تتمتع الحكومة بحصانة في مواجهة المساءلة الجنائية ، كما أن القوانين نفسها قد تكون مفصلة لإفلات الحكومة من العقاب. من هنا جاء تطور القانون الجنائي الدولي لمنع إفلات المجرمين من العقاب تحت مظلة تمتعهم بالحصانة. صحيح أن تاريخ القانون الجنائي الدولي غير مشرف حيث أنه ظهر عقب الحرب العالمية الثانية إلا انه بعد ذلك أخذ ينفصل عن الدوافع السياسية ليكون عدليا فقط. مع ذلك فالقانون الجنائي الدولي يتعامل مع جرائم محددة فقط كجرائم الحرب ، مهملا غيرها من جرائم كقتل المتظاهرين أو الاعتقالات غير المشروعة أو تعذيب السياسيين ...الخ. من هنا يجب علينا كقانونيين أن نعمل بمبدأ المحاصرة الجنائية ، أي إيجاد حلول لمنع إفلات الحكومات من الجرائم التي ترتكبها ، ومن تلك الحلول الدعوى الجنائية المباشرة ، أي التي لا تحتاج إلى تحريكها من خلال جهاز تابع للحكومة كالشرطة أو النيابة العامة في الأنظمة التي تعتبر فيها النيابة العامة تابعة للجهاز التنفيذي للدولة. ومع ذلك فإن هذا الحل مواجه بثلاث مشكلات ؛ مشكلة القوانين الناقصة ، ومشكلة استقلال القضاء ومشكلة آلية التحقيق ، فالقوانين يمكن أن تصاغ بحيث يفلت أعضاء الحكومة من العقاب ، كما هو الحال في ما يسمى بالتحلل في قضايا الفساد، والقضاء يمكن ألا يكون مستقلا بل خاضعا لسيطرة الحكومة ، وأخيرا فإن التحقيق في جرائم الحكومة يكون صعبا للأفراد ﻷن الحكومة تستطيع-بما لها من إمكانيات-أن تخفي أدلة جرائمها ، وهذه المشكلة تستلزم أن يكون هناك قاض للتحقيق ، كما هو الحال في بعض الدول، ولكن قاضي التحقيق نفسه يجب أن يكون محايدا وألا يكون خاضعا لسيطرة الحكومة. كما يجب أن تمنحه القوانين آليات تمكنه من إجراء التحقيق بفعالية، وبما أن القوانين تصدر من السلطة التشريعية فيجب ألا تكون هذه السلطة التشريعية بيد الحكومة أو خاضعة لها أو تكون صورية حتى تستطيع أن تستن القوانين الفاعلة لتحقيق العدالة الجنائية والتي تمكن من الرقابة والمحاسبة ﻷعمال السلطة التنفيذية ، وهذا يعني أن تكون هذه السلطة التشريعية منتخبة انتخابا نزيها من قبل الشعب ، ولذلك فإن محاسبة المسؤولين عن جرائمهم في الأنظمة الدكتاتورية تكاد تكون مستحيلة ، ﻷن القضاء والسلطة التشريعية خاضعان للسلطة التنفيذية خضوعا كاملا ، وبالتالي فإن إمكانية هذه المحاسبة الجنائية لا تنهض إلا في دولة ديموقراطية . على العدالة الجنائية أن تتطور ، ويجب أن ندعمها -كقانونيين- بقوة ، أي بقوة التنادي والتداعي لنصرتها وبقوة الفكر بالنسخ والإضافة والتطوير. د.أمل الكردفاني 14يونيو2015 [email protected]