البشير من الكوميسا إلى الكوديسا ؟! الجنائية الدولية والمعادلة " س ص " !؟! كنت فى الخارج حين أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قراراها القاضى بتوقيف رئيس جمهورية السودان بين عامى 2009 – 2010 م بعد إتهامه بإرتكابه جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم إبادة , كما قرنت المذكرتين بالنزاع فىدارفور . بعيد التوقيع على إتفاقية نيفاشا فى عام 2005 م التى أنهت حربا عمرها ناهز الخمسين عاما بين شمال السودان وجنوبه . كما ان البلاد كانت مقبلة على إنتخابات عامة تجس نبض النظام الدولى والقوى السياسية الحزبية فى ذات التوقيت تمت صياغة قانون إنتخابات لأول مرة فى البلاد وكلها مؤشرات لاتجعل القوى الدولية أن تطمئن للسياسات الإمبريالية القادمة . وقلت أن الغرض ليس الرئيس فى شخصه بل المقصود بذلك المعادلة " س ص " حيث س تمثل التموجات السياسية فى البلاد وتفاعلاتها بينما ص تمثل الإرادة السياسية السودانية التى تحدد من يصل إلى السلطة فى البلاد وليست أى جهة أخرى . وهى التى تكفل لأى مواطن سودانى أن يصل إلى سدة الرئاسة , وأوضحت أن القرار فى مضمونه وتوقيته يهدف إلى إدانة شعب بأكمله وإغراق الدولة برمتها فى محرقة لانهائية . أحد السودانيين العاملين بالخارج قال أنه كان يريد مبلغا كبيرا من أحد المخدمين العرب الذى اخذ يماطله فى الدفع وفى النهاية قال له أن رئيسكم مطلوب من العدالة الدولية وأنت تطالبنى بالدفع , وهذا يوضح الغرض من وراء مثل هذا النوع من الإستفزازات الدولية . مما يعيد إلى الذاكرة السياسية قصة الرئيس البنمى عمر توريخوس الذى قاد إنقلابا ضد التواجد الأمريكى فى البلاد والذى جاء شيئا فشيئا بعد أن قامت أمريكا بشراء حقوق ملكية تحت ستار حفر قناة بنما من الشركة الفرنسية عام 1964 م , وأخذت تخطط لإنفصال بنما عن كولمبيا دون رغبة الشعب الكولومبى .. وحينما شعر الرئيس عمر تحرك فى كل إتجاهات العالم لفضح تواجد القوات الأمريكية مطالبا بالدعم اللوجستى لقضيته مشكلا ضغطا على الأممالمتحدة حتى إستصدر قرارا يجبر القوات الأمريكية على الخروج من أراضى بنما . إلا أن الولاياتالمتحدة دبرت محاولة لإغتياله بعد لقائه بالرئيس الأمريكى كارتر وذلك بعد أن تحطمت طائرته الخاصة فى عام 1984 .. خلفه الجنرال مانويل نوريغا قائد الجيش وعميل الإستخبارات الأمريكية المخلص الذى كان رئيسا لإستخبارات الجيش والذى إنتهى به الحكم داخل السجون الأمريكية يحمل على صدره رقما إذا كان ذلك صحيحا . وقد إعترف عميل المخابرات الأمريكية السابق " جون بيركنز " فى كتابه " إعترافات سفاح إقتصادى " شارحا فيه الدور الذى تلعبه الولاياتالمتحدةالأمريكية فى المنطقة سياسيا وإقتصاديا وخاصة ما وقع فى بنما قائلا : " لقد عمدت الولاياتالمتحدةالأمريكية ومخابراتها إلى خلق أكبر إمبراطورية إقتصادية عالمية حقيقية فى التاريخ البشرى بأساليب الإبتزاز والسرقة لترليونات الدولارات من دول العالم الثالث " .. بعد ذلك إحتدم الصراع القانونى بين مستشارى السودان ودبلوماسييه فى الخارج وبين مدعى المحكمة الجنائية السابق أوكامبو . وفى تطور جديد للصراع السابق حثت فاتو بنسودا مدعية المحكمة الجنائية الدولية جوهانسبيرج بإلتزامها تجاه قانون الجنائية الدولية وتسليم الرئيس عمر البشير . حيث أقرت الحركة الشعبية لتحرير السودان تأييدها إعتقال الرئيس السودانى عمر حسن البشير المطلوب للعدالة الدولية . بعد حضوره لمؤتمر عقد بشرم الشيخ بجمهورية مصر العربية . وإذا ما تناولنا التطور السياسى والدستورىفى دولة جنوب أفريقيا نجد أن المستعمر البريطانى قسم التاريخ الدستورى إلى ثلاث مراحل تبدأ من عامى 1909 و1910 م حيث حصلت بموجب ذلك على الحكم الذاتى فى إطار الكومونولث البريطانى , بموجب قانون أسمته بريطانيا حينها بقانون جنوب أفريقيا وهو أشبه بقانون المناطق المقفولة الذى أصدره الإنجليز لعزل جنوب السودان عن شماله ليحدث مستقبلا ما نراه الآن يحدث فى الجنوب . فى بداية العام 1909 م قام المستعمر بدمج أربع مستعمرات بريطانية هى : أورانج فرى إستيت , الرأس وإقليم ناتال والترنسفال لتعزيز مصالحها الإمبريالية , وقد أسفر هذا التقسيم عن إبعاد السود من المشاركة السياسية مما زاد فى السخط العام والصراعات العرقية بين السود والبيض . حيث عانت جنوب أفريقيا من الميز العنصرى المسمى بالأبرتهايد لأكثر من خمسين عاما ووصفت بأنها الأسواء . على الرغم من التغييرات الجذرية التى أخذت تنتظم العالم وعلى الرغم حركات التحرر الثورية فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية كان هذا فى جانب وجنوب أفريقيا فى جانب آخر . وما بين عامى 1948 و1994 م كانت جنوب أفريقيا الدولة الوحيدة على الكرة الأرضية التى أقرت نظام سياسة التنمية المنفصلة , أى الفصل بين الأعراق . حيث تطورت الدساتير والقوانين حتى بعد مجئ نيلسون مانديلا إلى السلطة بعد 27عاما قضاها فى سجن المستعمر الذى قام بما أسموه حينها بالإستفتاء الدستورى " الكوديسا " حيث تمت إستطلاعات للرأى واسعة حول الدستور الجديد لدولة جنوب أفريقيا بما وفر لدولة جنوب أفريقيا بعض من الإستقرار السياسى , إضافة إلى ذلك علاقة جنوب أفريقيا بإسرائيل مما فرض عليها عزلة أخرى .وغذا ما قورن التطور السياسى والدستورى فى السودان وكيف أن الأنظمة المتعاقبة فى السودان تحفر بأظافرها لتوفير العيش الكريم للبلاد لعرفنا السبب . ودولة كدولة جنوب أفريقيا لها مثل هذا التاريخ المتأزم لابد ان ترضخ للسياسات والضغوط الإمبريالية ,ومن ضمنها تنفيذ قرار توقيف الرئيس البشير . ومن هذا تتضح اللعبة الدولية فى تأزيم الموقف السياسى فى السودان بعد أن فشلت فى إحتوائه سياسيا ودوليا , وعلى الرغم من تواجد قوات تابعة لها " اليوناميد " فى أرض السودان يعنى كانت تمتلك الوسيلتين السياسية والعسكرية اللتان تمكناها من حل الأزمات فى إطارها الإقليمى والدولى إلا أنه من الواضح أن تواجدها السياسى ساهم كثيرا فى تأجيج الصراعات وكذلك وجوده العسكرى فاقم بإيعازات داخلية فى أن الأمور تمضى فى غير صالح السودان وحكومته . وعليه أن المرحلة القادمة تتطلب الروية والهدؤ فى تناول أبعاد القضية مستصحبين معنا ما يلى : " 1 " لاينبغى أن تطرح أجندة قد تؤدى إلى تأزيم الموقف مما قد تؤدى إلى ما يحمد عقباه . " 2 " أن عدو السودان منذ الإستقلال واحد وله أذياله فى الداخل والخارج وإن تبدلت ألأنظمة ولو حتى جاء عملاء الداخل أن الأوضاع لاتمضى إلا فى وجهة العدو . " 3 " على الشعب السودانى أن يتوخى الحذر وألا ينزلق إلى المصير الذى حاق بشعوب شبيهة به . " 4 " كذلك هناك واقع سياسى جديد أفرزته الإنتخابات العامة فى أبريل الماضى 2015 م جعل من العمل السياسى يحتدم ويتصاعد . " 5 " كما أن توقيف الرئيس قد يدخل البلاد فى دوامة من الفوضى غير المحسوبة . وفيما يبدو وكما جاء فى الأنباء أن القادة الأفارقة قد وعووا الدرس وكذلك قناعاتهم التامة بالدبلوماسية السودانية وقوة الحجة القانونية للسودان حيث أقر رأيهم فى الإنسحاب من المحكمة الجنائية الدولية وإنشاء محكمة أفريقية , والتى من البديهى سوف تتناول جرائم المستعمر الذى تركت جروحا لاتندمل فى بنيات الدول التى إستعمرتها السياسية والإقتصادية والنفسية .. ولنا لقاء حولما تسفرعنه مقبلات تفاعل القضية [email protected]