألفناه من الإسلامويين على مدى (25) عاماً مضت. ولعل ما يدعم الاعتقاد بأن هذا الأمر ممنهج ومرتب، هو صمت الناطق الرسمي باسم الجيش عن اعترافات أحد المنتسبين لمؤسسته العسكرية، وهو قائد الحامية التي ارتكبت الجرم، وعدم نفيهم أو تعليقهم على هذه الجريمة، بما يعزز ما سقناه بعاليه. إننا نطالب الجميع، داخلياً وخارجياً، بالسعي لفتح تحقيق عاجل ودقيق جداً في هذه الجريمة البشعة، ليس فقط ضد من فعلها، وإنما يمتد هذا التحقيق ليشمل من كان بمقدوره الحيلولة دون وقوعها، بما في ذلك القوات الأممية المتواجدة هناك، التي كان بمقدورها منع وقوع هذه الكارثة. وندعو بصفةٍ خاصة القانونيين من جميع أهل السودان، في الداخل والخارج، لتحريك إجراءات قانونية عاجلة لدعم قيام هذا التحقيق الفوري ومتابعته على أقصى المستويات، كما وندعو جميع المناضلين والأحرار للعمل على حماية أهلنا وتوحيد الجهود وحشد الطاقات للحد من جرائم هؤلاء، والخزي والعار لنا إن وقفنا صامتين .......! [email protected]