حينما تطالع خبراً يقول عنوانه إن السودان يعلن استعداده لتقديم الدعم الإنساني لليمن، لابد أن تُعيد قراءته مثنى وثلاث، فربما خطأ كبير وقع، لكن الخبر حقيقة، فالسودان الدولة التي تعاني حروبا على ثلاث جبهات، وبعض المناطق فيه مهيأة تماماً لمزيد من الصراعات، ونتج عن ذلك آلاف النازحين واللاجئين مما أفرز أزمات إنسانية ظلت تشكو منها الأممالمتحدة مرارا خلال السنوات الأخيرة، وكل التقارير الأممية خلال السنتين الماضيتين كانت جرس إنذار ولعل آخرها تفشي مرض سوء التغذية بين أطفال السودان الذي لم يراوح مكانه، بلد بكل هذه الأزمات الإنسانية يعلن استعداده لتقديم الدعم الإنساني لليمن، ذلك خلال مباحثات تمت في المملكة العربية السعودية قبل يومين في زيارة خاطفة غير معلنة قام بها الرئيس واجتمع خلالها بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، رغم أن أجندة الزيارة لم تُعلن للإعلام بشكلها الكامل والتي ركزت فيما يبدو على الوضع في اليمن وأمن المملكة، إلا أن الدعم الإنساني بند من بنود كثيرة جرى مناقشتها. عظيم جداً أن ندعم إخوتنا في اليمن إنسانيا بعد أن تشرد بعضهم ونزح بسبب غارات عاصفة الحزم من جهة وقذائف الحوثيين من جهة أخرى، لكن أكاد أتيقن أن اليمنيين سيضحكون علينا، بلد منكوب مثل السودان أنّى يساعد الآخرين. إن كان بمقدورنا مد يد العون الإنساني للأخوة باليمن، فالأولى توزيع إنسانيتنا هذه للإخوة داخل السودان، ثم لماذا نوافق أصلا على أن نكون طرفا في شأن يمني داخلي حتى نضطر أن نحشد له دعمنا الإنساني، لماذا كل هذه الفواتير السياسية والإنسانية والأخلاقية نحتاج أن نراجع الموقف ونحن خارج الإطار عسى أن نستعيد السياسة التي تقينا شرور التدخل. السودان بلد ينبغي أن ينكب على أزماته الداخلية فهي كافية للغاية، ولو قدر على لملمتها وإنقاذ الوطن من سيناريوهات اليمن وسوريا والعراق عملياً سوف يكون قدم الدعم الإنساني لليمن وللمنطقة كلها، فقط لو اكتفى بأزماته الداخلية وركّز على إيجاد مخرج منها. أطفال السودان يعانون شتى الأمراض، نساء السودان يعانين التشرد والنزوح، أسر السودان سئمت عيش المعسكرات وانتظار المنظمات التي باتت تتعثر في الوصول إليهم، أطراف السودان يتهددها التشظي، أكفونا بأزماتنا الوطنية لنكفي دول المنطقة شرور التدخل في الشأن الوطني، السودان لا يزال ينتظر أن تنظر إليه .حكومته على أساس أنه شأن داخلي. لكم في تونس أسوة، تونس نأت بنفسها عن أي شأن داخلي لدول المنطقة إلا إذا لامس ذلك حدودها، لذلك أنقذت نفسها من العبث الذي سيطر على دول المنطقة. التيار