بسم الله الرحمن الرحيم كنتُ كغيري ممن سَمِع بخبر وفاة الداعية مُحَمّد سيد حاج بكل أسى وحُزن، وهذه مُصيبة وعندها لا نملك إلا أن نقول : ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، والموتُ خلقٌ من خلقِ الله، إذ يقول الله في محكم تنزيله : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)) سورة الملك، والمتأمل في هذه الآية يجد الموتُ مُقدماً على الحياة وفي هذا دلائل عديدة نترك القاريء أن يستخلصها. ومن وصايا لقمان لابنه : يا بُني أذكر اثنين وأنسى اثنين، أذكر الله والموت، وأنسى إحسانك الى الناس وإساءتهم إليك. فلا بد لأي مؤمن أن يضع الموت نصب عينيه. وأكتبُ اليوم ليس لأعدد مناقب الفقيد وإنما لنحول هذه المحنة الى منحة وذلك بدعوة الناس الى ما كان يدعو له الفقيد من توحيد، ونشر الاخلاق الفاضلة في مجتمعنا، ونشر الدعوة الاسلامية في كل بقاع الأرض؛ والرجل كان له قبولاً لدى جميع شرائح المجتمع من حاكمٍ ومحكوم ومن الرجال ومن النساء والشباب وحتى الأطفال كانوا يستمعون لما يقول ولا يملون حديثه، بل تجد من ينضمون الى طرق أخرى ويعتقدون بعقيدة فاسدة يستمعون الى كلام الشيخ محمد سيد، لما لإسلوبه من سلاسة ولين، فيجمع أحياناً بين الترغيب والترهيب، وبين الجد والفكاهة، وبين ما كان في زمان السلف الصالح ومافي زماننا هذا، ومهما تحدث لا تمل من حديثه، لأن حديثه كان من القلب، وما خرج من القلب يصلُ الى القلب؛ بل كان متفرداً في دعوته وكان يقول أننا نحتاج في دعوتنا الى الاخلاص والتخطيط، وقد تبنى في أسلوب دعوته التعامل مع المدعويين بعطف. فساحة الدعوة تضجُّ بالكثير من الدعاة، فتجد هذا يميل الى نقد الجماعات الصوفية وتجد الآخر يُصوِّبُ سهامه على الحكام، وتجد الاخر متخصص في بعض الشيوخ؛ ولكن فقيدنا كان له اسلوب يُجبرك على أن تستمع لنصحه وكلامه؛ وهذا ما نفقده اليوم فهناك بعض الدعاة ينفر منهم المُستهدفونَ وينفضوا من حوله ولا تجد إلا القليل... لماذا؟ لأنه لم يستخدم الاسلوب الأمثل لدعوة هؤلاء أو أولئك. وقد بارك الله في عمرِ الفقيد الداعية محمد سيد حاج، إذ لم يبلغ الأربعين من عمره ولكنه ألّف العديد من الكتب وألقى العديد من المحاضرات وناقش وجادل وأُستُضِيف في العديد من القنوات الإذاعية والفضائية، ونشر الدعوة داخل البلاد وخارجها. وجاء في تفسير الآية 29 من سورة الدخان أن المؤمن إذا مات تبكي عليه السماء والأرض أربعين صباحًا، إذ يقول الله تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ)، ونحن نشهد لفقيدنا بالايمان (أنتم شهداء الله في الأرض)، ونحسب أن السماء تبكي لفراقه وكذلك الأرض التي كان يسجد عليها ويدعوا الله فيها؛ ونذكر هنا الحديث الذي رواه أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب يدخل منه كلامه وعمله فإذا مات فقداه فبكيا عليه - ثم تلا - " فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأرْضُ "). ونحن اذ ننعيه انما ننعي فيه دماثة الخُلُق وطيب المعشر ورحابة الصدر ونسأل الله أن يدخله الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين وحَسُن أولئك رفيقاً وأن يجعل كل من شيعه الى مثواه الاخير شفعاء له عند الله إنه جوادٌ كريم. وأقترح في خاتمة مقالي هذا أن تُجمع جميع محاضرات الداعية محمد سيد حاج وتُنشر (مجاناً) صدقة جارية له، فهو أحوج ما يكون لها، ونحن نعلم ان بني آدم اذا مات انقطع عمله الا من ثلاث ومنها الصدقة الجارية، والعلم الذي يُنتفعُ به، كما أخبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. نتمنى من الاخوة في شركات التسجيلات الاسلامية أن يقوموا بهذا العمل (لوجه الله تعالى) دون أي مقابل مادي حتى يصل ثوابها الى صاحبها. ومن ناحيتي لي العديد من تسجيلات الشيخ محمد سيد حاج وأنا على أتم استعداد لإعطاء نسخ منها لمن أراد أن يستفيد منها، ويمكن المراسلة على العنوان أدناه. والله من وراء القصد وهو الهادي الى سواء السبيل،، * مقال نشر قبل حوالي خمسة أعوام .. أحمد بن أبي عائشة [email protected]