اشادة من وزارة الخارجية بتقرير منظمة هيومان رايتس ووتش    القوات المسلحة تصدر بيانا يفند أكاذيب المليشيا بالفاشر    الهلال يحسم لقب الدوري السعودي    أهلي جدة يكسر عقدة الشباب بريمونتادا مثيرة    الجيش السوداني يتصدى لهجوم شنته قوات الدعم السريع على الفاشر    المريخ يعود للتدريبات وابراهومة يركز على التهديف    مياسم يدعم والقطاع الرياضي يشكر    برباعية نظيفة.. مانشستر سيتي يستعيد صدارة الدوري الإنكليزي مؤقتًا    يوكوهاما يقلب خسارته أمام العين إلى فوز في ذهاب نهائي "آسيا"    هل يمكن الوثوق بالذكاء الاصطناعي؟.. بحث يكشف قدرات مقلقة في الخداع    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    سألت كل الكان معاك…قالو من ديك ما ظهر!!!    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    عاصفة شمسية "شديدة" تضرب الأرض    مخرجو السينما المصرية    تدني مستوى الحوار العام    «زيارة غالية وخطوة عزيزة».. انتصار السيسي تستقبل حرم سلطان عُمان وترحب بها على أرض مصر – صور    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: امنحوا الحرب فرصة في السودان    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    كلام مريم ما مفاجئ لناس متابعين الحاصل داخل حزب الأمة وفي قحت وتقدم وغيرهم    الأمن، وقانون جهاز المخابرات العامة    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذكرى الأربعين لرحيل ملك نشرات الأخبار
نشر في الراكوبة يوم 25 - 01 - 2015

يصادف يوم 27-01-2015 رحيل المغفور له الفاتح الصباغ أرجو شاكراً نشر المقال في ذلك التاريخ.
قال الله في كتابه العزيز:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم :" كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ "
(( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ))
"إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ "
قال صلى الله عليه وسلم عن الدنيا :} مالي وللدنيا إلا كراكبٍ سار في يومٍ صائف فاستظل تحت شجرةٍ ساعةً من نهارٍ ثم راح وتركها{
وقال كعبُ بن زهير في بردته :
كلُ ابن أنثى وإن طالت سلامتُه### يوماً على آلةٍ حدباءَ محمولُ
نُبئتُ أن رسولَ اللهِ أوعدني### والعفو عندَ رسولِ الله مأمولُ
وقد أتيتُ رسولَ اللهِ معتذراً### والعُذرُ عند رسول الله مقبولُ
وقال أبو العلاء المعري:
غيرُ مُجدٍ في ملتي واعتقادي****نوحُ باكٍ ولا ترنمُ شادِ
وشبيهٌ صوت النعيِّ إذا****قيس بصوت البشير في كل نادِ
أبكت تلكُم الحمامة أم غنت****على فرع غصنها الميَّادِ
صاحِ هذي قبورنا تملأ الرُحبَ****فأين القبورُ من عهد عادِ
خفف الوطءَ ما أظن أديم****الأرضِ إلا من هذه الأجسادِ
ألا رحم الله أخي وصديق مراتع الصبا وريحانة المجالس الفاتح الصباغ وأسكنه فسيح جناته بين الصديقين والشهداء.
سوف أتناول من سيرة المرحوم جانباً لم يتطرق له محبوه من ذي قبل:
الفاتح عليه الرحمة هو الإبن البكر للعم المرحوم سيد بشير ود حجي محمد الصباغ-ولولا خشيتي من الإطالة والملل لحدثتكم من أين جاءت تسمية "الصباغ"- ووالدته المرحومة الحاجة عائشة بنت محمود ود طه.
للمرحوم من الذرية بنتان إيثار وسبأ وولد اسمه عمَّار. نشأ المرحوم وشقيقي الأكبر يس وشخصي الضعيف في البيت الكبير بإبي روف تحت رعاية الجد والأباء والأعمام . كان المرحوم منذ نعومة أظفاره طفل ذكي لماح، فصيح اللسان، سابق لعمره بسنين عددا،يتحدث بمنطق الكبار ، أنيق في ملبسه ومظهره وتفكيره .كان في صباه رياضياً ماهراً يجيد فن المراوغة بكرة الشراب رغم نحول جسمه كما كان لا ينافسه أحد في صنع كرة الشراب من شرائط القماش ونواة الدوم الداخلية "كدادة الدوم"- وهي تزيد من سرعة الكرة- والجوارب "الشرابات" . رغم حداثة سنه كان ضمن الذين يتحلقون حول المذياع للإستماع لوصف مباريات الثالثة والنصف عصراً،ويحفظ الوصف عن ظهر قلب، يحدثك عن فريق" النيفتجانك" السوفيتي و" الآيك" السويدي و "الرد ستار" اليوغسلافي و "الهونفيد" المجري كحديثه عن فريقه المفضل المريخ ،يحكي لك عن سحرة كرة القدم بوشكاش وبوجيك وكوتشيش كما يحدثك عن براعة برعي "القانون والرأس الذهبية"-كما يحلو أن يقول- وحمد وفيصل السيد ومتوكل وبشرى كنب ومنصور رمضان وحسن العبد وصالح غريب وقرعم وأبو العائلة وأبو الجاز وعبد الحفيظ وكلول وعلي المعتصم وبذات الحذاقة يحدثك عن فرقة الهلال؛ سبت دودو عثمان الديم ورحمي الذي كان يلعب في خانة قلب دفاع الهلال –والشيء بالشيء يذكر ورحمي خال المرحوم الفاتح – أشول وكوارتي وأمين زكي ودريسة ،ممي،حسن عطية،الهادي صيام،صديق منزول،عريبي والحوري. شُغفَ الفاتح حباً بالموسيقى والآلات الموسيقية منذ طفولته فكان يصنع الأعواد (جمع عود وهي آلة موسيقية يعلمها الجميع) من ألواح الطرور الطويلة بعد أن يقوم بتسطيحها ويستخدم سبيب ذيل الحصان كأوتار نسبة لصعوبة الحصول على خيوط العصب وقتئذٍ.
الشيء الوحيد الذي كان لا يشاركنا فيه المرحوم الفاتح ونحن صبية هو السباحة في نهر النيل حيث كنا نتباري في عبور النهر من شاطيء أبي روف حتى الوصول إلى نقطة معيَّنة نحددها في الضفة الشرقية "شمبات"قبل الشروع في السباحة واضعين في الحسبان قوة التيار الذي قد يجرفنا بعيداً عن النقطة المحددة .وكان بعض الرصفاء من الصبية يدردشون مع الفاتح:"إنت يا الفاتح ليه ما بتعوم مع الجماعة؟؟" فيرد عليهم ممازحاً:"أنا زول طماع وصعب لو نزلت البحر ما بقطعه بالعرض لكن بقطعه بالطول وما بقيف إلا في توتي!!!"كان ذلك الفاتح خفة ظل لازمته حتى لقيَّ ربه.
نال الفاتح تعليمه الإبتدائي مع أبناء عمومته بمدرسة حي الدباغين الأولية بشمال أبي روف والأوسط والثانوي بمدارس الشعب ببحري وتخرج من معهد بخت الرضا ليعود لمدارس الشعب مدرساً للغة العربية مع أساتذته جهِبِذ اللغة العربية المرحوم الأستاذ فراج الطيب السراج والمرحوم محمود الصباغ. وامتلاك المرحوم الفاتح لنواصي اللغة العربية جعلت منه مذيعاً مفوهاً ذرِباً مِلِسان واستحق حقاً أن يُنعت بملك النشرات الإخبارية.
كان الفاتح شاباً مرهفاً حنوناً بَهِساً واذكر عندما عدت من يوغسلافيا في اجازة لمدة شهر بعد غيبة دامت لسنتين حيث كنت أتلقى تدريباً في الأكاديمية البحرية العسكرية اليوغسلافية،وقد شارفت إجازتي على الإنتهاء عزَّ على والدي سفري وغيابي مرة أخرى لأني كنت مقرباً منه وبمثابة ساعده الأيمن وصادف أن كان الفنان محمد الأمين يشدو برائعته:
قلنا ما ممكن تسافر*** نحن حالفين بالمشاعر
السفر ملحوق*** ولازم إنت تجبر بالخواطر
فاطرق والدي السمع لهذه الكلمات وغشيته سحابة حزن وكان- عليه الرحمة - رجلاً ورعاً لا يطرب لتحنان الأغاريد ولم يلحظ ما يعتمل في قلب الوالد إلا المرحوم الفاتح فغاب لمدة ساعة وعاد يحمل شريط محمد الأمين وأهداه للوالد. فما كان من الوالد إلا أن يحكي لنا قصة الشيخ الجليل العارف بالله الشيخ قريب الله بينما كان جالساً على مصلاته في الثلث الأخير من الليل في مسجده بودنوباوي ونسيم الصبح يحمل كلمات عذبة يشدو بها صوت جميل:
يا ليل أبقالي شاهد على نار شوقي وجنوني
يا ليل صار ليك مُعاهِد طرفي اللي منامي زاهد
دنالي سهرك وأشاهد فوق لنجمك ظنوني
فتأوه الشيخ استحساناً وطرباً للصوت وما حمله من معنى جسَّر المسافة بين المادة والروح .وكان صاحب ذلك الصوت الرائع هو الفنان كرومة.
مارس المرحوم التمثيل في مقتبل أيام صباه وأدى أدواراً معقدة في الإذاعة مع فرقة السودان للتمثيل والموسيقى وفي برنامج "قال رسول الله" مع أساطين الممثلين أمثال عمه محمود الصباغ والأستاذ ميسرة السراج – أطال عمره – وعلى الرغم من عدم استمرارية المرحوم في التمثيل إلا أنه كان مدرسة دراما قائمة بذاتها ومقدرة فائقة على التمثيل والتقليد وذاكرة حفظ خارقة فكان بإمكانه حفظ جلسة حوار يدور بين خمسة أشخاص ويقلد كل واحد بنبرات صوته وطريقة كلامه ولغة جسمه وكأني بكم تشاهدون مجلس الأشخاص المعنيين بذاتهم. كان رجلاً متواضعاً يحب مجالسة البسطاء من أهله يؤانسهم ويبعث فيهم الفرحة والغبطة وكان من أصدقائه الذين لا يقوون على مفارقته خاله متولي "كافوت" ومحمد وفؤاد وصابوني وقنديل وماركوني.
في ليلة 20 / ديسمبر/2014 الحزينة رحل عن دنيانا المرحوم الفاتح ليلبي نداء ربه وخرجت أمدرمان يلفها الحزن وىعصرها الأسى لتودعه إلى مثواه الأخير وعدد غفير من أهليه ومحبيه وأصدقائه ومعجبيه. وجزعت عليه أسماك أبي روف وخور شمبات التي طالما تغنى لها وذرفت عليه هطَّال الدمع :
فرحان الدبس والشلبي والقرقور............ الديمة لازم الخور...... حي عليهو.
إتلمى السمك لعند حدود السور......الكبروس يغني والصفقة بالطمبور.....حي عليهو
في شيمة دبوك اتجمعوا الأسماك......في قصر العجل الحفلة جوه هناك.....حي عليهو
البياضة بتقولهم عاينت بالشبك......شفت البر نضيف لا شبكة لا شبَّاك.....حي عليهو
شفت البر نضيف لا متولي لا شبَّاك......حي عليهو
والسمكة بتقول أنا دابي اتجميت......واليت البحر لي مدة من البيت.....حي عليهو
دابي الحوت مع التمبيرة سوى سوا.....لغاية البرَدْ قلَّع قبل شمبات....حي عليهو
وأبوروف خشمو فاتح للضحك ككيف..... وأبوروف خشمو فاتح للضحك ككيف..... حي عليهو
اللهم يا رحمان الدنيا والآخرة أرحمنا وارحم أمة محمد كافة رحمةً تغنينا عن رحمة سواك.
اللهم أرحم الفاتح فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك. اللهم قِه عذابك يوم تبعث عبادك....
أيها الأحباب ارفعوا الأكف وتضرعوا لله عز وجل أن يشمله بعفوه ورضائه وقبوله.
زكريا خليل الصباغ
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.