في يونيو من العام الماضي دهش السودانيون- حينما- استخدمت الدبلوماسية طريقة جديدة لإحداث اختراق في العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة.. الخرطوم بعثت الشيخ الصوفي الأمين عمر الأمين، برفقة مدير مكتب الرئيس؛ لتسليم رسالة خطية من الرئيس البشير إلى الشيخ محمد بن زايد ولي عهد إمارة أبو ظبي.. تلك الخطوة أثارت- في حينها- جدلاً في الأوساط الشعبية والدبلوماسية.. عنوان الرسالة السودانية لم ينته إلى قصر رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد، كما إن الوسيط الصوفي شخص غير متفق عليه حتى داخل فريق (ود البنا) الأمدرماني، ولم يسبق له أن لعب دوراً سياسياً في الساحة السودانية. أغلب الظن أن ما فعله الشيخ المثير للجدل أتى أكله بعد عدة أشهر.. في بداية الأسبوع المنصرم كانت الخرطوم تستقبل وزير العمل الإماراتي صقر بن غباش.. الوزير الإماراتي حمل في حقيبته رسالة من الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي.. الرسالة تحمل بين طياتها دعوة إلى الرئيس البشير؛ للمشاركة في معرض أبو ظبي للدفاع، الذي تشارك فيه نحو ألف ومائتي شركة.. الرئاسة السودانية تعاملت بحماس مع الدعوة الإماراتية، وعدلت في برنامج الرئيس.. بالفعل وصل الرئيس البشير إلى أبو ظبي على رأس وفد أكبر من المناسبة ذاتها. قبيل التوغل في نتائج زيارة البشير إلى الإمارات علينا الإقرار أن ثمة انفراج في علاقات السودان الخارجية.. الانفراج تم بالتزامن في محورين.. المحور العربي الإقليمي، الذي يشمل دول السعودية، ومصر، والإمارات.. هذا المحور بدأ يعيد النظر إلى دور السودان في المنطقة.. هذا المحور محكوم بهواجس أمنية، ومصالح إستراتيجية، ويعمل- بتنسيق شديد- بين أقطابه.. هذا المحور يعمل على عزل السودان من علاقاته المتينة مع إيران، وقطر، وحركة الإخوان المسلمين في مصر، وليبيا.. ويستهدف- أيضاً- تحقيق مصالح مصر المائية عبر إعادة السودان إلى الحظيرة المصرية، ومنع أي تقارب ثنائي مع إثيوبيا. تطور علاقة الخرطوم مع المحور الإقليمي بدأ بقطع العلائق مع إيران.. تبع ذلك التطور التقاء الرئيس السوداني مع الملك سلمان، الذي كان- وقتها- ولياً للعهد.. وتأتي زيارة البشير إلى أبو ظبي في إطار (جس النبض).. ومن المقرر أن تعقد- قريباً- قمة سودانية مصرية في القاهرة.. لقاء الرئيس البشير والمشير السيسي سيكون اختبارا لمدى التنازلات السودانية في ملف المياه، والملف الليبي.. ويلحظ أن المحور الإقليمي لا يكترث كثيراً لقضايا السودان الداخلية، بل ربما لا يبدي حماساً لتسوية سياسية تفضي إلى تعددية حزبية غير مرحب بها في الإقليم. المسار الثاني يمكن النظر إليه في علاقة الخرطوم بالغرب، خاصة واشنطن.. زيارة إبراهيم غندور مساعد رئيس الجمهورية إلى أمريكا دشنت عهداً جديداً بين الخرطوموواشنطن.. نتائج الزيارة تمثلت في رفع جزئي للعقوبات الاقتصادية.. إلا أن زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي المتخصص في الشأن الإنساني إلى الخرطوم تؤكد أن واشنطن ترغب في النظر لتعهدات غندور بشكل عملي ومباشر.. المحور الغربي يتقاطع مع الإقليمي في الرغبة لتحييد السودان في الملف الليبي، أو دفعه للاتساق مع الدور الخليجي المصري في الحرب على الإرهاب.. المحور الغربي يختلف عن المحور العربي في أنه يربط التطور في العلاقات بتسوية سياسية شاملة تحقق الاستقرار والسلام في السودان. بصراحة.. تخطئ الحكومة السودانية إذا نظرت بتفاؤل كبير لهذا الانفراج المؤقت في العلاقات الخارجية.. لكي تضمن الحكومة استمرار تحسن العلاقة عليها أن تسير بسرعة في درب التسوية الداخلية، وفي ذات الوقت أن تتعامل بحكمة في ملف الحرب على الإرهاب.. من قبل قدمت الخرطوم كل ما عندها من معلومات عن الحركات الإسلامية المتطرفة، لكنها لم تقبض الثمن، وظلت في عزلتها السياسية. التيار