طالعتنا أنباء هذا الصباح أن بركان آسو الذي يقع على بعد 625 ميلاً إلى الجنوب الغربي من العاصمة اليابانيةطوكيو والذي يعتبر واحداً من أكبر البراكين النشطة في العالم قد انفجر يوم أمس الجمعة 28 نوفمبر الحالي بعد اكثر من عقدين من الزمان مرسلاً الغازات والدخان على ارتفاع أكثر من كيلومتر في الهواء. ويمضي الخبر للقول بأن بعض المتسلقين ربما أصابتهم الحجارة التي انطلقت من فوهة البركان بسرعة أكثر من ثلاثمائة كيلومتر في الساعة. أعاد هذا الخبر لي ذكريات زيارة قمت بها ضمن مجموعة سياحية لهذا البركان في بداية الثمانينات من القرن الماضي. وقد رأيت أن أشارك قراء "الراكوبة" الظليلة بعض الخواطر التي سجلتها عن زيارتي تلك. يعتبر البركان من أشهر المناطق السياحية في جنوب غرب اليابان وترى النيران المنطلقة من فوهته على مسافة عدة كيلومترات خاصة في المساء وتتكرر انفجارات البركان الصغيرة والمتلاحقة عدة مرات في اليوم الواحد. قمت بزيارة بركان آسو في إطار رحلة تم ترتيبها بواسطة إحدى الشركات السياحية ، ونسبة لأن زيارتي له كانت نهارية فإنني لم أتمكن من مشاهدة النيران الملتهبة على قمته إلا أن الدخان المتصاعد من الفوهة كان يرى بوضوح من مسافة عدة كيلومترات. أخبرنا دليل الرحلة ونحن مقدمون على المنطقة بأن في استطاعتنا الاستمتاع بمشاهدة الحمم البركانية الملتهبة في باطن البركان ونحن داخل العربة المعلقة التي ستمر بنا فوق فوهته مباشرة. غير أنه وللأسف الشديد لم نتمكن من ذلك فبمجرد وصولنا إلى الموقع أخبرنا القائمون على الأمر بأن البركان سيشهد بعد قليل واحداً من انفجاراته اليومية وأنه ليس من الحكمة استعمال العربة المعلقة في مثل هذه الظروف. دعتنا الشركة المنظمة للرحلة لتناول وجبة الغداء في أحد المطاعم المنتشرة بالمنطقة القريبة من البركان انتظارا للضوء الأخضر للقيام برحلتنا فوق فوهة البركان ، وقد لاحظت أن المطعم الذي تناولنا فيه غداءنا أشبه بالمخابئ التي تستعمل أثناء الغارات الجوية إذ أن سقفه الخرساني كان سميكا للغاية. لم تمض لحظات حتى أدركت الحكمة وراء هذه الاستحكامات إذ بدأت الأرض تهتز تحت أقدامنا ثم سمعنا انفجاراً هائلاً أشبه بأزيم الرعد ولكنه بصوت أعلى أعقبته رائحة غازات منفرة وأصوات أشياء ثقيلة تتساقط على سقف المطعم ، عرفت فيما بعد أنها الحمم التي تقيأها جبل آسو عند انفجاره. عشنا هذه التجربة المرعبة وقد علت الوجوه علامات الحيرة وانعدام الحيلة لمدة خمس دقائق تقريبا وأخطرنا بعد الغداء أنه بإمكاننا الآن مشاهدة الفوهة من على العربة المعلقة ، إلا أن كل أعضاء المجموعة وكان عددهم يربو على العشرة اعتذروا بلباقة. تحسرت على الفرصة التي ضاعت لمشاهدة البركان وهو يغلي إلا أن الظروف تهيأت لي في وقت لاحق وإن كان في مكان مختلف. بعد أن هبطنا من الجبل في طريق عودتنا عبرنا المدينة التي تقبع عند سفحه وقد لفت الدليل نظرنا إلى الطبقة الدخانية التي تغطي كل السيارات وأسقف المباني التي مررنا بها مشيرا إلى أن هذا ناتج عن الدخان الذي انطلق من فوهة البركان لحظة انفجاره. تذكرت قول الدليل بأن بركان آسو ينفجر في اليوم والليلة عدة مرات وعجبت لهؤلاء القوم الذين يقيمون في هذا المكان تحت الجبل إلا أن يكون تمسكاً بقول أمير الشعراء أحمد شوقي "هب جنة الخلد اليمن لا شئ يعدل الوطن" ، كما قلت في نفسي ما أسعد الصبيان الذين يقومون بغسل السيارات في "مدينة الرماد" هذه . [email protected]