درج مكتب الإحصاء الوطني بين الفينة والأخرى على إعلان معدلات التضخم (صعوداً وهبوطا)، وفقاً ل(سلته) التي تحوي عدداً من السلع والخدمات، وفي آخر إعلان له هذا الشهر؛ كشف عن ارتفاع معدل التضخم من (23.2) الى (24.3)، أما قفة الحاجة التومة فقد ظلت ترصد يومياً الارتفاع المضطرد في الأسعار، غض النظر عن إحصاءات مكتب الإحصاء حتى لو رصدت هبوطاً ملحوظاً في انخفاض معدلات التضخم، وهنا تكمن المفارقة ما بين (سلة الإحصاء) و(قفة حاجة التومة)، لا بل حتى بين الاقتصاد كعلم وأرقام ونظريات، والواقع المعيش في الأسواق والملجات والجزارات الخ، فربات البيوت وأرباب الأسر من غمار الناس، ليس لهم في علم الاقتصاد غير قفة الملاح، عندما تمتلئ قفتهم عافية يكون الاقتصاد عندهم معافى، والعكس صحيح، لا يفقهون في أحاديث الساسة والاقتصاديين حول التضخم وعرض النقود والأداء الكلي للاقتصاد والسياق التاريخي لظهور العولمة والميل الحدي للاستيراد والبضائع المثلية والبطالة الاحتكاكية والناتج المحلي والدخل القومي والميزان التجاري وميزان المدفوعات وهلمجرا من كلام كبار كبار لا يأبهون له، كما يعرفون ويأبهون للميزان أبو كفتين عند أصحاب التشاشات والرواكيب والدكاكين والكناتين والبقالات والكيلة والملوة والمد عند باعة البصل والفحم وما شاكلهما، والرُبطة والكوم عند الخضرجية وغير ذلك من مقاييس ومكاييل تشكل مدار حياتهم اليومية، ولا تثريب عليهم فليس شغلهم أن يشتغلوا على نظريات الاقتصاد وبدائله، فهذه يكفيهم منها أنهم ربّوا وعلموا وبذلوا وما استبقوا شيئاً ليخرّجوا هؤلاء السياسيين والاقتصاديين المطلوب منهم أن يعكسوا أثر هذا العلم على حياة أهلهم بياناً بالعمل تؤكده قفة الملاح وليس بالأحاديث الشفهية والأرقام الجامدة التي إن لم تلامس قفة الملاح سيبقى عندهم قائلها مجرد (حلو لسان وقليل إحسان)، فنظرة للقفة تقطع قول كل خطيب. أذكر في هذا السياق أن الحكومة كانت تردد كثيراً وما تزال وتؤكد مراراً وما تزال سعيها لتوفير احتياجات المواطنين الضرورية والأساسية وذلك بإعادة الهيبة لقفة الملاح وإعادتها سيرتها الأولى، قفة أكبر تكاليف أقل، كما كانت أيضاً لا تكف عن إطلاق الوعود بمحاربة الفقر والبطالة وغيرها من (رافعات) المعاناة عن كاهل الجماهير، ولهذا فإن الناس لم يعودوا في حاجة لمن يحدثهم حديثاً نظرياً منذراً كان أو مبشرا، فها هو التضخم يرتفع والأسعار كل يوم هي في (شأن)، في هزيمة بائنة للأحاديث النظرية المستبشرة بتعافي الاقتصاد وانخفاض معدل التضخم وارتفاع قيمة العملة الوطنية الى آخر هذا الكلام الذي يصادم الواقع، الناس في حاجة فقط لبيان بالعمل ينعكس فعلياً وعملياً على قفة الملاح. التغيير