منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر الشهيرة "ماما كوكي" تكشف عن اسم صديقتها "الجاسوسة" التي قامت بنقل أخبار منزلها لعدوها اللدود وتفتح النار عليها: (قبضوك في حضن رجل داخل الترام)    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    النائب الأول لرئيس الإتحاد السوداني اسامه عطا المنان يزور إسناد الدامر    إسبوعان بمدينتي عطبرة وبربر (3)..ليلة بقرية (كنور) ونادي الجلاء    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    ⛔ قبل أن تحضر الفيديو أريد منك تقرأ هذا الكلام وتفكر فيه    الدب.. حميدتي لعبة الوداعة والمكر    منشآت المريخ..!    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة تحليلية لخطة قطاع التنمية الإقتصادية لمعالجة أهم قضايا الإقتصاد الكلى لِمُوازنة العام 2015 (1):
نشر في الراكوبة يوم 05 - 12 - 2014


حسين أحمد حسين
مدخل:
لقد أعلن وزير المالية والإقتصاد الوطنى الموقر السيد بدر الدين محمود عباس، بأنَّ خطة البرنامج الخماسى 2015 – 2019 تهدف بالأساس إلى تحقيق الإستقرار الإقتصادى، وتحقيق وتيرة أسرع للنمو فى المجالات الإنتاجية المختلفة وبالتالى زيادة الناتج المحلى الإجمالى، بجانب زيادة الصادر ورفع القدرات التنافسية للإقتصاد وترشيد الإستيراد، ومواجهة الآثار السالبة للحصار الإقتصادى، وتحقيق الأهداف الكلية للبرنامج فيما يلى تحقيق الترابط بين قطاعات الإقتصاد المختلفة، وخفض معدلات التضخم، واستقرار سعر الصرف، وتخفيف العبء المعيشى على المواطنين.
هذا البرنامج يستهدف فى سنته الأولى (2015) معدل بطالة قدره 17.9% (أخذاً فى الإعتبار أنَّ وزير العمل الأستاذة إشراقة سيِّد محمود قالت أن البطالة بنهاية هذا الشهر ستكون 19.5%)، معدل نمو 3.6% (4% بحسب خطاب السيد الرئيس)، معدل تضخم 25.3% (فى المتوسط 20%)، واستقرار سعر الصرف، وأخيراً معدل نمو فى الكتلة النقدية قدره 15.4%.
ويجب أن نُّنوه هنا إلى أنَّ ذلك ممكنٌ، والتنمية ذاتها ممكنة (حتى فى زمن المناداة بموت التنمية فى مجتمع بعد – حداثوى)، فقط إذا وجدتْ الإرادة السياسية؛ تلك الإرادة السياسية التى دائماً ما نحاول تلمُّسها بتحليلنا لخطاب السلطة، للعثور على هامش جدية ولو بشكلٍ ضئيل، ولكن هيهات.
وأحياناً نُعطى مزية الشك لمسئول من المسئولين حينما يتحدث عن الإرادة السياسية وهو يتزَلَّفُ بها فى المحافل كما يفعل السيد نائب الرئيس د. حسبو محمد عبد الرحمن، ولكن سُرعان ما تنطمس تلك الإرادة بالجملة عندما يتحدث الشخص الذى يشغل المكتب المجاور له؛ كأنَّ الأمرَ عندهم؛ بَرْدُ هذا بِحَرِّ هذا، والله المستعان.
بعضُ التوضيح لأهمَّ قضايا الإقتصاد الكلى:
أهم قضايا الإقتصاد الكلى التى ستتناولها هذه القراءة هى القضايا المذكورة فى الفقرة الثانية أعلاه، والتى يستهدفها السيد وزير المالية والإقتصاد الوطنى بخطته للعام 2015 بالنسب المذكورة أمام كل متغيِّر من متغيرات الإقتصاد الكلى. وهى بحق أهمَّ القضايا التى تشغل الحكومات على هذا الكوكب؛ ولذلك سنتناولها بالتحليل كلَّاً على حدة، وسنتناول كيفية عملها كمجموع فى علاقة إرتباطها الدينامية بالطلب الكلى (النَّابع من معادلة الإنتاج الشهيرة: عمال/قوى حديثة + رأسمال/مدراء + (...) = الإنتاج/الثورة الوطنية الديموقراطية)، وذلك بهدف إختبار قدرة وزراء القطاع الإقتصادى على التوليف بين هذه المتغيرات المتضادة وإدارتها باتجاه مصلحة كافة شركاء العملية الإنتاجية (عمال ورجال أعمال) من غير الإنحياز لشريك دون الآخر؛ خاصةً فى ظل غياب تام للإرادة السياسية (التى إنْ وُجِدَتْ أُحبِطتْ إمّاَ بموقف سياسى أخرق، أو بواسطة الإقتصاد الموازى).
ونقول للمتوجِّس من العدالة، أنَّ انحيازك للعمال، لن يجعل منك شيوعياً ولا نُريدك أن تنحاز؛ وأنَّ انحيازك للراسمال لن يجعلك تقيَّاً مسلماً ولا نُريدك أن تنحاز، ولكن فقط إتخذ موقفاً ديموقراطياً وسطاً، لصالح كل شركاء العملية الإنتاجية. وعندئذٍ إسأل عن محبة النَّاس لك والتِفافهم حولك، واسأل عن التنمية، واسأل عن الإستقرار السياسى، واسأل عن زُهد النَّاس فى تغييرك، واسأل عن الثورة الوطنية الديموقراطية.
واللهِ إنَّ المرءَ لَيَعْجَب من حاكمٍ متاحٌ له أن يحكم النَّاسَ بالرضى والعدل والمحبة، ويختار الجبريةَ والقهر والكراهية. حَمَى اللهُ هذا الشعبَ الأبىَّ الكريم من أصحابِ النِّفوسِ المريضة، معطوبى الضمير، الشائهين المشوَّهين.
ولكن لا علينا، دعونا نبدأ بتناول التضخم، وذلك لتأثيره البالغ على كلِّ مُتغيرات الإقتصاد الكلى.
1- التضخم:
التضخم هو ببساطة إرتفاع عام فى الأسعار على مستوى الإقتصاد القومى لبلدٍ كالسودان، وبالتالى معدل التضخم يقيسُ النسبة السنوية فى زيادة الأسعار، لا سيما أسعار التجزئة. وعلى الدولة أن تنشر مِقياس شهرى لأسعار التجزئة كما يفعل الجهاز المركزى للإحصاء السودانى الآن، وبالتالى معدل التضخم يصبح هو نسبة الزيادة فى ذلك المِقياس على سبح الإثنَىْ عشر شهراً.
ومن الممكن أن يوفر الجهاز المركزى للإحصاء معدلات تضخم لأىِّ نوع من الأسعار المختارة، فمثلاً: يمكن نشر مقاييس شهرية للسلع الرأسمالية، الغذائية، المنازل، سلع الوارد، السلع بعد أخذ الضرائب، وعلى ذلك قِسْ. وبالتالى المعدلات المتتالية للتضخم لهذه السلع، هى ببساطة الزيادات فى النسبة المئوية لهذه المقاييس. وبنفس القدر يمكن أن نعطى معدل تضخم لمعدلات الأجور، ويسمى تضخم الأجور.
ودعونا نلقى بعض الضوء على مصطلح التضخم: فحين تزيد الأسعار، فهذه الحالة تُسمى "تضخم"، وحين تنخفض الأسعار، فهذه الحالة تُسمى "تضخم سلبى"، أكثر منها حالة من الأنكماش (). إذ أنَّ مصطلح إنكماش عادة ما يُستخدم فى حالة تدخل الدولة بسياساتها المعروفة (المالية والنقدية والإئتمانية) لتقليل الطلب الكلى؛ أىْ بالسياسة المُصمَّمة لخفض الإنفاق الزائد () فى الإقتصاد.
وهنا علينا ألاَّ نخلط بين زيادة ونقصان التضخم، بالزيادة والنقصان فى الأسعار. فالزيادة فى التضخم تعنى الزيادة السريعة فى الأسعار، والإنخفاض فى التضخم يعنى الزيادة البطيئة فى الأسعار ( وهى زيادة، ما بقِىَ التضخمُ موجباً).
وعليه، فالأسئلة التى يجب مواجهتها: ماهى أسباب التضخم، وما هى خطورته، وما هى علاقته بأهداف/متغيرات الإقتصاد الكلى الأُخرى، وماذا بوسع الحكومة لمحاربته، وهل من أعراض جانبية لسياسات مكافحته؟
أسباب التضخم فى السودان:
التضخم فى السودان يكاد يكون أحد متلازمات الإقتصاد السودانى منذ أوائل الثمانيات الفائتة (راجع التقرير القطرى لصندوق النقد الدولى 12/299، نوفمبر 2012). ولعلَّ أهمَّ أسبابه ومحدداته التى تضمنها تقرير الصندوق عن حالة السودان هى: معدل سعر الصرف، أموال الإحتياط، التسييل النقدى/ضخ السيولة، والأجور.
والشاهد، أنَّ الصندوق يُولى معدل سعر الصرف أهمية أكبر فى التأثير على التضخم فى السودان وذلك فى تقديرى من واقع تأثُّرِ معدل التضخم بالعالم الخارجى مرتين؛ المرة الأولى لكون السودان دولة مُفْرِطة فى التحرير والإنفتاح على العالم الخارجى، وبالتالى هذا الحلول فى الرأسمالية العالمية يجعل التضخم فى السودان شديد الحساسية والتأثر بما يطرأ من تغيرات عالمية ذات صلة بمعدل سعر الصرف داخلياً. والمرة الثانية لحقيقة أنَّ معدل سعر الصرف يساعد داخلياً أيضاً على معرفة التوقعات التضخمية ومحاولة التأقلم معها، وهذا من شأنه أن يزيد فى معدلات التضخم. وسنعرف لاحقاً أنَّ التضخم من الممكن أن يرتفع - لا لشئ - لمجرد أن يتوقع النَّاس إرتفاعه.
أما السياسة المالية فتبقى ذات تأثير غير مباشر على التضخم، اللَّهُمَّ إلاَّ حين تبدأ فى التأثير على الأجور، وضخ السيولة الذى قد تلجأ إليه الحكومة عند الضرورة. أما أموال الإحتياط فتكون ذا تأثير بالغ على التضخم فى الأزمنة التى ترتفع فيها معدلات التضخم بشكلٍ كبير (التضخم ذو الخانتين، كحالة السودان الآن).
وإذا أمعنا النظر لمعدل التضخم فى السودان، سنجد السِّمة الغالبة لذلك المعدل هى التذبذب، وذلك لعمرى هو أخطر المظاهر السالبة للتضخم على الإطلاق، لتأثيره السلبى المباشر على الإستثمار (خاصةً الأجنبى) وبالتالى على معدل نمو الإقتصاد القومى (فمعدل تضخم كبير مستقر، خيرٌ من معدل تضخم متأرجح بين الصعود والهبوط).
ففى خلال الأربع وثلاثين سنة المنصرمة، نجد التضخم قد وصل فى النصف الأول من ثمانينات القرن المنصرم إلى 40%. ووصل إلى 130% فى عام 1991، و140% فى عام 1992، وأكثر من 150% (166%) فى عام 1996. وفى هذا الفترة تطلَّب الإفراط فى الإنفتاح على العالم الخارجى (بما يعنيه ذلك من توحيد سعر الصرف بين السوق الموازى والرسمى) إلى تخفيض قيمة الجنيه السودانى 2000% (المرجع أعلاه).
أما فى عام 1998، فقد إنخفض التضخم تحت إشراف صندوق النقد الدولى إلى 17%، وإلى 8% فى عام 2000م. وعلى أىِّ حال التضخم ذو الخانتين عاود الظهور منذ عام 2006 واستقر على هذا المنوال إلى يوم النَّاس هذا: حيث بلغ 19% فى 2011، 37% فى 2012.
وبالرغم من أنَّ أداء الإقتصاد الكلى كان مُرضياً فى الفترة ما بين 1999-2010 (معدل نمو حقيقى وصل 6%، والإختلالات المالية والمصرفية كانت متواضعة وإنحصرت فى حدود ال 2%، و4% على التوالى كنسب من الناتج المحلى الإجمالى)، إلاَّ أنَّ التضخم شذَّ عن هذا الواقع وظل مرتفعاً فى المتوسط، أى بلغ 13% (المرجع أعلاه).
ولم يبقَ الحال كما هو عليه قبل إنفصال الجنوب، إذ بدأ معدل التضخم فى إرتفاعٍ مضطرد، حتى بلغ فى العام 2013م 36.5% (موقع الجهاز المركزى للإحصاء، مارس 2014م)، أما معدل التضخم للسنة 2014م فقد بلغ فى المتوسط (لِ 4 أشهر) 42.2% (المحصلة عُملت من معلومات مأخوذة من: سودانتربيون: 13/10/2014).
هذا الإرث إذاً يعكس ما قلناه بعاليه، أىْ التذبذب فى معدل التضخم، وذلك بالضرورة يعكس فشل السياسات الضابطة له، ويعكس حالة من عدم الإستقرار الإقتصادى والسياسى المُنَفِّرة للإستثمار المنتج الجاد. والسؤال المهم: هل مع هكذا وضع، توجد إمكانات فعلية لخطة القطاع الإقتصادى لجعل معدل التضخم مستقراً فى الإرتفاع أو (حبذا) فى الإنخفاض، أم أنَّ الأمر كلَّهُ للإستهلاك السياسى؟ سنرى ذلك حين الحديث عن دينامية الطلب الكلى إن شاء الله.
الآثار السالبة للتضخم:
1- تكمن مشكلة التضخم فى أنَّه يحد من قدرة الإقتصاد القومى على النمو إذا كان النَّاس متطلِّعين لتحقيق مستويات معيشية عالية (كالتحوُّل من الفتَّة إلى الهوت دوغ، وما شاكله)، وحين تقل معدلات النمو تزداد البطالة. وبالطبع تكون البطالة مشكلة للمتبطلين أنفسِهِم وللمجتمع ككل؛ ذلك الذى إنخفضت منتاجته، وفى نفس الوقت عليه أن يدعم العاطلين عن العمل (هذا إذا كنا دولة مثالية ومسئولة كما كان عليه الحال على أيام بند الهندى).
ولو كان بمقدور النَّاس التنبؤ بمعدل التضخم، وبالتالى عدَّلوا الأسعار والدخول آخذين فى الإعتبار معدل التضخم، فكُلفة التضخم ستكون بسيطة نسبياً. غير أنَّ ذلك يتعذَّر فى أرض الواقع؛ حيث يُخطئ النَّاسُ تقديرَ معدل التضخم، وبالتالى يكونون غير قادرين على التَّأقلم معه. بعبارة أخرى خطورة التضخم تكمن فى حالة التذبذب التى تلازم معدله بالقدر الذى يعجز النَّاس على أخذ ذلك المعدل فى حُسبانِهم وحساباتهم، خاصةً إذا كان معدل التضخم كبيراً (من خانتين، 25.3% كما هو مستطرد للعام 2015).
2- من التداعيات الخطيرة للتضخم هى حالة كونه يعيد توزيع الدخل بعيداً عن أصحاب الدخول الثابتة (كأرباب المعاشات، العمال، والموظفين: الذين ليست لهم نقابات ومنظمات مجتمع مدنى تمثلهم، وإن وُجدت فهى مخصية فى إطار نقابة المنشأة التى إبتدعتها الإنقاذ)؛ ويُعطيه للذين لهم قوى إقتصادية (كالشرائح الرأسمالية، ولا سيما الشريحة ذات الهيمنة) وقدرة على الدفع، والإيجار، وزيادة الأرباح (المَمَكَّنين رأسمالياً).
وكذلك فإنَّ التضخم يزيد مداخيل أصحاب الأُصول الرأسمالية كالعقارات (شركة التأمين الإسلامية مثالاً؛ تلك التى عُفِيَتْ من الضرائب منذ أكثر من 20 عاماً، فصارتْ بذلك صاحبة قدرة هائلة على التراكم الرأسمالى، مِمَّا جعلها أكبر مالِك للعقارات فى العاصمة المثلثة)، والتى تزداد قيمتها سريعاً فى أوقات التضخم، ويُوزِّعُهُ بعيداً عن ضعيفى القدرات التفاوضية والمساومة الذين يملكون مُدَّخراتٍ فى مصارفَ تدفع معدلات فائدة أقل من معدل التضخم، الأمر الذى يؤدى إلى إنجراف قيمة تلك المدخرات بالتضخم.
وبالتالى يتضح من هذه القراءة أنَّ أكثر الفئات ذات الدخل المحدود تأثراً بالتضخم هم أرباب المعاشات، وقد رأينا أساطين الخدمة المدنية المتقاعدين وهم يتكفَّفون النَّاس فى الطرقات فى عهد الإنقاذ المشئوم.
3- من الممكن أن يؤدى التضخم إلى إختلال فى ميزان المدفوعات. ففى حالة معاناة البلد من معدل تضخم عالٍ نسبياً (من خانتين/25.3%)، فإنَّ صادراتها ستكون أقلَّ منافسة فى الأسواق العالمية، وفى نفس الوقت تكون الواردات أرخص من السلع المصنوعة محلياً. وبذلك تقل الصادرات وتزداد الواردات، وهذا يقود إلى إختلال ميزان المدفوعات، وإلى إنخفاض سعر صرف العملة المحلية.
وقد رأينا بنك السودان مِراراً وتكراراً يعجز عن توفير العملات الصعبة للشركات الأجنبية التى تريد تحويل أرباحها خارج السودان، فتضطر الحكومة تعويضها بإعطائها سلعاً من سلع الصادر بدلاً عن العملات الصعبة. وبالتالى تكون هذه الشركات قد إستفادت من الإعفاءات الجمَّة الممنوحة للمستثمرين (كشركات البترول وغيرها، المعفية من كل الضرائب) والمصدرين معاً (الإعفاء من ضريبة الصادر)، أما المزارع والخزينة العامة فيطلع كلاهما "فاعلَ خير"، وتتعمق الإختلالات.
فتخيل العملات الصعبة التى يجنيها المستثمر فى قطاع البترول جراء الإعفاء من الضرائب، وحينما يأخذ أرباحه فى شكل سلع صادر. وتخيل تأثير ذلك على النمو، حينما لا يعود بتلك الأموال الطائلة إلى السودان (فهى لها مستقر آخر آمِن ومحبَّب لهذا المستثمر الأجنبى) فى شكل سلع رأسمالية وتكنولوجيا؛ التى كان من الممكن أن تسد فجوة بناء القاعدة الإقاصادية للبلد.
4- التضخم يزيد مخاوف المستثمرين (رجال الأعمال)، خاصةً مع تذبذب معدله، وقد رأينا بعاليه كلما كان معدّل التضخم عالياً (من خانتين/25.3%)، زادت قابليته للتذبذب. وبالتالى كلما صَعُبَ على الشركات/الأعمال التنبؤ بالتكاليف والعائدات، قلَّتْ شهيتهم للإستثمار فى البلد؛ وهذا بدوره يقود إلى إنخفاض معدل النمو. وحين يجئ الحديث عن عمل كل المتغيرات (كمجموع) فى إطار الإقتصاد الكلى، سنكتشف أنَّ السياسات التى ستتبعها الدولة لخفض التضخم، قد تؤدى هى الأخرى إلى خفض معدل النمو الإقتصادى، خاصة فى المدى القصير (فى حدود السنتين)، وبالتالى تتعاظم محنة الحكومة.
5- لن تكون كُلفة التضخم عالية إذا كان آحادىَّ الخانة (أى تمَّ ضبطه فى خانة واحدة، تسعة فأقل)، وقد تحتاج الدولة إلى مزيد من الموارد لتأجير خبراء (كبعثة صندوق النقد الدولى المستقرة فى السودان بطلب من الحكومة للمساعدة فى مراقبة أداء برامج السودان الإقتصادية) يُساعدونها على التأقلم مع واقع عدم الإستقرار الذى يخلقه التضخم، خاصة إذا زاد عن الخانة الواحدة، أو إذا وصل إلى طور التضخم الجامح (كما حدث فى حالة زيمبابوى).
عندئذٍ، يزداد الضغط على الموارد: فالشركات تزيد أسعارها لتغطية تكاليفها، والعمال يطلبون زيادةً فى الأجور لتغطية تكاليف المعيشة المتصاعدة. وبالتالى تصبح الأجور فى طِراد مع أسعارٍ تضخمية ولولبية الصعود. وعند هذا الحد يزهد الناس فى إدخار النقود، بل ويُسارعون إلى إنفاقها كى لا تفقد قيمتها، وقد يستعيضون عنها بالمقايضة.
يُتبع ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.