قبل أن أعلق على تشكيلة الوزراء والولاة الجديدة يجدر التأكيد مرة أخرى.. أن النظام الدستوري المتبع في السودان هو نظام رئاسي.. والوزراء هم مجرد (سكرتارية) لرئيس الجمهورية الذي يمنحه الدستور حق اختيارهم وتغييرهم حسب ما يراه.. لكن (الحكومة) بالمعنى الحقيقي هي في مؤسسة الرئاسة ومساعدي ومستشاري الرئيس.. بعبارة أخرى.. الحكومة في القصر الجمهوري وليس مجلس الوزراء.. وأخيراً ليلة أمس؛ أُعلنت قائمة الوزراء والولاة الجُدد.. خرج من التشكيلة من خرج.. ودخل من دخل.. وترك حزب المؤتمر الوطني (30%) من المقاعد الوزارية للأحزاب التي شاركت في الانتخابات الأخيرة.. وبحسب ما قلته لكم من أن الوزراء ليسوا (حكومة) فهذه النسبة التي نالتها الأحزاب هي مجرد جاه ومناصب لشاغلي المنصب الوزاري.. لأن القرار السيادي لا يُصنع في مجلس الوزراء.. وإنما في القصر.. وبهذا الفهم فإن مولانا السيد محمد الحسن الميرغني الذي كُلف بمنصب (مساعد أول) رئيس الجمهورية، ومعه بقية مساعدي الرئيس؛ العميد عبد الرحمن الصادق المهدي، والدكتور جلال الدقير، والمهندس إبراهيم محمود حامد، والسيد موسى محمد أحمد، هؤلاء يفترض أن يكونوا هم (الحكومة الحقيقية).. إلا إذا افترضوا هم أنهم في مناصب تشريفية.. ليس مطلوباً منهم سوى (بركات) الدعاء بالقبول.. مفاجأتان في التشكيل كانتا حصرياً على الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين المفاجأة الأولى خروجه من وزارة الدفاع.. والمفاجأة الثانية تكليفه بمنصب والي ولاية الخرطوم. وهذا الوضع يعني عملياً أن الفريق أول عبد الرحيم سينال ولأول مرة في حياته بطاقة حزب المؤتمر الوطني.. إذ سيصبح رئيساً لحزب المؤتمر الوطني في ولاية الخرطوم.. ويتخلى تلقائياً عن ارتباطه بالقوات المسلحة.. الدكتور محمد طاهر ايلا والي البحر الأحمر خرج من عرينه.. ليلعب مباراة خارج أرضه وبدون جمهوره.. في ولاية الجزيرة.. وبقدر ما سيفرح مواطنو الجزيرة بالقدر السعيد الذي ألقى إليهم بالوالي "ايلا".. إلا أن "ايلا" سيكون أمام امتحان عسير للغاية.. اختبار ما أصعب منه إلا الامتحان الذي سيجد خليفة "إيلا" في البحر الأحمر السيد علي حامد نفسه فيه.. فالنجاح الذي حققه "إيلا" في البحر الأحمر الثبات على حباله أقرب للمشي على حبال (السيرك) بلا زانة. تغيير الوجوه لا يعني تغيير الحال.. فالمحك في المفاهيم أولاً.. والسياسات ثانياً.. والقدرة على استلهام الحكمة من الرأي الآخر ثالثاً. والذي يحتاجه السودان الآن وبأعجل ما تيسر إعادة هيكلة كاملة للدولة.. على أسس ومفاهيم حديثة تستوعب المتغيرات وتستثمر في ما نملك من نقاط القوة وتقوي ما نعانيه من نقاط الضعف. فهل من جديد؟؟ الزمن سيحكم!! التيار