قرارات جديدة ل"سلفاكير"    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة شهد المهندس تشعل مواقع التواصل بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها بأزياء مثيرة للجدل ومتابعون: (لمن كنتي بتقدمي منتصف الليل ما كنتي بتلبسي كدة)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    سوق العبيد الرقمية!    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    مروي.. رصد مسيرات فوق ارتكازات الجيش السوداني    إقصاء الزعيم!    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة تحليلية لخطة قطاع التنمية الإقتصادية لمعالجة أهم قضايا الإقتصاد الكلى لِمُوازنة العام 2015 (1):
نشر في الراكوبة يوم 05 - 12 - 2014


حسين أحمد حسين
مدخل:
لقد أعلن وزير المالية والإقتصاد الوطنى الموقر السيد بدر الدين محمود عباس، بأنَّ خطة البرنامج الخماسى 2015 – 2019 تهدف بالأساس إلى تحقيق الإستقرار الإقتصادى، وتحقيق وتيرة أسرع للنمو فى المجالات الإنتاجية المختلفة وبالتالى زيادة الناتج المحلى الإجمالى، بجانب زيادة الصادر ورفع القدرات التنافسية للإقتصاد وترشيد الإستيراد، ومواجهة الآثار السالبة للحصار الإقتصادى، وتحقيق الأهداف الكلية للبرنامج فيما يلى تحقيق الترابط بين قطاعات الإقتصاد المختلفة، وخفض معدلات التضخم، واستقرار سعر الصرف، وتخفيف العبء المعيشى على المواطنين.
هذا البرنامج يستهدف فى سنته الأولى (2015) معدل بطالة قدره 17.9% (أخذاً فى الإعتبار أنَّ وزير العمل الأستاذة إشراقة سيِّد محمود قالت أن البطالة بنهاية هذا الشهر ستكون 19.5%)، معدل نمو 3.6% (4% بحسب خطاب السيد الرئيس)، معدل تضخم 25.3% (فى المتوسط 20%)، واستقرار سعر الصرف، وأخيراً معدل نمو فى الكتلة النقدية قدره 15.4%.
ويجب أن نُّنوه هنا إلى أنَّ ذلك ممكنٌ، والتنمية ذاتها ممكنة (حتى فى زمن المناداة بموت التنمية فى مجتمع بعد – حداثوى)، فقط إذا وجدتْ الإرادة السياسية؛ تلك الإرادة السياسية التى دائماً ما نحاول تلمُّسها بتحليلنا لخطاب السلطة، للعثور على هامش جدية ولو بشكلٍ ضئيل، ولكن هيهات.
وأحياناً نُعطى مزية الشك لمسئول من المسئولين حينما يتحدث عن الإرادة السياسية وهو يتزَلَّفُ بها فى المحافل كما يفعل السيد نائب الرئيس د. حسبو محمد عبد الرحمن، ولكن سُرعان ما تنطمس تلك الإرادة بالجملة عندما يتحدث الشخص الذى يشغل المكتب المجاور له؛ كأنَّ الأمرَ عندهم؛ بَرْدُ هذا بِحَرِّ هذا، والله المستعان.
بعضُ التوضيح لأهمَّ قضايا الإقتصاد الكلى:
أهم قضايا الإقتصاد الكلى التى ستتناولها هذه القراءة هى القضايا المذكورة فى الفقرة الثانية أعلاه، والتى يستهدفها السيد وزير المالية والإقتصاد الوطنى بخطته للعام 2015 بالنسب المذكورة أمام كل متغيِّر من متغيرات الإقتصاد الكلى. وهى بحق أهمَّ القضايا التى تشغل الحكومات على هذا الكوكب؛ ولذلك سنتناولها بالتحليل كلَّاً على حدة، وسنتناول كيفية عملها كمجموع فى علاقة إرتباطها الدينامية بالطلب الكلى (النَّابع من معادلة الإنتاج الشهيرة: عمال/قوى حديثة + رأسمال/مدراء + (...) = الإنتاج/الثورة الوطنية الديموقراطية)، وذلك بهدف إختبار قدرة وزراء القطاع الإقتصادى على التوليف بين هذه المتغيرات المتضادة وإدارتها باتجاه مصلحة كافة شركاء العملية الإنتاجية (عمال ورجال أعمال) من غير الإنحياز لشريك دون الآخر؛ خاصةً فى ظل غياب تام للإرادة السياسية (التى إنْ وُجِدَتْ أُحبِطتْ إمّاَ بموقف سياسى أخرق، أو بواسطة الإقتصاد الموازى).
ونقول للمتوجِّس من العدالة، أنَّ انحيازك للعمال، لن يجعل منك شيوعياً ولا نُريدك أن تنحاز؛ وأنَّ انحيازك للراسمال لن يجعلك تقيَّاً مسلماً ولا نُريدك أن تنحاز، ولكن فقط إتخذ موقفاً ديموقراطياً وسطاً، لصالح كل شركاء العملية الإنتاجية. وعندئذٍ إسأل عن محبة النَّاس لك والتِفافهم حولك، واسأل عن التنمية، واسأل عن الإستقرار السياسى، واسأل عن زُهد النَّاس فى تغييرك، واسأل عن الثورة الوطنية الديموقراطية.
واللهِ إنَّ المرءَ لَيَعْجَب من حاكمٍ متاحٌ له أن يحكم النَّاسَ بالرضى والعدل والمحبة، ويختار الجبريةَ والقهر والكراهية. حَمَى اللهُ هذا الشعبَ الأبىَّ الكريم من أصحابِ النِّفوسِ المريضة، معطوبى الضمير، الشائهين المشوَّهين.
ولكن لا علينا، دعونا نبدأ بتناول التضخم، وذلك لتأثيره البالغ على كلِّ مُتغيرات الإقتصاد الكلى.
1- التضخم:
التضخم هو ببساطة إرتفاع عام فى الأسعار على مستوى الإقتصاد القومى لبلدٍ كالسودان، وبالتالى معدل التضخم يقيسُ النسبة السنوية فى زيادة الأسعار، لا سيما أسعار التجزئة. وعلى الدولة أن تنشر مِقياس شهرى لأسعار التجزئة كما يفعل الجهاز المركزى للإحصاء السودانى الآن، وبالتالى معدل التضخم يصبح هو نسبة الزيادة فى ذلك المِقياس على سبح الإثنَىْ عشر شهراً.
ومن الممكن أن يوفر الجهاز المركزى للإحصاء معدلات تضخم لأىِّ نوع من الأسعار المختارة، فمثلاً: يمكن نشر مقاييس شهرية للسلع الرأسمالية، الغذائية، المنازل، سلع الوارد، السلع بعد أخذ الضرائب، وعلى ذلك قِسْ. وبالتالى المعدلات المتتالية للتضخم لهذه السلع، هى ببساطة الزيادات فى النسبة المئوية لهذه المقاييس. وبنفس القدر يمكن أن نعطى معدل تضخم لمعدلات الأجور، ويسمى تضخم الأجور.
ودعونا نلقى بعض الضوء على مصطلح التضخم: فحين تزيد الأسعار، فهذه الحالة تُسمى "تضخم"، وحين تنخفض الأسعار، فهذه الحالة تُسمى "تضخم سلبى"، أكثر منها حالة من الأنكماش (). إذ أنَّ مصطلح إنكماش عادة ما يُستخدم فى حالة تدخل الدولة بسياساتها المعروفة (المالية والنقدية والإئتمانية) لتقليل الطلب الكلى؛ أىْ بالسياسة المُصمَّمة لخفض الإنفاق الزائد () فى الإقتصاد.
وهنا علينا ألاَّ نخلط بين زيادة ونقصان التضخم، بالزيادة والنقصان فى الأسعار. فالزيادة فى التضخم تعنى الزيادة السريعة فى الأسعار، والإنخفاض فى التضخم يعنى الزيادة البطيئة فى الأسعار ( وهى زيادة، ما بقِىَ التضخمُ موجباً).
وعليه، فالأسئلة التى يجب مواجهتها: ماهى أسباب التضخم، وما هى خطورته، وما هى علاقته بأهداف/متغيرات الإقتصاد الكلى الأُخرى، وماذا بوسع الحكومة لمحاربته، وهل من أعراض جانبية لسياسات مكافحته؟
أسباب التضخم فى السودان:
التضخم فى السودان يكاد يكون أحد متلازمات الإقتصاد السودانى منذ أوائل الثمانيات الفائتة (راجع التقرير القطرى لصندوق النقد الدولى 12/299، نوفمبر 2012). ولعلَّ أهمَّ أسبابه ومحدداته التى تضمنها تقرير الصندوق عن حالة السودان هى: معدل سعر الصرف، أموال الإحتياط، التسييل النقدى/ضخ السيولة، والأجور.
والشاهد، أنَّ الصندوق يُولى معدل سعر الصرف أهمية أكبر فى التأثير على التضخم فى السودان وذلك فى تقديرى من واقع تأثُّرِ معدل التضخم بالعالم الخارجى مرتين؛ المرة الأولى لكون السودان دولة مُفْرِطة فى التحرير والإنفتاح على العالم الخارجى، وبالتالى هذا الحلول فى الرأسمالية العالمية يجعل التضخم فى السودان شديد الحساسية والتأثر بما يطرأ من تغيرات عالمية ذات صلة بمعدل سعر الصرف داخلياً. والمرة الثانية لحقيقة أنَّ معدل سعر الصرف يساعد داخلياً أيضاً على معرفة التوقعات التضخمية ومحاولة التأقلم معها، وهذا من شأنه أن يزيد فى معدلات التضخم. وسنعرف لاحقاً أنَّ التضخم من الممكن أن يرتفع - لا لشئ - لمجرد أن يتوقع النَّاس إرتفاعه.
أما السياسة المالية فتبقى ذات تأثير غير مباشر على التضخم، اللَّهُمَّ إلاَّ حين تبدأ فى التأثير على الأجور، وضخ السيولة الذى قد تلجأ إليه الحكومة عند الضرورة. أما أموال الإحتياط فتكون ذا تأثير بالغ على التضخم فى الأزمنة التى ترتفع فيها معدلات التضخم بشكلٍ كبير (التضخم ذو الخانتين، كحالة السودان الآن).
وإذا أمعنا النظر لمعدل التضخم فى السودان، سنجد السِّمة الغالبة لذلك المعدل هى التذبذب، وذلك لعمرى هو أخطر المظاهر السالبة للتضخم على الإطلاق، لتأثيره السلبى المباشر على الإستثمار (خاصةً الأجنبى) وبالتالى على معدل نمو الإقتصاد القومى (فمعدل تضخم كبير مستقر، خيرٌ من معدل تضخم متأرجح بين الصعود والهبوط).
ففى خلال الأربع وثلاثين سنة المنصرمة، نجد التضخم قد وصل فى النصف الأول من ثمانينات القرن المنصرم إلى 40%. ووصل إلى 130% فى عام 1991، و140% فى عام 1992، وأكثر من 150% (166%) فى عام 1996. وفى هذا الفترة تطلَّب الإفراط فى الإنفتاح على العالم الخارجى (بما يعنيه ذلك من توحيد سعر الصرف بين السوق الموازى والرسمى) إلى تخفيض قيمة الجنيه السودانى 2000% (المرجع أعلاه).
أما فى عام 1998، فقد إنخفض التضخم تحت إشراف صندوق النقد الدولى إلى 17%، وإلى 8% فى عام 2000م. وعلى أىِّ حال التضخم ذو الخانتين عاود الظهور منذ عام 2006 واستقر على هذا المنوال إلى يوم النَّاس هذا: حيث بلغ 19% فى 2011، 37% فى 2012.
وبالرغم من أنَّ أداء الإقتصاد الكلى كان مُرضياً فى الفترة ما بين 1999-2010 (معدل نمو حقيقى وصل 6%، والإختلالات المالية والمصرفية كانت متواضعة وإنحصرت فى حدود ال 2%، و4% على التوالى كنسب من الناتج المحلى الإجمالى)، إلاَّ أنَّ التضخم شذَّ عن هذا الواقع وظل مرتفعاً فى المتوسط، أى بلغ 13% (المرجع أعلاه).
ولم يبقَ الحال كما هو عليه قبل إنفصال الجنوب، إذ بدأ معدل التضخم فى إرتفاعٍ مضطرد، حتى بلغ فى العام 2013م 36.5% (موقع الجهاز المركزى للإحصاء، مارس 2014م)، أما معدل التضخم للسنة 2014م فقد بلغ فى المتوسط (لِ 4 أشهر) 42.2% (المحصلة عُملت من معلومات مأخوذة من: سودانتربيون: 13/10/2014).
هذا الإرث إذاً يعكس ما قلناه بعاليه، أىْ التذبذب فى معدل التضخم، وذلك بالضرورة يعكس فشل السياسات الضابطة له، ويعكس حالة من عدم الإستقرار الإقتصادى والسياسى المُنَفِّرة للإستثمار المنتج الجاد. والسؤال المهم: هل مع هكذا وضع، توجد إمكانات فعلية لخطة القطاع الإقتصادى لجعل معدل التضخم مستقراً فى الإرتفاع أو (حبذا) فى الإنخفاض، أم أنَّ الأمر كلَّهُ للإستهلاك السياسى؟ سنرى ذلك حين الحديث عن دينامية الطلب الكلى إن شاء الله.
الآثار السالبة للتضخم:
1- تكمن مشكلة التضخم فى أنَّه يحد من قدرة الإقتصاد القومى على النمو إذا كان النَّاس متطلِّعين لتحقيق مستويات معيشية عالية (كالتحوُّل من الفتَّة إلى الهوت دوغ، وما شاكله)، وحين تقل معدلات النمو تزداد البطالة. وبالطبع تكون البطالة مشكلة للمتبطلين أنفسِهِم وللمجتمع ككل؛ ذلك الذى إنخفضت منتاجته، وفى نفس الوقت عليه أن يدعم العاطلين عن العمل (هذا إذا كنا دولة مثالية ومسئولة كما كان عليه الحال على أيام بند الهندى).
ولو كان بمقدور النَّاس التنبؤ بمعدل التضخم، وبالتالى عدَّلوا الأسعار والدخول آخذين فى الإعتبار معدل التضخم، فكُلفة التضخم ستكون بسيطة نسبياً. غير أنَّ ذلك يتعذَّر فى أرض الواقع؛ حيث يُخطئ النَّاسُ تقديرَ معدل التضخم، وبالتالى يكونون غير قادرين على التَّأقلم معه. بعبارة أخرى خطورة التضخم تكمن فى حالة التذبذب التى تلازم معدله بالقدر الذى يعجز النَّاس على أخذ ذلك المعدل فى حُسبانِهم وحساباتهم، خاصةً إذا كان معدل التضخم كبيراً (من خانتين، 25.3% كما هو مستطرد للعام 2015).
2- من التداعيات الخطيرة للتضخم هى حالة كونه يعيد توزيع الدخل بعيداً عن أصحاب الدخول الثابتة (كأرباب المعاشات، العمال، والموظفين: الذين ليست لهم نقابات ومنظمات مجتمع مدنى تمثلهم، وإن وُجدت فهى مخصية فى إطار نقابة المنشأة التى إبتدعتها الإنقاذ)؛ ويُعطيه للذين لهم قوى إقتصادية (كالشرائح الرأسمالية، ولا سيما الشريحة ذات الهيمنة) وقدرة على الدفع، والإيجار، وزيادة الأرباح (المَمَكَّنين رأسمالياً).
وكذلك فإنَّ التضخم يزيد مداخيل أصحاب الأُصول الرأسمالية كالعقارات (شركة التأمين الإسلامية مثالاً؛ تلك التى عُفِيَتْ من الضرائب منذ أكثر من 20 عاماً، فصارتْ بذلك صاحبة قدرة هائلة على التراكم الرأسمالى، مِمَّا جعلها أكبر مالِك للعقارات فى العاصمة المثلثة)، والتى تزداد قيمتها سريعاً فى أوقات التضخم، ويُوزِّعُهُ بعيداً عن ضعيفى القدرات التفاوضية والمساومة الذين يملكون مُدَّخراتٍ فى مصارفَ تدفع معدلات فائدة أقل من معدل التضخم، الأمر الذى يؤدى إلى إنجراف قيمة تلك المدخرات بالتضخم.
وبالتالى يتضح من هذه القراءة أنَّ أكثر الفئات ذات الدخل المحدود تأثراً بالتضخم هم أرباب المعاشات، وقد رأينا أساطين الخدمة المدنية المتقاعدين وهم يتكفَّفون النَّاس فى الطرقات فى عهد الإنقاذ المشئوم.
3- من الممكن أن يؤدى التضخم إلى إختلال فى ميزان المدفوعات. ففى حالة معاناة البلد من معدل تضخم عالٍ نسبياً (من خانتين/25.3%)، فإنَّ صادراتها ستكون أقلَّ منافسة فى الأسواق العالمية، وفى نفس الوقت تكون الواردات أرخص من السلع المصنوعة محلياً. وبذلك تقل الصادرات وتزداد الواردات، وهذا يقود إلى إختلال ميزان المدفوعات، وإلى إنخفاض سعر صرف العملة المحلية.
وقد رأينا بنك السودان مِراراً وتكراراً يعجز عن توفير العملات الصعبة للشركات الأجنبية التى تريد تحويل أرباحها خارج السودان، فتضطر الحكومة تعويضها بإعطائها سلعاً من سلع الصادر بدلاً عن العملات الصعبة. وبالتالى تكون هذه الشركات قد إستفادت من الإعفاءات الجمَّة الممنوحة للمستثمرين (كشركات البترول وغيرها، المعفية من كل الضرائب) والمصدرين معاً (الإعفاء من ضريبة الصادر)، أما المزارع والخزينة العامة فيطلع كلاهما "فاعلَ خير"، وتتعمق الإختلالات.
فتخيل العملات الصعبة التى يجنيها المستثمر فى قطاع البترول جراء الإعفاء من الضرائب، وحينما يأخذ أرباحه فى شكل سلع صادر. وتخيل تأثير ذلك على النمو، حينما لا يعود بتلك الأموال الطائلة إلى السودان (فهى لها مستقر آخر آمِن ومحبَّب لهذا المستثمر الأجنبى) فى شكل سلع رأسمالية وتكنولوجيا؛ التى كان من الممكن أن تسد فجوة بناء القاعدة الإقاصادية للبلد.
4- التضخم يزيد مخاوف المستثمرين (رجال الأعمال)، خاصةً مع تذبذب معدله، وقد رأينا بعاليه كلما كان معدّل التضخم عالياً (من خانتين/25.3%)، زادت قابليته للتذبذب. وبالتالى كلما صَعُبَ على الشركات/الأعمال التنبؤ بالتكاليف والعائدات، قلَّتْ شهيتهم للإستثمار فى البلد؛ وهذا بدوره يقود إلى إنخفاض معدل النمو. وحين يجئ الحديث عن عمل كل المتغيرات (كمجموع) فى إطار الإقتصاد الكلى، سنكتشف أنَّ السياسات التى ستتبعها الدولة لخفض التضخم، قد تؤدى هى الأخرى إلى خفض معدل النمو الإقتصادى، خاصة فى المدى القصير (فى حدود السنتين)، وبالتالى تتعاظم محنة الحكومة.
5- لن تكون كُلفة التضخم عالية إذا كان آحادىَّ الخانة (أى تمَّ ضبطه فى خانة واحدة، تسعة فأقل)، وقد تحتاج الدولة إلى مزيد من الموارد لتأجير خبراء (كبعثة صندوق النقد الدولى المستقرة فى السودان بطلب من الحكومة للمساعدة فى مراقبة أداء برامج السودان الإقتصادية) يُساعدونها على التأقلم مع واقع عدم الإستقرار الذى يخلقه التضخم، خاصة إذا زاد عن الخانة الواحدة، أو إذا وصل إلى طور التضخم الجامح (كما حدث فى حالة زيمبابوى).
عندئذٍ، يزداد الضغط على الموارد: فالشركات تزيد أسعارها لتغطية تكاليفها، والعمال يطلبون زيادةً فى الأجور لتغطية تكاليف المعيشة المتصاعدة. وبالتالى تصبح الأجور فى طِراد مع أسعارٍ تضخمية ولولبية الصعود. وعند هذا الحد يزهد الناس فى إدخار النقود، بل ويُسارعون إلى إنفاقها كى لا تفقد قيمتها، وقد يستعيضون عنها بالمقايضة.
يُتبع ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.