رد الداعية الإسلامي الشيخ (الجفرى) على حديث الصحفى والإعلامي المصرى المعروف (ابراهيم عيسى) الذى ذكر واقعة تقول: " أن خليفة المسلمين الأول ابو بكر الصديق حرق رجلًا حيًّا اسمه الفجاءة السلمي، تلك الواقعة اعتمدت عليها جماعة داعش في حرق الطيار الأردنى – الشهيد – الكساسبة". وأضاف ابرهيم عيسى "كل الأسانيد التي تقدمها داعش لتبرير جرائمها موجودة بالكتب"، وفى كلامه هذا كثير من الصواب. فرد عليه الشيخ (الجفرى) قائلا: "تحدث بعض من تَسَوّر تناول الأحكام الشرعية بغير علم عن جريمة حرق خوارج العصر للطيار الأردني رحمه الله، فزعم أن سيدنا الصدّيق رضي الله عنه قد أحرق (الفجاءة السلمي) حيًا، والمشكلة هنا تكمن في اجتراء بعض إخوتنا من المثقفين على تناول المواضيع الدينية بغير علم ولا رجوع إلى أهل العلم للتأكد من معلوماتهم التي ينقلونها عن الكتب بغير تخصص". وأضاف الجفرى: "رواية إحراق سيدنا أبي بكر الصديق للفجاءة رواية باطلة مدار سندها على (علوان بن دَاودَ البجلي) وهو رجل مطعون في روايته، وقال الحافظ بن حجر في لسان الميزان: قال البخاري: علوان بن داود ويقال بن صالح منكر الحديث، كما علق الحافظ نور الدين الهيثمي في مجمع الزوائد على هذه الرواية بقوله: (رواه الطبراني وفيه علوان بن دَاوُدَ البجلي وهو ضعيف وهذا الأثر مما أُنكر عليه)". أنتهى رد الشيخ الجفرى، دون أن يقدم شيئا يفيد الناس، وماذا لو ثبتت صحة تلك الرواية اما كان من الأجدى على الشيخ (الجفرى) أن يوضح رأيه في شجاعة عن (شريعة القرن السابع) التى تحرض المسلمين على القتل وسفك الدماء في القرن الحادى والعشرين، وهل هؤلاء (الدعاشيين) ومن بينهم دكاترة ومهندسين وخبراء حاسوب كانوا سوف يلجؤون الى هذا الإرهاب والى هذا العنف من رؤوسهم ولو لم تكن لديهم مرجعية أو فتاوى موجودة على الكتب؟ للأسف هؤلاء الذين يسمونهم علماء وفقهاء في حقيقة الأمر لا يعرفون الإسلام ولا يفهمونه، وهو دين كثير من آيات قرانه تدعو (للتفكر) ولاستخدام (العقل)، لكنهم لا يستخدمون تلك العقول بل يعتمدون على (النقل) وعلى فتاوى مضت عليها قرون وسنوات لذلك يخرجون من جامعاتهم ومعاهدهم التكفيريين والإرهابيين بإصرارهم على (شريعة القرن السابع) كدستور حاكم دون اعتراف بالتطور ومتطلبات العصر واختلاف الوقت الحالى عن وقت فرض تلك الشريعة. ولو فهموا الإسلام جيدا لاعتمدوا على بدايات نزوله في مكة وعلى آيات (الأصول) الصالحة لكل زمان ومكان لا على آيات (الشريعة) التى تحرض على القتل وعلى التفرقة بين الرجل والمرأة وبين المسلم وغير المسلم، بل بين المسلم العربى و والمسلم غير العربى، أولئك جميعا – غير المسلم والمرأة والمسلم غير العربى – لا مكانة لهم ولا تمثيل في مجلس اهل (الحل والعقد) الذى يعد ركنا هاما في نظام (الشورى) الذى تحكم به الدولة في (الشريعة) الإسلامية بدلا عن الديمقراطية التى تساوى بين جميع المواطنين. هؤلاء (العلماء) هم الذين يدرسون (للإرهابيين) – يدرون أو لا يدرون - فنون الإرهاب ويزودونهم بالفتاوى المدمرة وحينما تقع الواقعة (يتنكرون) لفعلتهم ويتبرأون منها ويتجهون الى قراءة آيات (الإسماح) المنسوخة بآيات (السيف) والقتال واراقة الدماء لكى يبينوا ان الإسلام دين سلام وتسامح متناسين (الشريعة) والآيات المحرضة (للجهاد) في ذلك الوقت.. قال الشيخ المتصوف ابن عربى أن الاية التى نرددها دائما لعلهم يفقهون والتى تقول: " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ". حينما نزلت نسخت 114 آية من آيات الإسماح التى تدعو لقبول الآخر ومعتنقه أيا كان، وبالطبع تتوافق مع اسس ومبادئ دولة (المواطنة) الحديثة. فهل أفيد للإسلام كدين ولمعتنقيه مثل هذه الآيات : " وأتبعوا – أحسن – ما انزل اليكم من ربكم " .. و " وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " .. و " فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ " .. و " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " .. و " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ". أما آيات (الشريعة) التى نسخت تلك الآيات والتى تجعل عقلاء المسلمين وأذكياءهم يشعرون بالحرج ولذلك اما أن تخلوا عن اسلامهم هربا لدين آخر، أو لجأوا الى (المماحكة) والى قول مثل هذا حديث ضعيف وتلك رواية مشكوك فيها .. أو انهم الحدوا بالمرة وأنكروا الدين والإله .. وفى أفضل الأحوال لجأوا الى قول مثل (هذا رأى المفسرين) أو أنهم قالوا أن التفسير يقتصر على زمن وسبب نزول هذه الآية أو تلك، مع أن المعنى واضح ويتحدث عن عموم (المعنى). نلك الآيات مثل: " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ". ومثل آية ثانية أكثر وضوحا تدعو (للإرهاب) صراحة وعلنا، ويعتمد عليها كثير من الإرهابيين في تنفيذ جرائمهم البشعة، وسوف يغالط مغالط بدلا من أن يبحث له عن مخرج (مقنع) يقبله العقل .. تلك الآية هى التى تقول "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل – ترهبون - به عدو الله وعدوكم ". ومثل الآية : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ". ومثلالآية : "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ". كيف يتعامل المسلم مع أخيه المسيحى في عصر دولة (المواطنة) اذا حاول أن يتمسك بحكم وتفسير مثل تلك الآيات؟ وهل هناك آية أوضح من الآية التالية التى تبين لغير المسلم خارطة الطريق التى يعصم بها دمه في الدولة المحكومة بشريعة القرن السابع؟ تقول الاية: "قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ". ولا بأس من أن نكرر هنا الرواية المنقولة عن ثانى الخلفاء (الراشدين) عمر بن الخطاب الذى يضرب به المثل في العدل، حينما انتهر واليه ابو موسى الأشعري لأنه عين موظفا (مسيحيا) كفء وقال له غاضبا : " كيف تعزهم وقد ازلهم الله وكيف تقربهم وقد ابعدهم الله". يعنى (المسيحى) المسكين في دولة (الشريعة) مهما كان عارفا وعالما وأمينا، فلا مكان له في تلك الدولة غير أن يفتح (صيدلية) اذا تعلم وكان لديه مال أو أن يبيع (القماش) كما رأيناهم بكثرة في اسواق السودان قبل أن تطبق الشريعة بدون (دغمسة). وحتى في هذه الحالات اذا اعتدى مسلم على مسيحى وقتله، فأن المسلم لا يقتل .. واذا كان شهود واقعة القتل كلهم مسيحيون فلا تقبل شهادتهم. أنظر الى هذا الحديث ماذا يقول : "لا يُقتل مسلم بكافر". (رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود والترمذي). وقال الحنابلة بالمعتمد: "ولا يقتل المسلم ولو عبدا بكافر ذمي ولو ارتد ولا حر لو ذميا بعبد". قال ابن قدامه في المغني: "أكثر أهل العلم لا يوجبون على مسلم قصاصاً بقتل كافر أي كافر كان". وقال الامام مالك بالموطأ عندما سئل عن ديه اهل الذمة : "الامر عندنا انه لا يقتل مسلم بكافر الا ان يقتله غيلة فيقتل به". شهادة غير المسلم (الكافر) على المسلم كيف ومتى تقبل: ورد في صحيح البخاري "كتاب الشهادات " باب لا يسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها. "قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم و قولوا آمنا بالله". استثنى أبو حنيفة وأحمد وشريح وإبراهيم النخعي والأوزاعي شهادة الكافر على وصية المؤمن أثناء السفر إن لم يوجد (غيره) للضرورة. أما شهادة الكافر على الكافر، فقد منعها مالك والشافعي وأحمد وأجازها أبو حنيفة. بعد كلما تقدم أنظر لمظاهر النفاق والكذب والضحك على الدقون، نقلت الأخبار أن (مرشد) الإخوان المسلمين (السابق) في الأردن ذهب الى اسرة الطيار (الكساسبة) معزيا ورافضا الذى حدث ومدعيا انه يتنافى مع (قيم) الإسلام .. وتلك كلمة حق أريد بها باطل .. فما فعلته (داعش) يتنافى مع (أصول) الإسلام بكل تأكيد، لكنه لا يتنافى مع أحكام (الشريعة)! والدليل على ذلك أن قياديا في ذات التنظيم، لكنه من (مصر) وهو المحامى " صبحى صالح"، قد خطب فى شباب (الإخوان المسلمين) حينما كانت السلطة بين يديهم قائلا: " عليكم أن تتزوجوا من الأخوات المسلمات – فقط - حتى لا تستبدلوا الطيب بالخبيث". في عام 2008 أى قبل الإطاحة بنظم (مبارك) نشرت جريدة (المصرى اليوم) مقالا جاء فيه "رفضت محكمة مصرية شهادة مواطن مصرى لأنه يدين بالمسيحية على مسلم". واضاف كاتب المقال: "رفضت محكمة شبرا الخيمة شهادة مسيحي مع أحد المسلمين في القضية 1824 لسنة 2008، بحجة أن المسيحي لا تجوز شهادته شرعاً علي المسلم، والمشكلة هنا لا تتعلق بقاضٍ متطرف، ولا بقضية خلاف علي ميراث قليل، ولا بمواطن مسيحي تم إهدار مواطَنته"، واذا عرف السبب بطل العجب وهو أن الدستور المصرى منذ ايام (مبارك) بل من قبله، تنص مادته الثانية على أن (مبادئ الشريعة الاسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع) .. فكيف يكون الحال لو طبق دستور (مرسى) الذى لا يعترف (بالشريعة) المدغمسة مثل أخيه (البشير) أو كما قال؟ ختاما .. يحتاج الإسلام حتى يصبح ملائما لروح العصر وملبيا لحاجة انسانه ، وهذا هو المراد من الأديان، الى مراجعات جذرية وشجاعة وشاملة، خاصة في المناهج التى تدرس في الجامعات والمعاهد والا فعلى الدنيا السلام ولن يستثنى الأرهاب حتى اؤلئك الأغبياء المطالبين بدساتير اساسها (شريعة) القرن السابع، لا شريعة العصر وكل زمان ومكان وهى (العدل). [email protected]