في أصقاع الهامش السوداني بشكل عام وفي دارفور خاصة. الحياة فيها مليئة بالأحداث والقصص جلها فواجع ومبكيات وأن وجدت الأفراح في ركن من أركان المدن والفرقان الدارفورية إلا ووجدت في الجوار مأتم أتراح وسماع عويل النساء لفقد جلل أصابهن . نسبة لأهوال الحرب الضروس الذي لم يتوقف لزهاء العقد والنيف من الزمان . الحرب الجائرة التي تفتل حبالها في الخرطوم لينشق فيه العديد من الأبرياء العزل في أطراف السودان من قبل نظام الرئيس البشير العنصري ومناصريه من شيوخ الهوس المتاجرون بالدين . الذي باعوا قدسيته في سوق المنافقين بثمن بخس وذلك بتربية اللحي والمؤخرات والبطون (كروش)! . والعيش علي إحراق الشباب النضر بأوهام الجهاد . القصة التي سارويها قد تبدو عادية للكثيرين ولكن إن تمعن فيها المرء في جوفها سوف يجد في سراديبها الأحزان والماسي المبكية . وقد أتخذت لها عنواننا أعلاه نسبة لبطل القصة وهو من ضحايا العبودية الطوعية المغلفة بضبات الجهل والفقر والتخلف . كيف لا وهو شخص يحمل السلاح ليقتل إخوانه ولكنه لا يدري الغاية من وراء ذلك وقد عشت معه تفاصيل القصة من ألالف إلي الياء . في جلسة بالمصادفة جمعني به . وشخصي بعد غياب دام لأكثر لثلاثة سنوات من مدينتي الجميلة في أصقاع دارفور المنكوب الذي عدت إليها في الفترة الماضية لزيارة الأهل وللأسف هاجر أصدقائي القدامي ممن تسامرنا معآ ولعبنا الشل والشليل أيام كنا فيه لا نبالي بشي . حيث تشتت أصدقائي إلي أرجاء المعمورة الأربعة فيهم من غرق في المحيط الهادي والبحر المتوسط وفيهم من لقي حتفه في توهانه في الصحراء الأكبر في محاولته للهروب من المأساة تبقت زكرياتهم الجميلة في المخيلة لاتذكرهم فقط . وفي زيارتي لم أجد سوي الأطفال والعجزة الكهول . وصعبت علي تقضية الأوقات الجميلة وانعدمت طعم الزيارة . فقط أكتفيت بزيارة الأسواق وشرب الشاي وتصفح الإنترنت وقد كنت لا أدري بأن الصدفة ستقودني إلي مكاناً ما في الركن القصي من سوق (الملجة) في تلك المدينة التي تحولت إلى خراب وعمها مظاهر الجنجويد والسلاح في أيدي الباربرة الذين يقتلونك في شأن (الواحد جنيه) الذي لا يساوي قيمته ( صفة تمباك) وفي مدينتي بهتت كل ألوان الحياة تماماً ومع ذلك كنت أصر على زيارة أسواقها عسي أن أجد من اقراني القدامي . قد تقطع به السبل وبقي صامدا . وذات مرة كنت مارا بسوق (الملجة ) وإذا بفتاة تناديني (يا ويتشي يا ويتشي حمدلله علي السلامة )! استدرت نحو صوت الفتاة إياها وعلي الفور تعرفت عليها لم أنسي ملامحها . لأنها زميلة دراسة في المرحلة الثانوية وإفترقنا منذ سنوات وعندما القيت عليها السلام . طلبت مني بإلحاح شديد بأن أتناول كوب شاي عندها . ولبيت طلبها وجلست عندها وكانت فرحة نوعاً ما وتسالني عن بقية الزملاء وإعدنا الزكريات الغابرة المخلوطة بالفرحة ونوع من الأحزان من جور هذا الزمان الذي فرق الرفاق إلي الشتات . وفي حكاوينا تلك بدأت زميلتي تروي لي قصتها مع الحياة بتركها للدراسة كيف تكدرت وتعكرت بعد زواجها من جندي في الجيش السوداني وقتل في المعارك الدائرة وتركت لها طفلة يتيمة لتتحمل هي وحدها عبء تربيتها في ظل ظروف سيئة للغاية . وكنت إستمع لقصتها بتركيز شديد والعن كل الظروف التي فرضت لهذه الفتاة المسكينة .ولم تجد سنداً من أي جهة فوجلت السوق وافتتحت مقهي لتعمل (بائعة شاي) والتحية لكل أمهاتي وأخواتي اللواتي يعملن في هذه المهنة الشريفة . واستثني من هذه التحية واحدة لا أدري إسمها ولكنها مدعية بأنها ست شاي تعمل في شارع النيل في الخرطوم وأجريت معها لقاء صحفي قبل فترة . قالت تفتخر بأنها (مؤتمر وطني) ودخلها الشهري من الشاي يساوي (30 مليون) فامثالها من المدسوسات هن من يشوهن صورة المهنة . المهم في جلستنا تلك . ألاحظ شيئاً ما يحدث بجواري من شاب يجلس بالقرب مني وهو يرتدي ملابس عسكرية متسخة وحذاء يلفه غبار كثيف ويتسبب عرقا يبدو وكأنه لم يستحمي لشهور ويحمل معه سلاح من نوع ( الجيم تلاتة )! وآراه يحدق بي كثيراً وتسألت في نفسي ماذا فعلت له ؟! هل جنيت في حقه أم ماذا ؟! وفعلاً إكتشفت بأنه منزعج من حديثي ذات الشجون الحزينة مع زميلة دراستي وحكاوي الزمن الجميل . وبعد دقائق خرج هذا الشاب من المقهي التي هي عبارة عن(ركوبة) مبنية من جوالات الغيش . فقام باستدعائي قائلاً (يا اللخو تعال اذنك)! في الحقيقة توكلت علي الله وخرجت ولم أستطيع النظر في وجهه لأن عيناه يرويان قصص عديدة في مخيلتي ويرسمانه لي كشخص قاتل سفاك دماء .ومن دون مقدمات باغتني بسؤال مباشر (من نين أنت ؟!) ظننته يطلق النار على كما درجت العادة عند الجنجويد الباربرة ولكنه لم يفعل . فأجبته أنا من هذه المدينة ولدت هنا و نشأت وترعرت فيها وقد يعرفني كل سكانها القدامي تقريباً وأعرفهم أنا أيضاً بالإسم وحتي الأطفال الذين ولدوا في ظل غيابي قد أعرفهم من سحنات وملامح وجوههم بإعتبارهم أبناء معارف . فرد الشاب قائلاً ( البت دي بت خالي أنا داير اتزوجها )! ففهمت قصده وقلت له ولما لا يا صديقي وسأكون لك وليا الآن إن وافقت الفتاة بذلك فهي بمثابة شقيقتي وعشنا جيران وزميلتي في الدراسة ! فقال جميل جداً ولكنها رفضت من قبل ! فقلت له لماذا ؟! فقط يجب أن تثبت لها بأنك شخص مثالي وليس كما هو واضح في مظهرك الحالي وهنا لم يفهم محتوي ردي واعتقد جازما إن فهمه لكنت من ضحاياه ! ولكن فجأة أتت الفتاة وقالت (مالكم يا أستاذ إن شاء الله خير )؟! فقلت لها (كلو خير مافي حاجة بس قايد اتعرف بالاخ دا )! فعرفتني الفتاة بالشاب وقال بأنه إبن خاله أتي من البادية مع كتائب الجنجويد ولم يعد حيث فضل البقاء هنا وبعدها عدنا ثلاثتنا إلي داخل المقهي وكنت أتخيل صورة نمطية لأمثال هذا الشاب وجعلته ممن يروعون التجار ويقومون بعمليات القتل والنهب في أنصاص الليالي حتي بات الخروج بعد غروب الشمس من سابع المستحيلات وبعد جلوسي قمت بشراء (كرت شحن) للإتصال الهاتفي واتصلت بعدد من الأصدقاء في الخارج ورويت لهم بأن الحال بطال في البلاد وتبدلت الأشياء وبتنا نخاف من الأشجار التي كنا نجلس تحتها حتي منتصف الليل وساغادر قريباً إلي أي جهة ولكن في الحقيقة أنا أتحدث ومنزعج من الشاب الذي يحمل سلاحه ولعله لا يعرف كيف يتداخل معي في إطار الحكاوي . فهنا فكرت واشتريت كرت إتصال آخر له بعد سؤالي له أي من الشبكات يستخدمه وعندما أعطيته الكرت قام بإستخدامه مباشرة واتصل بسيدة ما وتبدو بأنها مريضة وطريحة الفراش في أحدي المستشفيات وكنت اصنت لحديثهما . فتأكدت بأنها والدته . ولها زهاء الثلاثة أشهر ترقد في المستشفي التعليمي المتهالك هناك . بعد انتهائه من المحادثة سألته من هذه السيدة فأجاب بأنها والدته مريضة وتعاني من هزة نفسية لفقدها إثنين من أبنائها وأخاها الشقيق (خال الشاب) جميعهم قتلوا عندما كانوا يقاتلون ضمن مليشيات الجنجويد السيئة الصيت . فطلبت منه زيارتها في المستشفى إن لم يمانع . فقال لا مانع لديه . ولكنه قال بأن المستشفي بعيد من هنا . فقلت له لا بأس ساتصل بشخص أعرفه سيأتي ليوصلنا إلي المستشفي . فهنا تدريجياً تغيرت ملامح هذا الشاب الذي كان عدوانيا نوعا ما. فتحول إلي شخص سوي يفهم ويحس ويتألم مثل الآخرين تماماً .وعدت زميلتي بأنني سازورها أن سنحت لي الفرصة وتحركنا إلي المستشفى وعند وصولنا البوابة طلبوا منا تذاكر الدخول . فهنا قلت للشاب إياه يجب عليك أن لا تدفع مليما واحدا لأنك تموت وتحرس هؤلاء وهم ينامون غريري الأعين ومن ثم يطالبونك برسوم الدخول لزيارة والدتك فنظر علي وقال ( والله كلامك صاح ) . وشخصي لم أكن أهدف لإثارة مشكلة ولكني كنت أهدف إلي تنبيه هذا الشاب بأن له حق الدخول في كل مرافق الدولة بالمجان لطالما الدولة يحكمها عسكري بقانون الغاب ويستطيع قادة المليشيات والمرتزقة تهديد دول الجوار بقفل الحدود ويتحدثون في الشأن الدبلوماسي وكأنهم يعرفون عنها شيئاً . وبالفعل سمحوا له بالدخول وأما شخصي دفعت ثمن التذكرة كالعادة كما ظل الجميع يدفعون من شهادة الميلاد إلي شهادة الوفاة . وقتها حاول هذا الشاب الإعتداء علي الموظف الذي يعمل في البوابة لدرجة جر أجزاء السلاح لولا صرخاتي في وجهه لكان حدث ما لم يحمد عقباه لأنني أعرف جيداً لغة الجنجويد ومنطقهم التي هي في رأس البندقية فقط ولكن تم احتواء الأمر وطيبت خاطر الشاب الجنجويدي وقلت للموظف أنت تستحق الدوس علي راسك لأنك طماع تطلب المال من الجنجويد . وعند دخولنا إلي المستشفي كنت متخيل بأنني ساجد والدته في عنبر خاص لكون أبنه يقاتل في المعارك لحماية سلطة العنصريين بقيادة البشير .وأفراد عائلته اللصوص . النهابة الذين قضوا علي الأخضر واليابس وخاصة أهل زوجة الرئيس البشير السيدة وداد بابكر التي تتسوق في مولات الدوحة وكولالمبور كل شهرين وتشتري ألماس الأغلي في العالم بلا مفاوضه ولكن علي العكس تماماً وجدت والدة الشاب الجنجويدي يفترش البساط المصنوع محلياً (برش عادي)! وهي تنام من دون وسادة حتي نسبة لانعدامها . فالقينا التحية وجلسنا معها وحدقت بي الوالدة الستينية وسالتني من أنا ؟! فأجبتها بأنني صديق إبنها فاحمرت عينها وقالت ( انتو يا أولادي أنا ما بسامحكم دنيا واخرة طول ما شايلين سلاحكم وتقتلوا الناس وتتشو بيوت الناس . وفي النهاية علاج ساكت ما قادرين تجيبو لي . وكمان كل يوم تشيلو في الذنوب ساكت وعمر قايد مع اولاد أهلو في الخارتوم )! وأضافت ( هسي اخيانكم الاتنين واخوي ولدمي كلهم ماتوا ساكت ولا كرامة ما عملنا ليم عشان كدي يا أولادي سلاح ما ندور نشوفا بالتان)! إستمعت جيداً لحديثها المليئ بالآهات الممزوجة بالمأساة والألم والحرقة وكذا الحال الشوق الدفاق لحياتها السابقة في باديتها وعندما فرغت من حديثها لم أقل لها بأنني لا أحمل السلاح ولم أروي لها بأنني تعرفت علي إبنها توا في المقهي .فقد نظرت إلي الشاب الذي يعنيه هذا الحديث وكانت أيضاً شقيقته تلازم الوالدة المتألمة من سوء الحال جراء فقد أغلي الحبان كفلذات كبدها وشقيقها الوحيد . فطلبت من الشاب الجنجويدي الذي تحول إلي صديقي في الألم وتشاركنا الإحساس بالمرارة أن نغادر ونجلس في مكان ما وسط السوق . و حضرت نفسي لقود معركة طويلة مع صديقي . وهي معركة أسئلة وأجوبة منطقية . بالطبع بعد أن أمنت شره الجنجويدي وتأكدت بأنه لن يعتدي علي بسلاحه وبل هو جاهز لقتل المئات من أجلي . فسألته أولاً : عن أحواله المعيشية وعن راتبه وحوافزه من المعارك التي يشارك . فقال : بأنه لا يملك راتب ثابت فقط يستلم أجرة معركة التي تساوي(490 جنيه ) وهذا طبعاً المعركة وليس ثابتاً بالإضافة إلي الغنائم المتمثلة في الذهب والماشية التي تنهب بعد حرق القري والأرياف والمغانم لا تساوي شيئاً في ظل عددهم الكبير وإن قتل في هذا الشاب فيتنهي قصته منسيا ولكنه يترك المزيد من الألم لوالدته . سألته عن من الذي يدفع مصروفات علاج والدته في ظل وضعه المادي السيئ وغياب رعاية الدولة التي يحرسه هو ويقتل من يصفهم . قادته المجرمين ب(العبيد والطورابورا)! وهم في الحقيقة ثوار شرفاء خرجوا ضد النظام العنصري من أجل إسترداد الحقوق المهضومة من قبل الحكومات المتعاقبة علي الحكم في السودان الذين تجاهلوا سكان الأطراف يعانون شذف العيش وفقدان الرعاية الإجتماعية . وسط ظروف قاسية تدمع القلوب وتقطع نياتها إربا إربا ! فحديثنا طال وتطايرت شظايا أسئلتي هنا وهناك ولكن الجميل في الأمر أن صديقي لم ينزعج من أسئلتي حيث سألته . هل تعرف أول رئيس لجمهورية السودان بعد إستقلاله أم تعرف كم عدد الرؤساء الذين مروا علي سدة الحكم في السودان وكم هم عدد السفراء ومن هم ومن أين اتوا ؟! لكنه للأسف لا يعرف معني كلمة السفير حتي فقط يعرف الرئيس الأسبق الراحل جعفر نميري و الإمام الصادق المهدي آخر رئيس وزراء منتخب ديمقراطياً وقد تعرف عليهم من خلال أحاديث واحاجي كبار السن في البادية وهو لم يشاهد التلفاز إلا مرات محدودة وأيضاً شاهد المصارعة الحرة فقط ! فقلته له يا صديقي أنا لست مقاتلا في الميدان ولا أقاتل الذين حملوا السلاح من أجلنا نحن المهمشين ! لأن في البلد المسماه بالسودان ظللنا فيه ضيوفا ولم ننال منه شيئاً من حقوقنا ونحن الذين ظللنا نساهم في الإقتصاد القومي بثرواتنا الحيوانية والزراعية والمعادن الآخري والأيدي العاملة وعندما لم نجد سوى الوعود الكاذبة والغش والتدليس والاحتقار والاستعلاء العرقي وفرض الثقافة الإقصائية الأحادية فمن الطبيعي أن يخرج من يخرج ليقاتل ضد الدولة السودانية ذات نظام الحكم الابرتايد الخفي !فيا صديقي أنا أعذرك لأنك لم تنال حظك من التعليم لذا لم تعرف معاني كلماتي الحزينة ولكن يؤسفني جداً أنك تشارك في قتل أشقائك ويتم إستخدامك كخادم وحارس ثقافة في دولة مفترض تكون أنت فيها صانع القرارات لعلك من صناع أمجادها بالدماء التي قدمها أجدادك في زمن غابر قبل الخيانة العظمي من سدنة الإستعمار ! فيا للحول ! صديقي ضحك وقال (والله يا ويتشي أنا ما بعرف كلامك دا من زمان لأنو نحن نقتل الطورابورا بس )! فهنا سألته : هل تعرف من هم الطورابورا ؟! فأجاب نعم أعرفهم وقد شاركت في قتالهم مرات عديدة ! فقلت له هل تعرف عبدالواحد محمد نور أو دكتور جبريل إبراهيم أو مني اركو مناوي أو مالك عقار ؟! فأجاب نعم أعرف مني اركو مناوي من الزغاوة وعبدالواحد من الفور لكني لم أراهم في حياتي وأعرف دكتور خليل إبراهيم رئيس ( طورابورا ) هو صديقي لعمي ولقد اهداه عدد من الخراف عندما زارنا بسياراته في البادية قبل أن التحق بقوات حرس الحدود(الحنجويد) ! إذن زاركم الشهيد الدكتور خليل ابراهيم ولم يتعدي عليكم واهداه عمك عدد من الخراف كما ذكرت ! فلماذا تقاتل (الطورابورا)؟! كما تسميهم فأجاب ! نعم قالوا لنا بأنهم يريدون حكم السودان وطرد العرب منه !! كدت أبكي لمفاهيمه التي تم زرعها فيه وسكت برهة وعدت إليه بسؤال مباغت ! وأنت ماذا تريد من القتال ؟! هل تريد الحكم لطردهم أيضاً ؟! فأجاب بلا ! ولكن كيف يستقيم هذا تقتل بلا هدف ولا كيف ؟! في الحقيقة طال حواري ولم أستطيع الدخول معه في التفاصيل الأخري وفقاً لمفهومه المغروز فيه من قبل قادة الإجرام الكبار أمثال موسي هلال وعلي كوشيب وحميدتي وأحمد هارون وآخرون كثر ! فهنا توقفت عن الحديث في السياسة وقلت له ما هو نظرتك للمستقبل ككل من حيث أنك تتزوج وتنجب أبناء لتعيش في سلام وحرية ويتوفر لك فرصة للعمل الشريف سواء كان في المجال العسكري أو المدني ؟! ولكن للأسف الشديد لا إجابات لديه فقط اكتفي بهز راسه وقال (يا اخوي الله يهديني أنت زعلت مني )! فضحكت وقلت له أنا سعيد لكونك تحدثت معي وجلست معي ولم تحاول إرهابي بسلاحك هذا وقلت له يجب أن تسألني عن المستقبل الذي يجب أن يشلمنا أنت وأنا وبقية الأهل ! فاسلني . قائلاً ( ككيف )! فقلت له بعد اليوم يجب عدم مشاركتك في القتال لأي سبب من الأسباب ولصالح أي من مليشيات الجنجويد لأنك ستقتلني أنا في الأول وأنت لا تدري ذلك أنا أخيك الشقيق وشركاء في الأرض والمورد فقط أنت أحمل سلاحك ضد كل قادة الجيش السوداني والشرطة في هذه المدينة واقتلهم فرداً فرداً لا ترحمهم . لأنهم ليسوا ينامون فوق تلال من جثث الأبرياء الذين هم أمثالك وأمثال شقيقاك وخالك وتأكد بأن ك الضباط الكبار هنا ليسوا منا لذا لم يكونوا أمناء معنا طوال تاريخ الدولة السودانية بحيث أهلهم يعيشون في رفاهية وترف في أصقاع الخرطوم وما جوارها وأبنائهم يعملون يعملون سفراء ومدراء مؤسسات ويدرسون في الخارج علي حساب الدولة التي شركاء فيها جميعاً ونبقي نحن الإثنين لا نملك ثمن دواء لعلاج الوالدة ولم نستطيع الزواج ولم نستطيع إقامة سرادق العزاء والمواساة في وفاة شقيقاك وخالك ! وهم لا يحسون بنا نحن لابد لنا من مواجهة من تسبب في موت أهلنا وتشريدهم فهولا المجرمين يمدوننا بالذخائر بدلاً من الأدوية لعلاج مرضانا بدلاً من إنشاء مصنع لتصنيع منتجاتنا هنا عوضاً عنها ينقلونه الي الخرطوم راسا ويستغلوننا في إنتاجنا الزراعي بحيث ننتج كل شي ولكن بلا فائدة . وهم لصوص محترفون يقسمون مواردنا فيما بينهم وقلت مثال لذلك هناك ضابط شرطة يبلغ من العمر 23 سنة فقط ويعمل في مكتب والي الخرطوم وسرق نحو 24 مليار لوحده . وهناك المئات من أمثاله في دواوين الدولة المختلفة وسفاراتها وقنصلياتها في الخارج . وإذا سألنا كم كان نسبة إستيعاب أبناء الأطراف في دفعة الملازم غسان فبالتأكيد نجده صفر كبار علي الشمال . أشرح كل هذه الكلمات وصديقي يحدق بي ويطاطي رأسه ويقول (أخوي والله أنت زول ما ساهل )! نحن مافي زول بورينا النصيحة دي واضفت إليه حيث لا كهرباء ولا ماء ولا طرق ولا فرص عمل شريفة ولا حياة كريمة ولا مستقبل لأبنائنا واجيالنا القادمة ! فقلت له . أنت لست مجرما ولكنك أحد ضحايا التدبير التربوي العنصري والإهمال الإجتماعي من الدولة السودانية ويجب أن تفهم شيئاً مثل هذا من اليوم فصاعدا ! فاتقفنا معآ بأن نتلقي قريباً مع عدد من أصدقائه من الجنجويد الضحايا وقال بأنني سوف أجد الآذان الصاغية منهم في مقبل الأيام فبكيت لحاله ! حقاً أنها مأساة جنجودي أبكاني دمعآ