من يريد أن يفهم الحال الداخلي للدولة في سوريا إن يعرف أنها نموذج لاقتصاد الدولة من حيث تأمين الصحة و السكن و الدعم الغذائي...الخ و هذه الدولة التي كانت أداة و وسيلة تحول اقتصادي و تغيير نهضوي التي استوعبت طبقة رجال الإعمال القديمة و في نفس الوقت خلقت طبقة رجال أعمال جديدة و لكن هي طبقة جديدة مرتبطة بالأجهزة الأمنية في بلد نفطي زراعي سياحي يعتمد علي المساعدات الخارجية و بقاعدة من أصول أموال لمهاجرين سوريين تصل إلي ثمانون إلف مليون دولار. أن هذه الدورة النهضوية الاقتصادية التي قادها حزب البعث الجناح اليساري توقفت عند منتصف الثمانينات حيث ابتدأت دورة الفساد بثنائية "رجال الأعمال و الأجهزة الأمنية" التي تم السماح لها بالعمل بالتجارة لسبب غير معروف و أيضا غير مفهوم من رأس الدولة الرئيس المرحوم حافظ الأسد الذي كان و ظل إلي وفاته يعيش تقشف ثوري معروف للجميع و ظل يعيش في شقته الصغيرة في حي المزة إلي يوم وفاته و حتي أولاده لم يميزهم عن بقية الناس ضمن حالة التقشف الثوري وهذا بالتأكيد أكسبه شعبية مهمة و لكن لماذا سمح بدورة الفساد وهو الحاكم المسيطر هو سؤال لا أعرف الإجابة عليه؟! ضمن دورة الفساد التي بدأت بمنتصف الثمانينات و توقف النهضة و تراجع انجازات السبعينات و متاعب انخفاض عائدات النفط و مواسم الجفاف و هبوط تحويلات المغتربين السوريين و حصار دولي شامل نتيجة استقلالية القرار السياسي السوري. هذا كله شكل بداية دورة الفساد السوري ونهاية نهضة السبعينات ضمن دولة البعث القومية بدأ آنذاك المشكل السوري بتفجر الفارق الطبقي بين دورة الفساد ثنائية الرؤوس(رجال الإعمال و الأجهزة الأمنية) وباقي الطبقات الشعبية السورية . أزداد الفقر و انتشرت البطالة لعشرين بالمائة من قوة العمل ناهيك عن نمو سكاني لا تقابله تنمية مقابلة و طبعا هذا كله ضمن استبداد داخلي يستخدم نفوذه بالأجهزة الأمنية لتحقيق و تصنيع عائلات تجارية و شبكة علاقات اجتماعية مرتبطة بدورة الفساد الثنائية المذكورة أعلاه. هذا كله شكل قاعدة لدخول التأمر الخارجي الذي لا يهدف إلي ضرب الاستبداد الداخلي و لكن إلي ضرب استقلالية القرار السوري الاستراتيجي بما يخص الصراع العربي الصهيوني و محور الإستراتيجية السورية بفرض السلام علي الصهاينة وراعيه الدولي الاستكباري بما يعيد الجولان المحتل و يقدم "نوع" من الحل للفلسطينيين و من ضمنها حق العودة و ما شابه. إذن حصل فشل سوري في مشروع النهضة و لم تستطيع تكرار نموذج الصين التي صنعت نمو اقتصادي في ظل قمع داخلي ! أذن ثنائية(رجال الإعمال و الأجهزة الأمنية) كونت ضمن العلاقات العائلية للأجهزة الأمنية شبكة سرطانية للمصالح التجارية زادت معها البطالة و الفقر و الاستبداد الداخلي المرتبط بمصالح هؤلاء و ليس له علاقة بحماية الدولة من التأمر الخارجي. إذن كلما كبرت ثنائية دورة الفساد السورية كلما زاد الغضب الشعبي و كلما كبرت مصالح تلك الثنائية كلما تدمرت منجزات الدولة القومية بسوريا بما يخص الطبقات الشعبية و الوسطي و أصبح مفتاح الاستثمار الأجنبي داخل سوريا هو علاقات الشركات الدولية العابرة للقارات بتلك الثنائية الفاسدة مما يفسر غياب أو تأخير أو قل عدم رغبة الشركات الدولية المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات بالضغط علي الدولة السورية لتحقيق إصلاحات سياسية مما أدي ألي تعزيز و تثبيت دورة الفساد السوري مما زاد منتوج الغضب الشعبي ودمر مكتسبات الناس. أن ثنائية الفساد السورية تحركت بعد وفاة المرحوم حافظ الأسد إلي تحقيق ليبرالية اقتصادية بمعزل عن أي ليبرالية سياسية أذا صح التعبير في ظل عزل دولي موجود و حصار شامل نتيجة استقلال القرار السياسي بما يخص تحرير الجولان ضمن الخطة السورية للتحرير و وجود جيش قتالي حقيقي المطلوب صهيونيا القضاء عليه و تدميره. أذن استقلالية القرار السياسي بسوريا و دورها بالصراع العربي الصهيوني و التقشف الثوري لقيادة حافظ الأسد و إخلاصه لقوميته العربية وشفافية خطابه التعبوي و نجاحات السبعينات الاقتصادية و قيادته لسوريا من بلد "ملعب" لكل العالم ب واحد و عشرين انقلابا بين 1946 إلي عام 1970 إلي بلد "لاعب" دولي مهم و باستقلالية قرار و قوة إقليمية خلقت بيئة اجتماعية ممتدة مساندة للنظام جعلته يستمر ضمن سرطان مدمر يتمثل بثنائية الفساد. أن هذا "اللاعب" أصبح حاليا "ملعبا" لكل دول العالم و انفتحت البلد بعد وفاة حافظ الأسد بليبرالية اقتصادية تسعي لمصلحة طبقتها و دائرة فسادها إلي أن دخلت آليات الثورات الناعمة لتدمر سوريا. الدكتور عادل رضا [email protected]