بعد انفصال الجنوب عن السودان الشمالي لا يكاد يمر يوم حتي نكتشف اننا نمارس تقريبا كل الاشياء التي كنا نبغضها في السودان القديم و هذا شيئ مثير للشفقة ومن هذه الاشياء فرض لغات و ثقافات بعينها على الناس دون مرعاة لاي نوع من احترام لمبدا التنوع و الاختلاف ففي الوقت الحالى تحظي اللغه الانجليزية و اللغه العربية بالاهتمام اكثر من اي لغات اخرى تتحدث بها الجنوبيين فالمسئولون في الدولة يفترضون ان كل سكان جنوب السودان يتحدثون اللغه الانجليزية و العربية لدرجة جعلوا اللغه الرسمية للدولة هي اللغه الانجليزية و السؤال الذي يفرض نفسه ماذا عن الجنوبيين الذين لا يفهمون اللغة الانجليزية و اللغة العربية؟ هل ليس لهم الحق في فهم كل الرسائل التي توجها الدولة للمواطنين؟ لقد مارس السودان القديم فرض الهوية العربية على السودانيين و النتيجة كانت نفور الناس من الثقافة العربية و مقاومة فرضها بكل الوسائل المتاحة. اذا ماهي الفائدة من تكرار الاخطاء التي تؤدي الى عواقب كارثية؟. بكل صراحة يواجه عدد كبير من الجنوبيين مشكلة كبيرة في التواصل بينهم و بين السلطات بسبب حواجز اللغة فليس كل الجنوبيين يتحدثون اللغة الانجليزية و العربيه و هما لغتا التعامل و حتي الذين يتحدثون بالعربية و الانجليزية يواجهون صعوبة في قراءة و كتابة تلك اللغتين المذكورتين و من الناحية الاخرى الغير متعلمون يجيدون فقط اللغات المحلية و لو تحدثوا بالعربية لا يكتبونها فهذا لا يرقي الى مستوى استيعاب كل الرسائل الموجه باللغة العربية. لا ارفض نشر اللغة العربية و الانجليزية في جنوب السودان فانتشار تلك اللغات ضرورية في عصر العولمة هذه لكن انتشارها لا يجب ان يكون على حساب لغاتنا المحلية فليس هنالك لغة افضل من لغة اخرى طالما ان لغاتنا المحلية لديهم من يتحدثون بها فلهم حق البقاء فقط يجب عدم تجاهل وجود تلك اللغات فالبعض من لغات جنوب السودان لديها حروف ابجدية و تكتب و تقرا اذا لماذا لا تدرس في المدارس على الاقل في الاقاليم التي تنتشر فيها تلك اللغات؟ لماذا لا تحظي تلك اللغات بنفس الاهتمام التي تحظي بها اللغة الانجليزية و العربية و لماذا لا يكون هنالك مترجمين مدربين يساعدون الناس في فهم الرسائل الحكومية الموجهة الى المواطنين في وسائل الاعلام او اي جانب اخر فمثلا نشرة الاخبار يجب ان يفهمها كل الموطنين بلغاتهم المختلفة فهل الذين لا يتحدثون العربية و الانجليزية لا يجب ان يعرفوا ماذا ورد في نشرة الاخبار؟ و كذلك الذين يذهبون الى المحاكم لاي سبب كان سوا كانوا متهمين او رفعوا دعاوي ضد اشخاص اخرين... هل ليس من حقهم فهم كل شيئ اذا كانوا لا يجيدون اللغة العربية و الانجليزية؟ اثبتت العديد من اللغات الافريقية مواكبتها في كل المجالات و انتشرت خارج حدودها فمثلا اللغة السواحلية منتشرة في معظم دول شرق افريقيا و كذلك لغة الهوسا منتشرة في معظم دول غرب افريقيا رغم ان الانجليزية سائدة في شرق افريقيا و رغم ان الفرنسية سائدة في غرب افريقيا الا ان تلك اللغات عاشت في تناغم دون تناقض ... يجب على الحكومة في جنوب السودان ان تعيد النظر و تضع مزيدا من الاهتمام باللغات المحلية حتى المستعمر البريطاني الذى سعى لفرض اللغة الانجليزية كان مهتما بتدريس و تطوير اللغات المحلية اذا لماذا تتجاهل حكومة وطنية لغاتنا الوطنية فاللغة هي الوعاء التي التي تحمل ثقافاتنا المحلية و اذا اختفت لغاتنا المحلية اختفت ثقافاتنا المحلية و هذا لا يختلف عن الابادة الجماعية ... يجب ان تعطي فرصة للغاتنا المحلية كي تتطور و تنتشر و تزدهر على الاقل داخل حدود الوطن و هذا يكسر العديد من الحواجز بين الناس. [email protected]